يبدو حميداً (3/3) - منتديات المطاريد
بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) "الزخرف"

منتديات المطاريد | الهجرة الى كندا | الهجرة الى استراليا

 


DeenOnDemand


BBC NEWS

    آخر 10 مشاركات

    Arabic Discussion Forum with a Special Interest in Travel and Immigration

    Immigration to Canada, Australia, and New Zealand

    Egypt and Middle East Politics, History and Economy

    Jobs in Saudi Arabia, USA, Canada, Australia, and New Zealand

    العودة   منتديات المطاريد > إعلام وثقافة وفنون > صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح

    صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح وسائل إعلام مسموع ومقروء ومرئى

    صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح

    يبدو حميداً (3/3)


    الهجرة إلى كندا والولايات المتحدة واستراليا

    مواقع هامة وإعلانات نصية

    إضافة رد
     
    أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
    قديم 17th November 2020, 06:02 AM المستشار الصحفى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 1
    Field Marshal
     





    المستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud ofالمستشار الصحفى has much to be proud of

    new يبدو حميداً (3/3)

    أنا : المستشار الصحفى




    بالتأكيد، الذين مروا في التاسعة مساء في ذلك الشارع الجانبي من شوارع المهندسين، لم يفهموا أبدًا معنى أن يروا رجلًا كالشحط يقف في الشارع بالترينج والشبشب، وهو يبكي بكاء من ذلك الذي يستحق عليه الإنسان جملة: «عيب تعمل في نفسك كده».

    لست من الذين يخجلون من البكاء علنًا، دائمًا كنت أجد بكاء الرجال أمرًا يدعو للفخر، فضلًا عن كونه وسيلة علاجية مضمونة لنزح الأحزان أولًا بأول خارج الروح، لكنها كانت المرة الأولى التي أجرب فيها تعب البكاء المستعجل، والبكاء يحب التمهل، وأفضل البكاء عندي ما يكون بصحبة أمك أو زوجتك أو أعز أصدقائك في جلسات تستمر بالساعات تتخللها ضحكات متقطعة تعطي البكاء نكهة خاصة وتُحرض على المزيد منه، لذلك كله كانت المرة الأولى التي يتعبني فيها البكاء؛ فقط لأنني لا بد أن أبكي على عجل وأصعد لمواجهة أمي بما حدث قبل أن تعرف من الدكتور فتغضب لأنني خدعتها.

    عندما استهديت بالله، وأخذت أحكي لها بالتفصيل ما نصحني الطبيب بأن أقوله عن مدى خبث الورم وشراسته، وأنه كان يمكن أن يؤدي إلى بتر القدم، لولا أن الله سلَّم، وقتها كان يصاحبني على شريط الصوت (بلغة السينما) صوت مريض يتأوّه بقوة مقبضة، في ظروف أخرى كان يمكن لصوت آهاته التي تدوي في جنبات الدور أن يضايقني بشدة، لكنني شعرت (وليسامحني الله) أن صوت تأوّهه جاء نجدة من السماء، لكي أربط كل ما قلته لأمي من حقائق صادمة بضرورة أن تحمد الله لأنها على الأقل لا تشعر بمثل ما يشعر به هذا الرجل من آلام مبرحة، وقبل أن أسترسل في سرد كل الحكايات التي لا زلت أحفظها من قراءتي لكتاب «الفرج بعد الشدة» للإمام التنوخي، قاطعتني أمي وقالت لي: «يابني أنت بتقول إيه.. الحمد لله طبعًا.. أنت ناسي اللي شفناه زمان في معهد الأورام».

    وقبل أن تسألني: «يا نهار أسود.. وهو أنتو رحتوا معهد الأورام ليه بس؟»، دعني أقل لك هذه الديباجة الحتمية: كل المستشفيات كئيبة، وإن حسنت خدمتها وغليت أسعارها ونضفت أروقتها. لكن مستشفيات الفقراء في بلادنا ليست كئيبة، بل حقيرة. والكآبة يمكن احتمالها، أما الحقارة فلا يجوز احتمالها. والمستشفى الحقيرة عندي هي التي لا تسمح أحوالها لمرضاها بالضحك والابتسام، وهم يأخذون نفسًا عميقًا ويقولون من قلوبهم: «الحمد لله.. قضا أخف من قضا». هذا ما أشعر بضرورة كتابته الآن وأنا أتذكر ذلك اليوم الذي جلست فيه قبل عشر سنين أو يزيد، إلى جوار أمي في معهد الأورام الذي يظن البعض أنه انهار هذه الأيام، ولو سألوني لقلت لهم إنه كان منهارًا يوم أن دخلته، وأظنه انهار قبل إنشائه، ولاعترفت لهم أنني عندما سمعت خبر إغلاقه بسبب تصدعه، لم أُخفِ سعادتي بالخبر، حتى لو كانت سعادتي في نظر بعض أصدقائي غير مفهومة وغير مبررة وغير إنسانية.

