أثارت زيارة رئيس المجلس الرئاسي الجديد، محمد المنفي، للواء المتقاعد خليفة حفتر، بمقره العسكري في منطقة الرجمة، شرق بنغازي، جدلاً ولغطاً ليبياً واسعاً، وسط تكهنات وتحليلات لمغزاها ودلالاتها كنقطة بداية لمشاور السلطة السياسية الجديدة.
وقبيل وصوله لمدينة بنغازي ظهر الأمس، غرد المنفي قائلاً: "نبدأ رحلة العمل من أجل الوطن ووحدته وسلامة أراضيه ولم شمل أهلنا في كل ربوع ليبيا"، وطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم والرقي إلى مستوى التحديات والتطلعات، بحسب تعبيره.
نبدأ رحلة العمل من أجل الوطن و وحدته وسلامة أراضيه ولم شمل الآن من مدينة بنغازي ??
— محمد يونس المنفي (@Mohamedelmonfy) February 11, 2021
وفي أول ردود الفعل التي صاحبت تناقل وسائل الإعلام الليبية، بشكل واسع، صور المنفي وحفتر، غرد رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، قائلاً: "أول القصيدة كفر". وكتب أيضاً: "نرفض ونستهجن لقاء المنفي مع المجرم حفتر ونعتبرها خطوة سلبية لا علاقة لها بالتوافق بين الليبيين وجمع الوطن".
(أول القصيدة كفر)
— خالد المشري (@KhaledMeshri) February 11, 2021
من جانبه غرد المنفي رداً على منتقديه قائلاً: نحن لا ندعم أي طرف سياسي، وإنما بدأنا بمصالحة وطنية من الشرق إلى الغرب والجنوب، مطالباً بعدم الالتفتات لمن أسماهم "مخربي الوطن"، ومؤكداً أنه يسعى "إلى لم الشمل وإرجاع الوطن إلى ماكان عليه لحمه واحدة على قلب شعب واحد".
نحن لا ندعم اي طرف سياسي وإنما بدأنا بمصالحة وطنية من الشرق إلى الغرب والجنوب أرجوكم لا تلتفتوا لمخربين الوطن و مايقولون بل نحن نسعي لي لم الشمل وارجاع الوطن إلى ماكان عليه لحمه واحده على قلب شعب واحد بإذن الله ?? pic.twitter.com/1qCBiQuLVa
— محمد يونس المنفي (@Mohamedelmonfy) February 11, 2021
كما أصدرت قيادة حفتر بياناً، أوضح أن المنفي وحفتر "تبادلا وجهات النظر"، مشيراً إلى أن حفتر أكد على دعمه لـ"الحفاظ على الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطات، ودعم المجلس الرئاسي الجديد، وحكومة الوحدة الوطنية التي أنتجها الحوار السياسي لتوحيد المؤسسات والوصول بالبلاد إلى الانتخابات المنتظرة في ديسمبر/كانون الأول القادم".
وخلال الساعات الماضية توالت ردود الأفعال الرافضة للقاء، فقد شنت عضو مجلس النواب المجتمع بطرابلس، ربيعة بوراص، هجوماً عنيفاً على المنفي، الذي وصفته بـ"غير المسؤول"، واعتبرت أنه بزيارته لحفتر "يهدد بوادر الثقة التي حاولنا زرعها بين كل الأطراف، وهذه التصرفات تهدد مشروع انتقال السلطة".
وشددت البرلمانية، في تدوينة على حسابها في فيسبوك، على رفضها لقاء المنفي لحفتر "الذي دمر العاصمة طرابلس، وترمي كل التضحيات من أجل السلام خلف ظهرك".
ومن جانبه طالب عضو المجلس الأعلى للدولة، صالح جعودة، بأن "لا يمر فعل" المنفي، الذي وصفه بـ"الفعل الشائن والمنكر"، وقال: "يجب أن تقوم عليه القيامة، لأنه باع من دعموه ورشحوه وأوصلوه لمنصبه بعد أن تبين أن من تصوروه موسى بات فرعون".
لكنه زار أيضاً جامعة بنغازي وهي مؤسسة مدنية والتقى عدداً من الأكاديميين ورؤساء مراكز بحثية، فلماذا التركيز على زيارته لحفتر، بحسب الناشطة السياسية، آمال بلقاسم.
وتضيف بلقاسم في حديثها لـ"العربي الجديد"، إن "كل أهل بنغازي يعرفون أن قيادة حفتر دلست في بيانها عندما قالت بأن المنفي زار حفتر في الرجمة، واللقاء تم في فندق الفضي في بنغازي، ومن سعي للزيارة هو حفتر".
وترى الناشطة السياسية أن لقاءات المنفي، بما فيها لقاؤه بحفتر، خطوة في اتجاه تليين المواقف الصلدة، وحفتر من بين أصحاب الموقف المتعنتة، وخلصت إلى أنه "لا يمكننا الحكم على المنفي من الآن، يجب أن تنتظر لنرى إلى أين سيتجه ومن سيزور".
وفيما اعتبرت بلقاسم، أن زيارة المنفي لشرقي البلاد جاءت في سياقها الطبيعي، كونه ممثل الإقليم بحسب آليات انتخاب السلطة الجديدة، قالت: "في الأمر تسرع في الحكم على الموقف، فلا ننسى أن المنفي من ناحية سياسية تبع حكومة الوفاق خصم حفتر، بل وسفيرها لدى اليونان الغاضبة من تحالف طرابلس وأنقرة"، لكن في المقابل يتساءل المحلل السياسي الليبي خميس الرابطي: "لماذا حفتر وليس غيره؟"، معتبراً أن رئيس السلطة الجديدة أعطى رسائل سلبية داخلياً بــ"استفزاز لمكونات كانت في وقت قريب في صراع مع حفتر"، و"خارجياً سيفهم المجتمع الدولي من الزيارة أنه لا سبيل إلى إخضاع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية".
إشارات أخرى يشدد الرابطي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد" على ضرورة عدم تجاهلها، تتعلق بمواقف الدول الإقليمية الموجودة في المشهد الليبي مثل تركيا، ومعتقداً أن موقفها لن يتأخر في استنكار الزيارة، ما يدفع الوضع الإقليمي المستقر نسبياً في الملف الليبي مؤخراً إلى التوتر أكثر.
ومقابل كل هذا الجدل يلفت الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، إلى قراءة أخرى تتعلق بحقيقة الوفاق السياسي الليبي الذي أنتج السلطة الجديدة، وقال متحدثاً لـ"العربي الجديد" إن "زيارة المنفي سواء قصد من خلالها موقفاً سياسياً معيناً أم تم تسييسها؛ فإن المواقف الجدلية بشأنها تطرح أسئلة حول واقعية الوفاق الناتج عن ملتقى الحوار"، معبراً عن مخاوف من تكرار سيناريو اتفاق الصخيرات، بدخول الأطراف الفاعلة سياسياً وعسكرياً في مناكفات المماطلة والعرقلة.
مزيد من التفاصيل