"منذ ولجت مراهقتي.. أخذ يتكرر على مسامعي: من سيرغب بها؟ من يقبلالزواج من حبة تمر مكتنزة؟ وكأنني لست أنثى!! تجنبت الناس، وانكفأت على نفسي خجلامن شكلي.
أقف أمام المرآة مطولا أتأمل جسدي وأجلد نفسيبسيط البغض والاحتقار.. وأدرس سيناريوهات مختلفة لأغير من شكل هذا الجسد!! حرمتنفسي من الطعام، وأجهدتها بتمارين قاسية، وتابعت صفحات الرشاقة والجمال، قارنتجسدي المقيت بصورها وتحسرت كثيرا على بشرتي السمراء وجسدي السمين وشعري الخشنالأجعد، دون أن أنسى أن لا أحد سيقبل الزواج مني!
في عشرينياتي، أُصبت بفرط نشاط الغدة الدرقية،بدأ بتضخم في أسفل رقبتي ونوبات ذعر وخفقان في القلب وتعرُّق شديد وضيق فيالتنفس.. ثم فقدان وزن سريع.. وجحوظ في العينين وتعب مستمر.
تدهورت صحتي بشكل كبير.. وقرر الأطباء استئصالغدتي الدرقية التي قلبت حياتي رأسا على عقب.
تمنيت كثيرا أن أعود لما كنت عليه سابقا..وتأكدت من أن الصحة أجمل ما كنت أمتلكه، ولكن.. ليتني كنت أعقل!!"
كثيرٌ منا يركز اهتمامه على وزنه وشكلهوملابسه ومظهره.. يفرض على نفسه قيودا فوق طاقته لعله يرى نظرات الإعجاب تتساقط منحوله.. ويزداد الوضع سوءا إذا كان مقبلا على مناسبة سيظهر فيها بين الناس!
عندما تنظر/ين في المرآة.. ماذا ترى/ينتحديدا؟ هل يقفز أمام عينيك الوزن الزائد والكرش والمناطق الممتلئة بالدهون أوالجسد الضئيل والعظام الرقيقة الناتئة؟ أم تظهر البثور وحبِّ الشباب أو التجاعيد؟أم هو الشعر الخشن الأجعد والحاجبين الملتحمين من الوسط؟ أم يستولي على اهتمامكالفم الكبير والأنف الأفطس أو الطويل والعيون الضيقة؟ أم البشرة الداكنة التيتسببت الشمس في ظهور النمش فيها؟ أم.. ماذا أيضا؟
بالمختصر: هل تكره/ين سمات جسدك لهذا تبذل/ينالكثير وترهق/ين نفسك من أجل تغييره، ما بين حميات وتدريبات وصبغات وطبقات منمساحيق تجميل البشرة والمكياج، ناهيك عن مطاردة آخر صرعات الموضة لعل هذا الجسديتماشى مع التطور السريع من حولك؟؟
ولماذا كل ذلك؟ لأنك تبغضه!! لست راضيا عنه!!لا تريده أن يبقى على حاله!!
ترى في وسائل التواصل الاجتماعي الآخرينوتحسدهم على جمال أجسادهم!! تتمنى لو أنك تمتلك عضلات ضخمة منتفخة تغطي ذراعيكوصدرك وكتفيك.. تتباهى بها، ويشهد الجميع بأنها رائعة!!
وترين عارضات أزياء وممثلات ومغنيات، يتمايلنبأجساد تلبي كافة المعايير التي فرضها أرباب الموضة والفن.. تموتين حسرة.. وأنتتحلمين وتتمنين لو أن جسدك يتغير ويصبح مثل تلك الأجساد!
ولأجل الوصول لتلك الأمنيات وغيرها: يخسرونالكثير! جهد.. ومال.. ووقت.. واحتقار للذات.. لهذا الجسد الذي يقاوم التغيير. أشهرعدَّة تمضيها في حمية جعلتك تشعرين بالحرمان.. وتشتهين كل الأطعمة بلا استثناء..حتى تلك التي كنت تكرهينها.. والمصيبة أنك لم تخسري سوى كيلوغرامات قليلة لا تكادتُذكر.. والأدهى والأمرّ أنك تعودين للاكتناز وزيادة الوزن بمجرد أن تشمِّي رائحةطعام لذيذ.. حتى قبل أن تتذوقينه.. ليغدو حرمان الأسابيع والشهور الماضية في مهبالريح!!
و.. تبا لهذا الجسد البغيض!!
لماذا لا يتجاوب معي؟ لماذا يصرُّ على إزعاجي؟
يا إلهي.. ابنة جيراننا لا يتوقف فكُّها عنالمضغ.. ورغم ذلك، جسدها ضئيل وقدُّها نحيل!
و.. تبا لهذه العضلات التي تقاوم بلا هوادة..تأبى أن تنتفخ فتسعد قلبي..
تدريب قاس.. ساعة أو أكثر كل يوم لأشهر عدة..والنتيجة؟؟ تقترب من الصفر!! يبدو أنني لن أصبح مثل أبطال كمال الأجسام يوما.. حتىالأحلام محرَّمة علي!!
تذكَّر.. المشكلة ليست في جسدك! المشكلة فيكأنت حين تبغض هذا الجسد!
لا تفترض طوال الوقت أن بإمكانك التزامالقواعد الصحية في الغذاء أو الرياضة بشكل تام.. فتجد نفسك في صراع يومي بين ماتشتهيه وما يتوجب عليك فعله ليكون جسدك كما تريد له أن يكون.
هذا الجسد الذي تسكنه قبل أن تُبث الروح فيجنباتك.. وهو ما مكَّنك من الوصول إلى صرت.. وتحقيق ما أردت.. هل تحبه؟ هل تشعربأنك مدين له بالكثير؟ أم تبغض شكله وسماته وتتمنى دوما لو أنك سكنت غيره؟
لا تشغل نفسك بملاحظات الآخرين وتعليقاتهم حولجسدك.. وكأن جميع الأجساد الأخرى مثالية تراعي ضوابط محددة، لم يسر جسدك بمقتضاها.أحب جسدك كما هو.. بالصورة التي خلقك الله عليها، لونك، شكلك، طبيعتك.. ارضَ بماقسم الله لك.. وكن على اليقين أن شكل جسدك وسماته ليس هو الطريق التي تؤدي للسعادةوالراحة في الدنيا.
اهتم بالجوهر لا بالمنظر.. واسع في تتبعالقواعد التي تحافظ فيها على صحة هذا الجسد، وليس على شكله!
مزيد من التفاصيل