تراجعت تحويلات المغتربين السودانيين عبر القنوات الرسمية منذ أن بدأت قيمة الجنيه في الانخفاض بصورة كبيرة، خلال الفترة الأخيرة.
وتوقع متعاملون في السوق الموازية مزيداً من التراجع لسعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية، بعد أن انخفضت قيمة العملة المحلية، مؤخرا، إلى 500 جنيه مقابل الدولار الواحد بعد أن استقر لفترة طويلة حول 443 جنيها. وحدد بنك السودان المركزي السعر التأشيري للدولار بـ437 جنيها وهامشا للبنوك والصرافة لا يتجاوز (سالب/ موجب 5.0%).
وتقدر تحويلات السودانيين العاملين بالخارج بما بين 5 و8 مليارات دولار سنويا وتمثل حوالي 60% تقريبا من إجمالي مصادر النقد الأجنبي، حسب بيانات رسمية. وتناقصت التحويلات اليومية للمغتربين بنحو 60% خلال الفترة الأخيرة، حسب مصادر مصرفية، أكدت لـ"العربى الجديد" أن التراجع يعود إلى الاضطرابات التي أعقبت الانقلاب وضعف الجنيه.
ووفقاً لإحصائية جهاز شؤون العاملين بالخارج، فإن عدد السودانيين المسجلين رسمياً في الخارج يقدر بحوالي 5 ملايين سوداني بمختلف دول العالم، إلا أن إحصاءً غير رسمي يرى أن أعدادهم تفوق 10 ملايين سوداني بالخارج.
واستقرت أسعار الدولار في السودان لفترة طويلة خاصة بعد تحرير سعر الصرف رسمياً في مارس/ آذار من العام، 2021 إلا أن الانقلاب الذي قام به قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان أدى إلى إيقاف مزادات بنك السودان التي كانت تعمل على توفير العملة الصعبة لقطاعات الاستيراد المهمة بأسعار مناسبة، ما زاد الطلب على الدولار في السوق الموازية.
هذا إلى جانب تصريحات وزير المالية والتخطيط الاقتصادي السوداني، جبريل إبراهيم، الأخيرة حول القلق من انهيار اتفاق جوبا والذي قد يتسبب في رفع سعر الدولار إلى 600 جنيه، والتي أدت إلى إثارة مخاوف لدى الكثيرين في أسواق العملات، حسب مراقبين.
يقول أحد المتعاملين بالسوق الموازية، محمد بشير، لـ"العربي الجديد" إن سعر الدولار كان قد شهد استقراراً لشهور طويلة، إلا أنه عقب إجراءات الجيش في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بدأ يتحرك عند أرقام معلومة ما بين 440 و450 جنيهاً رغم ثبات سعره الرسمي، ولكنه بدأ يتذبذب نتيجة للطلب الكبير عليه في السوق الموازية ما جعله يتجه نحو الصعود إلى 500 جنيه مع عدم توفير البنك المركزي طلبات الاستيراد.
ومن جانبه، يقول المواطن المغترب إسماعيل بابكر لـ"العربي الجديد": رغم تحفظاتنا السابقة على تعقيدات إجراءات التحويل عبر البنوك السودانية والاضطراب السياسي في البلاد وفروق الاسعار بين الرسمية والموازية، إلا أن الارتفاع الكبير الذي شهدناه في السوق الموازية الأسبوع الماضي يجعل الفرق كبيرا في الأسعار، مع أن الحوافز التي وعدت بها الحكومة لم تنفذ.
وأضاف أن الحكومة لم تسعَ إلى ايجاد معالجة وايقاف تدهور قيمة الجنيه فان كثيرين سوف يتوقفون عن التحويلات الرسمية.
وفي محاولة لإنقاذ الأسواق والاتجاه نحو الاستقرار الاقتصادي، أعلن مجلس الوزراء السوداني، مؤخراً، أنه صادق بالقراءة الأولى على موازنة العام المالي 2022.
وإقرار الموازنة تأخر بسبب أزمة سياسية حادة تعاني منها البلاد منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث تتهم قوى سياسية وشعبية قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، بتنفيذ انقلاب عسكري، وهو ما ينفيه البرهان. وقال مجلس الوزراء إن موازنة 2022 "تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي للدولة، للوصول إلى معدل نمو مستدام وخفض معدلات التضخم واستقرار ومرونة سعر الصرف". ويرى اقتصاديون في حديث لـ"العربي الجديد" أن انخفاض قيمة الجنيه السوداني وسط هذه الأوضاع أمر متوقع نتيجة لتوقف دولاب الدولة عن العمل بجانب إيقاف فكرة المزادات التي عملت سابقا على استقرار الاسعار وتناقص الطلب في السوق الموازية.
ويرى الاقتصادي السوداني، الفاتح عثمان، أن فكرة مزادات بنك السودان للنقد الأجنبي المخصصة لتمويل استيراد السلع من الخارج تقوم على إنهاء سيطرة السوق الموازية على تمويل الاستيراد وجعل البنوك هي الجهة الوحيدة التي تمول الاستيراد، وبذلك تنهي بشكل شبه كامل دور السوق الموازية كبوابة لتمويل واردات السودان. وأضاف: سيؤدي ذلك إلى جعل البنوك الجهة الرئيسية لتلقي التحويلات المصرفية من قبل العاملين السودانيين في الخارج، لما يؤدي لاستقرار في سعر الصرف للجنيه، موضحا أنه ليس من المتوقع هبوط سعر الدولار أمام الجنيه ولا هبوط أسعار السلع.
وأشار إلى أن المطلوب من هذه السياسات تحقيق الاستقرار في أسعار السلع وسوق الصرف للجنيه والحيلولة دون انهياره.
في محاولة لإنقاذ الأسواق والاتجاه نحو الاستقرار الاقتصادي، أعلن مجلس الوزراء السوداني، مؤخراً، أنه صادق بالقراءة الأولى على موازنة العام المالي 2022
وقال إن الاضطرابات السياسية الحالية تهدد بتدمير تلك المكتسبات، مشيرا إلى أن إغلاق الميناء الرئيس والطرق المؤدية له أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع المستوردة، بينما أدت إجراءات 25 أكتوبر وما بعدها وعدم وجود حكومة تنفيذية حتى الآن، إلى تجميد الدعم من المانحين الدوليين وهي أمور إذا استمرت ستؤدي إلى انهيار سعر الصرف للجنيه وارتفاع متواصل في أسعار السلع وصعوبات بالغة في تمويل الدعم النقدي والخدمات مثل المياه والكهرباء.
وقال المحلل الاقتصادي قاسم الصديق لـ"العربي الجديد": "كان من المفترض أن تمنع مزادات النقد الأجنبي التي ينظمها بنك السودان المركزي الزيادات الكبيرة في سعر الدولار، ولكن إيقاف هذه المزادات في الفترة السابقة أدى إلى زيادة الطلب على العملة الأميركية، بجانب تأخر إجازة الموازنة العامة للدولة".
ويؤكد أستاذ الاقتصاد محمد الناير، لـ"العربي الجديد" أن عدم الاستقرار السياسي في البلاد أثر سلبا على قيمة الجنيه، وبالتالي أدى ذلك إلى تآكل تحويلات المغتربين. ويقول إن ما يحدث من حراك في السوق الموازية يؤثر على التحويلات المالية، وقد تعود البلاد إلى مرحلة عدم الاستقرار، والمطلوب مراجعة السياسات النقدية، حتى نتجنب انفلات أسواق الصرف.
مزيد من التفاصيل