لم يتوقف الجدل بتونسبخصوص الدعوة التي توجه بها الرئيس قيس سعيد منذ يومين إلى التونسيين لـ"مساعدةالدولة" عبر التبرع لصالحها، في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمربها البلاد منذ الانقلاب على الحكومة والبرلمان.
وتأتي دعوة سعيد في ظلظرف اقتصادي يوصف بالكارثي على المواطن الذي يعاني البطالة والفقر وارتفاعا غيرمسبوق في الأسعار، مما أحدث سخرية كبيرة من الدعوة.
وفهمت دعوة سعيد، علىأنها تأكيد للتخبط الذي يعاني منه، بعد فشله والحكومة في الحصول على مساعدات منالإمارات والسعودية، وفق مغردين ونشطاء.
دعوة العجز
رئيس منتدى "آفاقجديدة" المحلل السياسي، عبد الحميد الجلاصي قال إنه بخصوص دعوة الرئيس المواطنينللتبرع للدولة، "فقد أصبح من المعلوم الآن لدى الجميع أن سعيد لا يمتلك رؤيةولا برنامجا ولا سياسات بالمعنى الذي تدار به الدول".
وأشارلـ"عربي21" إلى أنه "يمتلك فقط مجموعة عناوين، قد تغري عندما يكونفي موقع المعارضة أو النقد، ولكنها لا تقدم حلولا عند مباشرة الحكم، وهذه ورطتهالحقيقية، بل هي ورطة كل الشعبويات التي تفشل بمجرد مواجهة الوقائع الصلبة".
وأضاف الجلاصيلـ"عربي21"، كان سعيد "يستطيع التخفيف من حالة العجز هذه لو اختارالاستعانة بأهل الخبرة وسمح لهم بهامش للتصرف، ولكن ليس هذا أسلوبه في تسيير الأمور،إنه لا يثق في أحد ولا يستطيع التفويض لأحد".
من جانبه رأى أستاذالاقتصاد محمد النوري لـ"عربي21" أن دعوة سعيد المواطنين للتبرع، إقرار بفشل المحاولات التي تبذلها الحكومة في اتجاه الدول الخليجية كالسعوديةوالإمارات؛ لأنه بات واضحا تماما أن المراهنة على المساعدات الثنائية وخصوصا منتلك الدولتين باعتبارهما الجهة الراعية إقليميا للثورة المضادة منذ سنوات، باتواضحا أن هذه المراهنة فشلت على الأقل لحد الآن".
وأضاف النوري: "وليسعودة رئيسة الحكومة من زيارتها الأخيرة للسعودية والتقاؤها بممثلي البلدين، بيدينفارغتين، سوى دليل على فشل تلك المراهنة رغم الاستمرار الرسمي في خطاب تطميني، علىغرار تصريحات محافظ البنك المركزي، للإيهام بأن الأمل في تلك المساعدات لا يزالقائما، والحال أن السعودية مثلا، أعلنت عن مساعداتها لكل من الباكستان ومصر واستثنتتونس بشكل واضح".
وأشار إلى أنه"بات واضحا كذلك أن موقف سعيد وحكومته يشوبه التخبط والاضطراب بين التعويل عن إيرادات الأموال المنتظرة من محاربة الفساد حينا، والمساعدات المأمولة من بعض الدولالصديقة للتمشي السياسي الجديد للرئيس سعيد، الذي لا يمكن أن يصنف إلا في خانةالثورة المضادة ".
استجابة أم رفض ؟
وعن مدى استجابة التونسيينللدعوة والمساهمة، قال الجلاصي: "بالطبع فإن شركاء البلاد مهما بلغت درجةتفهمهم لسعيد أو تحمسهم لإجراءاته، لا يمكنهم مساعدته دون معرفة مآلات أموالهم، قدتحصل مساعدة رمزية من هنا وهناك، ولكنها لن تكون قادرة على تلبية ما تحتاجه خزينةالدولة".
وتوقع الجلاصي "أنتونس ستمر بأشهر صعبة وربما تكون ضرورية حتى يدرك الناس حجم الخديعة التي تعرضوالها، وأن المنقذ غير قادر على شيء سوى السراب، وقد يكون حصول هذا الوعي الخطوةالأولى للخروج من هذا الكابوس، وآمل أن نكون أمام فرصة حقيقية للخروج من رداءةالأوضاع قبل 25 تموز/يوليو ومن النفق الذي دخلناه بعدها".
