قالالصحفي البريطاني المشهور ديفيد هيرست إن تعامل مصر البائس مع إغلاق السويس،وإخفاقها يؤكد ما يشكله هذا النظام من خطر على التجارة والاستقرار الدوليين.
وأضافهيرست في مقال على موقع "ميدل إيست آي" تحت عنوان "قناة السويس: السيسي خطر ليس فقط على مصر وإنما على العالم بأسره" إن الحكومة المصرية متمرسة في الكذب،فهي تكذب على شعبها كل يوم، ولكنها في أوقات الأزمات تكذب أيضاً على المجتمع الدولي.وهو ما حصل في حادثة جنوح السفينة "إيفرغيفين".
ويضيفهيرست إنه أيا كانت الطريقة التي ستحل عبرها أزمة قناة السويس، فقد لقن هذا الحادثالعالم درسين اثنين: كم لا تزال القناة ومصر مهمتين بالنسبة للشحن البحري الدولي، وكيفأنهما كلاهما يداران بشكل كارثي، بأسلوب ينم عن العجز وانعدام الكفاءة.
ويستطردقائلا: "بمعنى آخر، لم يعد عجز دكتاتورية السيسي يهم المجتمع الدولي من حيث يتعلقالأمر بقضية حقوق الإنسان وسيادة القانون فحسب. بل بات عجز السيسي وانعدام كفاءته يهددممراً مائياً دولياً في غاية الأهمية والحيوية".
وفيمانص المقال الذي ترجمته "عربي21":
عندمادُشنت توسعة في قناة السويس طولها 35 كيلومتراً قبل ست سنوات، ظهرت يافطات في شوارعالقاهرة تعلن أن تلك كانت "هدية مصر إلى العالم."
يومها،استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الزعماء الأجانب على متن قارب، بينما قامتالمروحيات والطائرات النفاثة باستعراض في الأجواء. أشيد بالتوسعة باعتبارها انتصاراًوطنياً ونقطة تحول بعد سنوات من انعدام الاستقرار.
وعندماأغلقت قناة السويس بلا تكلف من قبل سفينة حاويات طولها أربعمائة متر يوم الثلاثاء بسببعاصفة رملية حرفتها عن مسارها ساد صمت رهيب. على مدى ستة وعشرين ساعة لم يكن هناك كلمةواحدة حول القناة المغلقة، بينما بدأت السفن تتجمع في البحر المتوسط وفي البحر الأحمر،وحول سفينة إيفرغيفين نفسها.
بدلاًمن ذلك أصدرت هيئة قناة السويس بياناً صحفياً أعلنت فيه العبور الناجح لباخرة سياحيةإيطالية على متنها 65 حالة إصابة بجائحة كوفيد 19.
في البدايةساد تعتيم إعلامي. ثم يوم الأربعاء بدأ الكذب يتوالى على قدم وساق، حيث أشار أول بيانرسمي إلى أن الجهود ما تزال "مستمرة لإعادة فتح القناة." قللت هيئة قناةالسويس من الآثار المترتبة على الملاحة ووجهت "رسالة تطمينات تؤكد أن الملاحةسوف تستمر كالمعتاد." وفيما يبدو أنه مسعى لتعزيز تلك الرسالة سمحت الهيئة لقافلةمن السفن بالدخول من الطرف الشمالي عند بورسعيد في الرابع والعشرين من آذار/ مارس.
تغذيةمعمل الدعاية
حذرتالهيئة الصحفيين من الانجرار وراء أي أخبار أو إشاعات حول أخطر حادث ينجم عنه إغلاقالقناة منذ الحرب العربية الإسرائيلية في 1973، وألا يعتمدوا إلا على البيانات الصادرةعنها هي. لم يحتج الصحفيون المصريون أي تشجيع حتى يلتزموا بالإرشادات التي وجهت إليهم.بل راحوا يغذون معمل الدعاية من خلال الاحتفال ببيان الهيئة والزعم بأن السفينة قدأعيد تعويمها. وحتى حاولوا إثبات ذلك من خلال عرض صور من الأقمار الصناعية، رغم أنالصور نفسها كانت تظهر السفينة محشورة في نفس المكان لم تحرك ساكناً.
بل حتىإن الحقيقة أخفيت عن مؤسسات النقل البحري الدولية. نقلت شركة وكالة الخليج مصر المحدودةللملاحة عن هيئة قناة السويس قولها إن سفينة الحاويات العملاقة الجانحة في القناة منذأكثر من يوم أعيد تعويمها جزئيا ومن المتوقع استئناف حركة المرور بالقناة قريبا.
