لم يكد الرأي العام في العالم العربي يطلع على تصريحات وزير الإسكان الإسرائيلي، التي قال فيها أنهم محظوظون بعبد الفتاح السيسي، حتى كانت ثلة من وجهاء التيار الناصري، يسترون عورات الحكم التي تبدت للناظرين، بدفع "الكفالة" التي ألزمت النيابة العامة نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة بدفعها، وهو ما ترتب على رفضهم "الدفع" أن تم احتجازهم في قسم شرطة قصر النيل، وتحول التنكيل بالنقيب وزميليه إلى خبر في نشرات الأخبار، ووصفته منظمة العفو الدولية بـ "الهجوم الأكثر وقاحة على الإعلام" الذي تشهده البلاد منذ عقود!
يحذر علماء الأنثروبولوجيا، من الوقوع في خطأ استنتاج قواعد عند دراسة المجتمعات البشرية في هذا الزمان، فمن وجهة نظرهم لا يوجد ما كان يعرف بالنقاء العرقي، وهذه المجتمعات في المرحلة البدائية ، لكن هذا التحذير لا ينبغي أن يوضع في الاعتبار، عند دراسة الكائنات الناصرية، التي تتميز بطابع واحد، وإن انحدرت من سلالات مختلفة، وهو الطابع الذي تصلح له القاعدة التي تقول: "العرق دساس" ، ولأن الصفات التي يتسم بها "الكائن الناصري" ، تنتقل به لحالة إنسانية عصية على العلاج، فمن النادر أن تجد ناصرياً تحول سياسياً أو فكرياً، لأن السمات المكتسبة حتى تبدو من قوة الالتصاق به أنها سمات فطرية، تجعل منه "كائناً" لا يصلح للعيش مع المجتمع الطبيعي، حيث يستلزم هذا وجود ما يعرف بـ "الضمير" .
ولا تُذكر عند الحديث عن التحولات السياسية للناصريين سوى حالة واحدة؛ هي حالة الشيخ "عاصم عبد الماجد" ، الذي كان ناصرياً، ثم أصبح قياديا في الجماعة الإسلامية، لكن هذا التحول كان مبكراً، وفي مرحلة النشأة والتكوين، وقبل أن يكتسب "الموانع الناصرية" ، التي تغير في "الخريطة الجينية" لـ "حامل الفيروس" الناصري!
الناصرية في الأساس مشروع ارتبط بالسلطة، لذا فإن من ملامح "الكائن الناصري" أن يرتبط بها بأي قدر، وبما تسمح به هذه السلطة من تقارب، وقد تدفع به بعيداً، فيبحث عن السلطة في الخارج، كما حدث مع السادات، فارتمى الناصريون في أحضان القذافي وصدام حسين، غير مبالين بالخلاف بين "البعث" و"الناصرية" ، بل إنهم جمعوا بين متناقضين، وفي ذروة الخلاف بينهما، بين "البعث السوري" و "البعث العراقي" ، وعندما سقطت سلطة البعث في بغداد، لم يجدوا ما يمنع من التقارب مع سلطة خصومه في طهران، وكانوا يمهدون لهذه المرحلة بإدعاء أن "عبد الناصر" قدم مساعدات للإمام الخوميني، وهو ما نفاه إيرانيون نفياً قاطعاً!
كان الشيوعيون يقولون في سخرية أن الجهل من ملامح "الكائن الناصري" فليس مطلوباً لأن تكون ناصرياً، إلا أن تعلن عن انحيازك للفقراء، ورفضك لإسرائيل، لكن لأن تكون شيوعياً فإن هذا لا يكون إلا بعد قراءة جادة، إن لم يكن للإيمان بالمذهب، فعلى على الأقل لمهمة الجدل!
واللافت أن هذا المقولة الشيوعية التي سادت قديماً بين أوساط الطلاب في مرحلة المد اليساري في مصر، قد سقطت الآن تماماً، فلا الانحياز ضد الفقراء، أو الانخراط في السلام الدافئ مع إسرائيل، ما يولد خلافاً مع السلطة من قبل "الكائن الناصري" !
لقد قالوا، ولم يقل، إن عبد الفتاح السيسي هو الامتداد الطبيعي لعبد الناصر، ولهذا أعلنت خمسة أحزاب ناصرية في مصر بعد اجتماع قصير تأييدها له في الانتخابات الرئاسية، التي خاضها مع خيارهم السابق "حمدين صباحي" ، وقال نجل عبد الناصر أن السيسي هو "الوريث الوحيد" لوالده، وكما يقول المثل الشعبي "الكلام لكِ يا جارة" ولم تكن هذه "الجارة" سوى "صباحي" الذي نال منه صديقه "عبد الحليم قنديل" عندما وصفه في هذه الانتخابات للتقليل من شأنه بـ "الزعيم الموسمي" ، و "قنديل" بشحمه ولحمه هو الذي وصف المذكور في السابق بأنه "غاندي" ، لكن لأن "جين" العيش بجوار السلطة سيطر عليه، وكان هو "الجين الغالب" ، على ما عداه، فلم تشغله الصداقة التاريخية، ولا النضال المشترك، ولعل هذا ما يفسر حالة صاحبنا "عبد الحليم قنديل" ، الذي انقلب على عقبيه من معارض شرس لمبارك، لمتقرب بالنوافل من السيسي، مع أن الأخير هو النسخة الأسوأ من الأول، لاسيما في الأسباب التي دفعت لحدة هجومه على الرئيس المخلوع!
