دخلت العملية الانتخابية في ليبيا مرحلة جديدة من التأزيم قد تؤدي إلى تأجيلها، وربما انهيارها بالكامل، في ظل عودة مجلس النواب إلى شن حملة عرقلة جديدة، بعد الدعوة إلى جلسة مساءلة لرئيس المفوضية العليا للانتخابات والهيئات القضائية، فمن يقف وراء هذه الدعوة وما أسبابها وما هي دلالات توقيتها؟
وأكد رئيس مجلس النواب المكلف فوزي النويري، لـ"العربي الجديد"، أن هيئة رئاسة المجلس لم تحدد موعداً حتى الآن للجلسة التي دعا إليها عدد من النواب لمساءلة رئيس المفوضية عماد السائح، لكنه أكد أن الهيئة لا تزال تناقش دعوة النواب ومن المرجح الاستجابة لها.
جلسة المساءلة شرط لقائمة المترشحين
وليل أمس، أصدر النويري بياناً أكد فيه وصول دعوة من عدد من النواب إلى هيئة رئاسة مجلس النواب لمناقشة تطورات العملية الانتخابية، وقال "نحن في تواصل مستمر مع الأعضاء والمفوضية العليا للانتخابات والمجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للقضاء، وسوف نعمل على تحديد موعد للجلسة، وتوفير كل المتطلبات لحضور النواب".
وجاء تصريح النويري وبيانه، ليل البارحة، بعد مطالبة 72 نائباً المفوضية بعدم الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، إلا بعد خضوع رئيسها للمساءلة، في جلسة حددوا اليوم الاثنين موعداً لها.
وفي بيان مشترك أمس الأحد، عبر النواب عن قلقهم من "التطورات السلبية للعملية الانتخابية"، واتهموا الهيئات القضائية مفوضية الانتخابات بــ"عدم تقيد القانون الانتخابي والالتفاف عليه"، وكذلك "السكوت على شبهات التزوير وشراء الأصوات، والتأثير على القضاء ترهيبا وترغيبا"، وأضاف البيان "لن نقبل الرضوخ لضغوط خارجية مشبوهة أو أن نكون شهودَ زور على حفل تزوير وشراء أصوات وامتهان للمؤسسة القضائية".
جدل وتساؤل حول التوقيت
وأثارت التهم والدعوة الموجهة للمفوضية جدلا واسعا في الأوساط الليبية بسبب توقيتها، فيما أكدت المفوضية أنها لم تتلق أي مراسلة من مجلس النواب بشأن دعوتها لحضور جلسة خاصة بها، لكن مصادر مقربة من المفوضية كشفت لـ"العربي الجديد"، في تصريحات سابقة، عزم رئيس المفوضية عماد السائح لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في مقر إقامته في منطقة القبة، شرقي البلاد، وهو ما أكده السائح في تصريحات صحافية في وقت لاحق أمس، وسط استغراب حيال ذهابه للقاء عقيلة صالح لمناقشة قضية الانتخابات الرئاسية، كونه مرشحاً رئاسياً ولا يمارس عمله في الوقت الحالي رئيسًا لمجلس النواب.
ودافع عضو مجلس النواب محمد سعيد، أحد الموقعين على بيان النواب الـ72، عن حق النواب في متابعة سير العملية الانتخابية ومحاسبة المفوضية ورئيسها على الخروقات التي حدثت أثناء عمل المفوضية.
وأوضح سعيد، لــ"العربي الجديد"، أن الخروقات تمثلت في عدم تقيد المفوضية بالقوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب، ومنها إعلانها عن قبول أرواق مترشحين للانتخابات تخالف أوضاعهم شروط الترشح من جانب، وقبول المحاكم طعونا واستئنافا من قبل مرشحين لا يتوفرون على الشروط المنصوص عليها في قانون الانتخابات الرئاسية من جانب آخر.
ولفت سعيد إلى أن المفوضية باتت محل شك، فقد أصدرت العديد من البيانات والقرارات، ثم تراجعت عنها "بحجج واهية،كاختراق صفحة المفوضية وغيرها من الحجج". مضيفاً أن هناك شكوكاً أيضا في عدد الناخبين، وقال "عدد الناخبين المسجلين مليونان و300 ألف، ثم فجأة قفز ليصل إلى مليونين و800 ألف، بحجة أن هناك خطأ في تدوين الرقم على الصفحة الرسمية".
يتخوّف سعيد من وجود تلاعب في عدد الناخبين، غير أنه يؤكد أن دعوة النواب لمساءلة رئيس المفوضية والهيئات القضائية المساعدة للمفوضية هي للحفاظ على العملية الانتخابية، فـ"الانتخابات لإنقاذ البلاد والدفع باستقرار أكثر".