من جهته رأى النوريدعوة المواطنين إلى المساهمة في سد الفجوة المالية " أمرا من غير المعقول ولاالمنتظر أن يلقى استجابة ملموسة، إلا ضمن سياق تضامن وطني واسع ولحمة وتماسكاجتماعي قوي ووحدة وطنية صلبة، وهو ما يفتقده السياق الراهن الذي يغلب عليهالاحتقان الاجتماعي والتنافر السياسي وغياب الثقة بين الحاكم والمحكوم".
ويعتبر النوري أن هذهالدعوة "تفترض مقدرة شرائية في أحسن حال ومعدل إدخار مقبول وتوفر حد ضروري منالسيولة النقدية في الدورة الاقتصادية، وكل ذلك للأسف الشديد مفقود في الظرف الراهنالذي تمر به البلاد".
وعدد الخبير النوريعوامل إضافية أخرى لرفض الدعوة تتعلق "بمنسوب الثقة في الاقتصاد بسبب غيابالرؤية وضبابية الخيارات، وهذه نقطة على غاية من الأهمية؛ لأنه عندما تفقد الثقة فياقتصاد بلد ما، يفقد معه كل شيء فيسود الانكماش بدل النمو، ومن ثم يضمحل الإنتاجويتقهقر الاستثمار ويميل الأفراد إلى اكتناز الأموال واحتكار السلع، وينمو التهريبوتتفاقم الاختلالات وتشتد الأزمة التي لن تعود إلا عبر استعادة الثقة وشيوعالاطمئنان ووضوح الرؤية".
وخلص الدكتور النوريإلى أنه في الوضع الراهن، "من غير المنتظر حصول الانفراج إلا بالخروج منالأزمة السياسية وعودة دولة القانون والمؤسسات ووضع حد للتدابير الاستثنائية، وهيشروط يبدو أنها تتقاطع مع عودة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي أصبحت ضرورةلا مفر منها أكثر من ذي قبل".
أي مستقبل؟
وعن الوضع الاقتصاديالذي ينتظر البلاد والمواطن في حال عجزت الدولة عن إيجاد التوازنات المطلوبة، يردالخبير الاقتصادي: "على المستوى القريب، ليس مستبعدا أن يتم التوصل إلى غلقميزانية العام الجاري ???? التي هي بحاجة إلى ما يعادل ?،? مليار دولار، سيتم علىالأرجح تغطيتها من خلال المزاوجة بين طباعة النقود عبر المزيد من إصدار السنداتالحكومية، على غرار ما هو حاصل منذ شهر تموز/يوليو الماضي، وبين تكثيف الجهود في تحصيلالجباية وفرض ضرائب إضافية بعنوان حساسية الظرف، مما قد يسهم في ارتفاع منسوبالاحتقان الاجتماعي وضعف التفاعل مع الدعوات للتضامن الوطني".
ولفت الخبير قائلا: "لقدكان من نتيجة هذه المزاوجة، ما لوحظ من قبل بعض المتابعين لارتفاع مفاجئ لرصيدالحساب الجاري للحكومة لدى البنك المركزي، بما لا يقل عن ?،? مليار دينار يوم ? منالشهر الجاري، وهو متأت من ارتفاع الإيرادات الجبائية من جهة، وطباعة نقود من خلال إصدار سندات، والقيام بعمليات سواب swap مخصوصة من جهة أخرى".
وتابع النوري: "منالمتوقع أن يستمر لجوء الحكومة والبنك المركزي في إصدار السندات؛ خصوصا لتغطيةالجزء الثاني من الديون المرتبطة بالضمان الأمريكي، التي تقدر ب ?،? مليار دولارفي الأيام القليلة القادمة. سيستمر التعويل على التمويل الداخلي عبر إصدار السندات، التي هي شكل من أشكال طباعة النقود، في انتظار حل المشكل برمته مع صندوق النقدالدولي، حيث بدأت المشاورات الأولية الأسبوع الماضي بطلب من الحكومة التونسية".
وتساءل الخبيرالاقتصادي: "يظل السؤال إلى أي حد سيتجاوب الصندوق مع الملف التونسي، خصوصاضمن أية شروط وأي سياق سياسي، وما هي الكلفة المترتبة عن ذلك ؟ أما بخصوص ميزانية????، فالمعضلة أكبر حيث تقدر الفجوة التمويلية بما لا يقل عن ?? مليار دينار، ممايستوجب التوصل إلى حل ما مع صندوق النقد الدولي، لكي تفتح المؤسسات الماليةالإقليمية والدولية أبوابها أمام تونس لسد حاجياتها عبر الاقتراض".
وختم قائلا: "ماعدا ذلك، ليس هناك من خيار آخر أمام تونس سوى الركون إلى نادي باريس من أجل إعادةجدولة الديون، مع ما تقتضيه من كلفة باهضة على مستوى القرار السيادي للبلاد" .
مزيد من التفاصيل