طرحت مجلة "فورين بوليسي"،تساؤلات بشأن مستقبل تونس، في ظل الخلاف على مكب للنفايات، واهتمام الرئيس قيسسعيد بتقويته سلطته على حساب وعوده للفقراء والتعامل معهم بوحشية.
وقالت المجلة في تقرير ترجمته"عربي21" إنه لم يكن مفاجئا خروج التونسيين إلى الشوارع عبر البلاد دعمالقرار تعطيل البرلمان الذي تحول إلى إحراج بسبب المسرحيات الهزلية التي جرت تحتقبته. وحتى قبل انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2019 خسر البرلمان حب الناس الذينباتوا يعانون من الفقر وزاد انتشار كورونا من المخاطر عليهم.
وأضافت "لكن بعد خمسةأشهر فإن الحماسة التي أثارتها تحركات تموز/يوليو أصبحت جزءا من الذاكرة. وتظهراستطلاعات الرأي في تونس، رغم الشكوك في صحتها، تراجعا في شعبية الرئيس إلا أنه لايزال أشهر شخصية في تونس. ومع ذلكفالرأسمال السياسي الذي كسبه سعيد بقراراته عزل رئيس الوزراء وتعليق عمل البرلمانورفع الحصانة عن أعضائه تحول إلى عملية سياسية بالجملة نابعة من رؤيته الشخصية عنالديمقراطية حيث تخرج السيادة والسلطة من قمة الدولة إلى أسفلها".
وقال يوسف الشريف، المحللالسياسي التونسي ومدير مركز جامعة كولومبيا العالمي "صحيح، هو مثالي" و"يعتقدأن حلوله السياسية ستنفع معظم المواطنين. كما ويعتقد أيضا أنهم يعرفونهاويفهمونها".
وقالت المجلة "ما هو واضحأنه خصص عاما كاملا من أجل أن ينجز التعديلات الدستورية لتعزيز الإصلاحات التييريدها. وتوقيت التعديلات مهم فهي تتزامن مع مرور عام على نزعه السلطة من البرلمانوتعطيله الدستور، ذلك أن الإستفتاء على الدستور الجديد سيأتي بعد فترة مشاورة مع الشعبوقرر عقده في تموز/يوليو".
وفي الفترة ما بين هذه التحركات سيواصل سعيدوحكومته التي عينها حكم البلاد من خلال المراسيم الرئاسية. ورغم تأكيد سعيد علىالمشاروات العامة إلا أن قلة تشك في أن تكون النتيجة مختلفة
وما هو واضح أن عملية إعادةرسم الدستور الدرامية ستحتاج إلى سنوات لوضعها محل التطبيق. وفي الوقت الحاليفمشاكل تونس الأساسية لا تزال قائمة. ومن أهمها الإقتصاد، وتصل نسبة الدين العامإلى 80% من الناتج المحلي العام. ولا يزال التضخم في أعلى مستوياته في وقت تتراجعفيه قيمة الدينار التونسي. وساء وضع البطالة خلال السنوات الـ 11 الماضية.والارقام نفسها مثيرة للخوف، فقبل الثورة لم تتجاوز نسبة البطالة عن 13% أما اليومفهي أكثر من 18%.
وقالت المجلة إن ما لا تظهرهالأرقام هذه هو مستوى اليأس وفقدان الأمل الذي نجم عن البطالة المستشرية خلالالبلد. ويقول الكاتب إن البطالة تأخذ عدة أشكال في تونس، ففي الشوارع الجانبيةللمدن وداخل الأحياء المهمشة يبحث الرجال بين النفايات المتراكمة الباردة المبتلةالتي رماها أصحاب البيوت عن العبوات البلاستيكية التي يجمعونها في أكياس لبيعهالمحلات التدوير.
ويباع الكيس الواحد بدينارينأو ثلاثة دنانير تونسي أي أقل من دولار. ويمكن لجامع العبوات البلاستيكية بيع خمسأكياس في يوم العمل الجيد. وتقدر منظمة "انترناشونال أليرت" عدد جامعيالعبوات في تونس اليوم بحوالي 8.000 شخص. وفي أماكن أخرى خارج المدن يتسول الرجالفي منتصف العمر للحصول على 500 مليم لشراء الخبز وإلا الوقوف جائعا أمام الطاولاتفي المقاهي المقفرة من زبائنها حيث يتساءلون عن مصدر الوجبة القادمة لعائلاتهم.
ووسط الفقر المدقع يعيشالتونسيين وضعا أصبحت فيه وحشية الشرطة أمرا عاديا، وهو أمر لم يتم حله بعد الثورة ولا يزال يخيم على الأحياء الفقيرةبدون رقابة أو حساب وبعيدا عن رؤية الساكن الحالي لقصر قرطاج خارج العاصمة تونس.وأطلق في الفترة الماضية العنان لقوة أجهزة الأمن على المجتمعات المهمشة القريبةمن مكب نفايات عقارب قرب المدينة الصناعية صفاقس.