ونفسالتقرير تمت تغذية قائمة لويدز به، والتي قالت إنها اطلعت على رسالة إيميل مرسلة منالشركة المصرية إلى جمعية شركات الشحن في الصين جاء فيها: "مازلنا بانتظار تأكيدالمعلومات حول الاتجاه الذي سيتم إليه السحب. سوف تُستأنف القوافل والمرور ويعودانإلى وضعهما الطبيعي خلال وقت قصير جداً حالماً يتم سحب السفينة إلى موضع آخر."هذا ما نصت عليه رسالة الإيميل بحسب المعلومات التي وفرتها هيئة قناة السويس في وقتمبكر من يوم الأربعاء.
ويومالخميس، بعد مرور يومين على بدء الفوضى، أعلنت هيئة قناة السويس رسمياً أن الملاحةقد توقفت.
إن الحكومةالمصرية متمرسة في الكذب، فهي تكذب على شعبها كل يوم، ولكنها في أوقات الأزمات تكذبأيضاً على المجتمع الدولي.
عندماأسقطت طائرة ركاب روسية في عام 2015 بصاروخ أطلقه تنظيم الدولة الإسلامية بعد 23 دقيقةمن إقلاع الطائرة من مطار شرم الشيخ متوجهة إلى سانت بطرسبيرغ، قررت روسيا وبريطانيامباشرة إلغاء جميع الرحلات من مطار ذلك المنتجع الواقع على ساحل البحر الأحمر.
حينهاأصدرت سلطة الطيران المدني في مصر تقريراً أولياً زعمت فيه أنه لا يوجد دليل على أنالطائرة أسقطت في عمل إرهابي، وعزت تحطم الطائرة إلى عطل فني. كان سبب النفي واضحاً:فشرم الشيخ غاية في الأهمية بالنسبة لقطاع السياحة في البلد. استغرق الأمر السلطاتثلاثة شهور حتى تعترف بأن الطائرة أسقطت بفعل صاروخ أطلقته ولاية سيناء، التي بايعتتنظيم الدولة الإسلامية.
درسانقاسيان
ولكنمن الصعب الاستمرار في الزعم بأن سفينة بحجم إيفرغيفين طافية حينما لا تكون كذلك، وبالدليلالقاطع.
أياكانت الطريقة التي ستحل عبرها أزمة قناة السويس، فقد لقن هذا الحادث العالم درسين اثنين:كم لا تزال القناة ومصر مهمتين بالنسبة للشحن البحري الدولي وكيف أنهما كلاهما يدارانبشكل كارثي، بأسلوب ينم عن العجز وانعدام الكفاءة.
بمعنىآخر، لم يعد عجز دكتاتورية السيسي يهم المجتمع الدولي من حيث يتعلق الأمر بقضية حقوقالإنسان وسيادة القانون فحسب. بل بات عجز السيسي وانعدام كفاءته يهدد ممراً مائياًدولياً في غاية الأهمية والحيوية.
علىالمدى القصير، لم تكن أزمة قناة السويس لتنشب في لحظة أسوأ، إذ من شأنها أن تعزز اهتمامدول الخليج المنتجة للنفط والغاز بالبحث عن سبل تمكنها من تجاوز القناة وتحويل خط تصديرمنتجاتها ليمر عبر إسرائيل، علماً بأن صفقة التطبيع الإماراتية مع إسرائيل تمخضت عنموجة عاتية من العقود والمشاريع، يشكل كل واحد منها تهديداً وجودياً لاحتكار مصر لهذاالخط المروري.
سواءمن خلال خط أنابيب طالما ظل مهملاً أقامه في الأصل شاه إيران، أو كابل إنترنيت أو خطسكة حديد، أو حتى قناة تشق صحراء النقب – لا يوجد محفز أكبر على البحث عن سبل لتجاوزقناة السويس ومصر من أسلوب التعامل المصري مع حادث بهذا الحجم.
حكمالسيسي الكارثي
أماعلى المدى البعيد، فثمة نمط واضح الآن لانهيار حكم السيسي وللكارثة التي يسببها. قبلكل اعتبار، وفي مقدمة كل الأمور التي ورط فيها بلده – من دعم للجانب الخطأ في ليبيا،ومن حملة مطاردة وتصيد يشنها على جماعة الإخوان المسلمين في الداخل والخارج – كان لدىالسيسي أمران وجوديان يستحقان أن يقلق بشأنهما، وقد أخفق فيهما معاً.
