عزمي بشارة - سلسلة لقاءات بنوعية خاصة - منتديات المطاريد
بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) "الزخرف"

منتديات المطاريد | الهجرة الى كندا | الهجرة الى استراليا

 


DeenOnDemand


BBC NEWS

    آخر 10 مشاركات
    ذكرى من أكتوبر
    (الكاتـب : blue bird ) (آخر مشاركة : Calvinses)

    Arabic Discussion Forum with a Special Interest in Travel and Immigration

    Immigration to Canada, Australia, and New Zealand

    Egypt and Middle East Politics, History and Economy

    Jobs in Saudi Arabia, USA, Canada, Australia, and New Zealand

    العودة   منتديات المطاريد > سياسة واقتصاد > فلسطين أرض الرباط

    فلسطين أرض الرباط    FREE PALESTINE

    فلسطين أرض الرباط

    عزمي بشارة - سلسلة لقاءات بنوعية خاصة


    الهجرة إلى كندا والولايات المتحدة واستراليا

    مواقع هامة وإعلانات نصية

    إضافة رد
     
    أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
    قديم 28th February 2017, 12:40 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 1
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي عزمي بشارة - سلسلة لقاءات بنوعية خاصة

    أنا : أسامة الكباريتي




    عزمي بشارة: عرفات فاجأ محيطين به في "كامب ديفيد"

    تاريخ النشر: 28/02/2017 - 08:12

    عرب ٤٨




    تحرير : عرب 48



    يباشر موقع 'عرب ٤٨' بنشر فصول من كتاب 'في نفي المنفى... حوار مع عزمي بشارة' على مدار الأيام القريبة المقبلة، إذ نشر أمس واليوم حلقتين نشرت في 'العربي الجديد' تتعلق الأولى بسورية والثانية بالقضية الفلسطينية.
    وسننشر بشكل حصري غدا الأربعاء وبعد غد الخميس فصلين من الكتاب، والتي تتعلق بتأسيس التجمع الوطني الديمقراطي ونشاط د. بشارة السياسي والبرلماني وخروجه القسري من فلسطين.
    يصدر قريبا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت كتاب 'في نفي المنفي.. حوار مع عزمي بشارة'، يضم إجابات المفكر العربي، عزمي بشارة، على أسئلةٍ متنوعة الموضوعات، يطرحها عليه صقر أبو فخر، فيتوفّر قارئ الكتاب على سيرةٍ فكريةٍ وسياسيةٍ للدكتور بشارة، وافيةٍ، تحيط بمختلف مضامين هذه السيرة وانعطافاتها، وبكل ما اشتملت عليه من أطروحاتٍ واجتهاداتٍ ومساجلاتٍ في أسئلة الراهن العربي، وما يتصل بذلك من قضايا العلمانية والقومية والليبرالية، والصراع مع إسرائيل، وكذا الثورات العربية، وغير ذلك من مشاغل أنجز عزمي بشارة بشأنها عدة مؤلفاتٍ، تضمنّت جديدا كثيرا على مستوى الاشتباك مع التعقيدات الاجتماعية والسياسية والثقافية الكثيرة التي تعيق الوصول إلى العدالة والحرية والديمقراطية في الفضاء العربي. وتتضاعف الأهمية الخاصة لمساهمات بشارة في هذا كله، وغيره، في أنها توازت مع تجربة كفاحية ونضالية خاضها في فلسطين، وخصوصا في معركة حقوق عرب الداخل الوطنية والهوياتية، قبل أن تعمد دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى التسبّب بنفيه. وهذه واحدةٌ من محطات سيرة عزمي بشارة، يوضح الكتاب تفاصيلها، كما غيرها من مسائل تتعلق بخياراته العروبية، وثوابته الفكرية، وكذا بتجربته نائبا فلسطينيا عربيا منتخبا في البرلمان الإسرائيلي، ممثلا لتيار فاعل في الداخل، تبدّى في حزب التجمع الذي كان بشارة من أبرز مؤسسيه. وتتيح الإجابات على أسئلة صقر أبو فخر، في خصوص هذه الشؤون وغيرها، لقارئ الكتاب معرفةً كاشفة، فيها بعض الذاتي والشخصي، وفيها كثيرٌ من الفكري والسياسي، تساعد في درس الإسهام النظري والتحليلي والتفكيكي في مؤلفات الدكتور بشارة ومحاضراته وأبحاثه.
    ولمزيدٍ من التعريف بالكتاب، تنشر 'العربي الجديد' صفحاتٍ من فصلين منه، من بعض ما تحدّث عنه عزمي بشارة بخصوص صلته الشخصية والسياسية بسورية، منذ زياراته لها، ولقاءاته بالرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد، وصولا إلى وقوفه مع الشعب السوري في ثورته ضد الطغيان. أما الصفحات الأخرى فهي عن تواصل بشارة مع القيادة الفلسطينية، ممثلةً خصوصا بالرئيس الراحل ياسر عرفات، ورؤيته لأحداث الانتفاضة ومفاوضات كامب ديفيد في حينها. ومبعث اختيار هذين الموضوعين من بين قضايا الكتاب الكثيرة اتصالهما بمقدمات الجاري حاليا من وقائع سورية وفلسطينية. هنا حلقة ثانية.
    • أعادت الانتفاضة الأولى منظمة التحرير الفلسطينية إلى الخريطة السياسية الدولية، لكن الانتفاضة الثانية تبدو كأنها تبدّدت نهائيًا. لماذا؟
    الانتفاضة الثانية كانت مرة أخرى ردة فعل على محاولة عزل القيادة الفلسطينية، لأنها قالت 'لا' في مفاوضاتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، وفريقه برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون في منتجع كامب ديفيد، وأصرّت على استمرار الانسحابات الإسرائيلية، واحتجت على عدم التوصل إلى 'حل نهائي'. ولم تكن للانتفاضة استراتيجيا سياسية، فقد كانت ردة فعل على ما جرى في كامب ديفيد 2 في 11 تموز/ يوليو 2000، ثم على حصار القيادة الفلسطينية في رام الله. وكانت إسرائيل قد حاولت فرض حل دائم غير عادل على المنظمة، بعد أن عطّل إيهود باراك الاتفاقات المرحلية والانسحابات الإسرائيلية المستحقة بموجبها، وأراد أن يتوجّه فورًا إلى حل دائم، لكن بالشروط الإسرائيلية؛ وهي شروطٌ لم يكن في وسع ياسر عرفات قبولها، وكان هو يعرف ذلك قبل الذهاب إلى كامب ديفيد. وقال لي ذلك مراتٍ قبل الذهاب. وكنت متفقًا معه في هذا التقويم، وعبّرت عن ذلك مرات عدة في الإعلام، في حين لم يعبّر هو عن هذا الرأي، لأنه كان في خضم المفاوضات مع إدارة كلينتون.
    المشكلة أن أميركا تبنّت موقف باراك مع بعض التعديلات، وأرادت أن تفرض على ياسر عرفات حلًا دائمًا لا يمكنه قبوله، خصوصًا في ما له علاقة بالقدس. ولما رفض عرفات ذلك، بدأت حملة التحريض عليه، وعلى المنظمة عمومًا، والمشكلة أيضًا أن بعض المحيطين بعرفات حينذاك أبلغوا الإدارة الأميركية أنه سوف يقبل لو ضغطت الإدارة عليه في كامب ديفيد. وأذكر أن السفير الأميركي، مارتن إنديك، قال لي في زيارة للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست) إن معلوماتهم ليست مطابقة لتقويمي، وإن عرفات سوف يقبل الشروط. وقلت له حينذاك: سوف تفشل المفاوضات، وستقودون الأوضاع إلى كارثة.
    • أذكر أنك أعلنت فشل 'كامب ديفيد' عبر التلفزيون.
    لا أذكر بالضبط. أعتقد أننا تبادلنا أرقام الهواتف قبل السفر، أنا والأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم. ولا أذكر من اتصل بالآخر. وكان هذا أمرًا غير عادي، لأني لستُ من حاشية ياسر عرفات. لكن علاقتي به كانت ممتازةً في تلك المرحلة، إذ كنا متفقين في الموقف، وكانوا يعرفون موقفي من 'كامب ديفيد'. وقال لي عبد الرحيم إنهم يحزمون الأمتعة للمغادرة، وإن المفاوضات فشلت. وأذكر أن الطيب عبد الرحيم قال لي أيضًا: 'الختيار يريد التكلم معك، ونحن نحزم حقائبنا للعودة'. وقال لي عرفات إن المفاوضات انتهت. وأذكر عبارة: 'دي القدس يا حبيبي' باللهجة نصف المصرية المعروفة عنه. وسألته: هل يمكنني أن أعلن ذلك؟ قال نعم. وهذا ما فعلته. كنت أعرف تمامًا أن المفاوضات سوف تفشل. والغريب أن بعض المحيطين بياسر عرفات كانوا يوهمون الولايات المتحدة أنه إذا ضغطت عليه سوف يرضخ لشروط الحل الدائم. وقد تفاجأوا من موقفه هناك.
    • تزامنت الحملة على منظمة التحرير مع عملية البرجين في نيويورك في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. وهذه العملية خرّبت كثيرًا مسيرة الانتفاضة الثانية.
    كما خرّبت حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفياتي الانتفاضة الأولى. وفي أي حال، فإن الانتفاضة الثانية قامت بها بدايةً السلطة الفلسطينية، وقد انضمت حركة الجهاد الإسلامي بقوة لافتة، ولا سيما في جنين وشمال الضفة الغربية عمومًا، وكذلك حركة حماس التي واصلت العمل بقوة. واتخذت الانتفاضة الثانية بسرعة شكل العمل المسلح، واستخدمت إسرائيل الطيران أول مرة في قمعها.
    • صحيح وكان الراعي هو ياسر عرفات نفسه. أَليس كذلك؟
    أنت تتحدث عن البدايات. السلطة عبّأت الشعب الفلسطيني كله آنذاك. وفي البدايات الأولى، كان لشباب الانتفاضة الأولى، ومنهم مروان البرغوثي، وقيادات كتائب شهداء الأقصى وأعضائها، وأجهزة الأمن الفلسطينية، شأن كبير في الانتفاضة. وكان ثمّة سابقة مهمة، وتمرينٌ على ما جرى في الانتفاضة الأولى، وفي حادثة الحرم القدسي (الهبّة ضد النفق) في عام 1996. ومن المعلوم أن انتفاضة عام 1996 قام بها الأمن الفلسطيني في سياق الصراع ضد بنيامين نتنياهو. والانتفاضة الثانية شكّلت قلبًا للطاولة في وجه إيهود باراك ثم أريئيل شارون.

    • لكن الانتفاضة الثانية لم تتوصل إلى نتائج سياسية مهمة.
    تعاملت إسرائيل مع الانتفاضة كحرب، وليس كتمرد شعبي. ولاحقًا اغتيل ياسر عرفات، وضُرب التيار الفلسطيني الذي مثّله، والذي كان ينظر إلى المفاوضات مع إسرائيل باعتبارها تكتيكًا يمكن قلبه أو تغييره أو المناورة في شأنه. وبعد وفاته، أو للدقة اغتياله، أمسك بالسلطة التيار الفلسطيني المحيط به الذي يعتبر المفاوضات مع إسرائيل استراتيجيا لا بديل منها. هكذا كانت النتيجة. ونحن نعيش في مرحلةٍ صارت القيادة الفلسطينية ترى أن البديل من التفاوض الذي فشل هو انتظار المزيد من التفاوض. هذه القيادة ربحت المعركة بسلاح إسرائيلي، وغيّرت العقيدة السياسية الفلسطينية، ثم غيرت عقيدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تدرّب عناصرها على أيدي جنود الجنرال كيت دايتون. والمشكلة الرئيسة التي تواجه أي انتفاضة في الضفة الغربية اليوم أن الانتفاضة إذا ما مضت في طريقها قدمًا ستواجه أمنًا فلسطينيًا يرى أن مهمته هي مكافحة الإرهاب، لا محاربة إسرائيل.
    • في بداية الانتفاضة الثانية اشتعلت فلسطين بكاملها، بما في ذلك أراضي عام 1948. هل جرى ذلك بدفع من السلطة الفلسطينية، وما كان دور 'حماس' في تنظيم الانتفاضة؟
    كنت آنذاك نائبًا في البرلمان، وواحدًا من الذين خرجوا إلى ساحات الأقصى في الصباح الباكر لمواجهة شارون. اتصل بي ياسر عرفات في الليلة السابقة، وقال لي: 'أخوك فيصل سيكون في الأقصى في الصباح، والرجاء أن تقفوا معًا'. وكان يقصد فيصل الحسيني الذي كانت تجمعني به علاقة ممتازة في القدس. وفعلًا توجهت إلى الأقصى، وحضر عدد من النواب العرب أيضًا. أما بالنسبة إلى الاحتجاجات في فلسطين الداخل، فلم تقم السلطة أو أي فيصل بتنظيمها، فقد بادرنا إلى تنظيم الاحتجاج بين الفلسطينيين العرب في الداخل (واتهمتني إسرائيل لاحقًا بذلك وجرى التحقيق معي، كما استُدعي الشيخ رائد صلاح والنائب عبد المالك دهامشة للمثول أمام لجنة التحقيق)، تضامنًا مع الأقصى، وضد التآمر الذي حصل آنذاك لفرض حلّ غير عادل من خلال تهديد القيادة الفلسطينية بالإقصاء. وكان القمع الإسرائيلي قد بدأ، وسقط الطفل محمد الدرة في حضن والده في أثناء تفريق التظاهرات في غزة. لم تتدخل القيادة الفلسطينية في التنظيم. اتصال أبو عمار الوحيد معي في هذه المرحلة كان هاتفيًا في أثناء تشييع الشهداء في الناصرة.
    أما حركة حماس، فكانت متشكّكة بدايةً في الانتفاضة الثانية، وتعتقد أنها مناورة من عرفات متعلقة بالمفاوضات الفاشلة في كامب ديفيد، وغايتها الرد على حصار ياسر عرفات، وتحسين وضعه التفاوضي، وسوف تنتهي بعد فترة وجيزة. كانت متخوّفة من أنها ستبقى في الساحة وحدها وستدفع الثمن وحدها، إلا أن هذا التشكك سرعان ما تلاشى، ثم انضمت إلى العمل المسلح في المناطق كافة، وانضمت حركة الجهاد الإسلامي منذ البداية وبشكل خاص في غزة، وشمال الضفة الغربية، وبالتحديد في قباطية وطوباس وجنين.

    • كتبت بعض الصحف الفلسطينية الصادرة في دمشق آنذاك إن الانتفاضة الثانية افتعلها ياسر عرفات، ليغطي التنازلات التي قدمها في 'كامب ديفيد'، وتحدث على هذا المنوال القيادي في 'حماس' محمود الزهار أيضًا.
    الحقيقة أن عرفات قدم تنازلات في 'كامب ديفيد'، لكنها لم تكفِ إسرائيل، وتوقف عند القدس. وكان إيهود باراك يخادع كعادته في مسألة رسم الخط الحدودي، فلم يوافق على ترسيمه فعلًا، خصوصًا في نطاق القدس. لكن، عندما اشتعلت الانتفاضة كان شارون قد اقتحم الأقصى، لتأكيد وحدة القدس تحت السيادة الإسرائيلية، وبدأت عمليات التضامن والتصدّي، وكان ظهر عرفات إلى الحائط، فاستثمر فيها جهده كله، ودعم كتائب شهداء الأقصى. فالانتفاضة لم تكن أداة تكتيكية بيد عرفات.



