قبل شهر ونيّف على الذكرى العاشرة لخلافته والده كيم جونغ ـ إيل، بات الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون على مشارف بدء عهد جديد في بلاده، يتمحور حول شخصه فقط، مزيلاً صور والده وجده، مؤسس كوريا الشمالية، كيم إيل ـ سونغ، من المباني الرسمية، وفقاً للاستخبارات الوطنية الكورية الجنوبية، التي أعلمت برلمان سيول بما يجري في بيونغ يانغ، الأسبوع الماضي. وتشير خطوة كيم في نيته التحول إلى "قائد عظيم" في بيونغ يانغ، ضمن مفهوم خاص به، أطلقت عليه استخبارات الجنوب اسم "كيمجونغاونيزم"، في تلخيص للحكم الفردي المطلق، الذي يتجاوز أدوار الأسلاف لمصلحة الزعيم الحالي. والخطوة اعتيادية أساساً في كوريا الشمالية، إذ سبق أن منع مؤسس البلاد، أعمال كارل ماركس وفلاديمير لينين وجوزيف ستالين التي اعتُمدت في الاتحاد السوفييتي نظاماً للحكم، من أجل صياغة مفهومه الخاص في الحكم الفردي ضمن نظام شيوعي محلي. لكن خطوة الزعيم الحالي، تُعدّ الأولى من نوعها لتطرقها إلى السلالة الحاكمة، ويُمكن إدراجها في إطار "تحطيم الأيقونات" الأساسية التي قامت عليها كوريا الشمالية. ولا يُعرف بعد ما إذا كان كيم سيقوم بخطوات أخرى، مثل إزالة تماثيل جده ووالده من الساحات الرئيسية في البلاد. وهي خطوة إن حصلت، تكون قد أنهت حقبة طويلة في كوريا الشمالية، منذ تأسيسها في عام 1948، عبر مدح الزعماء السابقين مع الزعيم الحالي، واستبدالها بحقبة يسود فيها شخص كيم فقط.
بدت خطابات كيم في السنة الأخيرة مغايرة عن الأدبيات التقليدية
وتُظهر هذه التطورات أن كيم يواصل عملية الانفكاك عن إرث والده وجده، والتي بدأها ببطء منذ تسلمه السلطة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2011. ولا يعود السبب إلى براغماتية طارئة، بقدر ما تُترجم شخصية الزعيم، الذي تعلّم في سويسرا مع شقيقته، كيم يو ـ جونغ، صاحبة التأثير الواسع في حزب "العمال" الحاكم ولدى شقيقها. وتكفي العودة بالزمن عشر سنوات إلى الوراء لفهم خطوته الحالية، فحين تسلّم منصبه خلفاً لوالده أمر بوضع شعار بطول 560 متراً محفوراً على إحدى التلال الشاهقة وارتفاع الحرف الواحد فيه 20 متراً. وجاء في الشعار "يحيا الجنرال كيم جونغ ـ أون شمس كوريا الشمالية الساطعة". ويختلف كيم عن سلفيه، بأنه أكثر قرباً من المجتمع الدولي، خصوصاً مع الأميركيين. وبحكم عشقه لكرة السلة، فقد استضاف مراراً أحد أبرز لاعبي الدوري الأميركي للمحترفين، دنيس رودمان. رودمان بات صديقاً مقرّباً من كيم، ويدلي بدلوه بما يتعلق بأوضاع كوريا الشمالية. عدا عن ذلك، فإن صورة الزعيم الشمالي مقبولة بقوة في كوريا الجنوبية، التي أبدى 78 في المائة من مواطنيها، خلال لقاء قمة جمع كيم بنظيره الكوري الجنوبي مون جاي ـ إن (يتحدر من أصول كورية شمالية) في مايو/أيار 2018، رأياً إيجابياً بكيم. وفي العلاقة مع الولايات المتحدة، نجح في تحويل صدامه مع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إلى صداقة، تحديداً بعد تدخل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، لدى كيم، للإفراج عن ثلاثة أسرى أميركيين من أصول كورية الشمالية. وانتقل الصدام بين واشنطن وبيونغ يانغ من التهديد باستخدام الأسلحة النووية، إلى عقد ثلاث قمم بين كيم وترامب، وقول الأخير: كيم رجل موهوب ويحب بلاده كثيراً. إنه صاحب شخصية عظيمة وذكي جداً.
