نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" مقالا للكاتبة "مريام فرانسوا"، سلطت في الضوء على تقرير غير مسبوق شارك في إعداده أكثر من خمسين خبيرا مستقلا، وخلص إلى أن سياسات الصين في تركستان الشرقية تنتهك معاهدة الأمم المتحدة حول الإبادة العرقية.
وتساءلت "فرانسوا"، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، عما إذا كان المجتمع الدولي سيتحرك بعد أن "ثبت بالدليل"، بحسبها، ارتكاب الإبادة العرقية بحق الأقلية المسلمة.
ويقدم التقرير، بحسب فرانسوا، أدلة تثبت أن الصين تخطط للاستمرار في هذه السياسات إلى أن "ينقرض الإيغور وغيرهم من القوميات المسلمة".
وفي ما يأتي نص المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
في عام 2014، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ "حرب الشعب ضد الإرهاب" فيجنوب شينجانغ، حيث يشكل الإيغور تسعين بالمائة تقريباً من السكان. وواصفةالمنطقة بالجبهة الأمامية في المعركة ضد "التطرف الديني" دشنت الحكومةالصينية "معسكرات إعادة التثقيف" – والتي غدت الآن سكناً لما يقرب من مليوننسمة – حيث يُخضع المعتقلون للعمل القسري الشاق، والتعقيم، والاغتصابوالتعذيب، فيما يبدو أنه عمل ممنهج بأوامر عليا بهدف اجتثاث ثقافة وهويةالأقليات المسلمة في الصين.
حث شي حزبه على محاكاة بعض جوانب حرب الولايات المتحدة على الإرهاب بعدسلسلة من الهجمات القاتلة التي حملت الصين المسؤولية عنها لمتطرفين منالإيغور. منذ ذلك الحين والأدلة تتواتر حول قيام الدولة بحملة ضد الإرهاب،ما فتئت الصين تنكر وجودها. تعامل المجتمع الدولي مع الأمر بحذر شديد وظلمتردداً في توجيه إصبع الاتهام للصين، لعدد من الأسباب، يأتي في مقدمتهاالعلاقات الاقتصادية معها.
تنتج الصين خمس المحصول العالمي من القطن، والذي يستخدم على نطاق واسع فيقطاع صناعة الملابس التي تستهلك حول العالم. زادت الاستثمارات الأجنبية فيالصين بمعدل 31 بالمائة في عام 2020 إلى ما يقرب من 110 مليارات جنيهإسترليني (حوالي 153 مليار دولار أمريكي). وتعتبر الصين واحدة من أهم خمسةشركاء تجاريين للمملكة المتحدة، وساهمت بما يقرب من 13.6 مليار جنيهإسترليني (ما يعادل حوالي 18.9 مليار دولار أمريكي) في مجمل العجز التجاريللمملكة المتحدة خلال النصف الأول من عام 2020، أكثر من أي بلد آخر خلالنفس تلك الفترة.
ولعل هذا ما يفسر إلى حد بعيد استخدام رئيس الوزراء البريطاني لعبارة"مخاوف شديدة" عند الكلام عن الانتهاكات في شينجانغ، دون الإعلان عنالإبادة العرقية. ولكن الضغط يتزايد على حزبه حتى يقبل بالحكم الذي سيصدرعن لجنة قضائية برلمانية مقترحة سيكون بإمكانها أن تقرر ما إذا كانتالإبادة العرقية يجري ارتكابها من قبل شريك تجاري مهم، الأمر الذي قد يلقيظلالاً من الشك على العلاقة البريطانية الصينية.
كما أن الاتحاد الأوروبي يعتمد بقوة هو الآخر على التجارة مع الصين. وكانأعضاء في البرلمان الأوروبي قد نددوا في شهر يناير/ كانون الثاني بالمفوضيةالأوروبية لتوقيعها على اتفاقية استثمار مثيرة للجدل مع الصين، وقالواإنها تقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي حول حقوق الإنسان، إذا ما أخذنابالاعتبار غياب الوسائل التي تفرض على الصين تقديم ضمانات باجتثاث العمالةالقسرية في شينجانغ.
وكانت أقوى الإدانات حتى الآن هي تلك التي صدرت عن الإدارة السابقة للرئيسترامب، والتي وصفت في شهر يناير/ كانون الثاني الأحداث التي تجري في الصينبالإبادة العرقية – وهو الخط الذي يبدو أن إدارة بايدن ستستمر في انتهاجه.ولكن بينما ظلت الأدلة تتزايد لسنوات على وجود حملة منتظمة ينفذهاالمسؤولون الصينيون، إلا أن بلداً واحداً حتى الآن لم يتمكن من إثارة موضوعحملة الإبادة العرقية في الصين من ناحية قانونية، حيث إن ذلك يعتبر مناختصاص المحكمة الجنائية الدولية – إلا أن حيازة الصين مقعدا دائما في مجلسالأمن الدولي يعني أن بإمكانها أن تستخدم حق النقض (الفيتو) للحيلولة دونإحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية.
حكم لا لبس فيه
أما الآن فقد خلص تقرير غير مسبوق شارك في إعداده أكثر من خمسين خبيراًمستقلاً متخصصين في القانون الدولي وفي الإبادة العرقية وفي سياسات الصينالعرقية وفي منطقة شينجانغ إلى أن الصين ترتكب إبادة عرقية ضد الإيغورمنتهكة بذلك معاهدة الأمم المتحدة حول منع جريمة الإبادة العرقية وحولمعاقبة من يرتكبها، والتي وقعت الصين بالإضافة إلى 151 دولة أخرى عليها.