    د. بشارة والرئيس ياسر عرفات، يوم 12 أيار/ مايو 2002• متى التقيت ياسر عرفات أول مرة؟


    ما عدت أذكر بدايات لقاءاتي معه. لكنني ممن التقوه متأخرين، لأنني كنت على خلافٍ مع خط أوسلو، وكنت أعيش في أوساط تنتقد ياسر عرفات كثيرًا. وكما تعرف لست من النوع الذي يهاجم ياسر عرفات في النهار ويقبِّله في الليل، وهذا النوع منتشر جدًا في الأوساط العربية. لست من هذا النوع، ولا أحاول الاقتراب من القادة. كان لي موقف سلبي من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد 'أوسلو'، ومن سلوك بعض القادة. دُعيت مراتٍ عدة إلى تونس، عندما كانت القيادة تقيم هناك، ولم أذهب، مع أن العديد من الناشطين والصحافيين من عرب الداخل وسياسييهم ذهبوا إلى تونس لمقابلة القيادة الفلسطينية في تلك الفترة. كنا ننظر إلى ذلك بعينٍ مختلفة؛ زيارات لنيل الدعم المالي، ونوع من الحصول على شرعيةٍ في ظل عدم وجود برامج نضالية. الآن، أرى ذلك بعينٍ مختلفة، وأعتقد أن تلك الزيارات، في معظمها، كانت تعبيرًا عن رغبة الناس في أن تتواصل مع قيادة منظمة التحرير. وهناك من يحب الزعامة، وهذا أمر مشروع. لكن، حينذاك، كان لي موقف معارض.
    في أي حال ثمة من كان أقرب مني بكثير إلى ياسر عرفات، سواء من عرب الداخل أو من بين أصدقائي المثقفين العرب في الخارج في تلك الفترة. فمحمود درويش مثلًا كان مقربًا جدًا من عرفات. إذًا، أنا من الذين التقوا ياسر عرفات متأخرًا. لم أذهب لاستقبال العائدين، عندما جاءوا من تونس إلى غزة وأريحا، فقد كنت معارضًا لاتفاق أوسلو (وما زلت)، وكتبت ضده. وكانت مقالاتي النقدية ضد منظمة التحرير وضد 'أوسلو' تُنقل إلى أبو عمار، مثلما كانت مقالات إدوارد سعيد وغيره تنقل إليه. وقد قال لي ذلك في أحد الاجتماعات، لكنه لم يعاتبني أبدًا على تلك المقالات والمواقف النقدية، على الرغم من أنه كان على علم بموقفي.
    أتذكّر أنني التقيت ياسر عرفات بعد أن أصبحت نائبًا في البرلمان. ربما في عام 1996. أصبحت ثمة حاجة إلى لقائه وتنسيق المواقف معه. ولاحظت أن لديه نزعة قوية إلى التشاور، خصوصًا مع من يفهم الساحة الإسرائيلية، وأن تكون علاقته جيدة بمن يعتقد أن لديه تأثيرًا في الرأي العام. كنت أزوره في غزة، ثم في الضفة الغربية. وأعتقد أن اللقاء الأول كان للتوسط من أجل إطلاق بعض قادة حركة حماس الذين كانوا معتقلين لدى السلطة الفلسطينية في غزة. فزرته مع نوابٍ عرب وأعضاء لجنة المتابعة العليا، ثم زرنا مقر 'حماس' أيضًا. وكنت حادّا بعض الشيء في مناقشتي موضوع حقوق الإنسان وقمع المعارضة، واستمع عرفات إلي بانتباه، فقد كان يعرف من أنا. ثم بدأت أزوره في غزة وفي رام الله. لا أذكر كم مرة التقيته (وأنا كما تعلم لا أكتب يوميات وحين أكتب فإنما أكتب بحوثًا وليس يوميات)، لكني كنت أناقش معه قضايا سياسية كثيرة.
    • لكنه تعرض إلى نقد كبير وحاد خلال الفترة التي تلت توقيع اتفاق أوسلو، لا من قوى سياسية وبعض قادة فتح فحسب، بل من مثقفين لهم تأثير في الساحة الفلسطينية والعربية، مثلك ومثل إدوارد سعيد. ورأى بعضهم أن ذلك النقد، في أحوال تلك الفترة، كان في منزلة الهجوم والتهجم واختلط الحابل بالنابل.
    كما قلت لك، كان لي موقف معارض لأوسلو، وعبّرت عن هذا الموقف علانية (كما هي عادتي في مواقفي السياسية). وكانت مقالاتي النقدية لخط المنظمة تنقل إلى عرفات. لكن، دعني أميز بين بعض الأمور؛ فعلى الرغم من موقفي الحاد من اتفاق أوسلو، فإن الفارق بيني وبين صديقي الراحل إدوارد سعيد هو تمكّني من رؤية الجوانب السلبية والإيجابية عند ياسر عرفات، مثل شجاعته. لم أحقد عليه يومًا، ولم أترفّع عليه كمثقف. وشعرت أن الفلسطينيين الذين كانوا يعرفونه واختلفوا معه يحقدون عليه. انتقل إدوارد من موقف إيجابي متطرّف إلى موقف شخصي حاد من عرفات، ربما يكون السبب في ذلك أنه لم يكن مسيسًا. لم أحقد على ياسر عرفات، فأنا من الذين يرون أن الحقد في السياسة هو أكثر من أمر أخرق، بل قد يرتقي إلى خطيئة. ولم يكن لدي حساب شخصي أو 'أجندة' معه شخصيًا. لم أكن معه ولم أكن ضده، فلست جزءًا من هذه الصراعات، بل اختلفت معه سياسيًا. وهذا لم يمنعني من رؤية إيجابياته. هو وطني بلا شك. أما التخوين السريع لدى بعض الفصائل والأشخاص فهو كارثة. وحبذا لو يُقال إنه رجل لديه استراتيجيا للعمل ضد إسرائيل مختلفة عن استراتيجيتنا. نختلف معه في الاستراتيجيا، لكنه لا يستبدل ولاءً بولاء. وظل ولاؤه لفلسطين وللوطن ثابتًا. كان عنده اجتهاد آخر. كنت أُستفز من سهولة التخوين ومن استسهال الاتهامات، ثم اكتشفت أن الاتهام بالخيانة عندنا مثل التكفير، إنه مجرد أداة لإقصاء الآخر، أداة استخدامية في الخلافات السياسية. ومثلما يُخوَّن الوطني إذا اختلف الطرف الذي يتهمه بذلك معه سياسيًا، يمكن أيضًا أن يحوّل مستخدِم التخوين الخائنَ فعلًا إلى وطني، و'ينظّفه' إذا اضطر إلى التحالف معه، أو احتاج إلى دعمه في وضعٍ معين. وهذه من الأمور التي تنفرّني من السياسة. هذا أمر ينفر أي شخص مبدئي أو أخلاقي من السياسة. عمومًا ثمة مشكلة أخلاقية عميقة في السياسة العربية.

    • هل ناقشتما قضايا تتعلق بعرب 1948؟
    لا. ولا حتى مرة واحدة. كنت أناقش معه قضايا فلسطينية بشكل عام، مثل قضايا المفاوضات والصراع مع إسرائيل، وقضايا عربية، وشؤون السياسة الإسرائيلية. لكن، لم نناقش معه شأنًا محددًا لعرب 1948. وأذكر عند ترشحي لرئاسة الوزراء في عام 1999، جرت محاولات لإقناعنا بالتراجع، وكان آخرها إيفاد عزّام الأحمد للقائي، وأعضاء المكتب السياسي في التجمع الوطني الديمقراطي لإقناعي بالانسحاب، لأنهم خافوا من أن يؤثّر ترشيحي في حظوظ إيهود باراك في النجاح بحرمانه من أصواتٍ عربية. تناقشنا مطوّلًا، وكنت أصرّ على أن لا فارق بين باراك ونتنياهو، ولذلك لن ننسحب بلا ثمن، والانسحاب ثمنه تحقيق مطالب للمواطنين العرب. وكانت لدينا قائمة بسبعة أو ثمانية مطالب مهمة. وعندما يئس عزام الأحمد من إقناعي، قال لي، وأنا أودعه عند باب بيتي: 'حسنًا، إذا قرّرت أن تنسحب، دعنا لا نسمع ذلك من الإعلام، أخبرنا على الأقل قبل أن تنسحب'. أراد أن يوصل ذلك إلى ياسر عرفات قبل الإعلام. وفعلًا بعد نحو ثلاثة أسابيع، وقبل توجهي إلى المؤتمر الصحافي، اتصلت به وأعلمته. فأسرع ليخبر عرفات، ووجد أنه قد أصبح في مروحيته قبل الإقلاع إلى غزة (أو عمّان لا أذكر بالتحديد). اعتقد عرفات أني انسحبت من أجله. هكذا قال له عزام، كما يبدو، فقد كان حريصًا على أن تكون علاقتنا جيدة. وأعتقد أن عرفات تعامل مع الموضوع على هذا الأساس، مع أن هذا ليس صحيحًا، وأنا لم أقل ذلك يومًا لياسر عرفات.
    • ما هو الانطباع النهائي الذي تركه ياسر عرفات فيك؟
    كنت ألتقيه دائمًا منذ تلك الفترة، حتى في الأيام الحرجة والأيام الصعبة. وكما هو متوقع، كنت أدعم نزعته الأكثر وطنيةً، وليس نزعته التكتيكية والفهلوية. وكان موقفي، والاحترام الذي كان يلقاني به، لا يلقى رضى بعض من حوله، ويرضي بعضهم الآخر طبعًا. فأنا لم أكن من المجموعة القريبة التي تراه يوميًا، وحرصت على ألا أكون كذلك، فقد شهدت بنفسي كيف يكلم المقرّبين. وتوثقت العلاقة به بشكل خاص قبل قمة كامب ديفيد، لأنني كنت أعرف موقفه الحقيقي، فهو لم يرغب قط في الذهاب إليها، وكنا متفقين على أن إسرائيل ستحاول أن تفرض عليه أمورًا لا يريدها، وكان كثير الشكوك في إيهود باراك، مثلي تمامًا. وكنا متفقين في فهمنا موقف دنيس روس الصهيوني الليكودي. أنا لم أرَ باراك بطلًا للسلام في أي يوم. ولاحقًا، في أثناء الانتفاضة الثانية، كانت هناك لقاءات كثيرة حتى في فترة حصاره، وكنت أزوره كثيرًا، وكان رمزي خوري أو نبيل أبو ردينة وقبل ذلك الطيب عبد الرحيم، يحرصون على أن نجلس وحدنا وأن يتوفر الوقت للحديث. وبقيت العلاقة دائمًا علاقة احترام. وانطباعي أن ثمّة نواقص كثيرة في ياسر عرفات، والكل كان يعرفها ويتحدّث عنها ويتندر بها. لكن مواقف الناس منه تغيرت، بحسب تقريبهم منه، أو إبعادهم عنه. الآن، ومنذ حصاره، أصبح عرفات رمزًا. أما في أيامه، فقد كان موضوعًا دائمًا للتظارف والتندر، لكنهم اتفقوا على زعامته.
    شخصيته مركّبة، لكن دعني أبدأ بالأمور الإيجابية حتى أكون منصفًا. إنه وطني فلسطيني بلا شك، وكان يعرف فلسطين جيدًا ويعرف شعبه جيدًا، ومهتمًا بتفصيلات الحياة في فلسطين إلى حد بعيد، ولم يستطع أن يفصل شخصه عن فلسطين. وهنا يبدأ الجانب السلبي. فقد كان يعتقد أن له الحق في أن يفعل أي شيء. والجدلية في الموضوع أن هذا التماهي الكامل مع قضية فلسطين يجعله، في كثير من الحالات، لا يتهاون في أمورٍ لا يمكنه أن يتنازل عنها، لأنها أمور تمسّه شخصيًا. وكان، في الوقت نفسه، قادرًا على تقديم تنازلاتٍ، ويتكتك كما يريد، ثم يخرج على الناس بخطاب تعبوي، ليس فيه أي ذرة من التنازل. سياسته الحقيقية كانت سياسة 'المغامر' التي تنطلق من موقع الحركة، لا من موقع الثبات. هنا اختلاف سياسته مع سياسة خصمه الشقيق اللدود حافظ الأسد الذي ينطلق في حركته من موقع الثبات والدفاع عن نظام الحكم، لا من موقع الحركة. ثقافته محدودة، ولغته العربية مكسّرة، وليس من الواضح من أين نبعت الكاريزما. فلم يكن خطيبًا مفوّهًا ولا جذّابًا. ربما من حاجة الشعب الفلسطيني إلى الرموز في غياب إنجازاتٍ حقيقية على الأرض. بدلًا من رئيس مثلًا هناك رئيس رمز. ورموز لدولة بدلًا من دولة، وعرفات نفسه كان شغوفا بالرموز كما يوحي مظهره نفسه. يتجول بمظهر خارجي كأنه مجموعة رموز متجولة. وتعلمت من التجربة أن بعض الناس تنجذب للقوة والسطوة بذاتهما، وكانت في يدي أبي عمار سطوة غير محدودة في أوساط منظمة التحرير.
    صفاته الإيجابية أن من المحال أن يلحظ الواحد منا أي رائحةٍ طائفيةٍ في كلامه وسلوكه. تديّن ياسر عرفات من النوع العادي والشعبي الذي نعرفه. هو شخص متديّن ومحافظ بمعنى ما. لكن، لا يوجد لديه أي تعصب ألبتة، لا ديني ولا طائفي، وهذا أمر مهم عند شعبٍ متعدّد الطوائف كالشعب الفلسطيني. وثمّة ما كان لافتًا فيه حقًا هو انحيازه إلى المرأة بشكل عجيب، وهذا ما لم ألحظه في أي زعيم عربي أو فلسطيني. هو منحازٌ إلى المرأة، ويعتقد أنها مظلومة، وهذا شأنٌ لم يلتفت إليه كثيرون، لكنه لفتني. دائمًا ينحاز إلى النساء المظلومات ويشجعهن. وإذا أردتُ أن أستطرد، فأقول إن من مزايا ياسر عرفات كثرة ترداده الأمور الخيالية التي يختلط فيها الخيال بالواقع في شأن الماضي. وأعتقد أن هناك نوادر كان يرويها مرارًا، ولكثرة روايته لها صدّقها بنفسه، وما عاد يميّز فيها بين الحقيقة والخيال في ما يرويه عن الماضي. وكان نفاق بعضهم يشجّع هذه النزعة فيه. كان يعمل بلا استراتيجيا متينة، لأنه شعر أنه في غنى عن الإستراتيجيا، وربما أعتقد أن لا أحد من القادة العرب لديه استراتيجيا، وأن هذا هو الأفضل للتعامل مع العرب. وكان التمسّك بالهوية الفلسطينية المستقلة لديه قويًا جدًا إلى درجة أن التأكيد المبالغ فيه كان، في بعض الحالات، يعوّق التنسيق العربي؛ فهو حسّاس جدًا في شأن هذه المسألة مثل مسألة تمثيله الشعب الفلسطيني. ومن سلبياته ضعفه تجاه مصر، ولا أقصد هنا الشعب، بل النظام المصري.
    • كان يثور إذا مسّ أحدهم البروتوكول. وأي انتقاصٍ من مكانته يعتبره انتقاصًا من مكانة فلسطين.
    لا خلاف على أن غيابه ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفلسطينية. كانت ثقافته محدودة، لكن قدراته السياسية وكفاءاته عالية، ونحن الآن لا نتحدّث عن رجل سياسي، بل عن زعيم. هذا هو التناقض في هذا الرجل؛ زعيم على الرغم من هذه الأمور. الزعيم فيه الكِبرياء وعدم الاهتمام بالصغائر. وهو من هذا الطراز. إذا غضب على أحدهم لا يعزله، ولا يحاربه ماليًا بقطع الراتب عنه على سبيل المثال. كان يحاول احتواء الجميع بسعة صدرٍ لافتة. وهذا ما عجز عنه خليفته محمود عباس، بغض النظر عن الاختلافات السياسية أيضًا.
    • كان يمارس أبويته مع كل مَن كان إلى جانبه.
    كانت لديه سعة صدر كسعة صدر الزعماء الحقيقيين. فهو لا يدخل في مماحكات. يحب المثقفين (أو يتظاهر بذلك على الأقل)، مع أنه غير مثقف. ويميل إلى إحاطة نفسه بهم. فيه صفات زعامة فقدها الشعب الفلسطيني، وهو من هذه الناحية كان ضروريًا لفلسطين.