    بعدها بأشهر دخلت أمي ثانية إلى معهد الأورام لاستكمال العملية، وكان أكثر ما يحزنني أنني حمدت الله في سري أن الظروف لم تسمح بأن أكون معها

    «أحسن.. يا رب ينسفوه ويبنوا مستشفى بضمير». قلتها وأقولها بصوت عالٍ لأحاول أن أطرد من ذاكرتي صور تلك الأروقة السيراميكية الكئيبة التي لا صوت يعلو فيها فوق أصوات تأوّهات المرضى سوى زعيق الممرضات. حيث الكل يبدو متحالفًا بإخلاص من أجل تجسيد أبشع المعاني الممكنة لكلمة الأورام في كل شبر من أروقة المستشفى: تجهم وعصبية وانعدام مهنية وروائح مقبضة وحمامات غير صحية وجفاء وغلظة وتدين منقوص، حيث تشعر أن هناك شعارًا غير منطوق يسود في المكان «احمدوا ربنا أنكو لقيتم سرير أصلًا»، لكنه سيصبح منطوقًا بعلوّ الصوت لو قررت أن تشتكي.

    جلست إلى جوار أمي التي ترقد متألمة لأن ممرضة «غاشمة» حملتها بعنف بعد خروجها من غرفة العمليات ورزعتها على السرير ليرتطم موضع إجراء العملية بالسرير فينزف جرحها الذي كان من المفترض أن يكون هينًا وبسيطًا وتسوء حالته لأشهر، كلما تألمتْ أُقبل يديها وأعتذر لأن اليد قصيرة «غصب عني»، وهي تنتزع ابتسامة بالعافية وتحمد الله وهي تميل عليّ قائلة بصوت تحرص على ألا يصل إلى مجاوريها: «كرمه كبير.. مش كفاية إنه ماطلِعش اللي في بالنا»، ثم تحلفني أن أتصل بالفنان الكبير صلاح السعدني لكي تشكره على أنه كان عونًا لنا في إيجاد سبيل إلى دخول المستشفى، كنت أعاني أيامها من البطالة والحرمان العاطفي وانسداد في شرايين الأحلام، وكان عمّ صلاح ملاذي الألذ والأحن في هذه المدينة، أقول لها إنني سأجعله يقدم شكوى رسمية لوزير الصحة في كل مَن يعمل في هذا المستشفى الكئيب من ممرضين وإداريين وعمال، فتقول لي غاضبة: «والله لو عملتها مش هاكلمك تاني.. هم ذنبهم إيه؟! دي تلاقيها ست غلبانة وبتقبض ملاليم.. أنا نصيبي كده يا ابني»، وبينما أحاول كبح جماح رغبتي في لعن كل أحرف كلمة النصيب التي لا تكف عن ترديدها دائمًا وأبدًا، تبدأ هي في سرد حكايات عن زملائها في العنبر لكي تقنعني أننا «أحسن من غيرنا.. على الأقل إحنا مستورين والحمد لله.. أنت عارف اللي هناك ده جاي من بلدهم ومعاه كام؟! إحنا لازم نحمد ربنا إننا لاقينا أصلًا مكان.. دي فلانة بتقول إن في ناس في بلدهم حالتها أوحش بكتير وماعندهمش أصلًا اللي يخليهم ينزلوا هنا.. والنبي يابني كلم لي الراجل عشان يشكر لنا الدكاترة.. ربنا يقدرهم على خدمة الناس.. الناس ماقصرتش والله».

    أقول لها إنني سأحاول أن «ألقط شَبَكة» في البلكونة، وأهرب لكيلا أنفجر في سخط لو تحملته هي فلن يتحمله شركاء العنبر الذين يصعب حالهم على المنافق قبل الكافر، أطل من البلكونة القبيحة على المبنى الذي فاض قبحه على كل ما حوله حتى صار الكون كله قبيحًا بما فيه القاهرة، مع أنها تبدو من بلكونة بيتي الذي لا يبعد كثيرًا مختلفة ومحتملة وأحيانًا ساحرة.

    بعدها بأشهر دخلت أمي ثانية إلى معهد الأورام لاستكمال العملية، وكان أكثر ما يحزنني أنني حمدت الله في سري أن الظروف لم تسمح بأن أكون معها، لم أفكر حتى في أن أسأل أختي الطبيبة التي لازمتها عن رأيها في المستشفى، كلما جاءت سيرة العملية وما رافقها من مضاعفات أقطم في الكلام وأقول بنبرات غتيتة: «مش عَدّت على خير الحمد لله.. غيروا لنا السيرة بقى». ولعل ذلك ما تقوله لنفسك الآن.

