https://www.ahram.org.eg/Archive/2000/4/19/OPIN4.HTM
حقائق عن دور البطل الراحل محمد نسيم
بقلم : عبد الهادي البكار
في عدديها الصادرين يوم السبت25 ـ3, ويوم السبت1 ـ4ـ2000 نشرت جريدة الأهرام مقالتين بقلم الأستاذ عادل حموده في مناسبة رحيل البطل المصري الصديق محمد نسيم,أشهر ضابط أنجبته المخابرات العامة المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين الذاهب
ولأن المقالتين نشرتا في جريدة الأهرام الشهيرة برصانتها وموضوعيتها الرزينة, ولأن كاتبهما هو الأستاذ عادل حمودة, فقد أوليتهما من جانبي, كقاريء عربي, عناية استثنائية, وحرصت علي أن أقرأهما قراءة متأنية ممحصة, خاصة أن لي صلة صداقة أعتز بها, كانت قد جمعتني بالصديق الراحل محمد نسيم, الذي شاركنا وشاركناه النضال ضد( عهد الانفصال) في سوريا, إلي أن تم تقويضه بثورة الثامن من آذار( مارس)1963 التي سرعان ما شهدت تطورات محزنة ادت الي حدوث تصادم عنيف بين حزبي البعث في كل من دمشق وبغداد, من ناحية, وجمال عبد الناصر في القاهرة, من ناحية أخري, وهو التصادم الذي أوهن المد العربي القومي ذا التطلعات الوحدوية, ونقله من حال المد, الي حال الجزر الانتحارية.
وبما أن السيرة الذاتية الموجزة, للبطل الراحل محمد نسيم, التي خصص لها الأستاذ عادل حموده مقالتيه هاتين, تمحورت حول عدد من الوقائع المصرية والعربية التي شهدها عقدا الستينات والسبعينات من القرن العشرين الذاهب, فقد كان علي التحديق جيدا في ما ساقه الأستاذ حموده من معلومات حول واقعتين تاريخيتين كانت لهما صلة عضوية مباشرة ببعض المهمات المخابراتية التي أنيطت بالبطل الراحل محمد نسيم, فأداهما علي خير ما يكون الأداء الأمين البارع.
وعلي هذا, أسوق الملاحظتين الآتيتين:
1) ذكر الاستاذ حموده في مقالته( نجم من عالم السرية) المنشورةفي أهرام السبت2000/3/25, أن البطل الراحل محمد نسيم, قام( باختطاف) عبد الحميد السراج من سجن المزة في دمشق, الذي اعتقله فيه الانفصاليون السوريون عقب قيام حركتهم الانفصالية
وهو أخطر السجون السورية وأكثرها إحكاما كما وصفه الكاتب ثم روي الأستاذ حموده حكاية ذلك( الاختطاف) علي النحو الآتي:
وقد تسلل محمد نسيم في ملابس أحد حراس السجن, ودخل زنزانة عبد الحميد السراج, ونجح في إخراجه حتي الأسوار, ثم قفزا معا من ارتفاع كبير, وسبحا ساعات طويلة( طوالا), حتي وصلا الي بر الأمان.. وبعد ساعات أخري كان عبد الحميد السراج في بيروت, وبعد أيام كان في القاهرة... الخ.. وقد تضمن هذا العرض وقائع تفرض تصحيحها علي النحو الأتي:
أ) إن البطل الراحل محمد نسيم لم يقم بـ( اختطاف) عبد الحميد السراج: ولم يدخل سوريا قط بعد قيام الحركةالانفصالية,وإنما هو كان مقيما في بيروت بصفته( دبلوماسيا) في السفارة المصرية في لبنان. وهو بالتالي لم يتسلل مرتديا ملابس أحد الحراس الي زنزانةعبد الحميد السراج في سجن المزة, بخاصة وأنه كان صاحب وجه معروفة ملامحه للسوريين في غالبيتهم.