    يتبع............................

     

    الموضوع الأصلي : عزمي بشارة - سلسلة لقاءات بنوعية خاصة     -||-     المصدر : منتديات المطاريد     -||-     الكاتب : أسامة الكباريتي

     

     


     
    رد مع اقتباس


    Latest Threads By This Member
    Thread Forum Last Poster Replies Views Last Post
    أطيز طبخة ريحتها نتنة: مرة أخرى.. فلسطين الثمن... فلسطين أرض الرباط أسامة الكباريتي 0 4322 29th March 2017 11:06 AM
    لولولولولويييي بدء تطوير وتوسيع معبر رفح من... فلسطين أرض الرباط أسامة الكباريتي 0 2339 24th March 2017 09:26 PM
    اغتيال الأسير المحرر مازن فقهاء القيادي في حماس فلسطين أرض الرباط أسامة الكباريتي 9 6772 24th March 2017 09:15 PM
    "حماس" تنشغل بالتحضير لإطلاق وثيقتها... فلسطين أرض الرباط أسامة الكباريتي 0 2127 20th March 2017 08:53 AM
    تل أبيب التي لنا! تدوينة فلسطين أرض الرباط أسامة الكباريتي 0 2265 20th March 2017 08:04 AM

    قديم 28th February 2017, 12:42 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 2
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي






    • ياسر عرفات ليس جمال عبد الناصر، ولم يمتلك كاريزما عبد الناصر. ومع ذلك استطاع أن يكون زعيمًا ورمزًا لفلسطين. وللدقة أقول إن الشعب الفلسطيني حوّله إلى قائد رسولي لحاجته إلى هذا المثال الفلسطيني، لا إلى خصائص كاريزمية امتلكها عرفات. على سبيل المثال، كان أبو جهاد يقول: نختلف معه لكننا لا نختلف عليه. أبو جهاد كان أحد مؤسسي حركة فتح مثل أبو عمار، لكن جميع رفاقه كانوا يقدّمونه عليهم.
    مصدر الكاريزما في حالته محيّر جدًا. ربما قضية فلسطين وحدها هي المصدر، علاوة على رمزيتها وطغيان الرموز على الواقع فيها. وقد استفاد من رمزية القضية الفلسطينية مثقفون وشعراء وفنانون أيضًا، وليس ياسر عرفات وحده. كثيرون استفادوا من الشخصنة ورمزية القضية. أما المقارنة مع عبد الناصر فهي غير دقيقة؛ فتاريخ قادة الدول وزعمائها يتشكل ويقاس أثره ضمن ظروف تاريخية مرّت بها بلدانهم ومستوى الإنجاز والاستجابة للتحديات، أي إن معايير المقارنة تختلف باختلاف المرحلة التاريخية، فمتطلبات كل مرحلة تاريخيةٍ وأدوات القياس ومعاييرها وتوقعات الشعوب ورؤية الباحثين والمؤرخين مختلفة عن مراحل تاريخية أخرى. فلا تستطيع أن تعقد مقارناتٍ بين زعيم بلد تشكلت زعامته في أثناء إنجاز الاستقلال بزعيم للبلد نفسها قادها بعد عقود من الاستقلال. وعلى سبيل المثال، من المجحف أن تقارن تشرتشل في أثناء قيادة بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية برؤساء حكومات بريطانية في مراحل لاحقة، حتى لو كانوا من حزب المحافظين، أي من حزبه نفسه. إن اعتبارات الإنجاز مختلفة، وأيضًا معايير الكاريزما واعتباراتها. كما أن من الغريب والخطأ مقارنة زعيم أحد الشعوب بزعيم شعب آخر حيث تختلف ظروف كل شعب وكل بلد وكل دولة.
    تصوّر لو أن ظاهرة عبد الناصر ولدت في بلد عربي صغير، أو في ظرف تاريخي مختلف، فمن الأرجح ألا يكون زعيمًا كبيرًا. المسألة ليست جمال عبد الناصر، بل الظرف التاريخي والدولة. لم يكن جمال عبد الناصر عبقريًا، وكان أقل تسامحًا وسعة صدر مع خصومه من ياسر عرفات. لكن مشروعه أكبر. إنها عبقرية الزمان والمكان وليس الشخص. تخيل لو أن عبد الناصر وُلد في بلد أفريقي آخر ماذا كان سيكون؟ ربما ضابط جيش مع ميول وطنية كما كان عبد الناصر في مصر. لِمَ لا؟ لكن، ماذا كان سيعني ضابط جيش في بداية الخمسينيات في دولة أفريقية صغيرة؟ كما أن عرفات لم يكن زعيم دولة بإيراداتٍ ونفقات وجيش وأجهزة بيروقراطية. كان زعيمًا لشعب تشظّى في بلدان عدة، واستضُعف في بعض البلدان. وفي المناسبة، أريد أن أضيف صفة أخرى من صفات أبو عمار، وهذه شاهدتها بأم عيني، وكانت قبل ذلك تُحكى لي. كان الرجل شجاعًا.
    • من دون شك، وتأكيدًا لما لاحظته وقلته عن شجاعته، أذكر أنه في حصار عام 1982 كان مسافرًا إلى الخارج، وما إن بدأ القصف الإسرائيلي حتى عاد على الفور إلى لبنان. كُثر كانوا في الخارج، واتخذوا من ذلك ذريعة لعدم العودة إلى لبنان في ظل الحرب. أما هو فعاد ليقيم بين شعبه. المشهور عنه كيف تسلل إلى الضفة الغربية بعد هزيمة 1967، وهذه العملية تحتاج شجاعة فائقة. وحتى على المستوى الطائفي، معك كل الحق، فقد كان يحرص على أن يكون في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير دائمًا عضو مسيحي أو أكثر.
    ليس هذا هو المقياس. أتحدّث عن تعامله مع المواطن كمواطن، من دون أن ينظر إلى دينه. فمن الممكن أن تكون طائفيًا، وتحرص على تمثيل مسيحي في اللجنة التنفيذية لأسباب طائفية. وأنا لا أقول إن هذا التكتيك لم يكن قائمًا لديه في مسايرة الغرب تحديدًا. ولكن، أتحدّث عن طبقٍة أعمق من التعامل مع الناس من دون طائفية. ولم أشعر قط بأنه يميز بين مسيحي ومسلم. لم أشعر، في أي لحظةٍ، أن هذا الرجل لديه طائفية ما. مع أنه ربما كان يستفيد من فلسطينيين مسيحيين حوله في الخبرات والاتصالات الدولية، كما كان الحاج أمين الحسيني يفعل.
    • في فترة معينة، أي بعد عام 1982 كان مصطلح 'العرفاتية' في لبنان تهمة. وغداة الانشقاق الذي عصف بحركة فتح، ثم الصدام السوري - الفتحاوي، أو الفتحاوي - الفتحاوي، خصوصًا في أثناء حرب المخيمات، صارت 'العرفاتية' تهمةً في دمشق وفي بيروت. وبناء عليها، اعتقل كثيرون، وساهم الفلسطينيون في ذلك، ولا سيما عناصر من حركة فتح الانتفاضة، أي المنشقون على فتح.
    صحيح. لكن يجب ألا ننسى أن الانقسام الضاري في ذلك الوقت كان فلسطينيًا - فلسطينيًا.
    • تعرفت إلى جورج حبش. هل تستطيع أن تقيم نوعًا من المقارنة بين الشخصين؟
    عرفت جورج حبش عن قرب، وكانت المودة متبادلةً. وهو لم يخفِ عواطفه. في جميع زياراتي إلى دمشق كنا نلتقي. هو كان حريصًا على اللقاء وأنا كذلك، أَكان اللقاء في مكتبه أم في مكان هادئ كمطعم أو غيره. عندما تعرّفت إليه كان قد أصبح مريضًا، وكان عاطفيًا، بل أصبح عاطفيًا أكثر، وكانت دموعه تنهمر بسهولةٍ حين تخطر في باله ذكريات من الماضي في فلسطين، أو نضالنا في الداخل. وأعتقد أن صداقة خاصة جدًا نشأت بيننا. كان مناضلًا ولا شك في ذلك، ومستقيمًا. وكنت أصبحت من النضج الكافي لأرى مدى الرومانسية في تاريخ حركة القوميين العرب، أو البعد الحالم فيها، مع أنه كان، في تلك الفترة، يتفق معي على ضرورة العمل على إعادة تأسيس التيار القومي العربي على أسس ديمقراطية، لكن هذا الأمر كان متأخرًا في حالته. وبالطبع، جمعتنا فلسطين، والبعد القومي العروبي، واهتمامي بذلك وبتعميق التوجه الديمقراطي. ثم إنه صار لا يهتم بتفصيلات السياسة اليومية، الأمر الذي سمح لنا بالحديث العام عن قضية فلسطين والقضايا العربية. وغالبًا ما كنا نتوافق.



    د. بشارة وجورج حبش في دمشق في 2 آب/ أغسطس 1999 (أ ف ب)

