برزت خلال حملة الترشيحات للانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/حزران المقبل في الجزائر، ظاهرة ترشح عدد كبير من الصحافيين والإعلاميين والمراسلين في الولايات، للفوز بمقعد في البرلمان، سواء ضمن قوائم أحزاب سياسية، أو في قوائم مستقلة، خاصة أنّ الانتخابات المقبلة توفر فيها السلطة دعماً للمرشحين الأحرار.
ويحاول عدد هام من الصحافيين ومراسلون في الولايات الجزائرية خصوصاً، استثمار رأس مال رمزي تشكّل لديهم على مر سنوات عملهم في الصحافة من خلال الكتابة عن مشكلات الناس في القرى والمدن، للترشح للبرلمان. بالنسبة إلى الكثير منهم فإنّ الفرصة مواتية والدوافع متوفرة. صحافيون بلغ عددهم 100 قرروا الترشح للبرلمان، كان بينهم الوجه الإعلامي البارز في التلفزيون الجزائري في التسعينيات (عمل في التلفزيون "العربي" حالياً) كمال علواني الذي قرر أن يخوض الانتخابات المقبلة تحت "جبهة الحكم الراشد" التي التحق بها قبل أسبوع.
كما قرر الصحافي في التلفزيون الحكومي عبد العالي مزغيش خوض الانتخابات في ولايته الجديدة أولاد جلال جنوبي الجزائر. فيما قرر الصحافي أمين هدار من "إذاعة الجزائر الدولية" خوض الانتخابات في ولايته البليدة قرب العاصمة الجزائرية. هذا إضافةً إلى الصحافي في جريدة "النصر" الياس بوملطة.
بدأ مبكراً الصحافي بلقاسم عجاج في تشكيل قائمة مستقلة في ولاية تيبازة التي تحوز على ستة مقاعد في البرلمان
لم يتردد الصحافي بلقاسم عجاج من ولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، في الإعلان عن ترشحه للانتخابات المقبلة. بدأ مبكراً في تشكيل قائمة مستقلة في ولايته التي تحوز على ستة مقاعد في البرلمان. يعتمد عجاج على تجربة أولى كان خاضها في عام 2012 لم تكلل بالنجاح، وكانت ضمن حزب سياسي. لكنه قرر هذه المرة خوض المنافسة الانتخابية عبر قائمة مستقلة، على الرغم من أن ذلك يفرض عليه جمع 600 توقيع من الناخبين عبر الولاية، وسط منافسة كبيرة من مرشحين في نفس الدائرة الانتخابية.
يشرح بلقاسم عجاج في تصريح لـ"العربي الجديد" دوافع رغبته في الانتقال من قاعات التحرير التي كان قد غادرها قبل فترة إلى البرلمان بأنها دوافع تتقاطع فيها رغبته الذاتية في خدمة سكان ولايته وتطويرها، وبين دفعه من قبل الكثيرين ممن استشارهم للإقدام على هذه الخطوة. ويقول: "ترشحي كصحافي وراءه نية مساعدة الآخرين وطنياً ومحلياً، بحكم استطاعة النائب في البرلمان التوسط بين الإدارة والمواطن لتجاوز التحديات التي يعيشها المواطن من خلال العراقيل البيروقراطية. حيث إنّ النائب يمكنه أيضا أن يكون محامي البسطاء عند السلطات المحلية خاصة في حالات الإقصاء من أحقية السكن. فالنائب مواطن يدرك الوضع الاجتماعي لمن قاموا بتزكيته لتمثيلهم".
الصحافي يمكنه أن يكون قيمة مضافة للبرلمان بحكم خبرته، وما له من دراية كافية بأوامر التشريع والقوانين، خلال ممارسته واطلاعه المسبق على الأداء البرلماني
يعتقد بلقاسم عجاج أنّ "الصحافي يمكنه أن يكون قيمة مضافة للبرلمان بحكم خبرته، وما له من دراية كافية بأوامر التشريع والقوانين، خلال ممارسته واطلاعه المسبق على الأداء البرلماني". وبخصوص ما يضيفه البرلمان للصحافي، يعتبر أنّه "قوة معالجة القضايا من خلال التواصل المباشر مع السلطات، وحق مساءلة الحكومة باسم ممثليه خلال الجلسات العلنية تحت قبة البرلمان".
