دأبت الماكنة الدعائيةالإسرائيلية خلال السنوات الماضية على توظيف كبرى وسائل الاعلام العالمية لتجييرهالصالح خدمة الرواية الإسرائيلية، سواء المسموعة والمقروءة والمرئية والإلكترونية،ويمكن الحديث هنا عن الإعلام الأمريكي بشكل خاص الذي شكل لعقود مضت منبرا لتصديررواية الاحتلال على الرأي العام الأمريكي والعالمي.
ليلاخ سيغان الكاتبة الإسرائيليةكشفت في مقاله بصحيفة "معاريف" الذي ترجمته "عربي21" أنها "أخذت على عاتقها مراقبة تغطية الأحداث الإسرائيلية في صحيفة "نيويوركتايمز"، لمدة عام كامل، للحصول على لغة الأرقام، وليس مجرد الانطباعات، وقدخرجت أمامي نتائج شهر كانون الثاني/ يناير بعيدة عن تحمل الإسرائيليين، فالصحيفة لاتتحدث عن "إرهاب" فلسطيني، وحماس تُعرف بأنها "جماعة عسكرية إسلامية".
وأضافت أن "شهر كانونالثاني/ يناير الماضي بدأ بإطلاق حماس صاروخين من غزة باتجاه إسرائيل، انفجرا فيالبحر، تبعه عملية طعن، ثم محاولة حماس للسيطرة على احتجاجات البدو في "النقبالمحتل"، لكن هذه الأحداث التي عاشها الإسرائيليون لم تجد لها أصداء في صحيفةنيويورك تايمز، حيث لم تسقط صواريخ إطلاقاً، ولا هجمات طعن أو حجارة، بشكل عامحماس ليست منظمة إرهابية تحكم غزة منذ 14 عاما، لكنها تعرف بـ"جماعة عسكريةإسلامية".
توقفت الكاتبة الإسرائيليةعند التغطية التفصيلية الكاملة لنيويورك تايمز لحادثة قتل جنود الاحتلال للفلسطينيالمسن، الأمريكي الجنسية، عمر أسعد، كما توسعت الصحيفة عبر مقال مفصل لسياسةالاعتقال الإداري التي تتبعه إسرائيل ضد الفلسطينيين، وبلغة الإحصائيات الرقمية،دون ذكر أعداد القتلى اليهود في العمليات الفلسطينية المسلحة، أو آلاف حالات رشقالحجارة وزجاجات المولوتوف، فيما ركزت الصحيفة على معاناة عائلتين من حي الشيخجراح قامت شرطة الاحتلال بإجلائهما.
من الواضح أن هذهالمعطيات لفتت انتباه عدد غير قليل من الإسرائيليين، وباتت "نيويورك تايمز"النسخة الأمريكية من صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، التي يقرأها اليساريون،وتتعاطف مع الفلسطينيين، رغم أننا أمام "نيويورك تايمز" الصحيفة الأكثر شهرةعالميًا، وتؤثر على وسائل الإعلام الأخرى في الولايات المتحدة وحول العالم، لكنهناك مشكلة لدى الإسرائيليين بأن يعتادوا على هذا الموقف من هذه الصحيفة التي يظهرمنها أنها مؤيدة للفلسطينيين، في ظل تراجع عمل وزارة الخارجية الإسرائيلية.
تخشى الأوساط الإسرائيليةالناشطة ضمن اللوبيات اليهودية المتعاطفة مع الاحتلال، أنه بعد سنوات من الكتابةبهذا الأسلوب على صفحات "نيويورك تايمز"، فإن الأمريكيين سينظرون للإسرائيليينعلى أنهم إمبرياليون استولوا على أراضي الفلسطينيين الذين لم يؤذوا أحداً أبدًا،وسيطروا عليها.
بلغة الأرقام، نشرت "نيويوركتايمز" خلال كانون الثاني/ يناير 15 قصة عن إسرائيل، ثلثها، 5 قصص تعاملت معقضايا موالية للفلسطينيين، 3 تخص استشهاد الفلسطيني عمر الأسعد، ورابعة الإضراب عنالطعم للأسرى الفلسطينيين، وخامسة عن سكان حي الشيخ جراح، وثلاثة أخرى تناولت كورونافي إسرائيل، ورابعة عن صفقة الإقرار بالذنب لبنيامين نتنياهو، وستة أخرى جاءتسلبية بالنسبة للإسرائيليين، بخصوص شركة "NSO" الإسرائيليةومجموعات التجسس، وانتحار الحاخام حاييم فيلدر المتهم بجرائم جنسية، واتهام سياحإسرائيليين بالاغتصاب في قبرص، وهذه أخبار غير سارة، فليس صعبا ملاحظة أن القاسمالمشترك للقصص الثلاث أنها تتعامل مع الأخلاق الفاسدة للإسرائيليين.
وتربط هذه الأوساط الإسرائيليةبين التغطية غير المؤيدة للاحتلال في صحيفة "نيويورك تايمز"، كما كانت سابقا،مع ما تشهده الجامعات في الولايات المتحدة وأجزاء مهمة من الحزب الديمقراطي منمواقف معادية لإسرائيل، وهو سبب رئيسي للفجوة المتزايدة بين اليهود الإسرائيليينواليهود الأمريكيين، وهو مصدر قلق حقيقي ومتنامي للاحتلال الإسرائيلي الذي يستمدأحد أهم مصادر دعمه من هناك، حيث واشنطن ونيويورك.
مزيد من التفاصيل