سيدة مفعمةبالحيوية والحركة، شخصية محبوبة وطموحة ورسامة وفنانة، كانت تتقن رسم البسمة علىوجوه الأطفال حين تجتمع بهم، كانت تشتري ملابس "المهرج" ومستلزماته منبالونات ملونة وهدايا تسعد قلوب الأطفال وترسم الفرح على وجوههم الصغيرة.
قبل الحادثةنسجت لباسا تنكريا على شكل خروف، ارتدته في أول فعالية في المدارس والمشافيكعادتها، لكن حياتها تحولت إلى جحيم بفعل كذب شرطي إسرائيلي جبان، ادعى بأنها كانتتنوي تنفيذ عملية تفجير سيارتها شرقي القدس المحتلة.
مأساةفلسطينية منسية منذ ست سنوات، تثير سخرية الجلاد والسجان الصهيوني، والصراخ منالقهر عند الفلسطينيين والعرب بعد أن التهمت التشوهات والحروق أكثر من 60% منجسدها.
كانت إسراءجعابيص تدرس في السنة الثانية بالكلية الأهلية في بلدة بيت حنينا شمالي القدس تخصصالتربية الخاصة، وكانت تعمل مع المسنين، إلى جانب الفعاليات الترفيهية في المدارسوالمؤسسات.
في 11 تشرينالأول/ أكتوبر عام 2015 كانت إسراء في طريقها من مدينة أريحا إلى مدينة القدس حيثكانت تعمل في مدينة القدس يوميا وكانت تنقل بعض أغراض بيتها إلى سكنها الجديدبالقرب من مكان عملها، وفي ذلك اليوم كانت تحمل معها أنبوبة غاز فارغة وجهازتلفاز، وحسب ما ذكرت إسراء للمحققين كانت تشغل المكيف ومسجل السيارة.
عندما وصلتإسراء قبل "حاجز الزعيم" بأكثر من 1500 متر تعطلت السيارة (كانت تتعطلبشكل شبه يومي)، قرب مستوطنة "معاليه أدوميم" وحدث تماس كهربائي وانفجربالون السيارة الموجود بجانب المقود، الموجود أصلا للتقليل من مضاعفات حوادثالسير، واشتعلت النيران داخل السيارة فخرجت إسراء من السيارة وطلبت الإسعاف منرجال الشرطة الإسرائيليين المتواجدين على مقربة من مكان الحادث إلا أن أفرادالشرطة لم يقدموا لها الإسعاف وطلبوا المزيد من رجال الشرطة والأمن.
وأعلنت الشرطةفي البداية أنه حادث سير عادي، ثم ما لبث الإعلام الإسرائيلي أن ادعى أنها عمليةاستهداف للجنود الإسرائيليين، واكتشف المحققون وجود التلفاز مع أنبوبة الغازالفارغة، وأن الذي انفجر بالون السيارة وليس أنبوبة الغاز، وأن تشغيل المكيف منعانفجار زجاج السيارة، لكن المخابرات الإسرائيلية واصلت مزاعمها بأن إسراء كانت فيطريقها لتنفيذ عملية.
اعتقلت الشرطةالإسرائيلية إسراء، وعقدت عددا من جلسات التحقيق معها داخل المستشفى لصعوبة نقلهاإلى المحكمة بسبب حالتها الصحية الحرجة، ووجهت لها لائحة اتهام في هذه الأثناءبمحاولة تنفيذ عملية وقتل يهود من خلال تفجير أنبوبة غاز. مع العلم أن أنبوبةالغاز كانت فارغة والانفجار حدث في مقدمة السيارة، واستدلت النيابة ببعض العباراتالمنشورة على صفحتها على فيسبوك.
وبعد مداولاتونقاشات داخل المحاكم الإسرائيلية حكم عليها بالسجن 11 عاما، وغرامة مالية مقدارها50 ألف شيكل. ووضعت في سجن "هشارون الإسرائيلي".
ولم تخضعإسراء لأي علاج سوى المسكنات من قبل الإسرائيليين، وتحتاج جعابيص إلى العلاجبالليزر وعمليات جراحية علاجية وتجميل، كما تعاني من مشاكل صحية كالنظر، والتنفس،والسمع، وأوجاع في قدميها، والأذن، وجفاف في الجلد.
ويزيد منمعاناتها طقس سجن "هشارون" الحار جدا وبشكل لا يحتمل خلال فصل الصيف،والرطوبة المرتفعة جدا بفعل قربه من البحر، إضافة للتهوية السيئة في الغرفة، الأمرالذي سبب لإسراء تهيجات في الحروق، وأوجاعا مختلفة.
أدت لالتصاقكتفها الأيمن من تحت الإبط بجسدها، حيث أصبحت عاجزة كليا عن تحريك يدها، كماالتصقت أذناها برأسها بفعل النيران، وهي بحاجة ماسة إلى أكثر من ثماني عملياتجراحية لتستطيع العودة إلى ممارسة حياتها بشكل شبه طبيعي.