    • هل يمكن عقد مقارنة مع ياسر عرفات؟
    لا، لا تصح المقارنة، سوى أن الاثنين مناضلان فلسطينيان. لكن، ثمة بُعد له علاقة بالماركسية واليسار، وأعتقد أن الماركسية مفتعلة عند جورج حبش، لأنه، بكل بساطة، لم يكن ماركسيًا، ولا علاقة له بهذا الموضوع. وجرى تبني الماركسية لاحقًا في خضم الانشقاق في حركة القوميين العرب عمومًا على مستوى التنظيم القومي، وعلى مستوى التنظيم الفلسطيني، ولا سيما التنافس مع من سيشكلون لاحقًا الجبهة الديمقراطية، وتبني خطاب حركات التحرّر اليسارية في العالم الثالث، مثل حركات التحرّر في فيتنام وأميركا اللاتينية. تبنى جورج حبش خطابًا ماركسيًا - لينينيًا في عام 1968 بتأثير اليسار في الغرب، ثم بتأثير سوفياتي وصيني. لكنني وجدت أن جورج كان قوميًا عربيًا وبقي قوميًا. أما مسألة الماركسية، فلا أعتقد أنه قرأ ماركس بشكل معمّق. وفي العمق لو لم يكن مناضلًا لكان راهبًا، لقوة مثله ومناقبيته الأخلاقية العليا.
    • قرأ لينين قليلًا في مرحلة متأخرة.
    ربما قرأ بعض الأدبيات الماركسية، لكني، كمتخصص في الفكر والفلسفة، لم ألاحظ أنه يعرف أفكار ماركس، ولا أقول ذلك نقدًا، بل لصالحه. فأنا لا أحترم كثيرًا الذين يتفلسفون في موضوعٍ لا يفهمون فيه، أو قرأوا عنه أو سمعوا عنه، ويردّدونه من دون فهم. من المهم التمييز هنا بين أفكار ماركس والأدبيات الماركسية السوفياتية، حيث إن كثيرًا من المثقفين العرب والشيوعيين العرب يخلطون بين الاثنين، ويعتقدون أنهم إذا ما اطلعوا على بعض الكتابات السوفياتية عن الماركسية، التي عادة ما تخلط ماركس بإنغلز ولينين وبليخانوف و'علماء سوفيات'، أصبحوا قارئين ماركس وأفكاره. الفارق كبير. المهم أن جورج حبش من خلال معرفتي التي تعمقت به لم يكن لديه ادعاءات في هذا المجال، وهو أمر يُحسب له. وبالفعل، عندما كنا نعود بالكلام إلى البدايات، عاد كما كان قوميًا عربيًا بنضجِ أعلى. أنضجته التجربة، وصار واقعيًا أكثر. وعلى المستوى الشخصي، فهو لطيف جدًا مثل ياسر عرفات، وبأقل تكتيك ودبلوماسية. الرجل صادق ولا فهلوية لديه، ولا يكذب حتى على سبيل التندّر. وليست لديه تحذلقات المتمركسين الفلسطينيين ممن كانوا قوميين عربًا في اللغة والمصطلح. وفي إمكانه أن يُحضر عائلته معه إلى أي لقاء.
    وفي أي حال، كان يكن المحبة والمودة لياسر عرفات، ولم يكرهه يومًا. أقول هذا وأنا أعرف علاقته بياسر عرفات. كان يكن مودة حقيقية له أكثر مما يكن للأنظمة التي كان يعيش في كنفها، ومن ضمنها النظام السوري. وأعتقد أن جورج حبش كان يقول لي كل ما يخطر في باله. والعلاقة بيننا صارت عميقة جدًا. وأنا كما ترى لا أقول كل ما أسمع، فلا أنا صحافي، ولا أستغل ما يقوله لي الناس في جلساتٍ خاصة لاحقا. وأستغرب سلوك من يفعل ذلك.
    • عندما طُرد أبو عمار من دمشق، خرج جورج حبش إلى وداعه في المطار، وكان هذا التصرف نوعًا من التحدّي للنظام السوري. وقيل إنه قال له: قريبًا نحن لاحقون بك. وهنا أود أن استطرد قليلًا في هذا الشأن لأقول: لا يوجد فلسطيني شتم جورج حبش يومًا ما، لأنه كان نوعًا من الضمير الصافي للفلسطينيين. بينما كثيرون شتموا ياسر عرفات. لكن، لو أراد الفلسطينيون أمرًا ما، فهم يذهبون إلى ياسر عرفات، وليس إلى جورج حبش.
    تعرّض ياسر عرفات للشتم، لأن السياسة هي شغله وشاغلته. أما جورج حبش فلم يعمل في السياسة بالمعنى الضيق على الإطلاق، ولم يكن عنده مشروع سياسي. هذه ليست نقطة قوةٍ لشخصٍ يقود حركةً سياسية. لا توجد حالة واحدة عمل فيها جورج حبش في السياسة، بمعنى سياسات الدول والعلاقات الدبلوماسية. وحتى في حركة القوميين العرب كان يترك قيادات الأقاليم لمن يثق بهم من قادة الحركة، من دون أن يعرف شيئًا حقيقيًا عما كانوا يقومون به بالفعل. جورج حبش بقي يمثل ما يعتبر في التاريخ الفلسطيني حالةً نضالية فلسطينية ضد كذا، وليس مع كذا. الوحيدون الذين شتموه هم بعض عناصر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في البدايات، كما يحصل عمومًا في أثناء الانشقاقات. لو أن حبش انخرط في مفاوضاتٍ سياسية، وفي عمل سياسي، ومسؤولية عن شعب كامل، للحقته الشتائم. لكنه بقي خارج هذا الأمر. وأعتقد أن استقالته من الأمانة العامة للجبهة الشعبية كانت خطوةً مهمة. على فكرة، ليس في خُطب جورج حبش وياسر عرفات أي سياسة. واضح أن الاثنين كانا يهتمان بالتعبئة والتحشيد أكثر مما يهتمان بالشرح والإقناع.
    • من غرائب التاريخ الفلسطيني المعاصر أن مؤسسي حركتي القوميين العرب وفتح لم يكن لهم علاقة مباشرة بالفكر، وهم ليسوا مفكرين، بل استندوا إلى نضاليتهم بالدرجة الأولى. حتى أن مؤسسي حركة القوميين العرب، أمثال وديع حداد وجورج حبش، اتكأوا على كتابات قسطنطين زريق، ولم يُنتجوا نصًا فكريًا واحدًا.
    كثير من الأحزاب والحركات السياسية في تلك المراحل لم تنتج فكرًا خاصًا بها، بل استندت إلى أفكار آخرين، حتى تلك التي قدمت فكرًا خاصًا كان ذلك تطويرًا لأفكار مطروحة. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار ظروف نشأة حركة القوميين العرب التي جاءت ردة فعل مباشرة على النكبة، وضرورة بناء حالة نضالية في مواجهة آثارها.
    • لم يتبنَ أي واحدٍ من قادة الجبهة الشعبية الماركسية، لا أبو علي مصطفى ولا وديع حداد. سألتُ أبو ماهر اليماني مرة عن اعتناق الماركسية فقال لي: 'شيلك من هالشغلة'.
    أعتقد أن صديقنا المرحوم أبو ماهر اليماني كان الأقرب في شخصيته إلى شخصية جورج حبش. ولم يكن يعمل في السياسة، بل في العمل الحزبي فحسب. تسمية جبهة الرفض هي أفضل تسمية لأمثال أبو ماهر اليماني. إنهم يرفضون السياسة، كأنهم يعتبرونها مسًّا بالموقف الرافض احتلال فلسطين عام 1948. كنا معًا، كما تذكر، حين التقينا أبو ماهر في بيت رفعت النمر في بيروت، وكان معه أنيس صايغ وشفيق الحوت، وجميعهم ظلوا أصدقاء أعزاء لي حتى وفاتهم، وكان أنيس يزروني في بيتي في عمّان كلما زارها. وكنت ألتقيه، وألتقي شفيق الحوت في كل زيارة لبيروت. انسجمت مع هذا الجيل حتى لناحية روح الدعابة، واعتبرتهم أصدقائي. كانت بيننا محبة متبادلة كما أعتقد. كتبت عنهم بعد وفاتهم تعبيراً عن هذه المحبة، ولأن وحدتي زادت بعدها.
    • متى التقيت قيادة 'حماس'؟
    منذ سنوات، ولا يمكنني أن أحدد تاريخًا. التقيت القادة السياسيين لحركة حماس في غزة قبل ذلك بكثير. اجتمعت إلى عدد منهم إبّان زياراتنا غزة في المرحلة الأولى لوصول السلطة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو، وفي إثر الصدامات والاعتقالات التي قامت بها السلطة بحقهم. كانت تلك بوادر صدام عنيف بين فتح وحماس. ورأيت أول مرة استخدام عناصر السلطة التعذيب في السجن. لهذا تضامنت معهم، وقدمت مطالب إلى ياسر عرفات، وقادة فلسطينين آخرين مرات عدة في هذا الشأن. في تلك المرحلة تعرفت إليهم. وقبل ذلك، وفي أثناء تدريسي في جامعة بيرزيت في ثمانينيات القرن الماضي، التقيت كثيرين من ناشطي الكتلة الإسلامية قبل تأليف حماس، وشهدت بوادر التنظيم عشية الانتفاضة الأولى. ولا أخفيك أني كنت، على الرغم من تفهمي لهم، منزعجًا من التعصب الديني والخطاب الموتور نسبيًا ونزعته والتلمحيات الطائفية واضحة فيه.
    • هل عبّرت عن نقدك لهم؟
    كأستاذ جامعي ومدرس فلسفة ودراسات ثقافية، دارت نقاشات عدة بيني وبين طلابي الإسلاميين وغير الإسلاميين في هذا الشأن، وكنت نقديًا بالطبع. وفي رأيي كانت تلك نقاشات مهمة.
    • وفي هذه المرحلة؟
    جاءت علاقتي بحركة حماس في هذه المرحلة في سياق موقفي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقبل ذلك في رفضي القاطع الحصار الدولي الذي فرض على نتائج انتخابات 2006، ثم محاولة أجهزة أمنية الانقلاب على نتائج الانتخابات، والانقلاب المضاد الذي قامت به حركة حماس. ولا شك لديّ في أن ممارسات خاطئة ارتكبها الطرفان. وحاولت 'حماس' لاحقًا من دون شك أن تفرض نمط حياة معينًا على غزة، وهذا مرفوض. لكن الحصار والعدوان الإسرائيلي بقيا، بالنسبة إلي، الموضوع الرئيس. ولهذا وقفت مع غزة بقوة ضد الحصار، ثم في جولات الحروب المتكرّرة عليها منذ عام 2008-2009، وكانت مبدئية الموقف هنا هي الأساس، ولا سيما بوجود خصوم لحماس يأملون أن تقوم إسرائيل بتصفيتهم. لقد أثار الموقف المصري الرسمي في أثناء العدوان على غزة وبعده نفورًا شديدًا لدي، وكذلك تعامل السلطة الفلسطينية مع الأمر كأنه صراع بين طرفين أجنبيين. ولهذا وقفت مثل هذا الموقف، وهم قدّروا ذلك. لذلك، تطورت بيني وبينهم علاقة ثقة مكّنتنا من التحاور. وأعتقد أن مثل هذه الثقة مفقودة في العلاقة بين حماس وفتح.
    • ما رأيك بهم الآن؟
    مرّت حركة حماس بتطور كبير، لا مجال الآن للتوسع فيه. لكن قيادتها السياسية نضجت بالتأكيد. أنا ألتقي خالد مشعل من حين إلى آخر، وتجمعنا علاقة صداقة، والاحترام بيننا متبادل، وكذلك موسى أبو مرزوق، وغيرهما من القادة. وأعتقد أن لديهما نضجًا سياسيًا، وأعتقد أن خالد مشعل في طريقه نحو موقف أقرب إلى حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا. ونحن نتناقش كثيرًا في هذه الأمور، مثلما أجتمع كثيرًا مع الصديق الشيخ راشد الغنوشي، وأتبادل معه وجهات النظر في هذا الشأن. لكن أوضاع غزة الاجتماعية والسياسية في ظل الحصار لا تساعد على تطوير هذا التفكير وتعميمه. فالعدوان الإسرائيلي المتواصل والحصار المصري والصراع مع 'فتح'، عوامل تعزّز عامل التحشيد والتعبئة، ويعوّق عملية الانفتاح. ومع ذلك، من المهم الخروج من دائرة ردة الفعل وتطوير موقف سياسي وفكري يلائم المرحلة وتكوين الشعب الفلسطيني.
    أعتقد أن على عاتق 'حماس' بثقلها النوعي، ونضالاتها وتضحياتها، تقع مسؤولية طرح تصور إسلامي مختلف عن الحركات التكفيرية المتطرفة من جهة، وعن خط الإخوان المسلمين السابق الانعزالي، وغير القادر على الحكم وعلى تقبل تركيب المجتمع وتعدّديته ومبادئ الديمقراطية أيضًا. أعتقد أن 'حماس' مؤهلة لذلك، لو خرجت من دائرة ردات الفعل على الواقع الصعب في غزة، ونظرت إلى دورها الفلسطيني والعربي والإسلامي بكليته. كما أن تبنيها قضية وطنية أساسًا هو مفتاح التصالح مع الفكرة القومية والوطنية، علاوةً على قبول العمل في إطار وطني. كنت أعتقد أن من الأسهل أن تبدأ المصالحة الفلسطينية في إطار منظمة التحرير، حيث لا يوجد صراع على السلطة في الشتات، ثم تشمل المصالحة السلطة لاحقًا، لكني وجدت أن ذلك غير صحيح.


    https://www.arab48.com/%D8%AF.-%D8%B9%D8%B2%D9%85%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D8%AE%D8%B1%D9%89/2017/02/28/%D8%B9%D8%B2%D9%85%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D8%A7%D8%AC%D8%A3-%D9%85%D8%AD%D9%8A%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%AF%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%AF-

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 28th February 2017, 12:55 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 3
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي





    عزمي بشارة: مناصرتي المقاومة جعلتني مع الشعب السوري

    تاريخ النشر: 27/02/2017 - 08:25

    عرب ٤٨
    تحرير : عرب 48

    يباشر موقع 'عرب ٤٨' بنشر فصول من كتاب 'في نفي المنفى... حوار مع عزمي بشارة' على مدار الأيام القريبة المقبلة، إذ سينشر اليوم وغدا حلقتين نشرت وستنشر في 'العربي الجديد'.
    وسننشر بشكل حصري بعد غد الأربعاء والخميس فصلين من الكتاب، والتي تتعلق بتأسيس التجمع الوطني الديمقراطي ونشاط د. بشارة السياسي والبرلماني وخروجه القسري من فلسطين.
    يصدر قريبا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت كتاب 'في نفي المنفي.. حوار مع عزمي بشارة'، يضم إجابات المفكر العربي، عزمي بشارة، على أسئلةٍ متنوعة الموضوعات، يطرحها عليه صقر أبو فخر، فيتوفّر قارئ الكتاب على سيرةٍ فكريةٍ وسياسيةٍ للدكتور بشارة، وافيةٍ، تحيط بمختلف مضامين هذه السيرة وانعطافاتها، وبكل ما اشتملت عليه من أطروحاتٍ واجتهاداتٍ ومساجلاتٍ في أسئلة الراهن العربي، وما يتصل بذلك من قضايا العلمانية والقومية والليبرالية، والصراع مع إسرائيل، وكذا الثورات العربية، وغير ذلك من مشاغل أنجز عزمي بشارة بشأنها عدة مؤلفاتٍ، تضمنّت جديدا كثيرا على مستوى الاشتباك مع التعقيدات الاجتماعية والسياسية والثقافية الكثيرة التي تعيق الوصول إلى العدالة والحرية والديمقراطية في الفضاء العربي. وتتضاعف الأهمية الخاصة لمساهمات بشارة في هذا كله، وغيره، في أنها توازت مع تجربة كفاحية ونضالية خاضها في فلسطين، وخصوصا في معركة حقوق عرب الداخل الوطنية والهوياتية، قبل أن تعمد دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى التسبّب بنفيه. وهذه واحدةٌ من محطات سيرة عزمي بشارة، يوضح الكتاب تفاصيلها، كما غيرها من مسائل تتعلق بخياراته العروبية، وثوابته الفكرية، وكذا بتجربته نائبا فلسطينيا عربيا منتخبا في البرلمان الإسرائيلي، ممثلا لتيار فاعل في الداخل، تبدّى في حزب التجمع الذي كان بشارة من أبرز مؤسسيه. وتتيح الإجابات على أسئلة صقر أبو فخر، في خصوص هذه الشؤون وغيرها، لقارئ الكتاب معرفةً كاشفة، فيها بعض الذاتي والشخصي، وفيها كثيرٌ من الفكري والسياسي، تساعد في درس الإسهام النظري والتحليلي والتفكيكي في مؤلفات الدكتور بشارة ومحاضراته وأبحاثه.
    ولمزيدٍ من التعريف بالكتاب، تنشر 'العربي الجديد' صفحاتٍ من فصلين منه، من بعض ما تحدّث عنه عزمي بشارة بخصوص صلته الشخصية والسياسية بسورية، منذ زياراته لها، ولقاءاته بالرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد، وصولا إلى وقوفه مع الشعب السوري في ثورته ضد الطغيان. أما الصفحات الأخرى فهي عن تواصل بشارة مع القيادة الفلسطينية، ممثلةً خصوصا بالرئيس الراحل ياسر عرفات، ورؤيته لأحداث الانتفاضة ومفاوضات كامب ديفيد في حينها. ومبعث اختيار هذين الموضوعين من بين قضايا الكتاب الكثيرة اتصالهما بمقدمات الجاري حاليا من وقائع سورية وفلسطينية. .. هنا حلقة أولى:

    • كانت العلاقة بينك وبين الحكم في سورية مثار جدل ونقاش بين من كان ضد هذه العلاقة بسبب طبيعة النظام في سورية، وبين من أصبح لاحقًا ينتقد موقفك تجاه الثورة السورية مع أن النظام لم يتغير. وعلاوة على ذلك بُني التحريض الإسرائيلي الموجه ضدك على أساس هذه العلاقة. لنتحدث بالتفصيل عن علاقتك بسورية.
    حسنًا، من أين تريد أن نبدأ؟ الأمر مركّب جدًا. كديمقراطي عربي، لم تكن لدي أي أوهام عن النظام السوري. كنت أرى نظام البعث نظامًا استبداديًا. هذه الأفكار قائمة في ثقافتي اليسارية والديمقراطية، واستقيتها مما كنت أطلع عليه من تجربة بعض الفصائل الفلسطينية مع النظام السوري، ومن تجارب يساريين سوريين ولبنانيين معه أيضًا، ومن القراءة بالطبع. وعمومًا، احتل موضوع العلاقة بسورية مكانًا في وسائل الإعلام، لأنه كان يمثل خبرًا جذابًا، لكنه احتل حيزًا صغيرًا من وقتي. فعملي الأساس كان نضالًا فلسطينيًا ومحليًا في قضايا عرب الداخل اليومية الكثيرة والمتشعبة بتفاصيلها، وقضايا الاحتلال، إضافة إلى عملي الفكري والبحثي الذي لم يتوقف.
    عندما أسسنا «التجمع الوطني الديمقراطي» كحركة وطنية ديمقراطية، وضعنا في جدول الأعمال الانفتاح على العالم العربي، والتواصل معه ومع اللاجئين في المخيمات الفلسطينية. لكن، ما كان متاحًا في هذا الميدان هو الدول التي صنعت سلامًا مع إسرائيل. وفي هذه الحال كان تواصل المواطنين العرب في الداخل مع العالم العربي يجري ليس لأنهم عرب، بل لأنهم مواطنون إسرائيليون من عرب 1948، ولأن إسرائيل صنعت سلامًا مع هذه الدولة. وهؤلاء دخلوا العالم العربي كإسرائيليين (أي بجوازات إسرائيلية) بعد توقيع اتفاقات السلام. وكنت أعتبر ذلك تطبيعًا (تطبيعًا مقلوبًا إذا شئت)، وامتنعت لفترة عن زيارة مصر والأردن بهذا الجواز. وطبعًا ما لبثت أن اعتبرت ذلك موقفًا غير سياسي. فيجب أن نتواصل مع الشعوب العربية في الدول التي صنعت سلامًا مع إسرائيل أيضًا. لكن لا يمكن أن ننكر أن العلاقة كانت تجري من خلال السلام مع إسرائيل. وهذه تناقضات الحياة التي لا بد من العيش معها.

