أطلقت وزارة الصحة المصرية في وقت سابق من هذا الشهرمبادرة تهدف إلى تنقل الأطباء ومقدمي الرعاية لمتابعة حالة مرضى كوفيد-19 في العزلالمنزلي، ما عرضها لانتقادات شديدة. حيث من المرجح أن تعرض المبادرة حياة آلاف الأطباءوغيرهم من العاملين في قطاع الرعاية الصحية للخطر. وفق تقرير لصحيفة "ميدلإيست آي" البريطانية.
ويقول التقرير الذي ترجمته "عربي21" إن هذه المبادرةمن بنات أفكار عبد الفتاح السيسي.
منطقة الخطر
يؤكد التقرير أن المخاوف في صفوف الأطباء والعاملين في قطاعالرعاية الصحية في البلاد تتصاعد نظرا لأن هذه المبادرة تعرضهم للخطر من خلال إجبارهمعلى دخول منازل مرضى كوفيد-19.
حسب خبير الأمراض الصدرية هشام أبو النصر: "سيجعل هذاالإجراء الأطباء والعاملين في مجال الخدمات الصحية عرضة للإصابة بالعدوى، خاصةً إذالم يتخذ المرضى وعائلاتهم التدابير الوقائية الكافية لحماية من يدخل منازلهم".
يغذي هذه المخاوف عدد الوفيات المتزايد في صفوف الأطباء والعاملينفي قطاع الرعاية الصحية في مصر، وخاصة أولئك الذين يعملون في الخطوط الأمامية في مكافحةكوفيد-19. إلى اليوم، توفي 328 طبيبًا جراء الفيروس. وهذا الشهر، توفي طبيب أطفال فينهاية الأسبوع الماضي، واختصاصي في أمراض بطانة الأوعية الدموية في 20 كانون الثاني/يناير، و10 أطباء آخرون في 11 و12 كانون الثاني/ يناير.
وفقًا لنقابة الأطباء المصرية، وهي نقابة أطباء مستقلة، توفيالعشرات من الأطباء الآخرين في الأشهر الماضية قبل أن يعرفوا أنهم مصابون بكوفيد-19.وقد كشفت التقارير أن العديد من الأطباء والعاملين في القطاع ليسوا مجهزين كما ينبغيبمعدات الحماية الشخصية. ولكن لا تبلغ نقابة الأطباء عن الوفيات في صفوف الممرضات أوغيرهم من العاملين في المستشفيات.
أدى العدد المتزايد للوفيات بين الأطباء والعاملين في القطاعإلى تفشي حالة من الإحباط. وزادت المبادرة الجديدة الطين بلة بتأجيج الغضب في أجنحةالمستشفيات. وتؤكد نقابة الأطباء أن مصر البلد الوحيد الذي يجبر فيه الأطباء لزيارةمرضى كوفيد-19 في العزل المنزلي. لهذا السبب، وُصفت "الحملة بالخطيرة" علىحد تعبير أمين عام نقابة الأطباء أسامة عبد الحي.
تأتي هذه الحملة في وقت تستقبل فيه مستشفيات مصر عددًا هائلًامن المصابين بفيروس كوفيد-19. وتقدم المئات من المستشفيات العمومية علاجًا مجانيًالمرضى كوفيد-19، ولكن استنزفت المستشفيات طاقتها القصوى، ولم يعد بإمكانها قبول سوىمن لديهم "واسطة".
نتيجة لذلك، يُمنح المرضى الجدد قائمة بالأدوية التي يتعينعليهم شراؤها ويُطلب منهم القيام بالحجر المنزلي نظرا لعدم وجود أسرة شاغرة في وحداتالعناية المركزة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أظهرت لقطات فيديو تم تداولها على الإنترنتأن مرضى كوفيد-19 الذين يكونون في حالة حرجة يرفض المستشفى استقبالهم بسبب نقص الأكسجين.
أوضحت وزارة الصحة والسكان أنها أدخلت آلية العزل والعلاجالمنزلي لتقليل الضغط على المستشفيات. وتقول نجوى الشافعي من نقابة الأطباء إن"معظم المرضى يبقون في منازلهم لعدم وجود مكان في المستشفيات. يشكّل هذا الوضعخطرًا في صورة تدهورت حالة المرضى ولم يتمكنوا من دخول المستشفى".
نتيجة لذلك، يمكن أن ترتفع الإصابات والوفيات جراء الفيروسبشكل ملحوظ في الواقع، حتى في حال عدم الإبلاغ عنها في السجلات الرسمية. ومؤخرًا، أقرّتزايد بأن الذين يتلقون العلاج في المستشفيات لا يزيدون عن 15 في المئة من إجمالي عددالمصابين بكوفيد-19.
