تشهد الساحة الإسرائيلية،على مختلف أصعدتها، السياسية والأمنية والعسكرية، جملة من الأحداث: الداخليةوالخارجية، دفعت أوساطا مسؤولة فيها للتحذير من أي غفلة عنها، لأن ذلك سيلقيبآثاره السلبية على أمن دولة الاحتلال، ومستقبلها، لا سيما حين يكون الواقع السياسيالإسرائيلي والإقليمي من حولها معقدًا، ما قد يتطلب اتخاذ قرارات بسرعة خشية أنتتحول هذه الأحداث إلى تهديدات وجودية على الدولة، وحينها ستفاجأ إسرائيل، لأنهاقد تحمل نتائج استراتيجية، وتفرض عليها ثمناً باهظا.
الجنرالان عاموس غلعاد رئيسالدائرة السياسية والأمنية بوزارة الحرب، وميخال ميلشتاين مستشار وزير الحربللشؤون الفلسطينية، كتبا مقالا مشتركا على موقع القناة 12، ترجمته"عربي21" حول هذه الأحداث المتلاحقة، جاء فيه أن "إسرائيل حكمهاسابقا قادة تاريخيون كانوا حاسمين في قراراتهم، مثل ديفيد بن غوريون حين أعلن قيامالدولة، وليفي أشكول حين بدأ حرب 1967، ومناحيم بيغن حين وقع السلام مع مصر،وإسحاق رابين حين أبرم التسوية مع الفلسطينيين والأردن، وصولا إلى أريئيل شارونالذي أجرى تغييرات تاريخية من جانب واحد بالانسحاب من غزة".
وأضافا أنه "يمكنمناقشة طبيعة هذه القرارات وانعكاساتها، لكن من الواضح أنها نابعة من الاعترافالتاريخي والرؤية طويلة المدى، واعتمدت على أخذ المبادرة كاستراتيجية وجودية،ورافقتها جرأة كبيرة، سواء من خلال قرارات شن الحروب، أو إبرام اتفاقيات سلاممصيرية، أو العمليات العسكرية، بعضها بادرت به إسرائيل، والبعض الآخر فرضه عليهاالعدو، بجانب تحركات عسكرية استراتيجية محددة، بما في ذلك تدمير المفاعل النووي فيالعراق وسوريا؛ أو توقيع اتفاقيات سلام مع دول المنطقة".
أربع قضايا مصيرية
ليس سراً أن مثل هذهالاستحضارات التاريخية لدى الإسرائيليين تتزامن مع خيبات الأمل لديهم من قياداتهمالراهنة، التي تبدي ترددا كبيرا في اتخاذ قرارات مفصلية وعاجلة، بدل ما تتطلبه مننقاشات بطيئة حول مسائل وجودية تخص دولة الاحتلال، أو تتطلب منها تنازلات جوهرية،حيث توجد حاليًا أربع قضايا تتطلب من القيادة الإسرائيلية اتخاذ قرارات مصيرية:القضية النووية الإيرانية، والاندماج المتزايد مع الفلسطينيين في الضفة الغربية،ووضع حماس في غزة، والعلاقة بين إسرائيل وفلسطينيي48.
ويؤكد الإسرائيليون فيقراءاتهم أنه مضى عقد ونصف على التحرك في هذه المسائل بدلاً من اتخاذ القرار،والنتيجة العملية لهذا النهج هي تكثيف مستمر للتهديدات المتجسدة فيها: إيران تسيربخطى ثابتة نحو امتلاك القدرة النووية العسكرية، وحماس تؤسس نفسها حكومياًوعسكرياً، وتستعد للسيطرة على القيادة الفلسطينية، وفي الضفة الغربية يتطور واقعالدولة الواحدة تدريجياً، بدون تخطيط أو إرادة، وأحداث مايو الأخيرة أكدت أن علاقةالدولة مع فلسطينيي48 ليست على ما يرام.