أماالأول فهو قناة السويس، وأما الثاني فهو الحفاظ على مستويات المياه في النيل. كان السيسيقد سخر من مسؤوله، الرئيس المصري السابق محمد مرسي، واستهزأ به لأنه أبدى قلقاً بشأنالسد الذي كانت تشيده إثيوبيا في عام 2012، ورتب لتسريب معلومات عن اجتماع سري بهدفإحراج الرئيس.
كانتالرسالة التي أراد الجيش المصري توجيهها تفيد بأن القضية أخطر من أن يتمكن من التعاملمعها مجرد رئيس ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. فقاموا بوضع ملف القضية على الرف،ثم ضاعف السيسي من خطيئته بالتنازل عن حقوق مصر عبر اتفاق أبرمه مع كل من إثيوبيا والسودانفي عام 2015. والآن، يقال إنه يفكر بالخيار العسكري، وذلك قبل أسابيع معدودة فقط منالتعبئة الثانية للسد، الذي بات مكتمل البناء.
بدلاًمن تركيز موارده الضئيلة على المسألتين الأهم بالنسبة لبلده، قضى السيسي كل وقته مهووساًبمظهره.
يمكنالتعرف على أولويات السيسي الحقيقية خلال السنوات التي قاد فيها مصر ومرغ خلالها أنفهافي التراب من خلال السجل الرسمي لعمل مؤسسات الضغط السياسي كما هو موثق لدى وزارة العدلالأمريكية بموجب قانون تسجيل وكلاء الجهات الأجنبية.
يكشفتحقيق في هذه السجلات الرسمية أجرته مجموعة من الصحفيين المصريين في "ساسا بوست"كيف تسارعت بشكل كبير عمليات اللوبي في واشنطن بعد مذبحة رابعة في عام 2013 وبعد تجميدالمساعدات العسكرية الأمريكية التي كانت قيمتها 260 مليون دولار، والتي مثلت جزءاًضئيلاً من حزمة المساعدات الكلية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار.
فقددفعت حكومة السيسي إلى مجموعة غلوفر بارك ربع مليون دولار شهرياً لكي تضغط على كبارأعضاء الكونغرس الذين كانوا يعارضونه مثل السيناتور ليندسي غراهام والسيناتور الراحلجون ماكين. أمضت غلوفر بارك عامين وهي تعمل على غراهام إلى أن غير موقفه، كما ورد فيتقرير ساسا بوست. لقد دفع السيسي لتلك الشركة ما بين عام 2013 وعام 2019 مبلغاً قدره13.25 مليون دولار – وهو ثمن ضخم بمقاييس سوق اللوبي في واشنطن.
تلميعصورة النظام
تلميعصورة السيسي من خلال التوجه نحو اليمين الأمريكي وأنصار إسرائيل، والتركيز على"الحقوق الدينية" استباقاً لدخول بايدن إلى البيت الأبيض. بمعنى آخر، كلما أنفق عليه السيسي أمواله كان يتعلق بصورته هو. ولم يكن أي من ذلك يتعلق من قريبأو بعيد بما يعني البلد حقاً.
تلكهي أولويات السيسي الذي لم ينطق بكلمة واحدة حول الأزمة التي تدور رحاها في قناة السويس.
باتشائعاً الآن سماع عبارة "إن مصر دولة فاشلة" – إنها دولة تخذل مواطنيها،دولة شحت مواردها، وضعف اقتصادها بسبب النهب الذي يمارسه الجيش المصري، دولة ما فتئتتتنامى فيها مستويات الفقر الذي يعاني منه عشرات الملايين من الناس.
لم يصحالمجتمع الدولي بعد ليرى حقيقة أن السيسي بات مصر خطر ليس فقط على شعبه وبلده، بل وأيضاًعلى التجارة والاستقرار الدوليين. لعل السفينة الكبيرة التي تسببت في إغلاق هذا الممرالضيق تدق ناقوس الخطر، ولعل أجراسه تصل إلى مسامع ذلك المجتمع.
اقرأ أيضا: توقعات بخسائر فادحة وارتفاع بالأسعار بسبب تعطل "السويس"
مزيد من التفاصيل