لم تتراجع بريطانيا عن خطيئتها المرتكبة منذ قرابة المائة عام، حينما منح وزير الخارجية البريطاني آثر بلفور عام 1917 حقا لليهود لإقامة وطن قومي على أرض فلسطين بعد طرد سكانها الأصليين وتهجيرهم من قراها، أو ما بات يعرف بـ"وعد بلفور".
وأعربت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي خلال جلسة مجلس العموم البريطاني مؤخرا، عن فخر بلادها بالذكرى المئوية لصدور وعد بلفور، مؤكدة أنها "تشعر بالفخر الذي لعبته بريطانيا في إقامة إسرائيل وستقيم لندن احتفالية كبرى بالذكرى المئوية للوعد البريطاني".
ووجهت ماي دعوة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمشاركة في احتفالية مرور 100 عام على ذكرى وعد بلفور، التي من المقرر إقامتها في لندن بداية الشهر القادم.
اقرأ أيضا: شاهد كيف أحيا فلسطينيون مئوية وعد بلفور في ألمانيا
وفي ظل هذا الإصرار البريطاني، أعلنت السلطة الفلسطينية نيتها مقاضاة بريطانيا على خلفية عزمها إحياء مئوية وعد بلفور الذي مهد الطريق للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتنكرها الواضح والصريح لحقوق الشعب الفلسطيني رغم مرور مائة عام على تهجير السكان الأصليين.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في تصريحات للإذاعة الرسمية الفلسطينية: "إن الموقف البريطاني يمثل تحديا كبيرا لرأي الشعب البريطاني والمجتمع الدولي وفلسطين حيال الموضوع"، مشددا أن ذلك يعكش لا مبالاة حقيقية للمسؤولية التاريخية والجريمة التي ارتكبتها بريطانيا قبل مائة عام.
ورأى المالكي أن تمادي الحكومة بالبريطانية بالإصرار على الاحتفال بمئوية وعد بلفور يعد انتهاكا كبيرا للقانون الدولي، متابعا: "هذا الإصرار يأتي بدلا من الاستجابة للمطالب الفلسطينية بالاعتذار عنه".
وكان رئيس السلطة الفلسطينة محمود عباس طالب أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير، بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور، الذي أيد إقامة وطن لليهود في فلسطين، داعيا إلى ضرورة تقديم تعويضات للفلسطينيين عن احتلال دولة فلسطين.
اقرأ أيضا: الفلسطينيون يحيون ذكرى "بلفور" بفعاليات في الداخل والخارج
وأشار المالكي إلى أن الجانب الفلسطيني حاول أن يبقي لبريطانيا فسحة للعدول عن موقفها والتراجع بطريقة مشرفة من خلال تقديم مقترحات لمحاولة تصحيح الخطأ التاريخي المرتكب بحق الشعب الفلسطيني، وهو ما لم يحدث.
وأكد أن السلطة الفلسطينية تعتزم مجابهة خطوة الحكومة البريطانية بإجراءات فلسطينية مضادة برفع دعاوي قضائية ضدها سواء في المحاكم البريطانية أو الأوربية على ما ارتكب من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
وفي ذات السياق، رأت وزارة الإعلام الفلسطينية تصميم الحكومة البريطانية على إقامة الاحتفال بمثابة "تكرار للجريمة السياسية الكبرى في التاريخ الإنساني، ومواصلة للخروج عن كل التقاليد الدبلوماسية"، مؤكدة أن الرفض البريطاني عن الاعتذار يدل على "أزمة أخلاقية كبرى تصدر من عين بريطانية مصممة على التعامي، وتدافع عن نكران الحق الفلسطيني".
وحول الجدوى القانونية من المقاضاة، أكد الخبير القانوني الدكتور علي السرطاوي أنه يجب قبل التوجه للجهات الدولية لمقاضاة بريطانيا وإسرائيل على جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، أن يكون لدى الجانب الفلسطيني خبرة كافية بتفاصيل القانون الدولي.
اقرأ أيضا: ماي: بريطانيا فخورة بتأسيس إسرائيل وسنحتفل بـ"وعد بلفور"
وأوضح السرطاوي لـ "عربي21" أن الاحتلال الإسرائيلي "يحاول استثمار القانون الدولي لأجل تزوير الحقائق وكسب جميع القضايا لصالحه، ولا يتوانى عن استخدام كل الطرق المشروعة وغير المشروعة لأجل المحافظة على كيانه وعدم استرداد الفلسطينيين لحقوقهم".
وإذا ما كان إعلان السلطة يأتي ضمن الفعل الحقيقي أم الضغط السياسي، أشار الخبير القانوني إلى أهمية التواصل المسبق لوزارة الخارجية مع الجهات القانونية والأطراف الداعمة للقضية الفلسطينية، لأجل استيضاح الجوانب القانونية الدولية فيما يتعلق بمقاضاة بريطانيا حول ما ارتكبته بحق الفلسطينيين، لتحقيق الهدف من هذه المقاضاة.
وشدد على ضرورة استثمار الأساليب القانونية وما يمنحه القانون الدولي من حق في استرداد الحقوق المسلوبة من أصحابها، مضيفا: "رغم عدم احترامها في قضايا معينة من بعض الدول، إلا أنها تبقى نافذة لا بد للفلسطينيين أن يسلكوها لاسترداد حقوقهم".
ونوه السرطاوي إلى الضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تُمارس على السلطة الفلسطينية لثنائها ومنعها من اللجوء للقانون الدولي.
بينما رأى الحقوقي الفلسطيني راجي الصوراني أنه لا يمكن مقاضاة بريطانيا في المحاكم البريطانية بل يجب التوجه لمحكمة العدل الدولية.
وأكد الصوراني لـ "عربي21" أنه من حيث المبدأ يحق للفلسطينيين ملاحقة الحكومة البريطانية على ما ارتكبته من جريمة تاريخية قبل مائة عام بإطلاقها وعد بلفور، مشددا على أهمية التوجه للجهات الدولية المختصة لتحقيق الدعوى القضائية ما تريد.
مزيد من التفاصيل