وهذه هي المناطق التي أقامالرئيس حملته الإنتخابية ووعد بالدفاع عنها. ولا شيء يعطي أي ميزة لعقارب، لكن مايميز مكب النفايات فيها عن غيره من مكبات النفايات في أنحاء تونس هي الرائحةالكريهة المنبعثة منه والأمراض الجلدية والتنفسية وأمراض السرطان التي يقول السكانإنهم يعانون منها منذ عقد أو أكثر، وبعد افتتاحه عام 2008 وكان من المفترض إغلاقهبعد خمسة أعوام، ولم يحدث هذا.
وكان الضغط المستمر من سكانعقارب كاف لجذب انتباه استاذ القانون سعيد وقبل أن يفكر في انتخابات عام 2019. ولمتكن زيارة استئنائية كما يقول أنصاره، فهو يزور المجتمعات المهمشة في البلاد ومنذسنين. وبحسب المحتجين فقد استمع سعيد لهم وحثهم على التظاهر. وقاموا في تشرينالثاني/نوفمبر 2021 باتباع نصيحته والتظاهر وطالبوا بتطبيق قرار المحكمة الذيحصلوا عليه قبل عامين ويقضي بإغلاق المكب. ووضعت التظاهرات وزير الزراعة في موقفصعب وطلب وقتا كافيا لحل المشكلة التي تم تجاهلها على مدى عقد.
وعندما زادت أكوام النفايات فيصفاقس القريبة طلب سعيد نشر الشرطة ضد المحتجين وإعادة فتح مكب النفايات. وبدتالصور التي نقلت بعد ذلك وكأنها فيلم حرب وليس احتجاجا لتنظيف البيئة. ففي عقاربتم حرق مقر الحرس الوطني واندلعت حول المكب معارك بين المتظاهرين وقوات الأمنالمدججة بالسلاح. وهو ما أدى لمقتل ناشط شاب اسمه عبد الرزاق الأشهب. وقالالناشطون إنه مات متأثرا بالغاز المسيل للدموع الذي استنشقه.
وزعمت الشرطة أنه مات بعيدا عنالتظاهرات في بيته بعد سقوطه. وكان الغضب واضحا حول عقارب من خلال إطارات السياراتالمشتعلة ونقاط التفتيش المؤقتة التي أقامها المحتجون.
وقالوا إن الرئيس هو ديكتاتورواعتبرت الأحزاب التي راقبت معاناة المواطنين المحليين فاسدة. وهي قصة يتردد صداهافي كل تونس. ففي برج شاكير، قرب العاصمة تونس لا يزال مكب النفايات يضر بحياةالسكان ويزعجهم مع أنه كان يجب إغلاقه عام 2013. وتم حنث الوعود سنة بعد سنةوتفضيل أمور أكثر إلحاحا وأبسط وتجنب الخطر السياسي في البحث عن أماكن لرميالنفايات بمواقع أخرى.
ففي صناعة النفايات، كما في أيمكان، ينتشر الفساد. وهذا كان في الماضي مقتصرا على الطبقة المحيطة بزين العابدينبن علي ولكنه اليوم مد مخالبه وطال كلملمح من ملامح الدولة.
وفي السنوات التي تبعت الثورةتضخم حجم الخدمة المدنية التي يتغذى عليها الفساد، ذلك أن الحكومات المتعاقبة منحتوظائف من أجل تخفيف الغضب الإجتماعي. وبعد سنوات من النمو في القطاع العامفإن فاتورة الرواتب بالنسبة للدخل المحليالعام تصل إلى نسبة 17.6% وهي واحدة من أعلى النسب في العالم. وكل محاولة لتخفيفحدة الأزمة كانت تؤدي لغضب اتحاد الشغل التونسي العام الذي وإن قدم دعما مشروطا فيالبداية لإجراءات سعيد إلا أنه أصبح معاد له وبشكل متزايد لاستبعاده من النقاشالداخلي حول مستقبل تونس.
وقالت المجلة "بات منالواضح أن سعيد ليست لديه أجوبة على تحديات تونس الأساسية كبقية أسلافه. ونشرت وكالة أنباء رويترز فيكانون الأول/ديسمبر مسودة عن مقترحات للميزانية والتي شملت على خطط لزيادة أسعارالوقود والكهرباء وتجميد رواتب القطاع العام وفرض ضرائب جديدة، وذلك قبل التوصللاتفاقية مع صندوق النقد الدولي".
مزيد من التفاصيل