تتفتح شهية الباحثين لسبر أغوار العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومصر -التي احتضنت ومن المتوقع أن تحتضن- جولات الحوار الفلسطينية، كونها مفتاح فهم أبعاد كثيرة لما يجري خلف كواليس السياسة المصرية تجاه هذا التنظيم، ورؤية الأخير للدور المصري.
وتتميز علاقة حركة حماس بالنظام المصري –بشكل عام- بتعقد حساباتها واكتسابها خصوصية تبتعد بها عن مجرد علاقة تنظيم سياسي ذا جناح عسكري بنظام سياسي يحكم واحدة من أكبر دول المنطقة، ويُشكل أحد أهم مراكز صنع القرار في العالم العربي.
ومشكلة حركة حماس، من وجهة نظر النظام المصري المخلوع، تكمن في جذوره الإخوانية التي كانت تستحكم حلقات العداء معه بوصفه تيار المعارضة الأبرز والأكبر في مصر، لكن هذه الجذور أفادت حماس في الاحتفاظ بعلاقة متميزة مع الشعب المصري.
في ظل السلطة
وأصبحت علاقة مصر بحماس أكثر وضوحًا بعد قيام السلطة الفلسطينية، حيث بدا عدم ارتياح مصر للتعامل مع تنظيم إخواني في
ضوء شعبية حماس المتنامية، وإدراك النظام المصري رغبة "إسرائيل" في إلقاء تبعات إدارة قطاع غزة على كاهلها، وما يشكله ذلك من خطر على الدولة الفلسطينية المقبلة.
فيما تدرك حماس أنه مهما استحكمت الخلافات مع النظام المصري، فإن مصر بإمكاناتها البشرية والمادية الهائلة تظل ذخرًا للقضية الفلسطينية، ومظلّة مقبولة لا يُمكن الاستغناء عنها في ضبط نسق العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية، كما تعي خطورة استعداء مصر كونها المتنفس الوحيد لقطاع غزة.
وشكَّل ملف الحوار الوطني الفلسطيني منعطفًا مفصليًا في مسار العلاقة بين مصر والفصائل الفلسطينية بوجه عام، ترجع بداية الرعاية المصرية للحوار الفلسطيني الفصائلي إلى عام 1995 حين حاولت السلطة إقناع حماس بالمشاركة في انتخابات الحكم الذاتي، أو الحصول على ضمانات بعدم إفشال الانتخابات.
وفي الوقت الذي لم تعقد فيه حركتي فتح وحماس أي اجتماع للحوار بين عامي 1996 و2002م، فقد استؤنفت جوالات الحوار برعاية مصرية عام 2002م بهدف توحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة عمليات عسكرية إسرائيلية محتملة، مع انشغال أمريكا بالتحضير لضربة عسكرية على العراق.
حوار القاهرة
وكان من نتائج الحوار الذي عقد بعد ذلك في 15/3/2005 في القاهرة بحضور معظم الفصائل ورئيس السلطة: التمسك بالثوابت
الفلسطينية دون أي تفريط، وبحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، والتزام الفصائل بتهدئة متبادلة مع "إسرائيل" حتى نهاية عام 2005. واستكمال الإصلاحات في كافة المجالات، وإعادة بناء منظمة التحرير.
أما الانتخابات التشريعية التي جرت في 25/1/2006 وفازت حركة حماس فيها بالأغلبية النيابية (74 مقعدًا، مقابل 34 مقعدًا لحركة فتح)، فقد شكَّلت صدمة كبيرة للسلطة وبعض الدول العربية والأجنبية، وفي مقدمتها مصر، سيما أن هذا الفوز تلا فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية المصرية التي جرت عام 2005.
واتسمت علاقة حماس بمصر آنذاك بالإيجابية، ولم تطلب مصر من الحركة في هذه المرحلة أيّ شروط سوى الاعتراف بـ"إسرائيل" إذا أرادت تشكيل الحكومة.
تغيّر مفاجئ
إلا أنَّ هذه العلاقة شهدت تغيرًا مفاجئًا مع أسر المقاومة بقيادة حماس للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط منتصف عام 2006،
إذاستحوذت عملية التفاوض حول إطلاق سراحه مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين على جانب كبير من العلاقة بين مصر وحماس.
إلا أن ملف التفاوض واجه صعوبات وتعثرات كثيرة، وبدأ التوتر في العلاقة بين حماس ومصر، وبدأ بعض قياديي حماس توجيه النقد للقيادة المصرية، الأمر الذي أغضب القيادة المصرية، فقامت مصر بتدمير الأنفاق، وإغلاق معبر رفح بين الفينة والأخرى، إضافة إلى منع رئيس الحكومة في غزة إسماعيل هنية من عبور معبر رفح بسهولة إلى غزة بعد جولة خارجية في كانون أول 2006.
