تواجه محكمة "انقلاب1989" الذي أوصل الرئيس السوداني المعزول عمر البشير إلى السلطة، مأزقا حقيقياومنحى يصعب توقع مستقبله، بسبب طلب رئيسها تنحيته عن القضية، إثر ضغوط تشكك في عدالةالقضاء السوداني.
وفي خطوة متوقعة جراء الشد والجذببين هيئتي الاتهام والدفاع خلال الجلسات الماضية، طلب القاضي أحمد علي أحمد رئيس محكمة"انقلاب 1989"، الثلاثاء، إعفاءه من متابعة القضية، ورفع الجلسة إلى 10 آب/أغسطس المقبل إلى حين البت في طلبه.
وذكرت وكالة الأنباء السودانيةالرسمية، أن أحمد أوضح في حيثيات قراره، أنه قرر رفع الجلسة لمدة أسبوعين لمنح رئيسالقضاء المكلف عبد العزيز فتح الرحمن، وقتا كافيا للبت في طلب تنحيته من منصبه، فإنلم يستجب فسيعاود في الجلسة القادمة بعد أسبوعين مواصلة مهام عمله.
قضية سياسية
وفي 22 كانون الأول/ ديسمبر2020، أعلن قاضي محاكمة البشير في قضية انقلاب 1989، عصام الدين محمد إبراهيم، تنحيهعن القضية لظروف صحية.
وحينها كتب القيادي الإسلاميأمين حسن عمر، في تدوينة عبر صفحته على "فيسبوك": "نجا الرجل بنفسه من كل قيل..فالقضية لن تنتطح فيها عنزان (ليس حولها خلاف) كونها قضية سياسية بامتياز".
وتابع: "كيف لمن شيَّدبنيان وثيقته (الدستورية) التي يحاكم بها على انقلاب على نظام حكم مُنتخب معترف بهدوليا وإقليميا وعربيا وأفريقيا (في إشارة إلى قوى الحرية والتغيير "الائتلافالحاكم") أن يحاكم أشخاصا آخرين على التآمر على الدستور؟".
اقرأ أيضا: محامي سوداني يكشف عن طلب تنحي من قاضي محاكمة البشير
وفي 27 حزيران/ يونيو الماضي،تقدمت هيئة الاتهام بمذكرة إلى رئيس القضاء المكلف، تتعلق بإجراءات المحكمة، وما يحدثفيها من مخالفات.
واحتوت مذكرة الاتهام كل تفاصيلالمحاكمة، ورأت أن الصمت عما يحدث، أو المشاركة فيه، يرقى إلى درجة خيانة الشعب السوداني،الذي تمثله في هذه المحكمة، لذلك فقد قررت الهيئة عدم حضور الجلسات إلى حين الفصل في طلبهم.
حيادية القضاء
وقال رئيس هيئة الدفاع عن المتهمينفي القضية كمال عمر، للأناضول، إن أحمد طلب تنحيته عن القضية إثر "ضغوط"تعرض لها من هيئة الاتهام، مضيفا أن القاضي "طلب تنحيته بسبب طلب قدمته هيئة الاتهامفي مواجهته طالبته فيه بالتنحي عن القضية".
وأوضح عمر أن القاضي "اعتبرطلب تنحيته من قبل هيئة الاتهام طعنا في حيادية القضاء وأنه سيتنحى عن البلاغ"،معتقدا أنه "تعرض لضغوط من قبل محامي الحرية والتغيير، ولذلك فنحن لن نقبل بأيقاض خلفا للقاضي المذكور".
وتابع: "الأمر يمس حياديةالقضاء"، مشيرا إلى أن "الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) يجري مشاوراتبشأن ترشيحات لمنصب رئيس القضاء".
وزاد عمر: "بالتالي لاتستقيم عدالة ودستور وهناك جهة تتحكم في مسارات الحياة الدستورية وتستبدل القضاة علىهواها".
وأكمل: "المحاكمة لا بدمن تأجيلها حتى يكتمل البناء الديمقراطي، وتأتي حكومة ديمقراطية منتخبة تحاسب على كلالانقلابات العسكرية منذ الاستقلال في 1956".
مخالفات
في المقابل، قال عضو هيئة الاتهام،المتحدث باسمها معز حضرة، إن أحمد قدم طلبا لرئيس القضاء المكلف للتنحي عن القضية.
وأضاف، للأناضول: "سبقأن خاطبنا رئيس القضاء في ما يتعلق بوجود مخالفات قانونية وإجرائية في المحكمة".
وأردف: "المحكمة ستستمربقاض جديد حال قبول طلب تنحي القاضي الحالي، والسجن المؤبد سيكون مصير الرئيس المخلوع".
مناوشات سياسية
وفي ظل الاستقالات المتتاليةللقضاة، فإن السؤال المطروح بقوة حاليا هو: ما هو مصير سير إجراءات المحاكمة؟
وفي هذا الصدد، يقول عضو هيئةالاتهام المحامي طارق كانديك: "ستظل هذه المحاكمة تحت ولاية القضاء السوداني الذيحتمًا سيكلف قاضيا جديدا لمباشرة هذه الإجراءات رغم ما يكتنفها من مناوشات سياسية".
وأضاف للأناضول: "ستظلهذه المحاكمة مفتاحية لمحاكمة رموز النظام السابق على أول جريمة تم ارتكابها وهي تقويضالنظام الشرعي في 1989".
اقرأ أيضا: إيكونوميست: خلف واجهة صداقة قيادات السودان توتر عميق
وأردف كانديك: "أنا مطمئن بأن السلطة القضائية ستتعامل مع هذه المحاكمة بالمسؤولية اللّازمة لجعلها تمضي إلىنهاياتها".
في المقابل، اعتبر عمر أن "مستقبل المحكمة في ظل التنحيالمتكرر للقضاة، والمشاكسة بين هيئتي الاتهام والدفاع وتدخل خلية سياسية في مسألة الترشيحلرئاسة القضاء سيؤدي إلى محاكمة مشوهة تفتقر إلى عناصر المحاكمة العادلة".
وأضاف: "ستكون سابقة قضائيةأثرت على شعارات الثورة (ديسمبر 2018) في العدالة".
وبدأت في 21 تموز/ يوليو2020، أولى جلسات محاكمة البشير مع آخرين، باتهامات ينفونها بينها تدبير "انقلاب"و"تقويض النظام الدستوري".
وتقدم محامون سودانيون في أيار/مايو 2019، بعريضة قانونية إلى النائب العام بالخرطوم، ضد البشير ومساعديه، بنفس التهمة،وفي الشهر ذاته، فتحت النيابة تحقيقا في البلاغ.
وإلى جانب البشير، فإن بين المتهمينقيادات بحزب المؤتمر الشعبي (أسسه الراحل حسن الترابي)، علي الحاج وإبراهيم السنوسيوعمر عبد المعروف، إضافة إلى قيادات النظام السابق، علي عثمان ونافع علي نافع وعوضالجاز وأحمد محمد علي الفششوية.
وفي 30 حزيران/ يونيو 1989، نفذ البشير"انقلابا" عسكريا على حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، وتولى منصب رئيسمجلس قيادة ما عُرف بـ"ثورة الإنقاذ الوطني"، وخلال العام ذاته أصبح رئيساللبلاد.
وأُودع البشير سجن "كوبر"المركزي شمالي الخرطوم، عقب عزل الجيش له من الرئاسة في 11 نيسان/ أبريل 2019، بعدثلاثة عقود في الحكم، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الوضع الاقتصادي.
مزيد من التفاصيل