ب) ما أعرفه جيدا أن عملية( تهريب) وليس اختطاف عبد الحميد السراج من سجن المزة ربيع1962, نفذت بالتنسيق بين عدة أطراف سورية ولبنانية ومصرية, بل إن تنفيذها تم ضمن إطار( غض نظر ـ مقصود) من قبل بعض أركان النظام الانفصالي في سوريا نفسه وبموافقة كل من اللواء عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش( درزي), وعبد الكريم النحلاوي, والضابط مهيب الهندي, بعد أن تبين لقادة الانفصال أن محاكمة عبد الحميد السراج ستشكل عامل إحراج لبعض أركان الحكم الانفصالي من السياسيين المدنيين الذين كان عبد الحميد السراج علي علم مؤكد بكل مباذلهم وأسرارهم العائلية, والشخصية, والمالية, والسياسية التي ما كانت لتشرف أحدا منهم.
وهكذا, ومن خلال الصلة الحميمة التي كانت تربط اللواء عبد الكريم زهر الدين( الدرزي) بكل من المناضل كمال جنبلاط, زعيم الطائقة الدرزية في لبنان, وباللواء شوكت شقير الدرزي اللبناني( الناصري)
قائد الجيش السوري الأسبق, تم وضع السيناريو الخاص بعملية هروب عبد الحميد السراج من سجن المزة, علي النحو التالي: أن يقوم الجندي الشاب منصور الرواشدة المسئول عن حراسة عبدالحميد السراج داخل السجن, بفتح باب السجن الرابض فوق هضبة( ربوة) صخرية, وأن يتسلل مع عبدالحميد السراج عبر باب السجن, للهبوط في الطريق الضيقة النازلة, علي الأقدام, حيث كان احد الدروز اللبنانيين من اتباع ورفاق كمال جنبلاط, في انتظارهما عند منعطف الطريق, وان يتوجه الثلاثة قبل انبثاق ضوء الفجر, علي اقدامهم, الي منطقة الحدود السورية اللبنانية عبر المناطق الجبلية, وصولا الي بلدة( المختارة) مربض الزعيم كمال جنبلاط حيث كان سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات ومعه ضابط المخابرات محمد نسيم, وشوكت شقير, ينتظرون وصول عبدالحميد السراج وحارسه الجندي السوري منصور الرواشدة, في منزل كمال جنباط, وهناك, تحت اشراف سامي شرف المباشر, قام محمد نسيم بوضع ماكياج علي وجه عبدالحميد السراج لاخفاء ملامحه الحقيقية, وتم تزويد السراج بجواز سفر باسم مستعار, ثم توجه سامي شرف وعبدالحميد السراج وحارسه منصور الرواشده,( وقد تم تزويده هو الآخر بجواز سفر باسم مستعار) ومعهم محمد نسيم, الي بيروت, حيث تم اخفاء السراج في منزل محمد نسيم وأفراد عائلته, ثم نقله عبر مطار بيروت, تحت إشراف سامي شرف المباشر, الي القاهرة ومعه حارسه الرواشده, حيث استقبلهما الرئيس جمال عبد الناصر في منزله في منشية البكري.
ج) من ذلك يتبين أن دور محمد نسيم في عملية هروب عبدالحميد السراج من سجن المزة في دمشق, بدأ منذ وصول السراج وحارسه الرواشدة, واحد مساعدي كمال حنبلاط, الي الأرض اللبنانية في المنطقة الحدودية السورية اللبنانية.
د) كذلك يتبين مما سبق أن محمد نسيم لم يتسلل قط الي داخل سجن المزة, ولم يقفز مع السراج من ارتفاع كبير ولم يسبح مع السراج ساعات طويلة حتي وصلا الي بر الأمان, خاصة أنه ليس ثمة من( بحر) أو( نهر) يحيط بسجن المزة الذي تحيط به ارض صخرية من جوانبه الأربعة
2) أسند الأستاذ عادل حموده في مقالته( إعلان الحرب, واعلان الحب) المنشورة في أهرام السبت1 ـ4 ـ2000 شرف البطولة التي تولت عملية التخطيط, وعملية التنفيذ الخاصتين بنسف( الحفار) متعدد الجنسيات الي البطل الراحل محمد نسيم الذي سيبقي اسمه خالدا في سجل البطولات المجيدة التي حققتها المخابرات العاملة المصرية الباهرة المشرفة لكل عربي.
