نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقالا للكاتب والمحلل السياسي ماجد مندور، عن مسلسل "الاختيار2"، الذي يتناول مجزرة "رابعة" التي قام بها نظام الانقلاب في مصر، ولكن برواية العسكر وليس الضحايا.
ونوه المقال إلى أن المسلسل من إنتاج شركة "سينرجي"، وهي شركة تملكها وتشرف عليها بشكل غير مباشر وكالةالمخابرات المصرية.
ونتيجة لذلك، فقد صور "الاختيار2" المحتجين على أنهم مسلحونومتعصبون، بينما صورت قوات الأمن وهي تمارس درجة عالية من ضبط النفس، بما يعكسالرواية شبه الرسمية للنظام.
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال كما ترجمته "عربي21":
قديبدو اختيار وقائع أسوأ مذبحة في تاريخ مصر الحديث لإنتاج عمل درامي حدثا بالغالشذوذ، إلا أن هذه المجزرة تشكل الحدث المؤسس للنظام، والأسطورة التي حيكت حولهاذات أهمية قصوى.
قبل أنترتكب قوات الأمن المصرية مذبحة رابعة في آب/ أغسطس من عام 2013، طالب عبد الفتاحالسيسي، الذي كان حينها وزيرا للدفاع، بتفويضه حتى "يحارب الإرهاب"، في إشارة واضحة إلى الفض العنيف لاعتصام جماعة الإخوان المسلمين. رافقت تلك الدعوةحملة دعائية مكثفة، تروج لفكرة أن الاعتصام كان مسلحا، وأن المعتصمين كانوا يخطفونالمواطنين ويعذبونهم.
لم يكنالهدف من الاستراتيجية ببساطة إيجاد دعم شعبي لإجراء قمعي تمارسه الدولة، وإنمااختراع عملية قتل مجتمعية، بمعنى آخر إشراك قطاع ضخم من الشعب في إجازة القتلالجماعي للمعارضين السياسيين. وقد تجلى ذلك بوضوح في يوم المجزرة، عندما تعرضالمحتجون الذين كانوا يحاولون الفرار من العنف لإلقاء القبض عليهم من قبل مجموعاتمن الناس المتطوعين تشكلوا من السكان المحليين.
اقرأ أيضا: هل حان إنتاج عمل سينمائي عالمي عن رابعة ردا على "الاختيار2"؟
القتلالمجتمعي
تمخضعن هذا الإجراء الأولي من القتل المجتمعي إقامة رابطة عضوية بين النظام وقطاع ضخممن السكان الذين أقروا المجزرة ودعموها فعليا. ونفس ذلك التبرير الذي استخدم لقمعجماعة الإخوان المسلمين استخدم فيما بعد ضد المعارضين والنشطاء العلمانيين.
يقومهذا الإجراء من القتل المجتمعي على أسس أيديولوجية مستمدة من الناصرية، ومن ذلكالنمط من القومية العربية الذي كانت تروج له، الذي كان يعتبر الأمة وحدة عضويةواحدة، كيانا كليا منسجما بإرادة شعبية، بدلا من عدد لا حصر له من المجموعاتالاجتماعية المختلفة ذات المصالح المتضاربة التي تستدعي القيام بوساطة للتقريببينها.
عندماتعبر الأمة عن إرادتها الشعبية من خلال الجيش، يغدو ذلك تجسيدا للروح القومية. لايضع ذلك الأساسات لشكل من القومية الشوفينية المتطرفة فحسب، بل وأيضا يبرر القمعالجماعي بحق المعارضين السياسيين وبحق الأقليات.
في وقتالمجزرة، صورت جماعة الإخوان المسلمين على أنها "خارجة" عن الأمة، وبذلكتم تبرير ممارسة القمع الجماعي بحقها. واعتبر الخروج على "الإرادةالشعبية" خطرا وجوديا يتهدد فكرة الدولة العضوية التي تتماسك فيما بينها منخلال أفكار غامضة ومشوهة للهوية القومية.
استخدمهذا الأساس الأيديولوجي فيما بعد لقمع المعارضة العلمانية والحركة النسوية الناشئةوغيرهما، وكانت "الإرادة الشعبية" للأمة طوال ذلك الوقت تصور على أنهامحافظة جدا اجتماعيا وأبوية النزعة.