    • أي إن الزيارات في البداية ظلت مقصورةً على الدول العربية التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، أي مصر والاردن.
    نعم، وكان العرب من أراضي 1948 يزورون مصر والأردن بجواز سفر إسرائيلي، وما زالوا. والسخرية التاريخية، أو المفارقة، أنهم حُرموا من التواصل مع هؤلاء العرب لأنهم عرب فلسطينيون، ثم تواصلوا معهم باعتبارهم إسرائيليين. وللأسف، لاحظنا أننا، كعرب يحملون جوازات سفر إسرائيلية، نُعامل في مطار القاهرة أفضل من معاملة باقي الفلسطينيين الذين يحملون جوازات مرور كلاجئين. وفرح كثيرون من عرب الداخل بهذه المعاملة التي تشبه معاملة السائح الغربي «المحترم»، بينما الفلسطيني القادم من غزة يعامل بطريقة مهينة. وهذا في حد ذاته يزيد تأكيد الهوية الإسرائيلية عند الفرد، أو ما وصفته في مقالاتي في تلك المرحلة بفخ الأسرلة. ومن باب التذكّر، أنا لم أزر مصر بعد توقيع اتفاق «كامب ديفيد». من المفترض في رأيي أن المصري لا يزور إسرائيل التزامًا بالوقوف ضد التطبيع. ولكنني أيضًا لم أزر مصر لأنني كنت ضد اتفاق السلام وضد التطبيع، وفهمت لاحقًا أن هذا ليس هو المطلوب، ولا بد من التواصل عربيًا. لكن رفض التطبيع ما زال يعني أن المصري لا يجوز أن يزور إسرائيل. وفي أي حال تبين أن إسرائيل غير راغبة في تدفق العمالة المصرية والأردنية عليها.
    ثم دُعيت إلى زيارة سورية مع وفود من أعضاء الكنيست العرب وغيرهم من الشخصيات، وشكّكت في هذه الدعوات، ولم أنضم إلى تلك الوفود التي زارت دمشق. ذهب وفدان من أعضاء الكنيست العرب إلى سورية قبل أن أزورها: مرّة للتعزية بباسل الأسد[1]، ومرّة بدعوةٍ عامةٍ لجميع القوى السياسية العربية في الداخل، ولم أشارك فيها. كانت سورية آنذاك في صدد التفاوض مع إسرائيل، وجاء موفدٌ من الجولان، ونظم زيارة وفد من النواب العرب في الكنيست وشخصيات أخرى، ومنهم نوابٌ عربٌ يمثلون أحزابًا صهيونية. رفضتُ أن أزور سورية في عداد وفدٍ من هذا النوع، لأنني كنت أعرف أن السياق العام لتلك الزيارة يتضمن رسائل سياسية، منها الانفتاح السوري لا على العرب، بل على إسرائيل. ولهذا لم أذهب ضمن ذلك الوفد. لقد ذهب كثيرون إلى سورية، ومن الأحزاب كلها تقريبًا. وكان ذلك بإذن إسرائيلي، واحتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بتلك الزيارات التي رافقها مراسلو وسائل إعلام إسرائيلية (بصفة شخصية!).

    • بمن فيهم ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي.
    ذهبت شخصيات من الأحزاب العربية اليسارية وغيرها، وذهب عرب أعضاء في الأحزاب الصهيونية، وبينهم أعضاء في حزب العمل، وبعضهم خدم في الجيش الإسرائيلي[2].
    الأعضاء العرب في حزب العمل كانوا ثلاثة؛ إذ كان الهدف من الدعوة هو إيصال رسائل سياسية لإسرائيل، فإن تشكيلة الوفد وتاريخ أعضاء الوفد لم يكونا مهمين للنظام السوري، بل كان الهدف الوحيد استخدام الجسور الممكنة لدى النظام لإيصال رسائل إلى القادة الإسرائيليين؛ فالدعوة لم تكن عملًا نضاليًا يتضمن في الحد الأدنى التضامن أو الانفتاح على عرب 1948. فلو كان ذلك هو الهدف لما دُعيَت بعض الشخصيات العربية المتصهينة. وطبعًا لم أشارك في هذه الوفود، واعتبرت بعض التهريج الوطني الذي رافقها ذرًا للرماد في العيون، حيث احتفت بها إسرائيل أيضًا. ولاحظ السوريون عدم مجيئي إلى دمشق. وكان سميح القاسم في الوفد الثاني، وكنا نلتقي من حين إلى آخر. ونقل إلي عتب وزير الخارجية السوري فاروق الشرع وسؤاله: لماذا لم تحضر مع أنك تمثل التيار القومي العربي؟ ونحن في سورية نتابع مواقفك القومية... إلخ.
    بعد ذلك بفترة، تلقيت دعوةً من مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت للمشاركة في ندوة فكرية[3] وكان المركز نشر كتابي المجتمع المدني: دراسة نقدية، وتعرفت إلى مدير المركز خير الدين حسيب في مؤتمر عقدته مؤسسة مواطن في القاهرة، بالتعاون مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وأصبحنا أصدقاء، ثم نشرت بعد ذلك عددًا من الكتب في المركز. اعتبر السوريون ذلك على ما يبدو فرصةً للقائي. وجرى ترتيب تلك الزيارة بوساطة نائب الرئيس عبد الحليم خدّام. ولم يكن لها أي علاقة بوفود الداخل، إنما كانت دعوةً لباحث عربي إلى ندوة لمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. وذهبت إلى دمشق والتقيت خدّام، ومكثت في سورية، ولم أجتز الحدود إلى لبنان جرّاء مزايداتٍ لبنانية داخلية، وأدركت حينذاك جانبًا من جوانب التعقيدات اللبنانية. لم أطلب زيارة لبنان، بل دعيت إلى لبنان آنذاك، لكن بعض الأحزاب اللبنانية وقادتها استسهلوا المزايدات السياسية على حسابي. وجميع من زايد راح في مابعد يطلب لقائي، لكني كنت متفهمًا التعقيد وسوء الفهم الذي يمكن أن يحصل. ولاحقًا دعيت إلى لبنان مرارًا. نعود إلى سورية، التقيت عبد الحليم خدّام مرتين في أثناء الزيارة، كما التقيت فاروق الشرع مرتين في الزيارة نفسها، وتبادلنا الأفكار، وبدأت بعد هذه اللقاءات علاقةً رأيت فيها أنني دخلت، أول مرة، بلدًا عربيًا من دون جواز سفر إسرائيلي، بل بورقةٍ من البلد نفسه (كنت أدخل بوثيقة سفر سورية تعدّ في سفارة سورية في القاهرة، ولاحقًا في عمان). لقد دعيت بصفتي مثقفًا وكاتبًا عربيًا فلسطينيًا، لا كنائب في البرلمان الإسرائيلي[4]. وهذا فارق كبير بالنسبة إلي. وأعتقد أن الأخوة في سورية تفهموا هذا الموضوع، كما تفهّموا سبب عدم قبولي الدعوة السابقة. ونشأت علاقةٌ من هذا النوع مع شخصيات سورية، فيها تشاور وتفاكر، وقدّرت للأخوة السوريين استماعهم إليّ وسماع آرائي، مع أنني اعترضت على سياستهم الداخلية. لكن، كعربي يعيش في الداخل ويمثل العرب في البرلمان الإسرائيلي، لا أعتقد أن موقعي ذاك كان ملائمًا لجعل نقد الأوضاع الداخلية للدول العربية فوق قضية التواصل مع العرب، علاوة على الموقف من الاحتلال وفلسطين. هذا ما كنت أفكّر فيه في ذلك الوقت. وأعتقد أن ذلك الحس كان سليمًا، ولا سيما أنه لم يكن هنالك لحظة حرجة وصدام بين المواطنين والنظام، فالسياسات الداخلية في جميع البلدان العربية كانت استمرارًا لسياسات سادت عددًا من العقود مع انفتاح نسبي كان نتيجة تأثر الأوضاع الاقتصادية في الثمانينيات نتيجة تراجع أسعار النفط عالميًا. ولا أدري، ربما كنت مخطئًا.

    • لم تكن أحوال العالم العربي آنذاك معركتك المباشرة في أي حال.
    لا بالطبع. ففكريًا كنت أكتب عن الديمقراطية والمجتمع المدني، أي ما أنا مقتنع به اليوم أيضًا. كانت أحوال العالم العربي تهمني جدًا في عملي البحثي والأكاديمي إضافة إلى اهتمامي كعروبي وكفلسطيني، ولم تتضمن كتاباتي الفكرية أي حلول وسط. أما بالنسبة إلى العمل السياسي المباشر، فكانت قواعده في الداخل، بما فيها تمثيل الحركة الوطنية برلمانيًا، مختلفة تمامًا عن العمل السياسي العربي. ونشاطي السياسي كان محصورًا في الداخل. ثم إن إسرائيل نفسها كانت قد بدأت شن حملة تحريض ضدي لمجرد تواصلي مع العرب كعربي، أي خارج اتفاقات السلام الإسرائيلية - العربية المبرمة. وحاولت أن أبني على العلاقة بالقيادة السورية أمورًا عدة، كأن يكون هناك تشاور سياسي فيه مقدار من الفائدة لها ولنا. وأعتقد أن القادة السوريين أفادوا جدًا من ذلك في فهم قواعد الصراع ضد إسرائيل (بغض النظر أَطبّقوا هذا الفهم أم لا، فهذا قرارهم، وأنا قمت بواجبي). وخلافًا لنوابٍ عرب ذهبوا إلى دمشق ليكونوا «جسرًا للسلام» كما سمّوه، أعتقد أنني ساهمت في شرح ما تبيّته إسرائيل، وفي تصليب موقف القادة السوريين الذين أقروا بذلك. كنت على خلافٍ مع أجنحةٍ قوية معينةٍ في النظام السوري تريد أن تعجّل في عملية السلام بأي ثمن، وكنت أذكِّر دائمًا بحق العودة للفلسطينيين، وأقول لهم: إذا صنعتم سلامًا مع إسرائيل، ولنفرض أنهم أعادوا إليكم الجولان كله، فهل تتنازلون عن حق العودة للفلسطينيين وأنتم تعلنون تمسككم به؟ وإذا تخليتم عنه، فمن سيبقى ليطالب به؟ هذا ما فعله الأردن الذي كان يطالب بحق العودة للفلسطينيين، بل إن النقاش السياسي الداخلي وصل إلى مناقشة مفاهيم مثل «التوطين». ومع ذلك وقع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل من دون حق العودة. وهذا الموقف يناقض الموقف الرسمي اللبناني والسوري والأردني؛ فهذه الدول تريد سلامًا مع إسرائيل، ويتكلم المسؤولون فيها على حق العودة، لكن هذا الحق ليس من شروط اتفاق السلام الذي وقعه الأردن، أو يريد أن يوقعه لبنان أو سورية مع إسرائيل؛ أقول ذلك لأن القيادة السورية كانت تتحدث عن استعادة الأراضي التي احتلت في عام 1967 كشرط للسلام. إذًا، فإن حق العودة غير متضمن في هذا المسار. وهذا يعني أنه متروكٌ للمفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، فهل في وسع الفلسطينيين أن يفرضوا على إسرائيل حق العودة في مفاوضات ثنائية، في حين تصنع الدول العربية سلامًا مع إسرائيل لا يتضمن هذا الحق. في سورية كانت حقوق الفلسطيني مثل السوري، سلبًا وإيجابًا.

    بشارة في لقاء مع الشرع في العام 2001

    • كيف تتذكّر لقاءك الرئيس حافظ الأسد أول مرة؟
    استحوذ على معظم اللقاء[5] الحديث عن التفاوض وحق العودة، وهل تريد إسرائيل السلام، وكانوا يعرفون موقفي النقدي من مقاربتهم الإيجابية لانتخاب إيهود باراك، والمدى الذي قد تصل إليه إسرائيل في التفاوض... إلخ. وكانت الأسئلة التي وجهها حافظ الأسد إلي تتعلق بتقديري لرغبة إسرائيل في السلام مع سورية. وقلت إن إسرائيل تريد سلامًا بشروطها، والأمر يحتاج إلى ضغط كي تتراجع عن موقفها. والحقيقة أنه كان متمسّكًا باسترجاع الجولان حتى آخر شبر. وكنت تعرفت إلى بشار الأسد في عهد والده، ورأيته مرتين في تلك الأثناء. جلست إلى حافظ الأسد أكثر من ثلاث ساعات، وشرح لي أسباب التدخل السوري في لبنان. وكان من الواضح أنه مهتم بالتاريخ، وبشرح مواقف سورية السياسية لي، حتى التي لم أسأل عنها.

    • هل أخبرك الرئيس حافظ الأسد عن «وديعة رابين»[6]؟
    نعم، وكذلك أخبرني فاروق الشرع بوجودها.

