تعقد اللجان النيابية المشتركة جلسة، اليوم الأربعاء، لمتابعة درس اقتراحات القوانين المتعلقة بالانتخابات النيابية اللبنانية، في طليعتها المشروع المُقدَّم من "كتلة التنمية والتحرير" برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، والذي يرمي إلى جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة مع اعتماد النسبية خارج القيد الطائفي، والذي يقابله معارضة جمعت الخصمَيْن المسيحيَيْن "التيار الوطني الحر" (يترأسه النائب جبران باسيل)، و"حزب القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع).
وأكد "تكتل لبنان القوي" (يمثل التيار برلمانياً)، في بيان أمس الثلاثاء، أنه "لن يفرّط بنضال السنوات الطويلة التي أوصلتنا إلى قانون يصحح التمثيل النيابي، وأي بحث في هذا الأمر لن يكون مقبولاً من جهتنا إلّا من ضمن حلّ متكامل لتطوير النظام وتعديل الدستور، بإقامة الدولة المدنية بكل مندرجاتها، وباعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسَّعة".
وتخشى مصادر "التيار" من توقيت طرح القانون في ظلّ الأزمات الكثيرة التي يعاني منها لبنان والتأخر في تشكيل الحكومة، وعلى بعد سنتين من موعد الاستحقاق النيابي.
وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إنّ طرح القانون في إطار الدائرة الانتخابية الواحدة من شأنه أن يؤجج الصراع السياسي والطائفي تحديداً، ولن يؤدي إلى تفاهمات وطنية، وقد يحمل في طيّاته نوايا بتغيير أكثريات معيّنة في إطار الكتل النيابية، مشيراً إلى أنّ "فريقنا السياسي لم يغلق بوابة النقاش، ولهذه الأسباب هو يشارك في الجلسة، لكنه يصرّ على ضرورة التحاور لتطوير القوانين واختيار الأمثل للبنان ولمفهوم الدولة المدنية الحقيقي".
من جهته، يضع رئيس "القوات" سمير جعجع قانون الانتخاب في خانة "المؤامرة" في ظل ما يحصل في البلاد من أزمات، والظروف السائدة، وعدم تشكيل الحكومة. واستطرد: "ما هو أسوأ من كل الذي سبق في مسألة قانون الانتخاب هو أننا أقررنا هذا القانون النافذ تماماً في حزيران/يونيو 2017. فهل هناك من يطرح تغيير قانون الانتخاب للإتيان بقانون جديد بعد أن صوّت مجلس النواب على قانون جديد في التاريخ المذكور؟ وهل هناك من يطرح تغيير قانون الانتخاب بعد أن تبيّن أن هناك انقساماً عمودياً كبيراً جداً في البلاد حول تغييره وفي هذه الظروف المأساوية التي نعيشها، وأكثر من ذلك هو أنه حتى الكتل التي تؤيد إعادة البحث بقانون الانتخابات ليست متفقة في ما بينها على القانون الذي يجب اعتماده، فكل واحدة من هذه الكتل تريد قانوناً على قياسها".
ويتمسّك فريق الرئيس بري بمشروع القانون الذي يعتبره الأمثل للوصول إلى دولة العدالة والدولة المدنية، البعيدة من العصبيات الطائفية والمناطقية، وحتى الحزبية، ويقوم بحملة شرسة على القانون الانتخابي الحالي، معتبراً إياه الأسوأ في تاريخ ومستقبل لبنان.
وكسر لبنان في انتخابات عام 2018 النظام الأكثري الذي كان سائداً، وما يعرف بـ"قانون الستين"، معتمداً قانون وُصِفَ بأنه "نسبي مقنّع"، عندما أدخل إليه "الصوت التفضيلي"، ولم يحدث القانون الجديد أي فارق في المشهد العام، بل أعاد الكتل النيابية نفسها بأحجام مختلفة فقط، نظراً لعناصر المال الانتخابي بشكل أساس، وتعرض لانتقادات كثيرة نظراً لسلبياته، فقد كرّس أبشع مشهد تحالفات ضمت أحزابا مختلفة، لكن متفقة فقط على تقاسم الحصص والمقاعد البرلمانية.
