قالتمجلة "إيكونوميست" البريطانية إن شركة "جهينة" المصرية واجهتابتزازا من قبل سلطة العسكريين بمصر شبيه بابتزاز المافيات، رغم أنها شركة رائدة،وفي معظم البلدان يمكن اعتبار مثلها "بطلةً قومية".
تسلطةالمجلة في تقرير لها على مصير الشركة وأصحابها، عائلة ثابت، كنموذج لتعامل دولةالسيسي مع القطاع الخاص، وتخلص المجلة إلى أن هذا سبب كاف جدا لهروب المستثمرين،"فمن يجرؤ على الوقوف في وجه الجيش"، حيث "يُظهِر التعامل مع ثابتوابنه ما يمكن أن يحدث إذا فعلوا ذلك".
وفيمايلي نص التقرير:
كثيراًما يشكو المصريون من أن بلادهم تصنع منتجات للإنتاج المحلي قليل القيمة بينما ينصبّالاهتمام والتركيز على الصناعات التي يتم تصديرها للخارج نظراً للمعايير المطلوبة كييتم تصدير هذا المنتج.
لكنكانت شركة جهينة، أكبر شركة لتصنيع الألبان والعصائر في البلاد، استثناءً بارزاً. فعبواتهاالحمراء والزرقاء عنصرٌ أساسي في البيوت المصرية، ويُباع الحليب والزبادي من إنتاجهافي جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. إنها واحدة من أكثر الشركات قيمة في بورصة القاهرةومحبوبة لدى المستثمرين الأجانب.
في معظمالبلدان يمكن اعتبار مثل هذه الشركة بطلةً قومية. لكن في ظلِّ الحكَّام العسكريين لمصر،واجهت ابتزازاً جديراً بأن تفعله المافيا. ويوضِّح مصيرها نقاط الخلل في الاقتصاد المصري.
الضغطللتنازل على أسهم بالشركة
بدأتمشاكل جهينة عندما قررت الدولة المصرية الاستيلاء عليها. بعد أن رفض مؤسسها، صفوانثابت، التنازل عن 51% من أسهم شركته، أُلقي به في سجن سيئ السمعة بسبب ما يجري فيهمن تعذيب. وعندما رفض ابنه سيف نفس الصفقة، انضم إلى والده في السجن.
تتهمالدولة آل ثابت بتمويل الإرهاب. كان جد صفوان وعمه ينتميان لجماعة الإخوان المسلمينإبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكن بعد إطاحة الجيش في انقلاب قاده الفريقآنذاك عبد الفتاح السيسي، بالرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمينعام 2013 صُنِّفَت الجماعة على أنها إرهابية ومحظورة. وتصرُّ عائلة ثابت على أنه لاعلاقة لهم به. على الرغم من أن الأب والابن أمضيا في السجن أكثر من عام، لم تنظر المحاكمفي قضيتهما.
كانتعائلة ثابت جزءاً من المؤسسة الحاكمة. كان صفوان ودوداً مع الرئيس المصري السابق حسنيمبارك. سافر إلى الخارج مع وفود حكومية لجذب المستثمرين وتقديم المشورة للوزراء. بعدأن أصبح السيسي رئيساً في عام 2014، تبرع ثابت الأب بمبلغ 50 مليون جنيه لصندوق تحيامصر لمشاريع التنمية. وكان السيسي سعيداً بتلقِّي الأموال من أفراد عائلة ثابت، رغمصلاتهم المزعومة بـ"الإخوان" بحسب ما تقول المجلة البريطانية.
اقرأ أيضا: تعرف إلى أبرز رجال الأعمال الذين نكل بهم السيسي في 2021
اقترضتمصر 20 مليار دولار (حوالي 5% من ناتجها المحلي الإجمالي) من صندوق النقد الدولي منذعام 2016، مما يجعلها ثاني أكبر مستفيد من الصندوق بعد الأرجنتين في تلك الفترة. وهيتتفاوض على قرض جديد بعد أن دفعت الحرب في أوكرانيا المستثمرين المتوترين إلى الفرار،مما تسبَّب في أزمة في العملة الصعبة. أشاد صندوق النقد الدولي بمصر لاتخاذها إجراءاتتقشف مؤلمة (وغير شعبية) على نحوٍ سريع.
