لم تجلب روسيا على امتداد 6 سنوات من تدخلهاالمباشر في سوريا، الذي بدأ في 30 أيلول/سبتمبر 2015، سوى القتل والتدمير والتهجيرلسكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والفقر والطوابير والإذلال لسكان المناطقالخاضعة لسيطرة حليفها بشار الأسد.
في العام 2015، كانت موازين القوى تصب في صالحالمعارضة، بعد عجز إيران ومليشياتها (إيرانية، عراقية، لبنانية، أفغانية) عنمساندة قوات النظام التي كانت على وشك الانهيار، ما دفعها إلى طلب التدخل منروسيا، التي وجدت في سوريا ورقة يمكن استثمارها على صعد مختلفة، أهمها استعادة دورالاتحاد السوفياتي كلاعب دولي، إلى جانب تحقيق مكاسب اقتصادية متعلقة بموقع سورياالجيوسياسي.
وبالفعل، استطاعت روسيا تثبيت سلطة النظام السوري،وأعادت سيطرته على نحو 65 في المئة من مساحة سوريا.
ومنذ أول يوم لتدخلها العسكري الذي جاء تحتذريعة "الحرب على الإرهاب"، استخدمت روسيا مبدأ الصدمة، بحيث عمدت إلىاستخدام قوتها المفرطة في الفترة الأولى لتدخلها، لتحمل المعارضة على الانكفاء،والتراجع، وهو ما توضحه الأرقام لعدد الغارات الجوية التي شنتها المقاتلات الروسية.
فحسب إحصائية نشرتها "الشبكة السوريةلحقوق الإنسان"، ارتكبت روسيا في العام الأول لتدخلها في الفترة الممتدة منذ30 أيلول/ سبتمبر 2015 حتى 30 أيلول/ سبتمبر 2016، 172 مجزرة، وتراجع العدد إلىالنصف في العام التالي.
وأكدت أن الحصيلة الأعلى من الضحايا سجلت خلالالعام الأول من التدخل الروسي بما نسبته قرابة 52 في المئة من الحصيلة الإجمالية،لكل الضحايا الذين سقطوا على مدار 6 سنوات، مشيرة كذلك إلى حجم الدمار الكبير الذيألحقته القوات الروسية على وجه الخصوص في العامين الأول والثاني من تدخلها، حيثشهد العام الأول للتدخل 452 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية.
وبيّنت الشبكة، أنها وثقت مقتل 6910 مدنيين بينهم 2030 طفلاً و974 سيدة، على يد القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سورياحتى 30 أيلول/سبتمبر 2021.
وبحسب إحصائية الشبكة الحقوقية، شنت روسيا مالا يقل عن 237 هجوما بذخائر عنقودية محرمة دوليا، وما لا يقل عن 125 هجوماً بأسلحةحارقة محرمة دولياً أيضا، منذ تدخلها العسكري في سوريا حتى الوقت الحالي.
وعن هدف روسيا من التدخل، بعيداً عن الذريعة أي"محاربة الإرهاب"، قال الكاتب المختص بالشأن الروسي، الدكتور نصراليوسف، إن التدخل الروسي في سوريا حقق لنظام بوتين عدداً كبيراً من المكاسب، أكبرمما كان يخطط له.
وأوضح لـ"عربي21"، أنه منذ تسلمبوتين السلطة، كان يخطط لإحياء دور "الاتحاد السوفياتي"، ووجد في سورياضالته، لتشكيل ما يشبه الحلف بمواجهة الولايات المتحدة.
وأضاف اليوسف، أن الهدف الأساسي للتدخل بعدإنقاذ النظام، هو استعادة روسيا لموقعها عالميا كطرف لا يمكن حل أي مشكلة بدونه.
وإلى جانب الحسابات المتعلقة بمكانة روسياعالميا، يشير اليوسف إلى الحسابات الاقتصادية، موضحاً: "وضعت روسيا قدمها فيالموانئ السورية المتوسطية، وكذلك أصبحت مقدرات الدولة السورية (النفط، الفوسفات)تحت قبضة موسكو".
ماذا عن الإرهاب؟
وبسؤال اليوسف عن "محاربة الإرهاب"،قال: "الجميع اتخذ من مكافحة الإرهاب ذريعة للتدخل، والواضح أن تنظيم الدولة"المُصنع" كان الشماعة الجاهزة لذلك".