لم يكن مفاجأة لي أن يعلن الناصريون انحيازا للانقلاب العسكري، ومنهم من هتف قبل الثورة وبعدها بسقوط حكم العسكر، وكان "قنديل" واضحاً وهو يكتب عن فساد المجلس العسكري، فهذا المجلس ليس هو الجيش المصري، لكن مع هذا فتأييدهم للانقلاب له عندي ما يبرره، فأدبيات الفكر الناصري، لا ترفض حكم العسكر، لأن حركة ضباط الجيش في يوليو 1952، هي بالأساس انقلاب عسكري، ثم أن "ناصر" هو الذي دشن لدولة ضباط الجيش. كما أن "الكائن الناصري" ليس بحكم انتمائه السياسي ضد تعذيب الخصوم، وقد تم كتابة كتب عن مشاهد التعذيب في سجون قائدهم والتي أرقت الضمير الإنساني!
كل هذا، كان سبباً في تفهمي للانحياز الناصري لانقلاب يوليو 2013، وعدم رفض الناصريين لجرائمه ضد الإنسانية، والتي وصلت لحد التصفية الجسدية، ولم تبدأ بالقتل وحرق الجثث، وسجن الأطفال والبنات، وتلفيق القضايا، لكن لم أكن أتصور أن الناصريين يمكن أن يتجاوزوا فكرة الانحياز للفقراء والعداء لإسرائيل، إلا عندما بدت سياسية السيسي واضحة، وصار اللعب على المكشوف، فتنال سياساته من الفقراء، ويستفيد من دعمه الفساد ومؤسسات القوة في الدولة، كما صار اللعب على المكشوف في ملف العلاقات مع إسرائيل، إلى حد أن يتحدث السيسي عن ضرورة تحقيق "الأمان" للإسرائيليين، ويتم الإعلان إسرائيليا أن الحوار مستمر بين السيسي ونتنياهو، ويقول وزير الإسكان الإسرائيلي إن إسرائيل محظوظة بحكم السيسي لمصر، فلا يهتز لناصري واحد رمش، بل يتحرك ناصريون من أجل ستر العورات التي تبدت للناظرين!
فعندما رفض نقيب الصحفيين "يحيي قلاش" ، ومعه "جمال عبد الرحيم" سكرتير عام النقابة، و "خالد البلشي" وكيلها دفع الكفالة التي قررتها النيابة عليها بعد تحقيق طويل ومرهق وتوجيه اتهامات لهم، تشكل على الفور فريق رفع العتب عن السيسي وقام بدفع الكفالة، لتتوقف الأصوات الدولية التي نددت بهذا العدوان غير المسبوق على حرية الصحافة، فلم يحدث أن تم التحقيق مع نقيب الصحفيين في أي عهد من العهود ومنذ تأسيس نقابة الصحفيين قبل (75) عاماً!
فريق رفع العتب، تشكل من ضياء رشوان، وجلال عارف، وعبد الله السناوي، وهم من الصحفيين الناصريين، ومعهم آخرون، وقام بمهمة "التخليص القانوني" للكفالات محامي ناصري أيضاً، كان المسؤول القانوني بحملة "حمدين صباحي" ، وكان هدفهم من هذا "الفعل" هو وقف حملة التشهير بحكم الاستبداد في مصر، وحفاظاً على كرامة الطاغية، الذي بدا أنه ليس مستعداً للتراجع، وكان حضور النقيب الناصري ببلاغه، تراجعاً وإمساكا للعصا من المنتصف، فقد تقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير الداخلية في واقعة اقتحام النقابة، فتحول عند حضوره للنيابة من مجني عليه إلى جان، وتقديمه للبلاغ يأتي مدفوعاً بالجينات الناصرية فيه، هذا إذا علمنا بأن النائب العام أصدر بيانا بدا فيه الانحياز لموقف وزارة الداخلية لا تخطئه عين، فسلم ببلاغه نفسه لخصمه!
دعك من ملف الحريات، الذي لا يشغل الناصريين، لكن هل هذا حاكم يستدعي ستر عوراته في يوم أعلن فيه الوزير الإسرائيلي، أن السيسي هو "حسنى مبارك" بعد عملية تجميل. عند الحديث عن دوره في خدمة المصالح الإسرائيلية؟!
وهو أمر لا يمكن فهمه إلا بفهم "الخريطة الجينية" للكائن الناصري، فغريزة الالتصاق بالسلطة، والانسحاق أمامها، والقرب من رحابها، تهزم الانحياز للمكونات التي تشكل منها المشروع الناصري: الانحياز للفقراء والعداء لإسرائيل!
إنه العرق الناصري الدساس.
سليم عزوز