لكنالصندوق اشتكى أيضاً من أن الحكومة المصرية تخنق القطاع الخاص. يُظهر أحد الاستطلاعاتأنه تقلص في جميع الأشهر باستثناء تسعة أشهر منذ عام 2016. يصدر السيسي ضجيجاً مؤيداًللأعمال في الساحات الدولية، لكن جنرالاته، الذين يسيطرون على أجزاء من الاقتصاد، يسخرونمن السوق الحرة.
هناكمثالٌ آخر. رامي شعث هو رجل أعمال ناجح تنتج شركته أجهزة إلكترونية لتتبع استخدام الكهرباءوالمياه والغاز لشركات المرافق العامة. عندما رفض السماح لشركة عسكرية بمشاركة تقنيته،بدأت شركات المرافق في إلغاء العقود. يقول شعث: "بدأنا في الإفلاس. ليس لأن أداءناكان ضعيفاً، ولكن لأن الجيش كان يضغط علينا". وبصفته منتقداً للسيسي، تم اعتقالهلأكثر من عامين بتهم إرهاب غير محدَّدة، ولم يُحاكَم مثل ثابت الأب والابن.
دورالجيش في الحياة الاقتصادية
في كانونالأول/ ديسمبر الماضي، ظهر السيسي على شاشة التلفزيون وهو يضغط على ثلاثة من مالكيشركات البناء لقبول التأخير في سداد مدفوعات الدولة لبناء الطرق والجسور. ابتسم رجالالأعمال بخجل وأذعنوا. ماذا كان سيحدث لو رفضوا؟
علىالرغم من حصول الجيش على إعفاءات ضريبية خاصة وإعفاءات جمركية، تشيد به الحكومة لإنقاذهالجمهور من جشع التجَّار والمضاربين. وخلال شهر رمضان الجاري، يوزِّع الجنود اللحومبأسعار مدعومة. ولكن عندما دخلت شركة حكومية جديدة في عام 2019 السوق المربح للتصديقعلى اللحوم، حظرت وزارة الزراعة المنافسين من القطاع الخاص.
في العامالماضي، مدينة سايلو الصناعية للمواد الغذائية، وهي عبارة عن مجمع لمصانع المواد الغذائيةيشرف عليها الجيش. شعار الشركة، "العالم له طعم جديد"، يردد أصداء جهينة،"العالم له طعم جميل". تريد الشركة فتح مصنع حليب خاص بها.
بعداعتقال سيف ثابت، عرض سيف إدارة عمليات الشركة مقابل راتب رمزي إذا تركت الدولة شركةجهينة وأطلقت سراحه هو ووالده، لكن العرض رُفِض.
قلةمن رجال الأعمال يجرؤون على الوقوف في وجه الجيش.
ويُظهِرالتعامل مع ثابت وابنه ما يمكن أن يحدث إذا فعلوا ذلك.
قالسيف من السجن: "إذا أخذوا جهينة، سوف يدمِّرونها. لن أسلِّم ما بناه والدي".وفي مقطع فيديو نُشِرَ على فيسبوك العام الماضي، توسَّلَت والدته للسيسي لإطلاق سراحههو وزوجها. وعندما انتشر المقطع، استُدعِيَت للاستجواب، وطُلِبَ منها أن تصمت أو تواجهنفس المصير. تُوفِّيَت الشهر الماضي إثر إصابتها بالسرطان، ومنع النظام مئات المعزينمن حضور جنازتها.
رغمنمو الناتج المحلي الإجمالي منذ عملية الإنقاذ في عام 2016، يشهد الاقتصاد المصري حالةًسيئة.
فشلتمصر في بناء قاعدتها التصنيعية، والصادرات بطيئة. بحسب آخر تقدير، اتسع عجز الحسابالجاري إلى 18.4 مليار دولار، وارتفع معدَّل الفقر، وخفض البنك المركزي الشهر الماضيقيمة الجنيه المصري بنسبة 14%. وتلاشت مبيعات أذون الخزانة قصيرة الأجل. أقنع السيسيدول الخليج الصديقة بإيداع مليارات الدولارات في البنك المركزي والتعهد بالاستثمار.لكن من غير المرجح أن تشجع قضايا مثل قضية جهينة المستثمرين الأجانب على القدوم.
مزيد من التفاصيل