    حاضر يا سيدي أنا آسف. سأعمل لي قفلة، بعد أن أقول لك إنك عندما يكتب الله لك فرصة السفر إلى بلاد آدمية تحترم الإنسان، ستكتشف أن المستشفيات التي يسمونها لدينا فاخرة تعتبر عادية جدًّا في تلك البلاد، وأن ما يطلق عليه هناك مستشفيات فاخرة حقًّا وصدقًا لا وجود له أصلًا في بلادنا. مثلًا مستشفى أورام الأطفال الذي لا زلنا نسميه بالجديد والذي نعتبره مفخرة قومية وهو كذلك بحق، هو القاعدة وليس الاستثناء في أي بلاد تحترم مواطنيها، لكننا لسنا كذلك؛ ولذلك نحن سعيدون جدًّا به وأنا أولكم، مع أنه في رأيي بكل حسناته يجسد أكبر إدانة لحال الصحة في أزهى عصور المرض، ولو كنا مثلما تكاتفنا من أجل جمع التبرعات لبناء هذا الصرح الطبي، تكاتفنا من أجل تحقيق التغيير وإزالة الفاسدين والظلمة والمستبدين من على كراسيّهم، وتوقفنا عن السلبية والجهل والطرمخة والطائفية، لكانت كل مستشفيات مصر آدمية يضحك فيها المرضى الفقراء والأغنياء إن أرادوا لكي يتغلبوا على الألم.

    وحتى يحدث ذلك ليس بوسعنا إلا أن نضحك.

    ....

    ـ فصل من كتابي (ست الحاجّة مصر) نشر لأول مرة عام 2010، تصدر طبعة جديدة من الكتاب قريباً بإذن الله ـ



    مزيد من التفاصيل

     

    الموضوع الأصلي : يبدو حميداً (3/3)     -||-     المصدر : منتديات المطاريد     -||-     الكاتب : المستشار الصحفى

     

     


     
    رد مع اقتباس


    Latest Threads By This Member
    Thread Forum Last Poster Replies Views Last Post
    "مقاومة الاستعمار والأبارتهايد": على امتداد المدن... صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح المستشار الصحفى 0 1 28th March 2024 06:12 PM
    محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بضمان وصول... صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح المستشار الصحفى 0 1 28th March 2024 06:12 PM
    مراسل "العربي الجديد": جيش الاحتلال يطلق عدداً من... صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح المستشار الصحفى 0 1 28th March 2024 06:12 PM
    كسوف كلي نادر للشمس في 8 إبريل يفتح شهية العلماء صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح المستشار الصحفى 0 1 28th March 2024 06:12 PM
    بعد إصابتهم في التوقف الدولي.. الأندية الأوروبية... صحافة ... إعلام ... سينما ومسرح المستشار الصحفى 0 1 28th March 2024 06:12 PM

    إضافة رد

    مواقع النشر (المفضلة)


    أدوات الموضوع
    انواع عرض الموضوع

    الانتقال السريع

    Currency Calculator
    Your Information
    RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


    Powered by vBulletin® Version 3.8.8
    .Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
    (جميع الأراء والمواضيع المنشورة تعبِّر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة عن رأي إدارة منتديات المطاريد)
    SSL Certificate   DMCA.com Protection Status   Copyright  


    تنبيه هام

     يمنع منعاً باتاً نشر أى موضوعات أو مشاركات على صفحات منتديات المطاريد تحتوى على إنتهاك لحقوق الملكية الفكرية للآخرين أو نشر برامج محمية بحكم القانون ونرجو من الجميع التواصل مع إدارة المنتدى للتبليغ عن تلك الموضوعات والمشاركات إن وجدت من خلال البريد الالكترونى التالى [email protected] وسوف يتم حذف الموضوعات والمشاركات المخالفة تباعاً.

      كذلك تحذر إدارة المنتدى من أى تعاقدات مالية أو تجارية تتم بين الأعضاء وتخلى مسؤوليتها بالكامل من أى عواقب قد تنجم عنها وتنبه إلى عدم جواز نشر أى مواد تتضمن إعلانات تجارية أو الترويج لمواقع عربية أو أجنبية بدون الحصول على إذن مسبق من إدارة المنتدى كما ورد بقواعد المشاركة.

     إن مشرفي وإداريي منتديات المطاريد بالرغم من محاولتهم المستمرة منع جميع المخالفات إلا أنه ليس بوسعهم إستعراض جميع المشاركات المدرجة ولا يتحمل المنتدى أي مسؤولية قانونية عن محتوى تلك المشاركات وإن وجدت اى مخالفات يُرجى التواصل مع ادارة الموقع لإتخاذ اللازم إما بالتبليغ عن مشاركة مخالفة أو بالتراسل مع الإدارة عن طريق البريد الالكترونى التالى [email protected]