يستنهض الأردن الجهود لتعزيز أمنة الغذائي ومحاربة هدر الغذاء وزيادة مقدرته على مجابهة التحديات الداخلية والخارجية والأخرى المرتبطة بالظروف المناخية وتراجع الهطولات المطرية والاضطرابات الإقليمية والعالمية، لا سيما أنه يعاني من نقص شديد في عمليات الإنتاج المحلي من معظم المواد الغذائية الزراعية أو المصنعة. وتقدر نسبة استيراد الأردن من المواد الغذائية بما نسبته 80% فأكثر، من بينها مادة القمح التي يتم توريدها من جهات مختلفة لتغطية كامل احتياجات البلاد التي تتجاوز سنويا مليون طن، ما يجعله دائم التأثر بما يجري في الأسواق العالمية والنزاعات في الإقليم والمناطق.
ومع الجهود التي تبذل للمحافظة على الأمن الغذائي وانتظام عمل سلاسل التوريد وتحفيز إنتاج العديد من الأصناف الزراعية والدعم الذي يقدم لقطاع الصناعات الغذائية، تعمل الحكومة الأردنية جاهدة على تخفيض هدر الغذاء من خلال عمليات التوعية والتثقيف للمخاطر التي تنجم عن ذلك. وبحسب مختصين، فإن أحد الأسباب التي دفعت الحكومة عام 2017 لرفع الدعم عن الخبز، وإعادة توجيه مخصصات الدعم لحماية الشرائح الفقيرة ومتدنية الدخل، يرتبط بتخفيض الهدر الكبير في هذه المادة الأساسية، ومنع الممارسات غير المشروعة، واستخدام الطحين كمادة علفية، وفي بعض الأحيان تهريبه إلى بلدان مجاورة لفوارق الأسعار.
إلى ذلك، سلطت تصريحات خطيرة لوزير الزراعة الأردني خالد الحنيفات الضوء على المخاطر التي تهدد الأمن الغذائي العالمي، وفي بلده الأردن أيضاً، خاصة ما يتصل بعمليات هدر الغذاء الكبيرة، في الوقت الذي تعاني فيه كافة الدول من أزمات غذاء متوالية واحتمال تفاقمها خلال الفترة المقبلة، نتيجة للتغيرات المناخية والاضطرابات الجيوسياسية العالمية، وما ينجم عنها من اختلالات في سلاسل التوريد وارتفاع أجور الشحن البحري.
وقال الحنيفات في تصريحات له، الأحد، إن كل فرد في الأردن يهدر حسب التقديرات 101 كيلوغرام من الطعام سنويا، أي ما يعادل 1.136 مليون طن من الغذاء، وهي كمية تكفي لتغطية الاحتياجات الغذائية لنحو 1.5 مليون شخص لمدة عام كامل. وأَضاف وزير الزراعة، الذي يترأس مجلس الأمن الغذائي في الأردن، إن هدر الغذاء ليس قضية تنموية فحسب، بل يشكل مأساة عالمية لها تأثيرات خطيرة على المناخ والبيئة، إذ يتسبب بخسائر كبيرة للموارد الطبيعية، ويزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وقال خلال فعاليات اليوم الدولي للتوعية بالفاقد والمهدر من الغذاء، والتي نظمها مجلس الأمن الغذائي الأردني، إن هناك نحو 800 مليون شخص يعانون من الجوع حول العالم رغم أن العالم يهدر مليار طن من الغذاء. وتم تناول زيادة الوعي وتشجيع الحوار حول التحديات والحلول المتعلقة بهدر الغذاء في الأردن، وذلك بالتعاون مع وزارة الزراعة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي.
وأشار الحنيفات الى أن مبادرة "لا لهدر الغذاء" التي أطلقها مجلس الأمن الغذائي بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي ومنظمة "الفاو" جاءت كخطوة عملية لمواجهة هذه الظاهرة وتقليل الفاقد من الغذاء، من خلال رفع الوعي المجتمعي وتعزيز ممارسات الاستهلاك المستدام، وتحسين كفاءة سلاسل التوريد الغذائي. وقال أن هناك تحديات تعيق التقدم في هذا المجال، من أبرزها نقص التوعية والتثقيف وضعف البنية التحتية في توفير التخزين المناسب والتقنيات اللازمة للحفاظ على جودة الأغذية، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في المراحل الأولى من سلسلة الإنتاج.
