أثيرت تساؤلات في الصين حول مدى إمكانية أن تقود بكين دور الوساطة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بشأن نزع السلاح النووي، باعتبار أنها يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في هذه القضية، وأن تدخّلها قد يسمح بالتعاون بين الولايات المتحدة والصين في مسائل أخرى مثل الأزمة الأوكرانية. جاء ذلك تعقيباً على ما أوردته مؤسسة بحثية أميركية بأنه ينبغي للولايات المتحدة أن تتبنى نهجاً عملياً تجاه كوريا الشمالية، من خلال اتخاذ مسار مختلف بشأن نزع السلاح النووي وإشراك أصحاب المصلحة الإقليميين مثل الصين وكوريا الجنوبية في هذا الأمر.
وورد في الاقتراح الذي قدّمه باحثون في معهد كوينسي للحكم الرشيد، ونشر في الخامس من مايو/أيار الحالي، أنه ينبغي أن تشارك كوريا الجنوبية بشكل كامل، بدءاً من مراحل التخطيط لأي اتفاق بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وحتى توقيع الاتفاق وإدارته. وسيساعد هذا الدعم في تخفيف حدة التوترات مع بيونغ يانغ، وصولاً إلى الهدف طويل الأمد المتمثل في التعايش السلمي في شبه الجزيرة الكورية. كما ينبغي على واشنطن أن تسعى للحصول على دعم بكين للاتفاق، مقدمةً بذلك ضمانةً موثوقةً لتنفيذه، مع إفساح المجال لمزيد من الدبلوماسية النووية بين الولايات المتحدة والصين.
وتزامن هذا الاقتراح مع تقارير تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتشاور مع خبراء بشأن إحياء المحادثات مع بيونغ يانغ. وكان ترامب قد صرح في إبريل/نيسان الماضي، بأنه يخطط للتواصل مع "الدولة النووية الكبيرة" كوريا الشمالية وإعادة إحياء "علاقاته الجيدة للغاية" مع الزعيم كيم جونغ أون. وأضاف أن "هناك تواصلاً، أعتقد أنه أمر بالغ الأهمية"، من دون تحديد موعد. وجاءت تصريحات ترامب رداً على سؤال بشأن خططه للتواصل مع كوريا الشمالية أو زعيمها في المستقبل القريب، قائلاً "علاقتي بكيم جونغ أون جيدة جداً ـ أنتم تكرهون سماع ذلك، ولكنه أمر بالغ الأهمية. علاقتنا رائعة... أعرفه جيداً".
في المقابل، أعلنت بيونغ يانغ أمس الجمعة أنّ الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أشرف على تدريبات تحاكي شنّ هجمات نووية على سيول وواشنطن. ويأتي هذا الإعلان غداة تجارب صاروخية أجرتها كوريا الشمالية وشملت، وفقاً لسيول، "أنواعاً مختلفة" من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى. ورجّح الجيش الكوري الجنوبي أن تكون هذه التجارب الصاروخية مرتبطة بصادرات الأسلحة الكورية الشمالية إلى روسيا. وأكد كيم، خلال إشرافه على التجارب الصاروخية، ضرورة أن تضطلع القوة النووية لبلاده بدور "محوري" في استراتيجيات الردع، داعياً إلى الحفاظ على مستوى عالٍ من الجاهزية القتالية.
