يا كسوفي!
علي عبد المنعم – ولاد البلد – عشرينات – 30/12/2008
لم يكن "ضياء" مبالغاً ولا وحيداً، عندما قرر الشهر الماضي أن يمشي على قدميه من وسط القاهرة إلى مدينة رفح (مسافة 600 كم) لكي يسلم بيديه ما جمعه من تبرعات عينية إلى إخوانه على الجانب الآخر من المعبر، بعد أن منعت الحكومة المصرية قوافل المساعدات حينها.
وضياء شاب من 40 شاباً من كافة تيارات المعارضة في مصر، الذين أخذوا نفس القرار، وهناك مئات آلاف مثلهم لديهم نفس الاستعداد.. وأكثر.
ضياء، مثله مثل أصحابه ومثل كل المصريين، يقفون اليوم محرجين، حمرة الخجل تعلو وجوههم، فالحكومة المصرية متورطة حتى النخاع فيما يحدث من مجازر في غزة أودت بحياة المئات، حتى كتابة هذه السطور، وبات ما فعله ضياء وأصدقاؤه هباء منثوراً في نظر العالم أجمع، أما المظاهرات التي خرجت وقدر عددها بنصف مليون مصري منذ ظهر السبت حتى مساء أمس، فجاءت لحفظ ماء الوجه.
ولا يستطيع أي مصري منصف أن ينتقد أو يعترض على المظاهرات والاعتصامات التي نظمت أمام قنصليات وسفارات مصر في أكثر من دولة عربية وأجنبية، فدور مصر أكبر من أن يكون الشجب والإدانة في الحالات العادية، أما في هذا الظرف، فدور مصر يجب أن يكون أكثر دعماً ومساندة لقطاع غزة.
وسواء كانت مصر علمت أو لم تعلم بموعد بدء العمليات في غزة، فإن صورة تيسبي ليفني وهي تتاكأ على أبو الغيط خير معبر عن إتكاء إسرائيل على صمت مصر، كما ذكرت قناة الجزيرة في تحليلها للصورة.
فخروج وزيرة الخارجية الإسرائيلية من أرض مصر، وشن العمليات بعد أقل من 48 ساعة، يشير إلى تواطؤ مصر مع العدوان، حتى ولو كانت مصر قد اعترضت عليه سراً في اللقاء الذي جمع بين ليفني ومبارك، رغم أن أوراق الضغط المصري على إسرائيل كثيرة، ومنها مسألة الأنفاق والمعبر وتصدير الغاز والجندي جلعاد شاليط المحتجز حتى هذه اللحظة في يد حماس.
لكن النظام المصري اختار الحل الأسهل، وهو الصمت، والصمت يعني التواطؤ في هذه الحالة، فمصر ظنت أن إسرائيل ستمهل حماس 48 ساعة بعد لقاء الخميس بين ليفني والقيادة المصرية.
وبما أن السبت يوم إجازة لدى اليهود، ويحرم فيها القتال أو حتى العمل، إلا أن الجيش الإسرائيلي فاجأ الجميع، وضرب ضربته ظهر السبت، فمصر عولت على أن يوم السبت سيمر، وستستضيف مصر قادة حماس في القاهرة لإقناعها بالتهدئة وإلا فستقوم إسرائيل بالهجوم، لكن إسرائيل استبقت الأحداث وضربت غزة، مما جعل مصر في موقف المتواطئ.
ما حدث قد حدث.. العار والخزي يطولان كل مصري، وقد تحدث كثير من المصريين في الخارج عن أنهم تعرضوا لكلمات الانتقاد والهجوم فقط لجنسيتهم بعد أن ظل المصريون يمشون مرفوعي الرأس من المحيط إلى الخليج، بسبب الدور المصري الكبير الذي لعبته مصر طوال القرن الماضي، ويكفي أن مصر حاربت أربعة حروب لنصرة قضية فلسطين، أعوام 48 و56 و67 و73، وهو الدور الذي نجح النظام المصري الحالي في مسحه بكل اقتدار.
أما موقف مصر بعد العدوان، فجاء مخزياً، وجاءت كلمة مبارك ظهر اليوم الثلاثاء، لتزيد الأمر غموضاً، خاصة عندما قال أنه يصر على عدم فتح معبر رفح، إلا في وجود السلطة الفلسطينية، "طب ما هو مقفول.. إيه الجديد يا ريس؟"!
بالفعل لا يملك المواطن المصري كلاماً كثيراً لكي يردده في هذه الأحوال، لكن أعتقد أن كلمة "يا كسوفي" قد تصلح للتعبير عن حال المصريين هذه الأيام.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.