أثار الغضب السعودي الحاد من تصريحات وزير الأعلام اللبناني جورج قرداحي،تساؤلات حوله، خاصة أنه كثيرا ما صدرت تصريحات مماثلة من مسؤولين لبنانين سابقين ولم تردالسعودية عليها بنفس هذه الحدة.
فمثلا وجه وزير الخارجية اللبناني السابق في حكومة تصريف الأعمال، شربلوهبة، اتهامات إلى دول الخليج بالإتيان بـ"الدواعش" إلى لبنان، وضلوعالمملكة العربية السعودية في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وقال وهبة وقتها، خلال مقابلة تلفزيونية، في معرض تبريره ودفاعه عن سلاح"حزب الله"، إنّ "لبنان يتحمّل مسؤولية حزب الله، بيد أن القرارليس لبنانياً، بل عند الحزب الذي تجنّد عناصره للدفاع عن سيادة لبنان إبانالاحتلال الإسرائيلي لتحرير الجنوب".
وأثارت تصريحات وهبة آنذاك غضب السعودية، ولكن لم يصل الأمر إلى حد سحبالسفراء بين البلدين، ما يدفع للسؤال ما الذي اختلف هذه المرة وجعل الرياض تصرعلى سحب السفراء والتشدد في موقفها تجاه لبنان، بمعنى هل هناك أسباب أخرى زادت منحدة هذا الغضب؟
اقرأ أيضا: السعودية والبحرين تطردان سفير لبنان إثر أزمة قرداحي
صراع سعودي إيراني
أكدت الإعلامية اللبنانية ماريا معلوف على أن "القرارات التي اتخذتهاالحكومة السعودية جاءت كخطوة سبقتها عدة خطوات هدفت إلى ردع بعض التيارات والأحزابالتي تستغل لبنان للإساءة إلى المملكة العربية السعودية".
إلا أن معلوف ترى بأن "الأحزاب اللبنانية إما أنها تريد أن تدمر لبنانبأكمله وتمارس سياسة الأرض المحروقة ولا يهمها أي مصلحة للشعب اللبناني، أو أنها لاتزال تجهل صلابة الموقف السعودي".
وأوضحت خلال حديثها لـ"عربي21"، بأن "العلاقات بين لبنانوالسعودية يسودها الفتور منذ سنوات، في ظل اتهام الرياض للمسؤولين اللبنانيين بعدمالتصدي لحزب الله، حليف إيران، بعد أن كانت السعودية من أبرز داعمي لبنان سياسياوماليا.".
ولفتت إلى أنه "بحسب محللين، فإن الأزمة الدبلوماسية بين الرياضوبيروت تتخطى تصريحات قرداحي حول الحرب في اليمن، لتعكس صراعا سعوديا إيرانيا يدفعثمنه مجددا لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية".
وأشارت إلى أن "سحب التمثيل الديبلوماسي السعودي يأتي لتراكم أداءالدولة اللبنانية المسيطرة من قبل حزب الله تجاه محيطنا العربي، وبيان الخارجيةالسعودية ذكر الأسباب التي أدت الى هذا القرار الذي لحقها به كل من الكويت البحرينوالأمارات، وأولها ارسال وتهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية".
وأضافت: "السبب الثاني عدم التعاون اللبناني بتسليم المطلوبين أومحاكمتهم للتطاول المتكرر على السيادة السعودية، وبرأيي أن تدريبات حزب اللهللحوثيين والمشاركة في حرب اليمن الى جانب إيران ومشروعها التوسعي هي احدى الأسبابالرئيسية وراء اتخاذ هكذا قرار حاسم وجازم".
وأكملت: "في السابق نعم كان هناك تصريحات مسيئة لوزراء لبنانين منهمجبران باسيل، ولكن كانت أفعاله تثير غضب بعض أعضاء الحكومة اللبنانية وكانت تثيرالسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أما اليوم فالصمت عن تجاوزات قرداحي وعدمالرد على بيان حزب الله الذي دافع عنه، كل هذا زاد من الغضب السعودي وبالتالي كانلابد من المحاسبة على عجز الحكومة اللبنانية عن اتخاذ موقف معاد لأحد وزراءهاللسعودية".
المخدرات والحوثيين
وكانت السعودية قد أعلنت أكثر من مرة عن كشفها لشحنات من المخدرات قادمة منلبنان تم تهريبها في منتجات زراعية وغيرها، فمثلا كشفت السلطات السعودية في حزيران/يونيو الماضي عن إحباط محاولة تهريب أكثر من 14 مليون قرص مخدر.
وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) بأن "المديرية العامةلمكافحة المخدرات أحبطت محاولة تهريب 14 مليونا و400 ألف قرص إمفيتامينمخدر".
وأوضحت أن تم ضبط تلك الكمية "مخفية داخل شحنة ألواح حديدية قادمة منلبنان".
من جهته أكد مدير مؤسسة دراسات دول الخليج في واشنطن جورجيو كافيرو، على أن"الخلاف الدبلوماسي الأخير بين لبنان والمملكة العربية السعودية له علاقةكبيرة بمديح وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي للمتمردين الحوثيين في اليمن الذينكانوا في حالة حرب مع السعوديين منذ آذار/مارس 2015".
وأضاف: "ترى القيادة في الرياض أنه من غير المقبول أن يُظهر مسؤوللبناني رفيع مثل هذا الدعم للحوثيين".