وحسب اليوسف، فإن وجود التنظيم يصب في مصلحةروسيا.
وما يدلل على ذلك، استمرار خطر تنظيم الدولةالذي لا زالت خلاياه تنتشر في البادية السورية، رغم الحملات المتلاحقة التي تدعيروسيا تنفيذها بالتعاون مع قوات النظام السوري، والمليشيات المدعومة من إيران.
ما مستقبل الدور الروسي؟
وحول مستقبل الدور الروسي في سوريا، يقولاليوسف، "روسيا باقية في سوريا لأجل غير مسمى، فهي لم تكتف بالقواعد العسكرية(حميميم، طرطوس)، بل بسطت سيطرتها على كل مقدرات الدولة، إلى الحد الذي أصبحتفيه سوريا، محمية روسية".
ويتفق مع اليوسف، الباحث بالشأن السوري، أحمدالسعيد، الذي أكد في حديثه لـ"عربي21" انتهاء الوجود السوري الرسمي،موضحاً: "روسيا تقرر مستقبل سوريا، فهي من تجتمع مع الأطراف الدولية والإقليميةالمؤثرة في الشأن السوري، لبحث أي تفصيل سوري".
وأضاف السعيد، أنه على سبيل المثال، بالأمساجتمع بوتين برئيس تركيا رجب طيب أردوغان، لبحث الشأن العسكري في الشمال السوري،وقبلها التقى بوتين بالرئيس الأمريكي، لبحث الملف السوري، وكذلك مع العاهل الأردنيعبد الله الثاني.
أولويات روسيا المستقبلية في سوريا
وحسب مراقبين كثر، فإن روسيا انتقلت مؤخراً إلىتنفيذ مخطط إعادة تعويم النظام السوري، بعد أن حمته من السقوط، هادفة إلى إقناعالأطراف الدولية ببدء مرحلة إعادة الإعمار.
وأضافوا أن ما تراه روسيا انتصارا في سوريا،لا زال رهن التوافق الدولي، والاستراتيجية الأمريكية، التي لا زالت تصر على رفضالتطبيع مع النظام السوري.
وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجيةالأمريكية أن واشنطن لا تعتزم تطبيع أو رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية مع النظامالسوري، كما أنها لا تشجع الآخرين على القيام بذلك.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكيةلوكالة "رويترز"، الأربعاء، بشأن ما إذا كانت واشنطن تشجع أو تؤيدتقاربا بين الأردن وسوريا، إن "واشنطن ليس لديها أي خطط لترقية العلاقاتالدبلوماسية مع نظام الأسد، ولا تشجع أي أحد على القيام بذلك".
وتأسيساً على ذلك، لا زالت المعضلة السوريةعصية على روسيا، التي تحاول جاهدة فرض الأمر الواقع في سوريا على المجتمع الدولي.
الائتلاف يطالب بمحاسبة روسيا
في المقابل، إن استمرار روسيا بارتكاب المجازريؤكد أن الفشل فقط هو ما تصل إليه التدخلات العسكرية التي تأتي ضد إرادة ومصالحالشعوب، وأن الأثمان غالبا ما تكون باهظة على جميع الأطراف بحسب بيان للائتلافالسوري المعارض.
وأضاف في بيان، بمناسبة الذكرى السادسة للتدخلالروسي، "أن الإجرام الروسي في سوريا، والتعطيل الدائم في مجلس الأمن، وسط لامبالاة دولية، بدأ يحول الشرعية الدولية إلى مهرب يتمكن المجرمون عبره من النجاةبأفعالهم، والمنظمة الدولية إلى هيكل مشلول عاجز عن حل أي أزمة دولية."
وحمل الائتلاف الدول الفاعلة "مسؤوليةجرائم روسيا بحق الشعب السوري، مطالبا بفرض آليات مناسبة لوقف دورها الإجراميوالمعطل، مشددا على ضرورة العمل من أجل تحرك أكثر فاعلية لتطبيق القرارات الدوليةوفرض الانتقال السياسي في البلاد".
واختتم بيانه قائلا: "ست سنوات من العدوانوالإجرام الروسي لم تزد الشعب السوري إلا قناعة بضرورة هذه الثورة والإصرار علىاستمرارها حتى طرد المحتلين وعملائهم، من أجل بناء سوريا الجديدة التي ينعم بهاأهلها كل أهلها بالحرية والكرامة والديمقراطية بعيداً عن أي تمييز".
مزيد من التفاصيل