    • ألم يكن مهتمًا بالتاريخ الإسرائيلي؟
    كان مهتمًا بالتاريخ اليهودي وببنية المجتمع الإسرائيلي وكيفية صنع السياسة في إسرائيل. وحاولت أن أشرح ذلك قدر الإمكان. كان الجو لطيفًا، وحضر اللقاء فاروق الشرع أيضًا. ربما يفاجئ السوريين كلامي على أن الأسد كان لطيفًا ومهذبًا، ولكن لا علاقة لرأيي في الفارق بين السلوك الشخصي للقادة ودرجة تهذيبهم من جهة، وطبيعة النظام وقسوته ضد المعارضة من جهة أخرى.
    أنت تعرف أن موقفي، حينذاك، كان يعتبر راديكاليًا في مسألة الإصرار على حق المقاومة. وكانت سورية تدعم المقاومة. وبهذا المعنى، كنّا حلفاء. وهذا بالضبط ما أزعج إسرائيل التي لم يكن لديها مشكلة في من يزور سورية، بل كانت تعتبر أن أي عضو كنيست إذا زار سورية يساهم في تمهيد الطريق للتطبيع معها. لكن ما أغضبها في زياراتي أنها جاءت خارج هذا السياق تمامًا، بل ضده، ومن دون إذنها؛ ولأن النائب الذي سافر في هذه الحالة من دون إذن مستغلًا حصانته لم يتحدث عن السلام، بل دافع عن المقاومة ودعا إليها. وأذكر أن مدير وزارة الخارجية الإسرائيلية قابلني في إحدى المرات في المطار عند سفري، وكان شارون وزيرا للخارجية آنذاك، وقال لي حرفيًا: «المشكلة ليست في السفر، بل في مواقفك وما تقول. ليس عندنا مانع أن يسافر نواب إلى سورية، بل المشكلة في الموقف السياسي».
    لنعد إلى العلاقة مع سورية. بدأنا في تقويم هذه العلاقة للاستفادة منها أكثر، وساعدنا المسؤولون السوريون في ذلك. ورأينا أن كبار السن من اللاجئين الفلسطينيين لم يروا أقاربهم في الداخل منذ عام 1948، وأن من الممكن أن نساعد هؤلاء في أن يلتقوا أقاربهم من اللاجئين في سورية. ووافق الرئيس بشار الأسد بعد أن كلّمته في الأمر. واستشرت وزير الخارجية فاروق الشرع الذي أيّد بدوره الفكرة بعد مناقشة مطوّلة، كما تعاونت الخارجية وسفارتها في عمان في تقديم التسهيلات. وبالطبع لم يكن هذا كله ممكنًا لولا تعاون أجهزة الأمن السورية في تسهيل الموافقات والتأشيرات والتسهيلات وغيرها، ولا سيما اللواء بهجت سليمان الذي كان يرأس فرع الأمن الداخلي، ولاحقًا آصف شوكت. وهكذا فتحنا بابًا عملت إسرائيل المستحيل لإغلاقه، وهو تواصل كبار السن من عرب 1948 (الذين ولدوا قبل النكبة) مع أقاربهم اللاجئين في سورية. وقال لي كثيرون: لو لم تفعل إلا هذا لكفاك فخرًا. وكان يكفيني أن أسمع من حين إلى آخر جدًّا أو جدّة وهما يشكرانني بالقول إنهم وصلوا إلى السبعين عامًا أو أكثر، وقد تمكّنوا أخيرًا من رؤية أخ أو أخت بعد ستين عامًا من الفراق، أو «قبل أن أموت».


    في مخيم شاتيلا في العام 2005 تأثرت كثيرًا بما رأيت وسمعت. وكانت سعادتي لا توصف لأني تمكّنت من مساعدة جيل الأجداد والجدّات في لقاء عائلاتهم قبل أن يفارقونا. في البداية، حصرنا الزيارات بمن ولد قبل النكبة، وكان هؤلاء يرجوننا أن نسمح لأبنائهم بمرافقتهم إلى سورية. وحصلت أمور طريفة، منها أن بعضهم افتعل المرض كي يحضر إبنه أو أخته معه ليعرفهم إلى أقاربهم. ثم جرت محاولاتٌ لتحويل هذه الزيارات إلى سياحة. سورية جميلة، والناس تحب سورية حقًا، وتنتمي إلى سوريا. دمشق وحلب واللهجة السورية والطعام السوري والموسيقى السورية كلها تدغدغ مشاعرهم (ومشاعري). والفلسطينيون جزء من بلاد الشام، وهذه المشاعر طبيعية. وصار مكتبي محجةً لكل فلسطيني في الداخل له أقارب في سورية.

    • لو افتتحت مكتب سفريات آنذاك!
    (يضحك)... لكنّا موّلنا الحركة الوطنية وصحيفتنا من إيراد ذلك المكتب. لكن السفر كان مجانًا بالطبع. وكان المسافرون يحاسبون وسائل المواصلات بأنفسهم. حاولت، قدر الإمكان، تسهيل أمور الزيارة لأكبر عدد ممكن من فلسطينيي الداخل؛ لمن كان إلى جانبنا سياسيًا، وغيرهم أيضًا. وشعرت بالرضا عما فعلناه. كان مشهد الناس الذين رأوا إخوانهم وأخواتهم أو أقاربهم مؤثرًا للغاية. قبل أعوام حصل لقاء أقارب (أخوة وأخوات) بين الكوريتين الشمالية والجنوبية واهتزت مشاعر العالم. في حالتنا كان الفراق أطول، واللقاءات التي جرت كانت بين لاجئين وباقين، على الرغم من حالة الحرب.
    كان التواصل مع سورية، في هذه الحالة، يمثل أنموذجًا مختلفًا للتواصل الفلسطيني مع العرب، وهو يعني مواجهة للتطبيع وتجاوزًا له، بل سيرًا معاكسًا له. بمعنى أن العلاقة بالعالم العربي، خصوصًا سورية، لا تمر من خلال «السلام» الإسرائيلي، بل من خلال العلاقة المباشرة بين عربي وعربي، ومن دون استئذان إسرائيل، وإلا لكنا مررنا إلى دمشق من خلال معبر الجولان، وهذا أسهل، لكننا اخترنا تنظيم السفر من طريق الأردن. وآنذاك، واجهتني المحاكم الإسرائيلية بأنني رفضت استئذان السلطات الإسرائيلية، وكثيرًا ما رددت أني لا أحتاج إذنًا إسرائيليًا كي يرى الفلسطيني أخاه، والقضية مبدئية بالنسبة إليّ.

    • قلت هذا في أثناء محاكمتك في القدس والناصرة[7].
    صحيح. لكن محاكمتي جرّاء تلك الزيارات كانت من نوعٍ مختلف، كانت بتهمة تنظيم زيارات إلى «بلد معاد وفي حالة حرب» من دون استئذان السلطات المختصة. وحوكم معي مساعداي البرلمانيان موسى ذياب وأشرف قرطام. وكان الرأي العام العربي في الداخل معنا. وجاء الأهالي الذي زاروا سورية للتظاهر أمام المحكمة. لقد استطعنا أن نجعل القضية إنسانية (وهي فعلًا كذلك). فصعّبنا الأمر على الحكومة الإسرائيلية، حيث أرادت التأكيد أن العلاقات بين العرب لن تكون إلا من خلالها هي. وكنا نريد أن نكسر هذا الاحتكار ونبني جسورًا بين العرب، بغض النظر عن سياساتهم ومواقفهم من البلدان العربية. لا نريدهم أن يكونوا عرابي تواصل بعضنا مع بعض. وعلى الرغم من رمزية هذا الأمر، فإنه في جوهره تجسيدٌ لإرادتنا القومية في شأن تواصلنا العربي - العربي، حتى لو كان الأمر لأهداف إنسانية. حوّلنا هذه القضية إلى حالة نضالية، واستطعنا من خلال الالتفاف الشعبي الواسع أن نحقق إنجازًا.


    يتبع............

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 28th February 2017, 12:59 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 4
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    المحاكمات الأهم التي طاولتني كانت بسبب التصريحات والمواقف التي أعلنتها في اجتماع شعبي في أم الفحم تأييدًا للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية. وبالطبع، كانت هناك محاكمات بتهمة زيارة دولة عدو. إنها قصة مطوّلة، وملفها أطول. وعلى الرغم من ذلك، بقيت أصرّ على الزيارات، واعتبرت ذلك إنجازًا. (ترافع في المحاكمات محام صديق، توفي في أثناء وجودي في المنفى، هو رياض أنيس، عضو المكتب السياسي في التجمع، وشاركت جمعية «عدالة» ومحامون آخرون في الدفاع عني وعن التجمع أزاء محاولات منعه من خوض الانتخابات بهذه التهم). نحن قمنا بأمر مميز ومختلف عن زيارات التطبيع. كان هذا تواصلًا فلسطينيًا خارج سياق التطبيع والسلام، ومن دون إذن إسرائيل، ومن دون جواز سفر إسرائيلي. وراحت إسرائيل تحاول عرقلة الزيارات وتهدد المسافرين، ومعظمهم من مواليد ماقبل عام 1948، لكنهم لم يكترثوا كثيرًا للتهديدات. وبالتدريج والتواتر، صارت لي صداقات لا حصر لها في سورية، وتعرفت إلى كثير من المثقفين المؤيدين والمعارضين الذين كانوا يحضرون إلى الفندق لمقابلتي، أو إلى الندوات لسماع المحاضرات. وفوجئوا عندما وجدوا أنني مطّلع على ما يجري في سورية بالتفصيل. لكن اعتباراتي كانت مختلفةً بصفتي من فلسطين، ولا أستطيع التدخل في الشأن السوري مباشرة. لكن هذا لم يمنعني من التعاطف معهم، خصوصًا المعارضين السوريين الذين خرجوا من السجون، وبعض الكتاب المعارضين. وتطورت صداقة شخصية حقيقية مع فاروق الشرع الذي أعتبره رجلًا مستقيمًا، وهو عمل في السياسة الخارجية، ولم يشتغل في السياسة الداخلية. وهو، في أي حال، مسؤول جزئيًّا عن سلوك النظام. ولكن، كانت لديّ نزعة لفصل الشخص عن السياسات العامة. والحقيقة أننا، في القضايا السياسية الخارجية، لم نختلف، وهو لم يكن يدافع عن القمع على الرغم من دفاعه عن النظام والرئيس الأسد بقوة. وعندما كنت أتحدّث إليه عن القمع في سورية، لم يكن يبرّره أو يدافع عنه، بل كان يلمح، أحيانًا، بكلمةٍ من هنا أو كلمة من هناك إلى عدم رضاه، علمًا أن له ولاءً مباشرًا للوطنية السورية التي كان منصب الرئاسة في مركزها، وهي صفة من صفات جيله من البعثيين الذين شهدوا الصراع على السلطة في داخل حزب البعث وبين الأخ وأخيه. ومن الواضح أنه كان مخلصًا لحافظ الأسد. وكانت بعض الأجهزة الأمنية تواجهه بتصريحات أنتقدُ فيها، ولو بشكل مخفّف، سورية، فكان يدافع عني.

    • عبّر عن ذلك في كتابه «الرواية المفقودة»[8].
    نعم. وكانت هناك علاقات أخرى؛ فقد تعرّفت إلى آصف شوكت الذي امتلك شهامة لافتة في علاقته بي. لكنه كان ينفذ أوامر النظام في علاقته بالشعب السوري، وكان على رأس جهاز أمن قمعي. طبعًا لم نتفق سياسيًا، ولم نرتّب أي أمور سياسية. وساعَدَنا بهجت سليمان كثيرًا ولا سيما في المرحلة الأولى، ولاحقًا بصفته سفيرًا في الأردن. وأنا أتحدث هنا عن الحقائق، لا عن الدوافع والسياسات. في الحقيقة لم يقصر السوريون معي، وكانوا لطفاء جدًا وتعاملوا معي ضيفًا مرغوبًا فيه، وكانت الأبواب كلها مفتوحة أمامي بشكل ندر أن حصل مع أي صديقٍ لسورية، بمن في ذلك قادة الفصائل الفلسطينية وغيرهم، ولم أشكُ من شيء في هذا المجال. ولا علاقة لموقفي اللاحق من الثورة السورية بكيفية تعاملهم معي إطلاقًا. ولو كانت الأمور مرتبطة بالبعد الشخصي والعلاقات الشخصية، لاتخذت موقفًا مؤيدًا للنظام. لكن وقوفي إلى جانب الثورة السورية قضية مبدئية تمامًا، ولو لم أكن مبدئيًا لتمسّكت بهذه العلاقات الشخصية التي تضمنت تمجيدًا لي في التلفزيون والصحف السورية. وحُصرت المقابلات من الداخل بعزمي بشارة وحده الذي أصبح مرجعًا في قضية فلسطين. كان ثمّة مبالغة في التقدير والتبجيل، والمبالغات تؤدي إلى الغيرة والحسد، وهي قائمة في مجتمعنا. وفي هذا الجانب، لم تكن لدي مشكلة في سورية، وكنت أتعامل مع الرئيس بشار الأسد مباشرة، ولم أكن آتي إلى سورية كما يأتي عملاء النظام السوري، وكانت العلاقة على أعلى المستويات. وأعتقد أنني أفدت السوريين بالمشورة، وهم أرادوا أيضًا علاقةً مع مثقف ومناضل يحظى بصدقية، وتشغله أمور أخرى، فكرية وفلسفية، لا علاقة لهم بها. أما القضايا الداخلية السورية، فقد كانوا يستمعون إلى ملاحظاتي بمنتهى الأدب، ويوافقون أحيانًا على ما أقول، ويتذرّعون بأخطاء الأفراد والوزارات أو ثقافة المجتمع، وفي حالاتٍ أخرى لم تلق هذه الملاحظات موافقتهم. ومن الواضح أنهم في تلك الحالة اعتقدوا أنني لا أفهم الشأن السوري الداخلي، وأن قواعد الحكم في سورية مختلفة عما يتوقعه شخصٌ مبدئي، وربما اعتقدوا أنني حالم ومثالي. لا أدري. المهم أنني حاولت بناء علاقة تخدم القضايا المشتركة بيننا، وبطبيعة الحال هذه القضايا المشتركة ليست العلاقات المصرية - السورية، أو خطط التنمية السورية، وإنما ما نستطيع أن نساهم فيه في الصراع ضد إسرائيل أخذًا في الاعتبار اختلاف مهمات العرب في فلسطين 1948 عن مهمات الدولة السورية. أستغرب مواقف بعض المثقفين أو السياسيين أو المناضلين الذين تغيّرهم العلاقات الشخصية مع السلطة أينما كانت، فتصبح هذه العلاقة منطلقًا لتبرير سياسات هذه الأنظمة، ثم الدفاع عنها، ثم الدعوة إلى تطبيقها بقسوة أكبر. وبطبيعة الحال فإن مواقفهم الجديدة تكون نقيض أفكارهم ومبادئهم. المهزلة الأكبر هي عندما يبررون عدم اتخاذهم مواقف بحكم المودة بينهم وبين السلطة. وبعضهم كان يبحث باستمرار عن فرصة للتقرب من هذه السلطات.

    • أعرف أنك طالبت بإطلاق سراح بعض المساجين من أعضاء المعارضة السورية.
    تحدثت عن أحوال بعضهم، ولم أنجح طبعًا. لكن في حالات الاعتقال القصير، أو قبل الحكم بالسجن، كانت الاستجابة أكبر. وتوسطت لإطلاق سراح بعض المساجين الفلسطينيين قبيل عيد الأضحى. وقلت حينذاك لياسر عرفات: «هذه الهدية لك»، وهي لم تكن موجهة إليه إطلاقًا. ولكن كي أقرِّب عرفات من القيادة السورية، قلت له إن هذه «الهدية هي لك». وكنت أحرص على أن أزوره في غزة أو رام الله بعد كل زيارة لسورية، وكان سعيدًا بذلك. وأعتقد أني ساهمت في التقريب بينه وبين الرئيس بشار الأسد. كنت أرى أن التقريب (واعيًا أن كثيرًا من الخصومات العربية - العربية لها بعد شخصي وليس سياسيًا) بينهما سوف يساهم في تحسين أوضاع الفلسطينيين، خصوصًا عندما اتضحت الصورة عندهم أن اتفاقات أوسلو لن تحقق أي شيء، وأنهم لا يستطيعون أن يستغنوا عن عمقهم العربي. لكن الأمر كان متأخرًا بسبب حصار ياسر عرفات اللاحق في مبنى المقاطعة في رام الله. وفي أي حال، استطعنا إطلاق سراح مجموعة كبيرة من الفلسطينيين. لكن هذا ليس مدعاة فخر. فإذا لم يطرح المثقف والديمقراطي مثل هذه الموضوعات، فهناك خلل في مبدئيته.