لكن الطريق إلى البرلمان تتخلّلته معوقات كثيرة، ليست فقط المنافسة الكبيرة خلال هذه الانتخابات فقط، ولكن أيضاً معوقات في إتمام أعضاء القائمة الانتخابية بالنسبة للصحافيين الذين قرروا الترشح في قوائم مستقلة، إضافةً إلى جمع التوقيعات المفروضة عليهم بمعدل 100 توقيع عن كل مقعد مطروح للمنافسة في الدائرة الانتخابية التي يترشح فيها الصحافي. وفي السياق، يؤكد الصحافي في مؤسسة "النصر" عبد الحكيم أصابع لـ"العربي الجديد" أنّ "الصعوبات ما زالت قائمة في هذا السياق، خاصة أن الموعد القانوني لانتهاء أجل الترشيحات قريب، وهو حتى 22 أبريل/نيسان المقبل". ترشح الصحافيين للبرلمان ليست خطوة جديدة، وإن كان الجديد فيها هذه المرة العدد الكبير للصحافيين الذين قرروا خوضها. ففي عام 1997، وخلال ثاني انتخابات نيابية تعددية تشهدها الجزائر، برزت لدى أحزاب السلطة أولاً فكرة ترشيح أبرز الصحافيين المعروفين في التلفزيون ضمن قوائمها، حيث ترشحت مقدمة نشرة الأخبار زهية بن عروس، ومقدم البرامج السياسية حمراوي حبيبي شوقي، وميلود شرفي ضمن قوائم حزب التجمع الوطني الديمقراطي. فتح ذلك الباب واسعًا، في سلسلة الانتخابات التي تلت ذلك بين عامي 2002 حتى 2017، أمام عدد كبير من الصحافيين للترشح في قوائم مختلفة الأحزاب السياسية، والتحول إلى النيابة البرلمانية، كان بينهم الصحافي فؤاد سبوتة ومحمد عماري وعبد الحق كازيتاني وابراهيم قارعلي الذي شغل منصب رئيس لجنة الاتصال في البرلمان في الفترة ما بين 2007 و2012. قد تكون التفسيرات السياسية حينها في ترشيح الصحافيين، محاولة الأحزاب الانفتاح على الوسط الإعلامي، خاصة لمستوى النضج السياسي الذي يرافق الصحافيين في الغالب.
لكن الطريق إلى البرلمان تتخلّلته معوقات كثيرة، ليست فقط المنافسة الكبيرة خلال هذه الانتخابات فقط، ولكن أيضاً معوقات في إتمام أعضاء القائمة الانتخابية
لكن هذه التفسيرات قد لا تكون هي نفسها التي تفسر ظاهرة الترشح الكبيرة للصحافيين، بل هناك دوافع اجتماعية غير خافية على الجميع، في رغبة عدد من الصحافيين في تحسين وضعهم الاجتماعي والوظيفي، وتبوؤ المنصب النيابي، خاصة أنّ ممارستهم للعمل الصحافي خلال تغطية جلسات البرلمان في العهدات السابقة، كشفت عن مستوى متدنٍّ لعدد كبير من النواب الذين يفوقهم الصحافيون في المستويات التعليمية والنضج السياسي.
غير أن مدير تحرير صحيفة "أخبار الوطن" رياض هويلي، يعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّه "لا يجد فوارق كبيرة بين وظيفة النيابة ووظيفة الصحافي، إذ إنّهما الأكثر قرباً للمواطنين، وكلاهما مرتبط بالهم الشعبي والهم الوطني ببعده المحلي والدولي. فالصحافي يعتبر صوت المواطن وناقلاً لآهاته وآماله، بل هو الجسر الرابط بين السلطات والمواطن، وهذه الوظيفة لا تبتعد كثيراً عن النيابة التي هي تفويض شعبي للقيام بالوساطة أو نقل انشغالات الناس وآمالهم، مع الحفاط على الربط بين المواطن ومؤسسات الدولة. أعتقد أنّ الفرق ليس في الوظيفة، وإنما فقط في القوانين المؤطرة للوظيفتين فقط... لذلك أعتقد أن أقرب وظيفة للصحافي هي النيابة".
مزيد من التفاصيل