في مصر، البلد الذي يتجاوز تعداد سكانه 100 مليون نسمة، أصيبأكثر من 160.400 شخص حتى الآن بكوفيد-19 وتوفي أكثر من 8850 شخص، حسب بيانات الحكومة.مع ذلك، يقول مسؤولو الصحة إنه بسبب العدد المنخفض نسبيًا لاختبارات كوفيد-19 واستبعادنتائج الاختبارات الخاصة، من المرجح أن تكون الأعداد الفعلية أعلى بكثير. ويستمر المعدلاليومي للعدوى في الانخفاض في السجلات الرسمية، إلى أقل من 800 هذا الأسبوع بعد أنكان يتجاوز 1400 حالة إصابة في بداية السنة، بينما ظل معدل الوفيات اليومية مستقرًا.
غضب عام
تسبب عجز المستشفيات عن قبول المزيد من المرضى في إثارة غضبالمصريين الذي يشعرون بالخيبة من النظام الصحي الذي لا مكان فيه لمن يعانون من أمراضخطيرة أو يصارعون الموت.
في 12 كانون الأول/ ديسمبر، استلمت مصر شحنة من لقاح سينوفارمالصيني من دولة الإمارات العربية المتحدة. وحسب وزيرة الصحة المصرية، فإن هذه الشحنة،وغيرها من الدفعات الأخرى التي ستصل في وقت لاحق، ستكون مخصصة لتحصين العاملين في قطاعالصحة في الصفوف الأمامية، ثم المصريين من المسنين والمصابين بأمراض مزمنة. ولكن مرّشهر ونصف دون أن تبدأ عملية التطعيم المزعومة وهو ما أثار عدة تكهنات حول أسباب التأخير.
في منشور له على "فيسبوك"، قال زياد بهاء الدين،الاقتصادي البارز ووزير الاستثمار السابق: "هناك شيء غير مفهوم بشأن التطعيمات.إذا كانت التطعيمات متوفرة - كما تدعي وزارة الصحة - فلماذا لم تبدأ بتطعيم الفئاتذات الأولوية وأقصد الأطباء والممرضين ومن هم فوق 70 و80 سنة؟".
يوم السبت، صرّح السيسي بأن مصر ستبدأ يوم الأحد حملة تطعيمجماعية ضد كوفيد-19 وستكون الأولوية للطاقم الطبي. وبالإضافة إلى اللقاح الصيني، تقولالسلطات الصحية إنها ستشتري مجموعة متنوعة من اللقاحات بما في ذلك لقاحات شركتي الأدويةالأمريكيتين فايزر ومودرنا.
نقص الأطباء
إن فشل السلطات المصرية في تحصين العاملين في الصفوف الأماميةفي مكافحة الوباء يعتبر من الأسباب التي تزيد من عدد الوفيات بين صفوفهم. وفي حديثهعن المخاوف المتعلقة بحملة الزيارات المنزلية الجديدة، قال حمدي أبو الخير، عضو لجنةالصحة في مجلس النواب، إنه "لا يوجد عدد كاف من الأطباء لعلاج المرضى في المستشفيات،فمن أين ستأتي الوزيرة بأطباء لمعالجة المرضى في المنزل؟".
زادت هذه المبادرة من الاتهامات الموجهة للسلطات المصريةبشأن عدم بذل ما يكفي من جهود لحماية الأطباء. وحتى وقت قريب، لم يكن يُسمح للأطباءبالخضوع لاختبارات "بي سي آر" الخاصة بكوفيد-19 للتحقق مما إذا كانت العدوىقد انتقلت إليهم من مرضاهم دون أن تظهر عليهم الأعراض بعد.
إلى جانب الافتقار إلى وسائل الحماية والرعاية، تعد الظروفالمالية سببًا إضافيًا لزيادة الإحباط بين الأطباء المصريين، وخاصة أطباء الصفوف الأماميةفي الاستجابة الوطنية لكوفيد-19. وقد دفع هذا الوضع آلاف الأطباء لمغادرة البلاد، حسبمجموعة بحثية محلية صرحت في وقت سابق من هذا الشهر بأن أكثر من 7000 طبيب غادروا مصربشكل نهائي منذ الموجة الأولى من كوفيد-19 في مطلع السنة الماضية.
يرى الأطباء أن هذا الوضع يجب أن يشجع السلطات الصحية علىحماية الأطباء وليس تعريض حياتهم لخطر أكبر. وحسب الشافعي: "قد لا تتمكن المستشفياتمن تقديم خدمات للمرضى إذا استمر الأطباء في الاحتضار. هذا الأمر يهدد النظام الصحيبرمته".
مزيد من التفاصيل