تعيش الأوساط الأمنية الإسرائيلية حالة من الانزعاج والقلق؛ عقب الكشف عن وجود جاسوس في منزل وزير الحرب بيني غانتس، وما شكله ذلك من إخفاق واختراقكبيرين للمنظومة الأمنية المحيطة به، وانتشار مزيد من التقديرات الاستخبارية عن إمكانيةوجود جواسيس آخرين منتشرين في مواقع أخرى حساسة في دولة الاحتلال.
الخبير العسكري رون بن يشاي ذكر في مقاله بصحيفة "يديعوتأحرونوت"، أن "جهاز الأمن العام- الشاباك، يتحمل المسؤولية عن هذا الإخفاق،ورغم أننا أمام منظومة أمن شخصي باهظة التكلفة، لكن هناك فشلا خطيرا ومهددا للحياةلا يجرؤ أحد من الإسرائيليين على إصلاحه، مع أن إسرائيل عرفت 3 كوارث على الأقل علىهذا الصعيد، تسببت أحدها بقتل وزير السياحة الأسبق رحبعام زئيفي من قبل الجبهة الشعبيةلتحرير فلسطين في 2001 داخل أحد الفنادق".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21"، أن "هناك ثغرةكبيرة في نظام الأمن الشخصي المزدحم والمكلف للغاية في جهاز الأمن العام، ولا أحد منالإسرائيليين يكلف نفسه عناء حظره، رغم أن الشاباك يدرك على مدى 50 عاما على الأقلخطورة تكرار نفس الفشل الأمني، لم يتم إصلاحه بعد، لأننا أمام نفس الفشل والإهمال،بدءا بالسلامة الجسدية للمسؤول ومن حوله، ومرورا بأمن المعلومات الحساسة التي بحوزته".
مع العلم أن دافع الضرائب الإسرائيلي ينفق عشرات الملايينمن الشواكل كل عام، إن لم يكن المئات، على نفقات الأمن الشخصي لكبار مسؤولي الاحتلال،حيث يتم تخصيص جزء كبير من المبلغ لأمن الشخصيات السبعة الذين يتم تعريفهم بأنهم"رموز الحكومة"، وهم: رئيس الدولة، رئيس الوزراء، وزيرا الحرب والخارجية،رئيس الكنيست، زعيم المعارضة، رئيس المحكمة العليا، في حين أن شعبة الأمن (730) التابعة للشاباك، مسؤولة بشكل مباشر عن هذه المهمة الحساسة.
تتحدث المحافل الإسرائيلية أن إجراءات الحماية تمتد لتصلتأمين النساء والأفراد التابعين للسبعة الكبار، وتتضمن الكوادر الأمنية وعشرات السياراتالمثبتة والمدرّعة، ومئات المباني والمعدات المختلفة، بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية،من خلال أفضل تقنيات الإنذار والحماية، والتصرف بطريقة لا تضعف ردع إسرائيل ضد أجهزةالمخابرات المعادية، ورغم كل ذلك يبقى السؤال المحير عن كيفية إفلات عومري غورين عاملالنظافة في منزل غانتس من هذه الإجراءات.
صحيح أن الشاباك، أقر بمسؤوليته عن الخطأ، ويمكن الافتراضأنه سيتم استخلاص استنتاجات منهجية وشخصية في نهاية التحقيق، لكن أين كان الجهاز وجيشالعاملين معه عندما استأجر غانتس خدمات سارق البنك غورين في 2018، حين لم يكن من بينالسبعة الكبار، ولم يكلف نفسه عناء إجراء فحص أساسي على جوجل، ولم يطلب من أي شخصالقيام بذلك، ليس فقط حرصا على ممتلكاته وأفراد أسرته، ولكن أيضا بسبب خطورة المعلوماتالحساسة التي بحوزته.
أخطر من ذلك، يمكن الافتراض أن وثائق غانتس السرية كانت توضعأحيانا على الطاولة عندما قام غورين بنفض الغبار عنها؛ لأن مهنته تتيح له الوصول المباشرلكل أركان المنزل وأفراد عائلة غانتس، الذي كان يعرف أن المخابرات الإيرانية تعتبرههدفها المفضل لمراقبته، رغم أن غانتس ليس أول مسؤول حكومي إسرائيلي رفيع في سلوكه ساهمبتخريب الجهود الأمنية، وإهدار أموال دافعي الضرائب، وتعريض المعلومات الحساسة التيبحوزته للخطر.
تذكر التقارير الإعلامية الإسرائيلية أن ثلاثة وزراء علىالأقل، اثنان منهم وزيرا الحرب، سبقا غانتس في هذا الإهمال والفشل، الأول موشيه ديانالذي أقام في 1969 علاقة مع امرأة تدعى إليشيفا تشيسيس، 24 عاما، وقررت الاستفادة منهلابتزازه، رغم أنه كان بعد حرب الأيام الستة 1967 قد اكتسب صيتا كبيرا، لكنه مع ذلك"سقط في الفخ"، بل ألقى بنفسه بشكل غير مسؤول في الفخ، وعندما طلبت الشابة"رسوم الصمت" وافق على الدفع، لكنها مع ذلك نشرت القصة في الإعلام مما تسبببضجة كبيرة، لأنه تخللها تفاصيل مخزية.
حادث إهمال آخر حصل مع رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين،الذي رفض ارتداء سترة واقية تحت ملابسه مساء يوم مقتله، وربما لو التزم بالإجراءاتالأمنية لما قُتل برصاص يغآل عامير في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، رغم أنه في تلك الأيام كانت التهديداتعلى حياة رابين كثيرة وخطيرة، وطلب منه جهاز الشاباك مرارا وتكرارا أن يرتدي سترةواقية، لكن مخالفته لتلك التعليمات تركت ما يصفها الإسرائيليون بـ"كارثة"على المستويين الأمني والسياسي الذي لحق بالدولة.
الإخفاق الثالث كان من نصيب وزير السياحة رحبعام زئيفي الذياغتيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 في فندق بالقدس، حيث كان يقيم مع زوجته، وكانت تلك الأيام بدايةالانتفاضة الثانية، والعديد من عمال الفنادق في شرقي القدس فلسطينيون، لم يجتازوا التشييكالأمني، وقد ترأس الشاباك في حينه آفي ديختر، الذي طلب من زئيفي أن يرافقه حارس أمنشخصي، لكنه رفض بعناد، ولذلك نجحت الجبهة الشعبية في قتله بسهولة داخل الفندق، انتقامالاغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى.
مزيد من التفاصيل