وفي تصريحات سابقة قال وزير الزراعة الأردني إن الأرقام المتوفرة تشير إلى أن الأردن يهدر ثلث غذائه وإن الغذاء يتمثل بالماء والطاقة ومدخلات الإنتاج والجهد، وهذه الثقافة إذا ما تم ترسيخها لدى الجيلين الحالي والقادم ستسهم في تنمية الأردن في خطوات تحقق الأمن الغذائي المستدام، في ظل الأزمات التي يمر بها العالم من تغير المناخ والصراعات.
وقال رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن عدنان خدام لـ"العربي الجديد" إن هدر الغذاء في الأردن عند مستويات مرتفعة جدا، وإنه يجب العمل بأقصى الطاقة والجهود لتخفيضها في ظل المخاطر التي تهدد الأمن الغذائي لأسباب داخلية وخارجية، وبما يساهم أيضا بالمحافظة على استقرار الأسعار وتخفيف الأعباء عن المواطنين.
وقال إن حاجة الأردن من الغذاء ارتفعت بنسبة لا تقل عن 20% في السنوات الأخيرة بسبب الارتفاع الاستثنائي في عدد السكان نتيجة لاستضافة أكثر من 1.3 مليون لاجيء سوري، وعشرات الآلاف من جنسيات عربية أخرى، اضطرتهم الظروف لمغادرة بلدانهم، ما رتب أعباء كبيرة لمواجهة الاحتياجات المتزايدة من مختلف المواد الغذائية والمياه لكافة الاستخدامات.
وقال إنه يتوجب العمل على تحفيز قطاع الصناعات الغذائية، إلى جانب تشجيع المزارعين للاستمرار في الزراعة والتوسع بها، ضمن خطط تضمن عدم تضارب الانتاج من أصناف محددة، ودراسة حاجة السوق والأسواق التصديرية الأخرى، إضافة إلى إقامة صناعات تستوعب الفائض من الإنتاج الزراعي، ومعالجة الهدر الحاصل في المحاصيل التي تتلف، وأحيانا تبقى على النباتات والأشجار لعدم جدوى قطفها وتسويقها.
وقال ممثل "الفاو" في فعالية اليوم الخاص بالأمن الغذائي في الأردن المهندس نبيل عساف إن تقليل الفاقد والمهدر من الأغذية يقدم حلاً متعدد الفوائد، حيث يسهم بزيادة توفير الغذاء، ويخفف من حدة الجوع ويقلل من الآثار السلبية على البيئة، ما يستدعي تحويل النظم الزراعية والغذائية لتكون أكثر كفاءة وشمولية ومرونة واستدامة، لتحقيق مستقبل يتميز بإنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل.
وأضاف عساف إن الأردن أحرز تقدما ملحوظا في تعزيز الأمن الغذائي ومعالجة قضية الفاقد والمهدر من الأغذية، رغم التحديات المتعلقة بمحدودية الموارد والنمو السكاني، مؤكدا أهمية الإدارة الرشيدة للموارد وزيادة القدرة على التكيف مع التغير المناخي.
وقال مدير برامج الأغذية العالمي في الأردن ستيفانو سانتورو إن البرنامج يعمل بالتعاون مع مجلس الأمن الغذائي على تنفيذ العديد من المبادرات لتشجيع التغيير السلوكي وتقليل هدر الغذاء على مستوى الأفراد والقطاعات، كما يعمل على تنظيم هاكاثون لدعم رواد الأعمال والباحثين والمبتكرين لتطوير حلول للحد من هدر الطعام وإنشاء إطار تمكيني يدعم ويُمكّن المبادرات العاملة في مجال هدر الغذاء، ما يعزز من فعاليتها وكفاءتها واستدامتها.
مزيد من التفاصيل