يتمسّك فريق الرئيس بري بمشروع القانون الذي يعتبره الأمثل للوصول إلى دولة العدالة والدولة المدنية، البعيدة من العصبيات الطائفية والمناطقية، وحتى الحزبية، ويقوم بحملة شرسة على القانون الانتخابي الحالي، معتبراً إياه الأسوأ في تاريخ ومستقبل لبنان
وفي وقت تضع أوساط سياسية إصرار "الثنائي الشيعي" أي حركة أمل وحزب الله، على اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة لتثبيت نفوذه في البلاد وتعويض الخسائر التي منيَ بها والمعارك التي يخوضها الحزب إقليمياً وداخلياً، مع ارتفاع الدعوات إلى نزع سلاحه غير الشرعي، والضغط الأميركي عليه وعلى لبنان بشتى الوسائل، بدءاً من العقوبات لمحاصرته وتضييق الخناق عليه، ووقف الدعم عن البلاد بذريعة أن القرار السياسي بيد الحزب، يقول الخبير الانتخابي أنطوان مخيبر، لـ"العربي الجديد"، إنّ القانون المطروح اليوم ليس سيئاً بحد ذاته، في حال كانت الأحزاب عابرة للطوائف والمناطق، لكن طالما أن لبنان مقسّم طائفياً، والأحزاب أكثرها طائفية لا وطنية، فمن شأنه أن يولّد أزمة، ويلحق ضرراً ببعض الطوائف، وهي التي لا تتقبّله، ويبدو أن المصائب جمعت "التيار الوطني الحر" و"القوات" على رفض المشروع، وبالتالي، فإنّه لن يؤدي إلى انصهار اللبنانيين ضمن مشروع واحد وإلغاء الفكر الطائفي والمذهبي.
ويرى مخيبر أن "أطرافاً أخرى غير مسيحية قد لا تتقبّل المشروع المطروح، لأنه يفرض الدخول في الـ"محادل" الكبيرة، التي هي اليوم "حزب الله" و"حركة أمل" المسيطرة أكثر على شارعها، وتملك حالة منظمة وماكينات انتخابية، وإمكانات أخرى تخدمها في الانتخابات، بينما الأحزاب الأخرى بغالبيتها مفكّكة وقلقة من حيث النتائج، علماً أنّ الوضع اللبناني اليوم مقسّم، والقانون يطرح في ظل وجود شرخٍ كبير على مستوى الشارع اللبناني، إذ لم يعد هناك ما يعرف بـفريق 8 آذار وفريق 14 آذار، بل أصبحا أقرب الى فريق واحد بوجه طبقة ثانية من اللبنانيين رافضة كلياً للمنظومة الحاكمة ولعودتها إلى السلطة، ما يعني أننا أمام انقسام عمودي. وحتى على مستوى "انتفاضة 17 أكتوبر"، إن الآراء والمقاربات مختلفة بين المجموعات المدنية بشأن القانون والمشروع الأفضل للبنان، وليس هناك من اتفاق على قانون واحد".
وأضاف الخبير الانتخابي: "إننا اليوم بحاجة إلى مرحلة انتقالية، والقانون الأفضل الذي قد يحتاجه لبنان الدائرة الصغرى، بما يعني "One Man One Vote" أي لكل ناخب صوت واحد، يترافق مع ضبط موضوع الإنفاق الانتخابي، المتفلّت في لبنان".
في المقابل، يجد مخيبر، أن "التوقيت ليس مناسباً بكل الأحوال للبحث في قانون انتخاب في ظلّ وجود ملفات يجب أن تترأس الأولويات وخطورة الوضع في لبنان على المستويات كافة، ما يفتح الاحتمالات أمام وجود نوايا وأهداف أخرى لطرح المسألة اليوم".
في سياق متصل، تتابع اللجان اليوم اقتراح قانون مقدم من النواب نجيب ميقاتي ونقولا نحاس وعلي درويش، يرمي إلى جعل لبنان خمس دوائر وفقاً للمحافظات الكبرى مع النسبية، واقتراح قانون انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ المقدّم من نائبي "كتلة التنمية والتحرير" أنور الخليل وإبراهيم عازار.
وبالتزامن مع انعقاد جلسة اللجان النيابية المشتركة، نفذ أهالي وعوائل "شهداء تفجير مرفأ بيروت"، اعتصاماً في محيط مجلس النواب، طالبوا فيه النواب بتوقيع مرسوم مساواة شهداء الانفجار بشهداء الجيش اللبناني، مؤكدين أن الغاية منه ليست مادية، "فلا شيء يعوّض الدماء والفقدان، لكنه مطلوب وضروري لتأمين الاستقرار الاجتماعي في ظل غياب المعيل الذي استشهد وكان يكافح لتأمين لقمة العيش والصمود بوجه وضع اقتصادي كارثي سبّبته السلطة الحاكمة".

مزيد من التفاصيل