قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن محاولة الانقلابالتي أعلنتها السلطات الأردنية لم تقنع الرأي العام الأردني.
ورأت الباحثة بسمة المومني من جامعة واترلو في مقالها فيالصحيفة، ترجمته "عربي21"، أن رواية الدولة عن محاولة الانقلاب"المزعومة" أدت إلى صدع مع الشرق أردنيين، وسيترك ذلك عواقب طويلة الأمدفي العلاقة بين الدولة والعشائر الأردنية.
وفيما يلي نص المقال:
العالم عادة ما لا ينتبه للأحداث في الأردن، لكن هذاالموقف تغير وبشكل مثير يوم السبت الماضي عندما أعلنت مصادر إعلامية أن "كياناتأجنبية" ضبطت وهي تحاول "زعزعة أمن الأردن"، وحتى تبدو الأمور أكثرإثارة، علم الأردنيون أن قائد الجيش زار ولي العهد السابق حمزة بن حسين وأخبره عن تقييداستخدامه لمنصات التواصل الاجتماعي وحذره من استمرار التواصل مع أتباعه. واعتقلت السلطاتأيضا رموزا من المجتمعات القبلية في الضفة الشرقية من نهر الأردن، وبعضهم عمل مباشرةمع حمزة.
وظهرت نقطة واحدة وبسيطة من كل هذه التحركات وهي: أن البلاطالملكي للملك عبد الله الثاني أراد من الأردنيين والعالم تصديق أن محاولة من نوع ماتمت للسيطرة على السلطة في البلاد. لكن السرد الرسمي سرعان ما تفكك عندما بدأ حمزةوأقارب بعض المعتقلين بسرد روايتهم من القصة على منصات التواصل الاجتماعي. وسرعان مااكتشف الأردنيون أن تحركات الدولة لم تهدف لوقف محاولة انقلابية أكثر من مقاومة انقلابفي دولة تعاني فعلا من اقتصاد متضرر بسبب الوباء.
وتعتقد الباحثة المومني أن الدولة تحاول وبشكل واضح إضعافشعبية حمزة المتزايدة. فلطالما أعجبت النخبة العشائرية الشرق أردنية بالأمير والذيجسد سحر وأسلوب والده الراحل، الملك حسين.
واهتز الأردنيون مرة أخرى عندما نشر حمزة شريطا عبر هيئةالإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنكر فيه التهم الضمنية ضده. وأهم من هذا فقد استخدماللحظة للهجوم واتهام البلاط الملكي بالمحسوبية وسوء الإدارة والفساد. وأظهر في كلامهاحتراما للقبائل وعاداتها وتعاطفا مع معاناة المواطن الأردني العادي من الظروف الاقتصاديةوإحباطه من عجز الحكومة.
وعندما بث حمزة أشرطة أخرى أكد ما كان يشك به الأردنيون وهيأن سمعته هي المستهدفة بالتشوية. وعلى منصات التواصل الاجتماعي بدت الأزمة وكأنها خلافاعائليا أكثر من كونها محاولة لتولي السلطة بدعم قوى أجنبية اكتسبت زخما. فهل يمكن تفسيرهذه الملحمة من خلال شعبية الأمير حمزة الذي خطف في السنوات الماضية الأضواء من الملكوولي عهد البالغ من العمر 26 عاما، الأمير حسين؟
والجواب هو أن محاولة الدولة تشكيل مسار الحدث والقصة فشلت،وبالتأكيد فقد بدت محاولتها وبوضوح هزيمة للذات. وفي ليلة وضحاها تحول حمزة إلى بطللدى الوطنيين والإصلاحيين في البلد، وبالتحديد بين الشرق أردنيين الذين سجن حوالي20 فردا منهم. وعقدت السلطات الأمر أكثر باعتقال باسم عوض الله، العارف السابق بخفاياالحكومة والذي حمّله الكثير من الأردنيين مسؤولية سياسات التقشف الاقتصادية التي تبنتهاالدولة. وعلى مدى السنوات أصبح اسمه مرادفا للانتهازية والفساد. وزاد دور عوض اللهالحالي كمستشار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعلاقاته مع مجتمع رجال الأعمال فيالإمارات العربية المتحدة من الارتباك لهذه الخلطة. ولم يفت المعلقون في الإعلام الفضائيالعربي والإسرائيلي أن "الكيانات الأجنبية" الغامضة ربما كانت تشير إلى السعوديينوالإماراتيين والإسرائيليين الذين يعملون معا لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. واقترح المعلقونأن الدول هذه تحاول إحياء خطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامبأو ما تعرف بـ "صفقة القرن" والتي تهدف لمنح الإسرائيليين الضفة الغربيةلتحديد السيادة الفلسطينية والتعاون مع حمزة لهز المملكة من الداخل. إلا أن الأردنيينلم تمر عليهم فكرة تعاون حمزة مع عوض الله والكيانات الأجنبية. ذلك أن ولي العهد السابقينظر إليه كوطني ينبع دعمه من الشرق أردنيين الذين تتناقض مصالحهم مع المؤامرة المزعومة.
ويسيطر الشرق أردنيونعلى الجيش والمخابرات رغم وضعية الأقلية بسبب تدفق ملايين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين.وليس من مصلحتهم والحالة هذه المشاركة في مؤامرة أجنبية تخفف من سلطتهم أكثر. ويعتبرونمن أكبر الداعمين لحل الدولتين ولهذا رفض الوطنيون الشرق أردنيون خطة إدارة ترامب وحلفائهامن اليمين المتطرف في إسرائيل والتي تعني بالضرورة تطبيق فكرة الوطن البديل في الأردن.
كل هذا دفع الدولة لتغيير نبرتها ومحاولتها رأب الصدع داخلالعائلة. وفي يوم الإثنين أصدر حمزة بيانا عبر فيه عن دعمه المطلق للملك. ومن المحتملألا تنتهي القصة هنا، وأهم من كل هذا فقد خلقت الدولة صدعا مع الشرق أردنيين الذينينتظرون الإفراج عن المعتقلين من أفراد قبائلهم. ولن تنسى محاولات تشويه سمعة حمزةوالرموز التي اعتقلت، وسيواصل أنصارهم المطالبة بكشف الحقيقة. وسيترك هجوم الدولة علىشرف أهم أنصارها عواقب طويلة الأمد.
اقرأ أيضا: ملك الأردن يتحدث عن الأزمة: الفتنة وئدت.. وحمزة برعايتي
مزيد من التفاصيل