القيمةالرمزية
كانللمجزرة أيضا قيمة رمزية مقابل ذلك الحدث الذي وقع في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011، عندما تمكن المتظاهرون من التغلب على قوات الأمن، ونجحوا فيالاستيلاء على الحيز العام لأول مرة منذ عقود. وبذلك كانت المجزرة من حيث المبدأالنقيض لذلك الحدث، حيث استعادت قوات الأمن ذلك الحيز العام من خلال عنف استعراضيمثير ورمزي، بما في ذلك ما بدا سياسة منتظمة لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
لقدوجه مشهد العنف رسالة واضحة: لقد تم نزع القفازات، ولن يتم التسامح مع أي محاولةلتكرار أحداث الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني، بغض النظر عن عدد منيتعرضون للقتل. كان ذلك بمثابة تصعيد للعنف، مع إمكانية الدخول في منافسة مع سوريابارتكاب عمليات قتل جماعي وعشوائي بحق المدنيين المسالمين الذين يُشك في انتمائهمإلى المعارضة.
منذتلك اللحظة فصاعدا، عاد النظام واستولى على الحيز العام، ومارس مستوى من التحكم، أضفى عليه مشروعية من خلال قانون حظر التظاهر الذي أقر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013. وعندما شعر النظام بالخطر الكامن في احتجاجات أيلول/ سبتمبر 2019، التقىالسيسي بأنصاره في المكان ذاته الذي ذبح فيه معارضيه في 2013: في ميدان رابعة.
كانتتداعيات المذبحة مهولة وطويلة المدى، إذ وضعت الأسس لنظام سياسي بالغ الاستقطاب؛ فقد حالت المذبحة دون أن تقبل جماعة الإخوان المسلمين بالواقع السياسي الجديد، أوأن تشارك في العملية السياسية، إذ إن أي محاولة من هذا القبيل تقدم عليها قيادةالجماعة كانت كفيلة بأن تؤدي إلى تصدعها تحت وطأة الضغط الذي تمارسه القواعد فيها.
كما أنالجماعة أقصيت بعد المذبحة عن العملية السياسية، وتم تصنيفها فيما بعد على أنهاجماعة إرهابية. أتاح هذا الاستقطاب للنظام شل العملية السياسية، وإظهار الاختلافاتالسياسية على أنها نضال ملحمي تخوضه الأمة، ممثلة بالنظام، ضد المعارضين لها، وهمالذين درج السيسي فيما بعد على نعتهم بعبارة "أهل الشر". وسمح ذلكللنظام بتوسيع نطاق القمع ضد كل المجموعات المعارضة، متمتعا بمساندة شعبية عريضة.
اقرأ أيضا: الاختيار2 "يسرق" لقطة حقيقية من "رابعة".. هكذا وظّفها (شاهد)
توطيدالمنطق
كماسمح ذلك للنظام بتجاهل إخفاقاته في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، لأن معارضة أيمن سياساته كانت تصور على أنها مؤامرة تحيكها قوى الشر المتحالفة مع الإخوانالمسلمين في مسعى لتدمير الأمة، وهذا المنطق هو الذي أوجد حالة من الطوارئالدائمة، ما سمح للنظام بتصعيد ممارسته للقمع ضد كل من يعارضه.
يحتاجالنظام باستمرار إلى أعداء وإلى مؤامرات يبرر من خلالها إحكام قبضته على السلطة،وبذلك تغدو ممارسة القمع الجماعي ضرورية؛ من أجل إقناع قاعدته الشعبية بوجود هؤلاءالأعداء.
يصعبإدراك التكاليف الاجتماعية والمعاناة الشخصية الجسيمة التي تطارد ضحايا المجزرة.لا يمكن التغلب على ذلك إلا من خلال محاسبة الماضي، والدخول في عملية تصالح شاملة،وهو ما لا يتسنى تحقيقه في الظروف الحالية. ولكن إلى أن يحدث ذلك، سوف تستمرالمجزرة في إلقاء ظلالها الكثيفة والملحة على المجتمع والسياسة في مصر.
للاطلاع على النص كاملا (هنا)
مزيد من التفاصيل