دور الصين بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية
في تعليقه على هذا الأمر، قال أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الصين حافظت على موقف محايد في الأزمات الإقليمية والدولية، وهذا يؤهلها دائماً للعب دور الوسيط بما ينسجم مع توجهاتها ومكانتها على الساحة الدولية، وبالتالي لا شك أن بكين ترحب بمثل هذا الدور وفق أسس ومعايير محددة. وأوضح أن الموقف الصيني ظل ثابتاً خلال العقود الماضية، بشأن الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، وبكين لم تغيّر سياستها تجاه كوريا الشمالية، فهي من جهة، لا تريد انهيار النظام الكوري الشمالي، وفي الوقت نفسه هناك خشية من أن تتفاقم الأزمة أو يندلع صراع عنيف بالقرب من حدودها الشمالية الشرقية. وأضاف: لذلك تدعو الصين إلى حل الخلافات عبر الحوار والقنوات الدبلوماسية، وتؤمن بأهمية العمل على تعزيز نزع السلاح النووي بطريقة عقلانية وعملية وتدريجية، وترى أنه يجب على كل البلدان أن تلتزم بمبادئ الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي العالمي وعدم المساس بأمن أي بلد. وتابع: بالتالي ليس لدى بكين أي تحفّظ على ممارسة هذا الدور، ومن أجل ذلك دأبت خلال السنوات الماضية على دعوة جميع الأطراف، بما في ذلك بيونغ يانغ وواشنطن، إلى حل القضايا الخلافية سلمياً من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية ومعارضة المعايير المزدوجة بشكل مشترك.
لين تشين: الصين حافظت على موقف محايد في الأزمات الإقليمية والدولية، وهذا يؤهلها للعب دور الوسيط
وعن الأوراق التي تملكها الصين للضغط على كوريا الشمالية، أوضح لين تشين أن بكين تربطها علاقات جيدة مع الزعيم الكوري كيم جونغ أون، وقد مثّلت رافعة اقتصادية لبلاده طوال مدة العقوبات الأممية، وحالت دون عزل نظامه عن العالم، لكن هذا لا يعني أن الصين يمكن أن تلجأ إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد كوريا الشمالية طالما أن الأخيرة لا تشكل تهديداً حقيقياً لبكين أو تقوّض بشكل خطير مكانتها الدولية.
مصالح مشتركة
من جهته، رأى الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية فيكتور وانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الصين يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في هذا الأمر بسبب تأثيرها الكبير على كوريا الشمالية. وقال: لا شك في أن تعزيز بيونغ يانغ قدراتها النووية واختباراتها المتكررة للصواريخ البالستية سواء العابرة للقارات أو قصيرة المدى، أدى إلى تعميق المخاوف الأمنية لدى دول الجوار، خصوصاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والصين واحدة من هذه الدول المحاطة بقوى نووية.
فيكتور وانغ: الصين يمكن أن تلعب دوراً حاسماً بسبب تأثيرها الكبير على كوريا الشمالية
ولفت إلى اعتبارات عدة، من بينها حرب التعرفات الجمركية المستعرة بين واشنطن وبكين، معتبراً أن ذلك قد يدفع الطرفين إلى إيجاد قنوات تعاون مشترك تخفف من وطأة الخلافات، مما يعود بالنفع عليهما، فضلاً عن أن الأزمة الكورية تمثل تهديداً للجانبين، فالصين ترى أن حل هذه الأزمة قد يجلب الأمن والاستقرار إلى المنطقة. إلى جانب التنمية الاقتصادية في بلد رزح تحت الحصار لعدة عقود، وهذا أمر بالغ الأهمية. وتابع: بالنسبة لواشنطن، فإن تحقيق اختراق في هذا الملف بمساعدة بكين، قد يفتح المجال أمام تكرار التجربة في ملفات إقليمية ودولية أخرى، مثل الأزمة الأوكرانية، خصوصاً أن بكين تحتفظ بعلاقات جيدة من كل من موسكو وكييف.
يشار إلى أنه خلال فترة ولايته الأولى، أجرى ترامب سلسلة من المحادثات التاريخية مع كيم جونغ أون. وأسفرت القمة الأولى في سنغافورة عام 2018 عن بيان مشترك تضمن التزامات غامضة بشأن نزع السلاح النووي، بينما انتهت القمة الثانية في هانوي، فيتنام، بعد عام واحد بشكل مفاجئ بدون التوصل إلى اتفاق، مما يشير إلى خلافات حول تخفيف العقوبات ونطاق نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية. وبعد أشهر، التقى ترامب مع كيم في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، واتفق الطرفان على استئناف المفاوضات، لكن بيونغ يانغ استمرت في تطوير برامجها النووية والصاروخية.
مزيد من التفاصيل
آخر 10 مشاركات
10th May 2025, 01:51 AM
الصين وسيطاً بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟
العرض العادي