اقرأ أيضا: خبير إسرائيلي: القضاء أداة بيد الأمن.. برر صفقات مشبوهة
بالنسبة للملف الأول، فلاجدال أن هذا وقت صعب للقيادة الإسرائيلية بشكل خاص لاتخاذ القرارات، حيث لا يوفرالمجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، الدعم لإسرائيل لتحركات عسكريةاستراتيجية، خاصة الهجوم على إيران؛ فالحكومة الإسرائيلية والجمهور منشغلون بمشاكلأخرى خطيرة أبرزها كورونا، والواقع السياسي المعقد يجعل من الصعب المضي قدمًا فيالقرارات العسكرية أو السياسية، مما يجعل القيادة الإسرائيلية تكتفي بإدارةالأزمات، واللعب على عامل الوقت، وهو سلوك سلبي.
وتبدي المحافل الإسرائيليةقناعة بأن هناك حاجة لاتخاذ قرارات ذات طبيعة مختلفة، وإلا فقد يكون للسياسةالقائمة بالفعل على المدى القريب عواقب وخيمة على إسرائيل، بما في ذلك الاحتكاك معالولايات المتحدة، والمواجهة على الجبهة الشمالية، وعند الحديث عن المفاضلة بينالبديل العسكري والدخول لحقبة استراتيجية جديدة تكون فيها إيران على "مسافةهجوم" من القدرة النووية العسكرية، تتلاشى البدائل الوسيطة المختلفة.
التعامل مع حماس
هذا التردد الإسرائيليينطبق على القرار بشأن التطورات الجارية في الضفة الغربية، مما يتطلب من صانعيالقرار الإسرائيليين أن يكونوا ناضجين عقليًا، وهم ليسوا كذلك، على الأقل وفقالاعترافات الإسرائيلية، ويركزوا على التفكير الموجه نحو العملية بدلاً من التركيزعلى الأحداث الجارية، ويجب أن يكون مفهوماً أن السياسات الحالية المستندة لتصوراتالسلام الاقتصادي، أو إدارة الصراع، والتخفيف من حدته قد تنتج تسوية، لكنها ليستبديلاً عن حل استراتيجي، خشية تسلل واقع الدولة الواحدة.
وتطالب المحافل الإسرائيليةصانعي السياسات في تل أبيب بالبدء بتطوير نقاش سياسي عام مؤثر حول المسألةالمصيرية للانفصال عن الفلسطينيين، وهل سيتم تنفيذها بموافقتهم، أو من جانبإسرائيلي واحد، وما هي مكانة وسلطات الفلسطينيين في هذه الحالة.
عند الحديث عن حماس في غزة،فإن السياسة الحالية القائمة على التحسين المتسارع للوضع المعيشي في قطاع غزة،يرسخ حماس كحقيقة قائمة، ويسمح لها ببناء القوة للحملة العسكرية القادمة، دون أيضمان بأنها لن تطلق حملة عسكرية استباقية أخرى للمواجهة ضد إسرائيل؛ وفي هذاالسياق ستتم تلبية جميع احتياجات سكان غزة، مما سيؤدي لتعزيز موقع حماسالاستراتيجي، ومن المرجح أن يؤدي هذا النهج إلى احتكاك عسكري في قطاع غزة.
القضية الأخيرة المتمثلةبفلسطينيي48، تتحدث أروقة الدراسات الإسرائيلية أن سبعة عقود ونصف مرت منذ إنشاءالدولة، وطُلب من إسرائيل صياغة واضحة وحديثة لمنظومة علاقاتها مع فلسطينيي48،لكنها ما فتئت تتأرجح بين الاحتجاجات الشعبية التي وصلت ذروتها في مايو الماضي،والدعوات لتوفير حقوقهم، ومساواتهم باليهود، لكن بطء القيادة الإسرائيلية الحاليةفي التعامل معهم يدفع لاتهامها بعدم المسارعة لاندماجهم، مما يساهم بإبقاء الساحةالداخلية مشحونة ومتوترة، وقد تصبح مع مرور الوقت تحديًا استراتيجيًا.
الخلاصة الإسرائيلية من هذهالقراءة أن تباطؤ القيادة الإسرائيلية الحالية في التعامل مع القضايا الأربع أعلاه، ستحولها قريبًا إلى تهديدات ستفاجئ إسرائيل، وحينها ستكون أكبر شأناً منالناحية الاستراتيجية، وبالتالي يتوقع لها أيضاً أن تلحق خسائر فادحة بها.
مزيد من التفاصيل