بدأ آلاف السودانيين، مساء اليوم السبت، التجمع في عدد من النقاط الرئيسة بالعاصمة الخرطوم، استعداداً للتوجه إلى القصر الرئاسي، للضغط على العسكر للتنحي عن السلطة، استجابة لدعوة لجان المقاومة وأجسام نقابية وتيارات سياسية للخروج في "مليونية 25 ديسمبر"، ومواصلة التصعيد الثوري ضد الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وحمل المشاركون في التجمعات، لافتات مناوئة للعسكر ومنددة بالانتهاكات التي شهدتها المواكب السابقة خلال الشهرين الماضيين، وآخرها موكب 19 ديسمبر/كانون الأول. وهتفوا بسقوط انقلاب السودان 2021 العسكري وطالبوا بعودة الحكم المدني.
وأطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع على موكب محدود في منطقة وسط الخرطوم تحرّك قبل وصول بقية المواكب.
وكانت السلطات الانقلابية قد استبقت الدعوة للمليونية، منذ أمس الجمعة، بإغلاق ستة من الكباري والجسور الرابطة بين وسط الخرطوم ومدن أخرى، وقطعت خدمة الإنترنت، وتلا ذلك قطع الاتصالات الهاتفية.
وأغلقت أيضاً عدداً من المداخل لوسط الخرطوم، ونشرت قوات مشتركة من الجيش والشرطة والدعم السريع بكثافة في عدد من النقاط، وتمركزت حول محيط القصر الرئاسي. كذلك اعتقلت عدداً من نشطاء لجان المقاومة، دينامو الحراك الثوري، ضد انقلاب البرهان الأخير.
هل يستقيل حمدوك؟
وقال عضو اللجنة الإعلامية في "قوى إعلان الحرية والتغيير"، عباس محمد إبراهيم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإجراءات الاستباقية لمواكب 25 ديسمبر، اليوم السبت، تستبطن الهلع داخل المعسكر الانقلابي حيال نشاط لجنة المقاومة والتنظيم الدقيق للمواكب في الفترة السابقة".
وتابع: "لذا لجأت السلطة إلى تنفيذ حملة اعتقالات بحق قيادات لجان المقاومة والناشطين في الحراك الثوري وغيرها من إجراءات شملت إغلاق وسط الخرطوم، وزيادة معدلات الانتشار الأمني".
واعتبر الإجراءات الاستباقية "مؤشراً قوياً على الرغبة في مواجهة مليونية اليوم بعنف كبير يمكن أن يشابه ما حدث في مليونية 17 نوفمبر/تشرين الثاني"، مضيفاً أنّ "السلطات تخطط لاستغلال انشغال العالم باحتفالات عيد الميلاد المجيد لتنفيذ مجازرها، لأنها تخشى الرأي العالمي أكثر من حرصها على حقن دماء السودان".
وأوضح إبراهيم أنّ "من التفسيرات أيضاً لتلك الإجراءات، وجود تيار داخل المعسكر الانقلابي يريد دفع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك نحو الاستقالة عبر تضييق الخناق على الحراك الثوري لإحراجه، وكل ذلك بغرض مضي الانقلاب إلى نهاياته".
كذلك أشار إلى الاتفاق بين البرهان وحمدوك الذي عاد الأخير بموجبه الأخير إلى منصبه رئيساً للحكومة في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، معتبراً أنّه "مثلما وجد رفضاً من الشارع ومن القوى السياسية، فإنّ هناك أطرافاً وسط الانقلابيين، ترى أنّ الاتفاق قطع الطريق أمامها لتحقيق مصالحها وتسعى لإبعاد حمدوك من المشهد حتى يخلو لها المسرح تماماً لتنفيذ أجندتها".
خيار شمشون
من جهته، يرى الناشط السياسي والمحامي حاتم إلياس، أنّ "الترتيبات التي جرت، اليوم السبت، تعني أنّ السلطة العسكرية ممثلة بالجيش والدعم السريع ومليشيات العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، وصلت إلى طريق مسدود فلجأت إلى خيار يمكن أن يطلق عليه خيار شمشون"، في إشارة إلى الانتقام باستخدام أسلحة تقليدية.
وتابع موضحاً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ ذلك الخيار يقوم على "العمل بمنهج "عليّ وعلى أعدائي" وإكمال الانقلاب الذي أنقصه في الفترة الماضية، عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه"، مبيّناً أنّ "الانقلاب خطط أساساً لوجود رمزي لحمدوك وللقوى المدنية والوصول معها إلى تفاهمات بشأن جرائم فضّ الاعتصام وشركات الجيش وسواها من ملفات، على أن يكون وجود المدنيين في السلطة رمزياً، ليظل الجيش والدعم السريع متصدراً المشهد السياسي وصاحب القرار في القضايا المصيرية".
ولفت إلياس إلى أنّ "الإجراءات الأمنية تمسّ حقوق الإنسان، وفيها تضييق على الحريات ومحاولة لفرض الأمر الوقع على السودانيين وعلى المجتمع الدولي عبر منهج العسكرة، إلى حين الاعتراف بالنظام وإلى حين دمجه في منظومة العلاقات الدولية". ورجح أن يكون اليوم السبت حداً فاصلاً لبقاء حمدوك في منصبه، غير مستبعد تقديم استقالته خلال الساعات المقبلة.
وكان المكتب الموحد لأطباء السودان، قد أصدر بياناً، حاول لفت أنظار العالم إلى ما يجري في السودان حيال "حراك الشعب الثوري من أجل الحرية والديمقراطية وإسقاط كل أشكال الحكم العسكري والديكتاتوري"، مشيراً إلى أنّ "محاولات التعتيم على انتهاكات النظام الانقلابي تجاه شعبنا الثائر، ستعود على الانقلابيين بالسقوط الحتمي، وستعجّل برحيلهم الأبدي عن المشهد السوداني". وتعهد المكتب بالرصد الدقيق لكل التجاوزات مهما وضعت السلطة من عراقيل.
مواصلة التصعيد حتى سقوط الانقلاب
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم تجمّع المهنيين السودانيين في الخارج، مهند مصطفى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "إجراءات السبت لا تعني شيئاً سوى الخوف من الثوار من جانب الجهات التي تعوّدت كل أشكال القمع والتنكيل طوال الثلاث سنوات الماضية"، مضيفاً أنّ "السلطة الانقلابية حوّلت أجزاءً من الخرطوم إلى ثكنة عسكرية وبدأت منذ أمس بضرب المواطنين وتخويفهم، ما يعني أنها ستواصل العنف اليوم في عيد ميلاد المسيح عليه السلام، دون اكتراث للمناسبة العظيمة".
وشدد مصطفى على أنّ "كل تلك الخطوات الانقلابية لن تثني الثوار عن مواصلة التصعيد لحين سقوط الانقلاب وهزيمته وتقديم المتورطين فيه للمحاكمة"، لافتاً إلى أنّ "الأجسام الثورية على الأرض لديها كثير من البدائل المجربة للتواصل في حال قطع خدمة الإنترنت، كما حدث بعد ساعات من الانقلاب العسكري وما تلاه من مواكب خرجت رغم قطع الخدمة".
وحذر مصطفى بشدة من "مغبة تنفيذ السلطات الانقلابية لمجزرة جديدة"، معرباً عن خالص أمله بـ"السلامة للجميع، وألا تفقد أسرة سودانية أحداً من أبنائها في مليونية اليوم".
مزيد من التفاصيل