وتحتاج إلىعملية فصل ما تبقى من أصابع يديها الذائبة والملتصقة بوضعها فوق بعض، وعمليةلزراعة جلد ليغطي العظام المكشوفة، وعملية لفصل أذنيها بعد أن ذابتا والتصقتابالرأس.
ولم تعد تقوىعلى رفع يديها إلى الأعلى بشكل كامل نتيجة التصاق الإبطين، وهي بحاجة إلى عملياتتصحيح للجلد في محيط عينها اليمنى وفي الأنف الذي أصبح غائرا، وذات الأمر بالنسبةللشفاه.
وكثيرا ماكانت تتألم وما زالت حتى الآن من ظهرها، ويديها، وتشعر بحرقة في العين، والإحساسالدائم بالدوار، وكلما ذهبت للعيادة وطالبت بإجراء عملية تجميل لها، يردون عليهاباستهزاء بأنها لن تعود كالسابق حتى لو أجريت لها عملية.
وتواجه إسراءصعوبة في تحريك يديها، وعندما تريد القيام بأي عمل يتطلب جهدا ولو بسيطا كانت تجرحيدها، وكانت تواجه صعوبة في النوم، وتشعر بقلق شديد، بحسب أسيرات فلسطينيات.
ودائما ماتشعر بآلام قوية لا تقوى على تحملها.
وتقول إحدىالأسيرات إن السجان كان ينظر إليها بفرح شديد مستمتعا بعذابها، لدرجة أنها صرخت فيوجهه مطالبة إياه بأن يدير وجهه عنها، أو أن ينظر لها باحترام.
وخلال جائحةفيروس كورونا، وبينما كانت مكبلة اليدين والقدمين أثناء تنقلها بين العيادات، صرخبها أحد الجنود لعدم ارتدائها قفازات، لترفع يديها في وجهه وتقول: "لا توجديدان".
كان من الصعبعليها أن تأكل أو تشرب بشكل طبيعي بعد أن ذوبت الحروق شفتها السفلى، وكان الأكليتساقط منها، بالتالي كانت تحتاج لكأس مزودة بأنبوب صغير تستطيع الشرب منه.
وكانت تتكفلبالأسيرة جعابيص، الأسيرة عالية العباسي إلى جانب الأسيرات الأُخريات اللواتي يقدمنلها كل ما تحتاجه من رعاية وطعام وإعطائها الدواء، وقالت إسراء لبعض الأسيرات بعدالإفراج عن العباسي: "أشعر باليتم منذ خرجت.. بالتأكيد كنت أتمنى لها ذلك..لكني من بعدها شعرت بأن جزءا من جسدي قد نزع مني بالقوة".
ويعيش ابنهاالوحيد معتصم مع جدته وخالاته في مدينة القدس.
معتصم يسألأكثر من مرة عن والدته وهي كذلك تسأل عنه "هل يسألكم عني وعن أحوالي، هليشتاق لي، هل ما زال يحبني بشكلي هذا"، معتصم يقول لخالته: "أنا أحبماما كيفما كانت، وأريد رؤيتها"، لكن مصلحة السجون لم تسمح له بذلك، ولم يرهاوجها لوجه منذ يوم الحادثة.
وتضامنا معإسراء انطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإطلاق سراح الأسيرةالجريحة جعابيص وعلاجها.
ودعت الحملاتإلى الضغط من أجل الإفراج عنها، ويحاول الفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعيالبوح بصوت الأسيرة الفلسطينية المصابة إلى العالم.
وتأتي هذهالحملة بعد نجاح الحملة التي انطلقت من أجل الإفراج عن الأسيرة الفلسطينية الحاملأنهار الديك.
جعابيص تحتاجإلى جانب العلاج الصحي والجراحي إلى علاج نفسي، حيث تقول في رسالة وجهتها منالسجن: "أنظر إلى نفسي في المرآة، نفسيتي تتحطم يوما بعد يوم، لا أستطيع فعلشيء وحدي، ولا أريد أن أطلب من الأسيرات مساعدتي لأنني أشعر بالإهانة والخجل (..)وفي نهاية المطاف أخبرت بأنني لن أرى ابني معتصم".
ورغم أوجاعهاالجسدية والنفسية بسبب ما خلفته الحروق من أضرار تسببت بتغيير ملامحها كليا، لاتزال إسراء تتحلى بروح الدعابة والفكاهة والقوة والعزيمة وتقوم بدور المهرجللترفيه عن الأسيرات فيما يحترق قلبها حزنا وقهرا.
وتحمل كلماتإسراء الكثير من الإيمان والسكينة وتقول: "أنا لست خائفة من شيء، فأنا لم أفعلشيئا، والله سبحانه وتعالى معي".
مزيد من التفاصيل