يخلص هذا التقرير المكون من 25 ألف كلمة إلى حكم تاريخي لا لبس فيه بوقوعالإبادة العرقية، وذلك بناء على مبادئ القانون الدولي ونصوص المعاهدةالملزمة ذات الشأن، معاهدة الإبادة العرقية، وفي ضوء الأدلة التي باتتمتوفرة. يستنتج التقرير أن الصين، بكونها الدولة السلطوية التي تسيطر بشكلكامل على المنطقة وعلى الناس الذين يعيشون فيها وعلى مؤسسات الدولة العاملةداخلها، لا يمكنها عزل نفسها عن مجمل السياسات والقوانين والممارسات التيتشكل معاً إبادة عرقية، وهي بذلك تتحمل المسؤولية عن الانتهاكات التي ترتكببحق معاهدة الإبادة العرقية.
بينما تمثل تصريحات مثل الإعلان الأمريكي عن الإبادة العرقية للإيغورتنديداً بالسياسة المطبقة، فإن الانتهاك الرسمي لمعاهدة الإبادة العرقية قدتكون له تداعيات قانونية، من أهمها أنها تمكن من إلقاء القبض على منيتحملون المسؤولية عن الإبادة العرقية داخل البلدان الموقعة على المعاهدة.
يتحدث التقرير بالتفصيل عن عزم الدولة الصينية على تدمير الإيغور وذلك بناءعلى بيانات صريحة وتوجيهات رسمية وتنظيمات قانونية تنبع من أعلىالمستويات، ومنها تعهد شي في سبتمبر/ أيلول 2020 بالمضي قدماً في انتهاجتلك السياسات لسنوات عديدة قادمة.
يقدم التقرير أدلة تثبت أن الصين تخطط للاستمرار في هذه السياسات إلى أنينقرض الإيغور وغيرهم من القوميات المسلمة، وتتضمن الأدلة إفادة بأن كبارالمسؤولين ينفذون الأوامر الصادرة لهم والتي تنص على "القبض على الجميع"وكذلك "مسحهم بشكل كامل... وتدميرهم من الجذور إلى الفروع" وكذلك "حطمواسلالاتهم، واقتلعوا جذورهم، واقطعوا صلاتهم، ودمروا أصولهم". ولطالمااستخدم المسؤولون مراراً وتكراراً نعوتاً مهينة ولاإنسانية لوصف الاحتجازالجماعي للإيغور، مثل عبارة "استئصال الأورام" ورش الأعشاب غير المرغوب بها"بالكيماويات لقتلهم جميعاً".
لحظة الحقيقة
ما يرتجى في نهاية المطاف هو أن تبادر دول أخرى من الموقعين على معاهدةالإبادة العرقية إلى اتخاذ إجراء سريع وفاء بما عليها من التزامات تجاهالمعاهدة، وأن تقوم المؤسسات التجارية التي تسعى للحصول على البضائع منالمنطقة إلي إعادة النظر والانسحاب أو نقل منظومة وارداتها إلى أماكن أخرى.
شبه جون باكر، أستاذ القانون في جامعة أوتاوا وأحد المساهمين في إعدادالتقرير، الاستنتاج بما أسماه "لحظة ميونخ". وعندما سئل عما إذا كان العالمسيستمر في غض البصر وعدم المبالاة، أجاب: "على عكس ما حصل في 1983، يوجدالآن أعراف ومعايير واضحة، ويتوفر بأيدينا فائض من الأدلة بفضل تكنولوجياالمعلومات العالمية. وأيضاً، هناك قدر كبير من تداخل المصالح. ولكن هل تعلمالعالم شيئاً؟ هذه هي لحظة الحقيقة – أمام القيادات وكذلك أمام الإبداع فيإيجاد سبل للمضي قدماً... أمام الدبلوماسية الموهوبة ولكن المبدئية في نفسالوقت. لا يمكن لهذه اللحظة أن تكون لحظة إخفاق أخلاقي".
على العكس من كثير من المماحكة السياسية حول الصعود العالمي، وخاصة بينالولايات المتحدة والصين، يعتمد التقرير على القانون الدولي. تلزم الحقائقالمكتشفة حول الانتهاكات الجارية بحق معاهدة الإبادة العرقية 151 دولة أخرىعلى التصرف كما يقول باكر، والذي يضيف: "سوف يشكل تجاهلها أو محاولةالتملص منها تحدياً للنظام الدولي القائم على القواعد والقوانين. فإذا كانارتكاب الإبادة العرقية بهذا الشكل المكشوف ليست له عواقب، فما هو معنى أيقانون دولي آخر؟".
وحينما سئل عن الإجراءات الحقيقية التي يمكن توقعها من صدور التقرير، قالباكر: "بينما يمكن أن تتخذ الدول بشكل فردي، بل ويتوجب عليها ذلك، خطواتمناسبة، بدءاً من الحذر وتجنب التواطؤ بأي شكل من الأشكال (مثل المساهمة فيالتجارة أو السعي للاستفادة منها)، فإنه ينبغي النظر في كافة ردود الفعلالدبلوماسية الممكنة (مثل الانسحاب من الألعاب الأولمبية) والإجراءاتالمسموح بها في مجال التجارة والاستثمار وغير ذلك من الشراكات والعلاقات.لا يجوز بحال أن تظل الأمور كما هي عليه، وينبغي الدعوة إلى اجتماع طارئلمجلس الأمن الدولي، مع الاتفاق على رد فعل يتم التنسيق له على المستوىمتعدد الأطراف".
يمثل هذا التقرير أهم إجماع قانوني يظهر حتى الآن حول الإبادة العرقية فيالصين. والسؤال الآن هو ما إذا كانت الأسس التي تقوم عليها منظومتناالقانونية الدولية سوف تحترم أم لا، وبأي ثمن.
مزيد من التفاصيل