    • إنه واجب دائم أو كما يقول الإسلاميون:«فرض عين».
    صحيح. كنت أتحدّث عن الاقتصاد مع الرئيس الأسد، وأتحدّث عن قضايا الحريات، لكنه قلما استجاب لملاحظاتي، وأحيانًا كان يستجيب لي في قضايا فردية، وفي بعض الحالات كان يستجيب للنصائح التي لا علاقة لها مباشرة بالحقوق السياسية والحريات، مثل تخلّف الإعلام السوري، وتوجه السوريين إلى الإعلام اللبناني، وخطر ذلك في تعميق الطائفية في المجتمع السوري، وطريقة شرح الموقف السوري من القضايا الخارجية. هنا كان يستجيب، لأنها مسألة تتعلق بنجاعة إدارة النظام والدفاع عنه. كان يستجيب أيضًا لكل ما يخدم النظام. ومن الواضح أنه كان متمسّكًا بطريقة الحكم السلطوية الفردية، ومستعدًا للانفتاح اقتصاديًا مع الإبقاء على سلطوية سياسية من النمط التونسي في زمن زين العابدين بن علي، وهذا ما اكتشفته في أثناء لقاءاتي الكثيرة معه.

    • اجتمعت إليه ربما عشر مرات. حسنًا، ما هو الانطباع الذي كوّنته عنه؟
    إضافة إلى ما أشرت اليه في الإجابة عن السؤال السابق ورؤيته للحكم في سورية واهتمامه بتحسين الإدارة وتنجيع بيروقراطية الدولة، فأعتقد أنه ذكي، خلافًا لما يقال عنه، وهذا ليس حكمًا معياريًا بل حقيقة في رأيي، وشديد التهذيب في التعامل الشخصي. أما الحكم المعياري فهو أن هذا الشخص المهذب كان ديكتاتورًا مستبدًا، وأصبح طاغيةً سفاحًا.
    لا قيمة لكلام الناس الذين لا يعرفون الأشخاص... وتعليقاتهم في هذا الميدان فارغة. بشار الأسد على المستوى الشخصي ذكي، لكنه غير مثقّف، وهو يعترف بذلك. ثم إنه لا يهتم بالمثقفين، بل يهتم أكثر بالتقنيين، ويعتبر المثقفين ثرثارين ولا يساوون شيئًا، حتى أولئك الذين يصنفون أنفسهم رجال النظام. ولا أريد أن أنقل رأيه في بعض المثقفين المحيطين حاليًا بالنظام (فأنا لا أستغل لقاءات يفترض أنها كانت خاصة ولا أنقل منها كلامًا)، وهو يؤمن أن الثقافة عمومًا إذا لم ترتبط بمعلوماتٍ تقنية لا تساوي شيئًا، ويرى في المثقفين مجرد وجع رأس. لذلك لا يحبهم، ولا يقرأ الكتب، ويصرّح بذلك، ويقرأ تقارير الأجهزة وتقديرات للمواقف السياسية. وهو بذلك لا يختلف عن الكثير من السياسيين وقادة الدول. وقد قال لي بنفسه غير مرة إنه لا يقرأ كتبًا، ولا أعتقد أنه يختلف في ذلك عن كثير من قادة الدول.

    • ربما كان على حق في موقفه من المثقفين المحيطين به.
    على الأرجح. لكنني اكتشفت جوانب أخرى فيه لاحقًا، فهو لا يبخل بالوقت. فالاجتماعات إلى زعماء الدول العربية لا يدوم الواحد منها أكثر من نصف ساعة، أو ساعة على الأكثر. أما الاجتماع إليه فيدوم ساعتين أو ثلاثًا على طريقة والده. وهو مستمعٌ جيد، بمعنى أنه يسأل ويُصغي إلى الإجابة فعلًا. في البداية، اعتقدت أنه يمكن التأثير فيه كشاب يحاول أن يتميز، وأن يبرهن أنه وصل إلى الحكم لا بالوراثة، بل لأن لديه ما يميّزه مثل الإصلاح ومكافحة الفساد. ثم تبين لي أن المقصود استبدال نخبة النظام القديمة بأخرى شابة وأكثر فسادًا، وأنه لا يبدي حساسية زائدة لآلام الناس ومعاناتهم. بدأت ألاحظ ذلك بقوة، بعد أن تجاوز أزمة لبنان عقب مقتل رفيق الحريري، وكان ذلك حوالى عام 2007. وخلافًا لحافظ الأسد، لم يكن عصاميًا، بل كان ابن رئيس محاطًا بأبناء السياسيين وقادة الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال. فاق مستوى الفساد في عهده ذاك الذي كان في عهد والده، مع أنه كان يؤكد لنا أنه قضى على الفساد ما إن أبعد النخبة القديمة. لكن النخبة المحيطة بنظامه كانت أكثر فسادًا وأكثر فجورًا في إظهار الفساد.

    • ماذا تتذكّر عن علاقتك بحافظ الأسد؟
    لم تكن لي علاقة ثابتة به. ولقاؤنا لم يكفِ لتشكيل انطباعٍ، أو كي يسمى علاقة. كان مهتمًا بالتاريخ، وكان صوته هادئًا وعميقًا، ذكّرني بكبار السن، أو الجدود في بلادنا (وأحيانًا ذكّرني بصوت مارلون براندو في فيلم «العرّاب»). كان يريد أن يفهم ما يجري في إسرائيل، ويريد أن يفهم كيف أرى العالم العربي، وكيف أرى مصر من إسرائيل، وكيف أقوّم الأردن، وإلى أين تتجه أميركا. وأعتقد أن أهم ما ميزه هو واقعيته السياسية. ولم يغب لحظة واحدة عن ذهني أني أمام دكتاتور قاسٍ جدًا في التعامل مع أي معارض.

    • لكن بشار الأسد مختلف تمامًا عنه كما يلوح لي.
    نعم. مختلف.

    • إنه شاب في نهاية المطاف مقارنة بأبيه.
    هذا صحيح. لكن حكمه لا يلائم عصره. حاولت أن أميّزه من السياسيين من أبناء جيله في العالم العربي أمثال جمال مبارك وملك الأردن عبدالله الثاني وملك المغرب محمد السادس، وحتى سيف الإسلام القذافي. كان ثمة جيل صاعد من أبناء الرؤساء في تلك الفترة، بعد أن تحوّلت جميع الأنظمة الجمهورية كلها إلى وراثية. غير أنني اكتشفت أن هناك شيئًا يجمع قادة الجيل الثاني التي ترث الحكم عن آبائها أو ترث الحكم في بلدانها، هو أنهم ليسوا عصاميين، خلافًا لآبائهم. كان كل منهم ابن أحد الزعماء العصاميين. أما أبناء الجيل الثاني فهم يستندون إلى معادلة دقيقة بين تمثيل استمرارية الجيل الأول ومحاولة التميز منه. إنهم يعتمدون في شرعيتهم على الأب وينكرون ذلك بادعاء أنهم جاءوا إلى الاصلاح والتغيير أو غيره. جميعهم جاءوا إلى الحكم تحت شعار الإصلاح، كأن لديهم ما يميزهم من آبائهم. إنها حاجة نفسية على ما يبدو كي لا يقال إن هذا الرئيس وصل إلى الحكم بفضل أبيه.

    • قدّموا أنفسهم أصحاب مشروع تحديثي جديد.
    رفع الجيل الجديد من الحكام في المنطقة العربية بمن فيهم الذين كانوا يهيئون أنفسهم للحكم، كما هي الحال في ليبيا ومصر واليمن، شعار الإصلاح. كان الحديث عن الإصلاح سمة المرحلة منذ نهاية التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى أنها كانت إحدى النقاط الرئيسة على جدول أعمال الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط (2000-2005). كما أن الإصلاح استُخدم بتوسع في سياق الصراع مع الحرس القديم في سبيل الوصول إلى الحكم مع نخبهم الجديدة الموالية لهم، ولإيجاد تبرير وصولهم إلى الحكم بمخاطبة قضايا تحظى بشعبية، وللخروج من عباءة الوالد لاحقًا. وفُسّر هذا الصراع كأنه صراع بين محافظين وإصلاحيين، أو بين حرس قديم وإصلاحيين، مع أن الأمر لا علاقة له بذلك. هم استبدلوا فئة من الضباط والعسكريين الذين رافقوا آباءهم بفئة أخرى فيها رجال أعمال من دون أن يمس ذلك بنية النظام في جوهرها، أو دور أجهزة الأمن في داخل النظام. وهذه الفئة لا تتميز بحساسية زائدة في شأن حقوق الإنسان أو حقوق المواطن. ومن هذه الناحية، لا فارق بينهم وبين آبائهم إلا بانفتاحهم أكثر على الغرب، وعلى المبادرة الخاصة.

    • جميعهم تحدث عن الإصلاح، لكن أحدًا منهم لم يصلح شيئًا.
    بالعكس، جلبوا معهم نخبة جديدة جشعة، لا علاقة لها بمصادر النظام الأيديولوجية، وتقوم على ائتلاف بين أبناء قادة أجهزة الأمن والمسؤولين الذين استخدموا علاقات أهليهم ونفوذهم ليصبحوا رجال أعمال، وبين الأسرة الحاكمة ومحاسيبها من رجال الأعمال، وأجهزة الأمن. لقد كتبت عن هذه «النخب» الطفيلية الجديدة بتفصيل في كتاب سورية: درب الآلام نحو الحرية، وبتفصيل أكثر في كتاب ثورة مصر. وقد نشأ الوهم في حالات معينة من اعتماد بعضهم، بانتقائية، نمط حياة عصريًا. لكن، عمليًا، لا يقاس الإصلاح وإنجازه بالانحياز الى نمط حياتي محدد أو طقوسٍ اجتماعيةٍ ما، أو الاقتراب من تقليعات الموضة أو توسيع دوائر النخب الحاكمة لتضم ممثلين لفئات اجتماعية خارج بيروقراطية الدولة العسكرية والمدنية. كما أن الإصلاح الاقتصادي إذا لم يترافق مع إصلاح سياسي وتطبيق فاعل لمبادئ سيادة القانون وإنفاذه يكون حافزًا لانتشار الفساد بشكل أوسع، ولا سيما حين يصبح رجال الأعمال جزءًا من دوائر النخبة الحاكمة. إن معيار الاختبار العملي لمدى التزام نظام سياسي الإصلاح هو مقدار ما تحقق من تغيير على صعيد حقوق المواطنين والإنسان، ومدى الحساسية تجاه هذا الموضوع.

    • كيف وجدت سورية المجتمع آنذاك؟ هل صدمتك مظاهر معينة؟
    صدمتني أمور كثيرة عندما أصبح المواطنون السوريون يتكلمون معي على مشكلاتهم بصراحة، ومن دون خوف، بعد أن أدركوا أن لي تقاطعات مع النظام في مسألة المقاومة، لكني مستقل تمامًا عنه في القضايا الأخرى. وكنت قد نشرت آنذاك كتابي المجتمع المدني، وألقيت كثيرًا من المحاضراتٍ عن الديمقراطية، ولما لم أمتدح النظام في التلفزيون أو في الصحف، اكتشفوا فيّ نمطًا آخر تمامًا، وبدأ الناس العاديون، وحتى بعض المقربين من النظام، يشكون إلي همومهم مع النظام ومع أجهزة الاستخبارات.

    • ومع الفساد.
    تتلخص الحياة اليومية للمواطن العادي بشظف العيش المكنى «التعتير» من ناحية المعاش اليومي، وفي التعامل مع البيروقراطية والأجهزة الأمنية أيضًا. بدأت أطلع على قصص السوريين ومآسيهم اليومية. لذلك، عندما اندلعت الثورة وقفت إلى جانبها، لأنني أعرف مشكلات السوريين عن قرب، ومنها طريقة تعامل رجل الأمن مع المواطن العادي، والخوف الكامن في النفوس. وسلوك الانكفاء على الذات من جهة والنفاق من جهة أخرى، لا يفسّرهما إلا الخوف، علاوة على أن الفساد الذي لا تدور عجلات أي مؤسسة تقدم أي خدمة للمواطن من دونه؛ فالفساد ليس الاستثناء، بل كان القاعدة في سورية. فهو وسيلة إثراء الكبار وترجمة نفوذهم إلى ثروة، أو تحويل الجاه إلى مال على حد تعبير ابن خلدون. كما أن الفساد وسيلة لتوزيع الثروة عند صغار الموظفين، وهو أداة المواطنين لتسيير المعاملات وشق طريق الحياة اليومية. وكان من السهل ملاحظة مافيات مكوّنة من رجال الأعمال ورجال الأمن متصارعة على المساحات القابلة للاستغلال وجباية ثمار الفساد منها. فحول كل رجل أمن هناك رجال أعمال يتنافسون مع آخرين. إنها مافيات وإقطاعات، ولكل واحد قطاع اجتماعي أو إقطاعية له يستغلها كما يشاء. وعندما بدأت أزور المحافظات، وألقي محاضرات فيها، كان آلاف الناس يأتون لحضور هذه المحاضرات، الأمر الذي أتاح لي فرصة نادرة للتعرف إلى الناس على اختلاف فئاتهم الاجتماعية والمهنية. واكتشفت عدم تطور المحافظات وعدم وجود تنمية جدّية، في ما عدا حلب في الأعوام الأخيرة. كان اهتمام الرئيس بشار الأسد بحلب واضحًا، خصوصًا بعدما ظهرت عليها نتائج الانفتاح على تركيا. وفي ما عدا ذلك هناك فارق شاسع، بل صارخ، بين دمشق والمحافظات الأخرى.

    • بما في ذلك المناطق التي تسكنها أغلبية علوية.
    بما في ذلك المناطق العلوية. عندما نقول إن فارقًا شاسعًا يميز دمشق من المحافظات الأخرى، فإن هذه الفجوة عابرة للطوائف. والفارق بين دمشق والريف ما زال قائمًا على الرغم من أن برامج حزب البعث وشعاراته تزعم أن سورية دولة الفلاحين. وثمة هوامش وعشوائيات فقيرة جدًا في الحزام الذي يلف دمشق ذاتها. في سورية يوجد عالم أول وثان وثالث وعاشر. أحياء دمشق التي يقطنها العلويون الذين يخدمون في الدرجات الدنيا في الدولة، هي في الحقيقة عشوائيات وأحياء فقر. والناس في المناطق العلوية في الساحل السوري على صعوبة أوضاعهم الاقتصادية والتفاوت التنموي في مناطقهم مقارنة بسكان بعض أحياء دمشق، طيبون وكرماء، والهوية العربية راسخة جدًّا لديهم، وهذه مسألة إيجابية جدًّا في نظري. وقد خرج من الساحل السوري عدد كبير من المثقفين والفنانين بنسبة تتجاوز نسبتهم إلى عدد السكان.
    أما تعدّد الطوائف في المجتمع السوري، فتبين لي أن الحساسيات الطائفية ما زالت موجودة، خلافًا لما كنت أعتقد بسبب تأثري المبكر بالفكر القومي. كنت أعتقد أن سورية تجاوزت الطائفة والطائفية، وفوجئت حين اكتشفت العكس عند فئات سكانية واسعة غير مسيّسة. فالانصهار الوطني لم يكن عميقًا. هنا لا أتحدث عن الانصهار بين الطوائف فحسب، بل بين المحافظات والمناطق المختلفة. لقد ساهم ضعف الانصهار الوطني على مستوى المحافظات، وبين مركز المحافظة وريفها، في ضعف الانصهار على مستوى الطوائف، خصوصًا إذا تركز بعض الطوائف في محافظات بعينها. نحن أمام إخفاق كارثي في التشكل الوطني على مستوى سورية، أو ما يسمى بعملية بناء الأمة. والأسوأ أنه جرى تنفير الناس من الأيديولوجيا القومية العربية لأنها أيديولوجيا النظام الحاكم، مع أن العروبة هي الوحيدة التي يمكن أن تجمع دير الزور ودرعا وحلب وحماة والسلمية واللاذقية والسويداء ودمشق.

