قال المفكر العربي ومدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدكتور عزمي بشارة، الثلاثاء، إن "الشعبوية" ليست إيديولوجيا قائمة بذاتها، وإن "هناك ضرورة لتوضيح مفهوم المصطلح، وإلا اعتبر كل شيء شعبوياً".
وأضاف بشارة، في محاضرة ألقاها في افتتاح أعمال الدورة الثالثة للمدرسة الشتوية التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن "الشعبوية ليست إيديولوجيا ظاهرة، لكن فيها جوانب إيديولوجية، وهي ليست إيديولوجيا قائمة بذاتها، فلا توجد إيديولوجيا في الشعبوية، لكن خطابها فيه جزء من الإيديولوجيا".
ولفت المفكر العربي إلى أن "كل الأحزاب تستخدم في مرحلة ما الشعبوية. والشعبوية هي خطاب له جوانب إيديولوجية، وأحد أركان هذا الخطاب تمجيد الشعب، واعتباره نبيلاً، مقابل النظام السياسي".
وعرض بشارة لعدد من الأنظمة التي اعتبرت شعبوية في العالم العربي والعالم، واعتبرت "مصدر شرعيتها الشعب، مثل الناصرية في مصر، وفي إندونيسيا، وفي فنزويلا"، وقال إنها لم تعد موجودة.
وأضاف أن "آخر الظواهر الشعبوية في العالم العربي تحوّلت إلى حالة كاريكاتيرية، كحالة نظام القذافي، الذي بدأ شعبوياً وانتهى تهريجياً، فنظام القذافي لم يكن نظاماً شعبوياً، بل نظاماً ديكتاتورياً سلطوياً".
وأشار مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى "استخدام الشعبوية في مصر وتونس، حيث استخدمت في مصر من قبل الأحزاب ضد بعضها البعض، فيما كانت أزمة الشعبوية في تونس أنه جرى انتخاب رئيس استخدم خطاب الشعبوية، بعد أن خابت توقعات الناس بعد 10 سنوات من الثورة، والفشل في حل المشكلة الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة، وكانت الثورة التونسية في جوانب منها ثورة اقتصادية، فانتخب الشعب شخصاً استخدم الشعبوية، وهو ليس سياسياً، وليست له تجربة سياسية، وليس رجل أعمال". وأضاف أن "الشعبوية تصبح خطراً على الديمقراطيات الناشئة، بعكس الديمقراطيات العريقة".
المحاضرة الافتتاحية للدورة الثالثة من برنامج #المدرسة_الشتوية بعنوان "الشعبوية والأزمة الدائمة للديمقراطية" من تقديم عزمي بشارة @AzmiBishara، تدير الجلسة أمل غزال. https://t.co/HZD5sjnuc6
— المركز العربي (@ArabCenter_ar) January 4, 2022
وربط بشارة بين الظاهرة الشعبوية وظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي، التي أتاحت للسياسي مخاطبة الشعب مباشرة، دون محطة وسيطة، فلم يعد من الممكن الفصل بين الشعبوية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وذكر: "من السهل أن يظهر المزاج في وسائل التواصل الاجتماعي وكأنه رأي، وهذا لم يكن قائماً في الوقت السابق، وغالباً ما يظهر رأي ويقول نحن الشعب، ويعتبر الآخرين النخبة، وهذه التصنيفات ممكنة، وهو مواتٍ جداً للشعبوية".
وانطلقت، اليوم الثلاثاء، أعمال الدورة الثالثة للمدرسة الشتوية، التي ينظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعنوان "الشعبوية: أنماط ونماذج"، بمشاركة 18 باحثاً سيتناولون موضوع الشعبوية من خلال دراسة أنماط ونماذج مختلفة عبر العالم، من خلال طرح أسئلة مركزية، منها "إلى أي مدى تُعتبر التعريفات المتداولة للشعبوية كافية لمناقشة نماذجها المختلفة؟ وهل الأدوات المنهجية، بما في ذلك الكمية، كافية لدراسة التوجّهات والميول الشعبوية؟".
واستُهلّ اليوم الأول بكلمة ترحيبية ألقاها المدير التنفيذي للمركز العربي، محمد المصري، أشار فيها إلى مساهمة المدرسة الشتوية في إنتاج معرفة معمّقة ونقدية عن موضوعات مختارة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فضلاً عن إتاحة الفرصة للباحثين الشباب وطلبة الدكتوراه ليتعرّفوا إلى مقاربات مختلفة، تساهم في تعميق المعرفة عن هذه الموضوعات.
وأشار إلى دور المركز العربي ومساهمته في الإنتاج المعرفي والأكاديمي في المنطقة العربية بصفة خاصة، أو المنتج المعرفي حول العالم العربي، إذ عقد المركز أكثر من 180 مؤتمراً بحثياً منذ تأسيسه عام 2010، ونشر أكثر من 500 كتاب، ويصدر دوريات علمية محكّمة تغطي سائر حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية، وخصّ بالذكر دورية "المنتقى" التي تترجم وتنشر دراسات علمية محكّمة، مما يُنشر في دوريات المركز، ويقدَّم خلال مؤتمراته، من أجل إتاحة المنتج البحثي المعرفي العربي على اختلاف مصادره للباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية غير الناطقين باللغة العربية.
وعرض الأستاذ المساعد في برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وعضو اللجنة التحضيرية للمدرسة، عبد الكريم أمنكاي، لأسباب اختيار "الشعبوية" موضوعاً للمدرسة الشتوية في دورتها الحالية؛ فبعد عقودٍ من البحث في سياقَي أميركا الجنوبية وأوروبا، حازت الشعبوية على اهتمام إضافي خلال السنوات القليلة الماضية، لا سيما بعد تصويت بريطانيا على مشروع الانسحاب من الاتّحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتّحدة الأميركية عام 2016، فضلاً عن صعود قيادات سياسية في الهند والبرازيل والفيليبين.
وقال: "لا تزال دراسة الشعبوية في العالم العربي تعاني فجوةً معرفية، فلم تُدرس هذه الظاهرة بعمق في المنطقة العربية أو من جانب الباحثين العرب، ويُعتبر عقد الدورة الحالية للمدرسة الشتوية خطوة مهمّة لمعالجة هذا الخلل".
مزيد من التفاصيل