جلسة مغلقة
ولم يرد المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق على اتصالات "العربي الجديد" للاستفهام عن مستجدات الجلسة المقررة، وزودت مصادر "العربي الجديد" بمعلومات تفيد بقبول رئيس المفوضية عماد السائح حضور الجلسة، شريطة أن تعقد بشكل مغلق.
وفي الأثناء، لم يصدر عن عقيلة صالح أي موقف بشأن إعلان السائح عزمه لقاءه بمقر إقامته في مدينة القبة، شرقي البلاد. لكن الناشط السياسي الليبي صالح المريمي يرجح بشكل كبير أن يرفض صالح اللقاء ليحافظ على وجوده في العملية الانتخابية، كما رجح أن يكون تدخل مجلس النواب مجددا في العملية الانتخابية بداية لسيناريو تأجيلها.
ورأى المريمي، في حديثه لــ"العربي الجديد"، أن توقيت الدعوة للجلسة يشير إلى أن من وقف وراء تفصيل القوانين الانتخابية، وصممها لتمرير أشخاص بعينهم ورفض آخرين، هو من يقف وراء عملية العرقلة الحالية، مؤكدا أن عقيلة صالح وخليفة حفتر وراء دعوة النواب لمساءلة المفوضية.
ومع استغرابه دعوة النواب لمساءلة الهيئات القضائية التي تعد سلطة عليا ومستقلة عن مجلس النواب، يشير المريمي إلى أن دعوة المساءلة تمحورت حول مخالفات المفوضية للقوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب بشكل غير قانوني من أصلها.
وقال: "عوّل مجلس النواب بشكل كبير على علاقته برئيس المفوضية، الذي كان إلى وقت قريب محل اتهامات من أطراف أخرى بانحيازه لمجلس النواب، بسبب قبوله القوانين الانتخابية غير المتوافق عليها، لكن مسار الترشح لم يأتِ كما تشتهي سفن حفتر وعقيلة، لذا عادا للتشويش والعرقلة".
ويعتبر المريمي أن الأسباب وراء عرقلة النواب الجديدة تتمثل في نجاح رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة في المرور من مختنقات الطعن القضائي في ترشحه، وعودته بقوة القانون إلى المترشحين للرئاسة، مشيرا إلى أن عودة سيف الإسلام أيضاً باتت محل انزعاج من جانب حفتر، الذي حاول جاهدا منعه من الوصول إلى القضاء عبر محكمة سبها.
ضغط دولي وإقليمي
وفيما يؤكد المريمي أن فقدان عقيلة وحفتر وحلفائه كتلاً انتخابية ذات كثافة سكانية عالية في الغرب والجنوب هو الداعي الحقيقي للعرقلة الجديدة، يضيف الأكاديمي الليبي وأستاذ العلوم السياسية خليفة الحداد أسباباً أخرى وراء هذه الخطوة، ممثلة في الخلافات الدولية والإقليمية حول المترشحين وضغطها على مسار العملية الانتخابية.
واصطبغت تصريحات مسؤولين في عديد العواصم الإقليمية والدولية، في الآونة الأخيرة، بصبغة الدعوات الضمنية لتأجيل الانتخابات في ليبيا، وسط مخاوف من وصولها إلى طريق مسدود قد يرجع البلاد إلى حالة الاحتراب مجددا.
ويعتقد الحداد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن استقالة المبعوث الأممي يان كوبتيش هي من تجليات هذا الخلاف الدولي، ويرى أن نجاح روسيا في الدفع بممثلي سياساتها من رموز النظام السابق، لا سيما سيف الإسلام القذافي، إلى مراحل متقدمة في العملية الانتخابية، دفع عواصم أخرى، ومنها واشنطن، إلى مراجعة حساباتها، وقال "أعتقد أن عقيلة وحفتر يريدان تقويم مسار العملية الانتخابية لمصلحتهما، ويرغبان في تأجيلها، لكن عواصم غربية باتت تتجه إلى القبول بسيناريوهات التأجيل إلى حين معالجة القوانين الانتخابية، لإقصاء أكبر عدد من الشخصيات الجدلية قبل مرحلة الاقتراع الانتخابي، لضمان عدم وصول أي شخصية يمكن أن تتسبب في العودة لحالة الفوضى".
ويفترض أن تعلن المفوضية العليا للانتخابات قائمة المترشحين النهائية لانتخابات الرئاسة، بعد انتهاء مرحلة الطعون القضائية، خلال أيام. وأصدرت محكمة سبها حكما بإعادة سيف الإسلام القذافي إلى قائمة المترشحين، وكذلك فعلت محكمة استئناف طرابلس، فأعادت رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى القائمة ذاتها.
مزيد من التفاصيل