وفي هذه الأثناء بدأ التوتر بين حماس وفتح يأخذ منحى ميدانيًا تتخلله اشتباكات متفرقة، كان يطفئها الوفد الأمني المصري.
ووصلت الأمور لتوقيع اتفاق مكة للمصالحة في فبراير 2007م وتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ فرحبت مصر بالاتفاق والحكومة التي نشأت عنها، ودعت الحكومة المصرية المجتمع الدولي للتعامل معها، فيما أشارت حركة حماس إلى أهميَّة الدور المصري في إنجاح الحوار الوطني.
أزمة من جديد
لكن علاقة الحركة بمصر تأزمت إثر أحداث حزيران 2007 وسيطرتها على القطاع بعد هزيمة القوات الموالية للسلطة حليفة
نظام حسني مبارك. فغضبت مصر الرسمية ووصفت ما جرى بانقلاب على الشرعية، ودعت كافة الفصائل للانضواء في مؤسسات السلطة، وقررت نقل سفيرها لدى السلطة وبعثتها الدبلوماسية من غزة لرام الله.
أما حصار غزة، وإغلاق مصر لمعبر رفح وبناء الجدار الفولاذي، فقد أجّج الأزمة بين مصر وحماس التي اتهمت النظام بالمشاركة في حصار وتجويع أهالي القطاع، فيما حملت مصر مسؤولية ذلك إلى كل من "إسرائيل" وحماس.
ونتيجة لاشتداد الحصار اجتاح الغزيون الحدود مع مصر مطلع 2008، وسمحت مصر لهم بالتزود بالغذاء لعدة أيام وما لبثت أن اعتقلت عددًا من كوادر حماس وقادتها العسكريين وحققت معهم عن نشطاء الحركة المقاومين، وسعت للحصول على معلومات عن الجندي شاليط.
ونهاية 2008 ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، أطلقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني من القاهرة تهديدها
بإسكات الصواريخ التي تطلقها حماس من القطاع، وبعد يومين من هذا التصريح شن الاحتلال حربًا دامية واسعة على القطاع دامت 22 يومًا.
وعلى الرغم من أنَّ القيادة المصرية حملت "إسرائيل" المسؤولية المباشرة عن هذا العدوان، فإن الرئيس المصري المخلوع حمّل بالمقابل حركة حماس المسؤولية أيضًا في كلمة أذيعت في30/12/2008.
وفي أكتوبر 2009، أعاد الإعلان عن وفاة شقيق المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري في أحد السجون المصرية إلى الواجهة ملف معتقلي الحركة لدى السلطات المصرية، كما أبرز من جديد طبيعة العلاقة المتوترة بين السلطات المصرية وحماس.
لكن حماس مطلع 2010، أظهرت خطابا تصالحيًا تجاه الحكومة المصرية في أعقاب حالة جمود شهدتها العلاقة بين الطرفين، بعد أحداث مصاحبة لوصول قافلة شريان الحياة 3 إلى قطاع غزة، لكن هذه اللهجة لم تستطع إذابة الجليد بين الطرفين إلى حين سقوط النظام المصري في فبراير 2011.
ما بعد الثورة!
وعقب الثورة المصرية المجيدة، أصبحت مصر الجديدة تعترف –ولو بشكلٍ غير معلن- بحركة حماس، وتسعى لكسر الحصار عن
غزة، وتحاول نسج علاقات معها، وعملت مباشرة عقب الثورة على فتح معبر رفح وتسهيل عبور العالقين.
وتوجت العلاقة الجديدة ين حماس ومصر بزيارة القياديين البارزين في الحركة محمود الزهار وخليل الحية إلى مصر، ولقائهما بأبرز مسئوليها، سادت اللقاء روحًا وسياسة جديدة وطرحت فيه عدة قضايا استراتيجية ومرحلية.
وفي المحصلة، لا تستطيع مصر أن تتعامل مع حماس إلا من حرصها على أمنها القومي، ومصالحها الإستراتيجية. كما لا تستطيع مصر أن تسكت عن محاولة تأجيج صراع أمني داخل القطاع، خشية انتقال عدواه إلى الداخل المصري.
ورغم العلاقات التي تربط حماس بمصر، فإنّ مصر القديمة لم تُخف رغبتها في عدم إنجاح نموذج حماس في قطاع غزة، والذي تبدى في موقفها من اتفاقية المعابر، بغية استمرار إغلاق معبر رفح وحصار القطاع، والذي قد يؤدي إلى إضعاف حركة حماس وفشل تجربتها.
فهل ينجح الطرفان –حماس ومصر الجديدة- في استغلال اللحظة الراهنة من أجل تجاوز مخاوفهما والضغوطات الممارسة عليهما لصالح علاقة هادئة توفر الاستقرار السياسي للبلدين لأول مرة منذ ظهور حركة حماس على المشهد السياسي الفلسطيني؟!.https://www.fpnp.net/ar/news/71929_ال...حماس_بمصر.html