وتابع كافيرو مستدركا بالقول لـ"عربي21": "لكن اليمن ليسالعامل الوحيد الظاهر في الصورة، حيث طلبت المملكة العربية السعودية من السلطاتاللبنانية اتخاذ خطوات معينة لمعالجة تدفق المخدرات من لبنان إلى أراضيها، وترىالرياض أن الحكومة اللبنانية فشلت في القيام بذلك، حيث أعترض السعوديون أكثر من 22مليون حبة كبتاغون على الحدود السعودية الأردنية وفي جدة ايضا، كما ساهمت الجرائمالمرتكبة بحق مواطنين سعوديين والاعتقاد بأن السلطات في بيروت لم تتعاون بشكل كافٍفي تسليم هؤلاء المجرمين إلى السعودية في إشعال هذا الخلاف وتصعيده".
اقرأ أيضا: السعودية تنصح مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان
حزب الله
ويرى مراقبون ومحللون أن أحد أهم الأسباب هو "سيطرة" حزب اللهعلى لبنان، وأن الحزب يعتبر شريك في الحكومة وداعم لقرداحي.
حيث قالت الباحثة الإيطالية، وزميلة أبحاث الخليج في المجلس الأوروبيللعلاقات الخارجية، سينزيا بيانكو، إن "مشاكل السعودية مع لبنان ليس لهاعلاقة بالوزير قرداحي، فتصريحاته هي مجرد مؤشر كامل على سيطرة حزب الله على البلاد".
وأوضحت بيانكو خلال حديثها لـ"عربي21"، بأن "سيطرة حزب اللهعلى البلاد ودعمها لقرداحي هي السبب الأهم وراء غضب السعودية، لذلك فإن استقالةالوزير اللبناني لن تكون كافية لإنهاء الأزمة العميقة الجذور".
بدوره أشار المختص الشأن الخليجي محجوب الزويري إلى أن "الأزمةالحالية تذكر تماما بالأزمة التي حدثت عام 2006 بعد الحرب مع إسرائيل، والتي اتهمفيها آنذاك وزير الخارجية السعودية الراحل سعود الفيصل حزب الله تحديدا بالشروعبالهجوم على إسرائيل".
وتابع الزويري في حديث لـ"عربي21": "واضح تمام أن هناك موقفسعودي قوي من التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي، ومن الواضح أيضاأن هناك تصعيد وعدم رضا عن الحكومة، وبالطبع المتهم الحقيقي بالنسبة للسعودية هو حزبالله ومن وراءه إيران وهذا الأمر ليس بجديد، ونذكر تماما نفس التصريحات السعوديةقيلت عام 2006 وبالتالي هذا نوع من تكرار للمشهد".
وأوضح بأن "الأمر الجديد هذه المرة أن الأزمة تأتي في وقت يجري الحديثفيه عن تقارب سعودي إيراني، ولكن التصريحات السعودية الناقدة لإيران مستمرة سواءما يتعلق ببرنامجها النووي أو بدورها الإقليمي، وبالتالي هذا الأمر يشكك بموضوعالتقارب الذي يتم الحديث عنه بوساطة عراقية".
اقرأ أيضا: وزير الخارجية السعودي: التعامل مع لبنان لم يعد مثمرا ومفيدا
الموقف من حكومة ميقاتي
وتشكلت حكومة رئيس الوزراء اللبناني بتوافق فرنسي إيراني، ولم تتدخلالسعودية في التشكيل كذلك لم يتم استشارتها حينما تشكلت أو استشارة الموالين لهاكرئيس الوزراء السابق سعد الحريري، ما يفرض سؤال حول ما إذا كانت الرياض توجهغضبها تجاه قرداحي أم في الحقيقة تجاه الحكومة ككل، لرفضها هذه التشكيلة؟
يرى لمحلل السياسي والأستاذ بكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية ببيروت،إبراهيم حيدر، بأن "الموقف السعودي وقطع العلاقات لا يرتبط فقط بتصريح وزير الإعلام،بل هناك خلافات قائمة منذ مدة طويلة".
وتابع حيدر في حديث لـ"عربي21": "أيضا السعودية ترى أنحكومة ميقاتي ليست مستقلة وغير قادرة على اتخاذ قرارات بمعزل عن سيطرة حزب اللهوبالتالي المشكلة هي أكبر من تصريح هنا أو موقف هناك، فوزير الإعلام كان في فترةما مع السعودية ثم صرح بطريقة مختلفة، وبالتالي الأمور هي قديمة وترتبط بالموقفالسعودي السياسي بالدرجة الأولى من حكومة نجيب ميقاتي ومن الوضع اللبناني عموما".
وأوضح بأن "هناك صراعا يمتد من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وهناكملفات متعددة، ولبنان في وضعه الحالي ربما في ظل موازين القوى القائمة هو أكثرانحيازا ل "محور الممانعة"، ويبدو في ظل موازين القوى القائمة بأنالحكومة جاءت بتزكية إيرانية فرنسية، بالتالي هناك هيمنة إيرانية أو لنقل مركز قوةإيراني سياسي يستطيع من خلال حزب الله أن يسير الأمور بطريقة مختلفة".
اقرأ أيضا: ما مصير الحكومة اللبنانية في ظل المطالبات باستقالة قرداحي؟
مزيد من التفاصيل