إلا أن هذا الاسناد, أغفل ما لا ينبغي أن يغفل, وهو الدور القيادي المشرف الذين قام به أمين حامد هويدي, رئيس المخابرات العامة المصرية وزير الحربية عقب نكبة1967, فهو الذي اقترح علي جمال عبدالناصر نسف( الحفار) متعدد الجنسيات قبل بلوغه البحر الأحمر, وقد استحسن جمال عبد الناصر اقتراح هويدي هذا, واعطاه الا ذن بالتخطيط والتنفيذ, وقد استمر هويدي من موقعه القيادي هذا, يشرف علي كل صغيرة وكبيرة في عملية التخطيط والمتابعة, وهو الذي أوكل الي بطلنا الخالد محمد نسيم مهمة التنفيذ الميداني للعملية.
ويذكر أمين حامد هويدي في كتابه( الفرص الضائعة) الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت عام1992( الصفحة155) أن المبادرة الخاصة بفكرة نسف الحفارKenting الاسرائيلي متعدد الجنسيات كانت منا أي من رئاسة المخابرات العامة المصرية أما الجنسيات التي كان ينتمي اليها الحفار فكانت انجليزية ـ أمريكية ـ كندية ـ هولندية, مختلطة. كذلك يذكر أمين حامد هويدي في الصفحة156 من مؤلفه القيم هذا ما يأتي:
وبعد أن أعدت كافة الترتيبات اختير الضابط الميداني للإشراف علي تنفيذ العملية.. محمد نسيم..
وما لم يذكره أمين حامد هويدي, أن فريق الضفادع البشرية الذين قاموا بتلغيم وتفجير الحفار الاسرائيلي في ميناء أبيدجان, وبرفقتهم قائدهم, في الساعة الخامسة من فجر8 ـ3 ـ1970, حرصوا وهم في طريقهم الي مطار القاهرة الدولي للتوجه منه الي أبيدجان, علي أن يعبروا بالفيلا رقم31 في شارع الدكتور حجاب في الحي الثاني من مساكن الضباط في مصر الجديدة حيث يقيم رئيس المخابرات العامة وزير الحربية أمين حامد هويدي, لتوديعة, وهو أسير فراش المرض, يعاني من ارتفاع الحرارة الشديد, مراوحا بين الصحو والاغماء وحين قام هويدي ـ من بعد ـ بتوزيع النياشين علي أبطال العملية, في احدي حجرات مقر المخابرات العامة المصرية, بأمر صادر عن الرئيس جمال عبدالناصر, كان صدر وهو الصدر الوحيد الذي لم يوسم بنيشان ثم, بعد أشهر قلائل, فاضت روح جمال عبد الناصر الي بارئها, دون ان تتمكن اسرائيل قط, من بلوغ الثروة النفطية المخزونة في بطونها تحت ارض سيناء وخليج السويس, بحفار آخر بديل... وقد كان الفضل في هذا الانجاز الوطني المصري العربي القومي, لأمين حامد هويدي أولا, ولمحمد نسيم ثانيا ولكل أفراد المجموعة التي أسهمت في التخطيط لهذه العملية, وتنفيذها علي هذا النحو المشرف البطولي الذي انقذ الثروة النفطية المصرية في خليج السويس وشبه جزيرة سيناء من القرصنة والاستلاب قبل أن تسترد مصر المقتدرة, في حرب1973 أرضها المغتصبة وثروتها النفطية التي كانت مرشحة للاستلاب عقب نكبة1967, الا أن المخابرات العامة المصرية, في عهد رئيسها أمين حامد هويدي, عرفت كيف تصون هذه الثروة من القرصنة التي كادت تحقق هدفها لولا نسف الحفار كينتينج في أبيدجان وفي ربيع1970..
د. يحي ألشاعر