في الواقع، عمد كيم إلى الإمساك بالعصا من الوسط، درءاً لخطر الحرس القديم، عبر مواصلة تجارب الصواريخ التقليدية والنووية من جهة، وعبر إظهار نفسه أن لا بديل عنه لكوريا شمالية حديثة من جهة أخرى. ويُمكن ملاحظة نجاح خياراته، من خلال الاهتمام العالمي الذي ساد حين "اختفى" عن الأنظار مرات عدة، وسريان أنباء عن صعود شقيقته وتسلّمها منصبه. غير أن كل ذلك يُصبح من الماضي، حين يعود كيم للواجهة إعلامياً. وفي المرة الأخيرة التي اختفى فيها، في يونيو/حزيران الماضي، دام غيابه عن الأضواء شهراً واحداً، قبل أن يعود وقد فقد بين 10 و20 كيلوغراماً من وزنه. وبعيداً عن شخصيته، عمل كيم على إزاحة خصوم له في السلطة، خصوصاً في السنوات الأولى من عهده، آمراً بتنفيذ أحكام إعدام بحقّ وزراء وأمنيين وحتى زوج عمته، لتكريس "ديكتاتورية قاتلة"، وهو مبدأ سار عليه كل من جده ووالده. بعدها، بدأ يولي اهتمامه لوضع البلاد المعيشي. العزلة عن العالم التي رسخها النظام، خصوصاً في أفلامه وأدبياته، التي تُظهر "قوة كوريا الشمالية الخارقة"، استمر فيها كيم في خطاباته، سواء في مؤتمرات حزب "العمال" التي تجري كل خمس سنوات، أو في الاحتفال السنوي بمناسبة مولد كيم إيل ـ سونغ في 15 إبريل/نيسان من كل عام، وفي ذكرى تأسيس الدولة في كل 9 سبتمبر/أيلول، أو خلال كلماته المرحّبة بتجارب بلاده الصاروخية. في السنة الأخيرة، برزت مواقف لافتة لكيم، فخلال مؤتمر الحزب الحاكم في يناير/كانون الثاني الماضي، حافظ على جزئية "العداء" للولايات وتهديدها بالصواريخ "في حال هاجمتنا"، إلا أنه أقرّ بفشل الخطة الاقتصادية الخمسية، مشيراً إلى أنها "فشلت في تحقيق أهدافها على جميع الأصعدة تقريباً". وهو اعتراف نادر في دولة مثل كوريا الشمالية، التي تركّز على "مثاليتها". وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شدّد على أن بلاده لا تريد محاربة كوريا الجنوبية، مؤكداً أنه "لا نفكر في شن حرب على أحد، إنما نريد أن نمنع نشوب الحرب". وواصل مسلسل تصريحاته المفاجئة، بدعوته في أكتوبر الماضي أيضاً، مسؤولي بلاده إلى "التغلب على الوضع الاقتصادي الكئيب" الذي تواجهه كوريا الشمالية، وبذل جهود أقوى لتحسين الغذاء والظروف المعيشية لشعبه. وشدّد على أن حزبه عازم على تحقيق الأهداف الاقتصادية التي تم تحديدها خلال مؤتمر الحزب في يناير الماضي.
يختلف كيم عن سلفيه في علاقاته مع المجتمع الدولي عموماً
ولم تقتصر التطورات عند هذا الحدّ، ففي سبتمبر الماضي، أظهرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية، في لفتة غير مسبوقة، قميصاً عليه صورة مطبوعة لكيم للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وحسب وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية، فقد نشر التلفزيون الرسمي في كوريا الشمالية مقطع فيديو يظهر فيه قائد الفرقة الموسيقية خلال المعرض وهو يرتدي "تي شيرت" أبيض مع طباعة وجه كيم باللونين الأسود والأبيض عليه. ويُمكن وصف هذه الخطوة بـ"الجريئة"، لأن الكوريين الشماليين يتعاملون مع عائلة كيم بشكل من التقديس، ولا يرتدي المواطنون مثل هذه الملابس. وقارنت "يونهاب" بين مسألة "تي شيرت" وبين ما حصل في عام 2019، أي منذ عامين فقط، عندما نشرت وسائل الإعلام في كوريا الشمالية، قصة تشيد بمهندس سفينة على "عمله البطولي" في إنقاذ صور كيم وزعيمي البلاد الراحلين من غرق سفينة. صحيح أن كيم يبدو وكأنه يسلك مساراً تقليدياً في التاريخ، لناحية التفرّد بالسلطة، إلا أن عناوين حكمه أضحت واضحة في إطار ما يريد فعله، وهو "قتل العائلة" لتكريس زعامته، لكن نجاح هذه الخطوة والبناء عليها في المستقبل، يبقى مرهوناً بمدى قدرته على إمساك السلطة وتلبية حاجات مواطني كوريا الشمالية غذائياً وطبياً. وينال كيم هنا، دعماً روسياً ـ صينياً تجلى بتقديم مشروع مشترك، مساء الثلاثاء الماضي، في مجلس الأمن الدولي لإنهاء العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، التي تتضمن حظر تصدير المأكولات البحرية والمنسوجات واستيراد المنتجات البترولية المكررة، علاوة على الحظر المفروض على إرسال مواطنيها الذين يعملون في الخارج أموالاً إلى داخل البلاد.
(العربي الجديد)
مزيد من التفاصيل
آخر 10 مشاركات
5th November 2021, 05:13 AM
كيم "يقتل" عائلته: إزالة إرث المؤسس والوالد
العرض العادي
