* النوع الثاني(ما لا يوافق الهوى والطبع) :
- القسم الأول:
أ- ما يرتبط باختيار العبد
وهو سائر أفعاله التي توصف بكونها طاعة أو معصية
1) الطاعة:
نستكمل ,,
2) المعاصي:
وهي مقتضى باعث الهوى
(أشد أنواع الصبر هو الصبر على المعاصي التي صارت مألوفة بالعادة)
أي أن المعصية التي اعتاد الإنسان فعلها يصعب عليه تركها عن المعصية التي يتعرض لها في أحوال معينة أو ظروف خاصة.
كمن اعتاد أن يشاهد التلفزيون فمن الصعب أن يصبر على عدم النظر إليه أما من لم يعتاد مشاهدته فإنه يسهل عليه تركه.
قالوا : ( فإذا انضافت الشهوة إلي العادة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله فلا يقوى باعث الدين على قمعها )
فمن كان في قلبه شهوة النظر المحرم كان من الصعب عليه ترك النظر عمن ينظر عادة لأنه أعتاد إرسال نظره فقط
قالوا : (ثم إذا كان هذا الفعل مما يتيسر فعله كان الصبر عنه أثقل على النفس)
كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضاً وتصريحاً وأنواع المزاح المؤذي للقلوب وضروب الكلام التي يقصد بها الازدراء والاستحقار وذكر الموتى والقدح فيهم.
فإن ذلك في ظاهره غيبة وفي باطنه ثناء على النفس ففيه شهوتان: نفي الغير وإثبات النفس .
ولاجتماع الشهوتين وتيسر حركة اللسان وكون ذلك عادة في المحاورات والمجالس يعسر الصبر عنها .
قال العلماء: ومن لم يملك لسانه في المحاورات ولم يقدر على الصبر على ذلك فيجب عليه العزلة والانفراد .
فالصبر على الانفراد أهون من الصبر على السكوت مع المخالفة
وقالوا (وتختلف شدة الصبر في أنواع المعاصي باختلاف دواعي المعصية، فحركة الخواطر أيسر من حركة اللسان وحديث النفس في العزلة لا يمكن الصبر عنه إلا أن يغلب هم أخر في الدين يستغرقه.
من الأسباب التي تعين على الصبر على المعاصي :
1) معرفة حقيقة الدنيا والأخرة
فإن الدنيا وما فيها من لذات ومتع إلي زوال
يقول تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا... "
وجاء في الأثر فيما صح معناه عن رب العزة :
ابن أدم: اعلم أن الذي تبنيه للخراب وعمرك عارية وجسدك للتراب وما جمعته فللورثة ، الأكل منه والنعيم لغيرك والحساب عليك والعقاب والندم والصاحب لك في القبر العمل، فحاسب نفسك قبل أن تحاسب وألزم طاعتي وأحذر معصيتي وأرضي بما يأتيك مني وكن من الشاكرين.
وفي الخبر: حب الدنيا رأس كل خطيئة
فأكبر باب للمعاصي هو حب الدنيا والتعلق بها .
لذلك جاء في الحديث:
ليجئن أقواماً يوم القيامة أعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلي النار ، قالوا: يا رسول الله مصلين ؟ قال: نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون من الليل فإذا عُرض لهم شيء في الدنيا وثبوا عليه.
- وهذا نراه كثيراً فيمن يقطع رحمه من أجل المال أو يهضم حق من حقوقه
- ونراه فيمن يكره مسلماً لأنه خالفه في الرأي
- وفيمن يتكبر على أخيه لأنه أصبح أفضل منه حالاً
- وفيمن يشح بما لا يُنقصه على من لا يملك
فكل هذا منشأه هو حب الدنيا
وما الدنيا سوى حب المال والجاه والظهور والكثرة
وفي الخبر: روي عن عيسى عليه السلام أنه قال: لا يستقيم حب الدنيا والأخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الدنيا موقوفة بين السماء والأرض منذ خلقها الله تعالى لم ينظر إليها وتقول يوم القيامة يارب أجعلني لأدنى أوليائك اليوم نصيباً فيقول أسكتي يالا شيء إني لم أرضك لهم في الدنيا أأرضك لهم اليوم ؟".
ومن المعلوم أن آخر إنسان يدخل الجنة له عشرة أمثال الدنيا ، وزيادة على ذلك يقال له : ( لك ما تشتهي نفسك وتقر عينك وأنت فيها خالد )
فأي دنيا تلك التي نعصى الله من أجلها
وأي شهوة تلك التي تعدل لذتها لذة النظر إلي وجه الله تعالى .
فإذا استشعر الإنسان قيمة الآخرة وقدر نعيمها هان عليه ترك الدنيا واحتقر شأنها. فكلما حدثتك نفسك بمعصية تأمل عاقبتها في الآخرة فإنك حين تفعل ذلك يضعف إقبالك عليها وتوشك ألا تحدثك نفسك بها مرة ثانية.
2) الحياء من الله تعالى :
يقول الفضيل بن عياض: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والأخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفاً يبقى على ذهب يفنى فكيف وقد اخترنا خزفاً يفنى على ذهب يبقى .
فينبغي أن يستحي الإنسان من أن يعصى الله ويخالفه من أجل شهوة ساعة أو لذة منقطعة.
يقول الشاعر: قل حياء الناس من ربهم
والكل يظهر تقواه
يخاف أن يمقته قومه
ولا يبالي مقت مولاه
ولكى يجلب الإنسان الحياء إلي نفسه :
قال العلماء: تخيل نفسك بين أيدي الملائكة الموكلين بك أوقفوك عند عرش الرحمن فرموك من أيديهم وناداك الله عز وجل بعظيم كلامه: يا ابن ادم أدنو مني (أي اقترب) فتقترب بقلب خافق ورعب وخشوع وذلة ومعك كتابك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها الله عليك.
فبأي قدم تقف بين يدي الله وبأي لسان تجيب وبأي قلب تعقل ماذا تقول إذا قال الله لك: أما استحييت مني أظننت أنني لا أراك وتذكر قول الله تعالى لك وهو يعرض عليك ذنوبك:
يا عبدي أما استحييت مني فبارزتني بالقبح
واستحييت من خلقي فاظهرت لهم الجميل
أكنت أهون عليك من سائر عبادي
استخففت بنظري إليك فلم تكترث به واستعظمت نظر غيري
ألم أنعم عليك ,,, فماذا غرك بي.
3) استحضار العقوبة :
ومما يعين على ترك المعاصي والصبر عليها ما قاله العلماء:
على العاصي أن يضع نصب عينيه أنه لن يفلت من العقاب قال تعالى : " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ "
وقال تعالى:
" أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ "
وقال العلماء في قوله تعالى (وإن الفجار لفي جحيم) .
قالوا: وهذه تشمل الدور الثلاثة: الدنيا، البرزخ، الأخرة .
ففي الدنيا: يسوق عليهم الهموم والبلايا ما يجعله في نكد دائم وحزن مستمر.
وفي البرزخ: عذاب في القبر.
وفي الأخرة: لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الأخرة أشق.
4) الاستغفار والتوبة :
إذا وقع في المعصية فليقلع عن المعصية ويندم عليها ويعزم ألا يعود ويستغفر الله من وزرها ويعينه على ذلك أن يعلم أن ملك الموت إذا جاء يقول الإنسان: يا ملك الموت أخرني يوماً اعتذر فيه إلي ربي وأتوب وأتزود صالحاً لنفسي، فيقول: فنيت الأيام فلا يوم، فيقول: فأخرني ساعة فيقول فنيت الساعات فلا ساعة، فيغلق عليه باب التوبة ويتجرع الحسرة والندامة على تضييع عمره.
قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغته .
وقال بعض السلف:
من ترك المبادرة بالتوبة بالتسويف كان بين خطرين:
أ- أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير طبعاً فلا يقبل المحو.
ب- أن يعاجله المرض فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو ، لذلك ورد في الخبر أن أكثر صياح أهل النار من التسويف.
5) مجاهدة النفس:
إن من أكثر الأسباب المعينة على الصبر عن المعاصي هي مجاهدة النفس وذلك بأمرين:
أ- طلب العلم النافع: فبه يعرف ضرر المعاصي وعقوبة المعصية، وبالعلم يزيد باعث الدين لديه فيقوى على باعث الهوى فيغلب نفسه على ما تشتهي.
ب- تزكية النفس: بالعمل الصالح وذكر الله تعالى واللجأ إليه والاستعانة به وهذا أيضاً مما يقوى باعث الدين .