    • ما زالت نغمة هذا شامي وذاك حلبي شائعةً في سورية.
    هذا حوراني وذاك ديري أو من حماة أو من الساحل. تلك العبارات ليست نغمة فحسب، بل إخفاق في بناء الأمة. لقد أخفق النظام في هذا كله إخفاقًا ذريعًا، ومع ذلك كنت أشعر وأنا في سورية أنني في بيتي. إن دمشق مكان تشعر فيه حقًا بأنك عربي، وكذلك حلب وحمص واللاذقية والسويداء والمدن السورية الأخرى التي زرتها.



    يتبع...................................

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 28th February 2017, 01:03 PM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 5
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    !For Medical Professionals Only


    • هل ثمة علاقة بين هذا الوصف وموقفك من الثورة السورية؟
    نعم. وإذا أردتُ أن ألخّص علاقتي بالشعب السوري على هذا النحو، أقول: عندما راحوا يناضلون ويخرجون لأخذ حقهم وقفت إلى جانبهم. وعندما خرجوا إلى الشوارع كنت في العالم العربي، وأُعامَل كمثقف عربي. وكان علي أن أتناول هذا الموضوع بإسهاب، وعبرت عن رأيي الصريح والواضح بالنسبة إلى الثورتين التونسية والمصرية وكذلك الثورة اليمنية. إذًا، عندما خرج السوريون إلى الشوارع، وأنا أعرف أن قضيتهم أعدل حتى من قضية الشعبين المصري والتونسي، من حيث مدى الظلم والقمع والإذلال، وكذلك مدى الفساد، فكان من الطبيعي أن أقف إلى جانبهم بالمبادئ نفسها. وأنا دائمًا أقول إن المبادئ التي جعلتني أناصر المقاومة في لبنان، وحكمًا في فلسطين، هي نفسها التي جعلتني أتقاطع مع سورية، ثم مع الشعب السوري ضد الطغيان، أي إن الموقف من مقاومة الاحتلال ومقاومة الظلم هو نفسه. الغريب هو مواقف المتعصبين وأصحاب المصالح مع الأنظمة القائمة الذين يعتبرون التزام المبادئ خيانةً، ويعتبرون الوفاء هو الالتزام مع شخصٍ أو نظامٍ، بغضّ النظر عما يفعل. مع أن الوفاء لنظام ما أو شخص ما بغض النظر عما يفعل هو خيانة للمبادئ. إنهم يعتبرون أن التقاطع مع نظام ما في مسألةٍ ما مثل المقاومة تبعية للنظام، والموقف مع الشعب ضد النظام خيانةً للمبدأ. كأن التبعية للنظام هي المبدأ، في حين أنني تقاطعت مع النظام في مواقف محدّدة، وهي دعم المقاومة ورفض تقديم تنازلات إلى إسرائيل، ولم أكن تابعًا له، وبالطبع لم أكن لأقبل أن أكون تابعًا له. وعندما خرج الشعب السوري تغلب لدي الموقف المبدئي من الشعب السوري ونضاله وعدالة قضيته. وأعتقد أن هذا هو المنهج المبدئي المنطلق من قيم واضحة.
    عند كثيرين تصبح التبعية الشخصية الطائفية أو العشائرية هي المبدأ، في حين أن المبدأ يجب أن يكون على العكس من هذا تمامًا. المبدأ، هو التزام قيمة ما؛ إنه القدرة على تحدّي الانتماءات العشائرية والطائفية من أجل قيمة أخلاقية. القضية الأخلاقية عندنا مشوّشة تمامًا، والأحكام القيمية تخضع لأمور أخرى مثل العصبيات. والناس تعتقد أن ولاء الفرد يجب أن يكون لشيعيّته أو لسُنيته. بينما المبدأ هو أن تعترض على الظلم والقتل والجرائم ضد الإنسانية، حتى لو كان الظالم أخاك، وليس من طائفتك فحسب. فالتعصب للانتماءات التي لم يخترها الإنسان الفرد هي المبدأ عند كثيرين. هؤلاء يرتبكون عندما يرون أنك لا تتصرف في القضايا المبدئية بموجب هوية أو انتماء أو علاقة شخصية. أما أنا فأعتقد أن هذا التحديد للموقف من أوضح الأمثلة على التخلف. ففي ظله لا يتطور الحس الأخلاقي، بل يُقمع. وعندما يتخذ مثقف عربي، أو حزبي، هذا الموقف المتعصب المتحلل من الأخلاق يكون الذنب والخطيئة مضاعفيْن.
    بالنسبة إلي، أعتقد أن موضوع المقاومة كان يبدو موضوعًا مبدئيًا عند صناع القرار في سورية، بمعنى أن تكوينهم الفكري مؤسس على العداء لإسرائيل. لكن، لاعتباراتٍ سياسية، فإن الحفاظ على النظام يصبح الأساس، وتصبح قضية فلسطين أداةً في سبيل الحفاظ على النظام. كانوا دائمًا يقفون ضد أي حركةٍ مسلحةٍ مستقلة عنهم في الفضاء السوري - اللبناني. كانت هذه عقيدة حافظ الأسد السياسية الأمنية (Assad Doctrine). أن تكون هذه القوى لبنانية محلية، فلا مشكلة معها، أما أن يكون لها بعد دولي، وتتداخل فيها الاعتبارات الإستراتيجية بالصراع مع إسرائيل أو غير إسرائيل ومستقلة عن النظام، فهذا لا يجوز في نظره. وبحسب هذه العقيدة، فإن النظام لم يبحث عن حربٍ مع إسرائيل، بل عن وسيلةٍ لإقناع العالم أن سورية حجر أساس في استقرار المنطقة، وأن من يريد استقرار المنطقة يجب أن يكون معنيًا بمواقف سورية واستقرار النظام فيها، وبنسج علاقة حسنة معه.

    • على طريقة احتواء منظمة التحرير مثلًا.
    أي جهد فلسطيني في الصراع مع إسرائيل كان يجب أن يكون متلائمًا واعتبارات هذا النظام الإستراتيجية الدولية. إنها مسألة اعتبارات سورية كدولة في صراعاتها التي يجب ألا تؤثر فيها اعتبارات أخرى لمنظمة التحرير التي لها علاقات بدول أخرى. ومن هذه الناحية، كان وجود ميليشيا مارونية لا يشكل مشكلةً في حد ذاتها في نظر النظام. المشكلة هي اتصالات هذه الميليشيا بإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة من وراء ظهر الأسد. أعتقد أن القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية كانتا مسألة مهمة جدًا على مستوى الإقليم. وكان الأسد يعرف ذلك تمامًا، ويعرف أهمية أن تكون هذه الورقة في يده. ولذلك، سعى إلى إخضاع المقاومة الفلسطينية، ولم ينجح في ذلك، ولم يكن لديه مانع من الصدام مع المقاومة الفلسطينية، لأن ياسر عرفات لم تكن عنده إستراتيجيا ومنهج واضحان يمكن الاتفاق عليهما. وهذا يعني أن من الصعب على أي دولة مضيفة، بتكتيكات ياسر عرفات وأسلوبه، أن تتفق معه على نهج محدّد، وأن يحافظ على استقلاليته في الوقت نفسه. وعلى فكرة، حصل هذا في الأردن أيضًا إلى حد ما. ياسر عرفات في أي حال أراد أن يستخدم أراضي دول عربية لممارسة الكفاح المسلح الفلسطيني، وأن يكون القرار هو قراره وحده.


    • لذلك كان ديدن ياسر عرفات التملص من هذه المعادلة في العلاقة مع سورية.
    حتى في مرحلة الصدام مع مصر «كامب ديفيد»، بقي يحتفظ بخطٍ مفتوح معها، مع أن حافظ الأسد كان يعتقد أنه هو وحده الذي يفترض أن يُمسك بخيوط قضية فلسطين. وكان يردّد أن في إمكانه الحصول على الجولان لو أراد، لكنه لا يريد أن يفرّط بقضية فلسطين. والحقيقة أن الأسد في مرحلة ما لم يرغب في السلام مع إسرائيل لأسباب أخرى متعلقة بالاستقرار الداخلي والموقف منه عربيًا وإسلاميًا بعد حوادث حماة. وحين تجاوز هذا الأمر، وعقد العزم على ذلك، كان يقوم بتضحية كبرى من وجهة نظره، لكن القيادة الإسرائيلية راوغت في شأن الحدود.


    في مخيم نهر البارد في لبنان في العام 2007 بالنسبة إلى حزب الله، أعتقد أنه بدأ مسيرته رغمًا عن سورية، وهو تأسّس في سياق التمدد الإيراني في المنطقة. ولاحقًا اكتشف السوريون أهميته على مستوى الطائفة الشيعية، وعلى مستوى الصراع ضد إسرائيل. في البداية، حاولوا الحدّ من توسّعه باتفاق سوري - سعودي، ثم حاولوا التصدّي له[9]. وحتى ياسر عرفات، في فترة قصيرة جدًا، انجرّ إلى هذا الصراع باتفاق مع سورية والسعودية، وأدار ذلك التحالف عبد الحليم خدّام الذي سبق أن أدار مع نبيه بري حرب المخيمات الشرسة ضد الفلسطينيين تحت عنوان ما سموه «العرفاتية». لكن مقاتلي حركة فتح وجدوا صعوبة في التجاوب مع ذلك، ولم يشاركوا في القتال ضد حزب الله، وهم في صراع مع حركة أمل، ولم يفهموا لماذا يتحالفون مع حركة أمل ضد حزب الله[10]. ولم تستسغ قواعد «فتح» القتال إلى جانب حركة أمل ضد حزب الله. وانتهت هذه الفترة بسرعةٍ، عندما بدأ حزب الله يثبت نفسه في الصراع ضد إسرائيل، وبدأ السوريون يغيِّرون موقفهم من هذا الحزب بموجب تحالفهم مع إيران. وأصبح حزب الله سند السياسة السورية الحقيقي الوحيد في لبنان بعد انسحابها منه، وأصبح أكثر أهمية لدى السوريين من حركة أمل التي بقيت لهم في أي حال.

    • بديل من أمل أم حليف؟
    لا أعتقد أن هذه الدول تتعامل مع قوى محلية في إطار تحالف متفق عليه على أساس برنامج أو نقاط محددة. إنها ترى في القوى المحلية أدوات. وأرادت سورية أن يكون حزب الله أداة، لكن المشكلة هنا أن وراء هذا الحزب قوة كبيرة تسلحه وتموله هي إيران. وعندما ضعف النظام السوري، تحوّل حزب الله إلى حليف رئيس. قبل ذلك كانت إيران، في تلك المرحلة، على تفاهمٍ مع سورية، خصوصًا في شأن العراق. فالصراع السوري مع نظام صدام حسين جعل سورية حليفة إيران. لذلك كان التفاهم مع حزب الله سهلًا بين الدولتين، فدعمت سورية المقاومة، غير أن الدعم الأساس للمقاومة اللبنانية جاء من إيران. ومن دون التسهيلات السورية، كان صعبًا جدًا أن تبلغ المقاومة ما بلغت. لكن، بعد اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005، لم يكن لسورية حليف حقيقي في لبنان سوى حزب الله، حتى نبيه بري تزعزعت العلاقة به في بداية الأزمة عندما اعتقد كثيرون، ومنهم جنبلاط والحريري، أن وجود الولايات المتحدة في العراق سوف يحجّم الأسد، أو حتى يقلب نظام حكمه. وأعتقد أن هذه المجموعة اللبنانية راهنت على حكمت الشهابي وغازي كنعان، ولهذا «انتحر» الأخير[11].

    • كانت المقاومة اللبنانية، في البداية، مصلحةً سورية إذًا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
    من دون شك. وظل حزب الله الحليف الأهم، ثم أصبح قوة مسلحة بديلة من الوجود السوري في لبنان، أَكان ذلك في السياسة الداخلية اللبنانية، أو في ما يخص الصراع ضد إسرائيل. فبعد عام 2005 تضاعفت أهمية حزب الله لسورية، حيث لم تكن هنالك أي قوة أخرى يمكن الاعتماد عليها. وكان هذا رأيي أيضًا، وقلته صراحة للرئيس الأسد، وكنتُ شاهدًا على النقاشات في هذا الموضوع مع الرئيس بشار الأسد، ومع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله شخصيًا أيضًا. وآنذاك التقيت، أول مرة، السيد نصر الله. ومن الواضح أن حزب الله استغل تلك المكانة. علينا أن نتذكّر أن حزب الله، بعد انتصار عام 2000، أي تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، أصبح لديه رصيد عربي وعالمي لا تستطيع سورية أن تتجاهله، وأصبح التعامل معه مربحًا لسورية على مستوى الرأي العام العربي والعالمي. التعامل مع حزب الله بعد تحرير جنوب لبنان في عام 2000 يختلف تمامًا عما كان قبل ذلك.
    انسحبت إسرائيل من الجنوب اللبناني من دون توقيع اتفاق سلام. ثم جاءت حرب تموز/يوليو 2006 التي وقفنا فيها إلى جانب المقاومة والتي كلفتني شخصيًا خروجي من بلادي إلى المنفى. حينذاك، في خضم تلك الحرب، كان من الصعب في لحظة المقاومة ولحظة الحرب ولحظة الصراع، وفي معمعان القصف والضحايا، أن تحدّد متى تكون المواجهة مع إسرائيل هدفًا، وأين تصبح وسيلةً. ففي خضم الحوادث، هناك ضحايا وحياة بشر وبطولات وشجاعة وقصف وتشرد. والموقف الطبيعي، كفلسطيني وكقومي عربي ويساري وديمقراطي، هو مع المقاومة بلا ريب. لكن واجبي كمثقف أن أفكر لاحقًا، وبهدوء، في تحولات الصراع مع إسرائيل وقضية فلسطين وسورية وحزب الله وإيران، وهل كانت قضية فلسطين وسيلةً لتثبيت نظام الحكم في سورية، أو تثبيت قوة عسكرية تابعة لإيران في لبنان؟ تثبت الحوادث القاطعة أن قضية فلسطين عند كثيرين كانت أداةً ووسيلة وليست هدفًا وغاية. فلو كانت قضية فلسطين هي الهدف، فلا تتحوّل حركة حماس مثلًا إلى خائنة إذا اختلفوا معها. لو كانت مقاومة الاحتلال هي المبدأ، لا يصبح مقاوم الاحتلال أو حليف المقاومة خائنًا إذا اختلفتَ معه في شأن النظام السوري. واضح أن فلسطين ليست بوصلةً ولا غايةً هنا، ولا هي الأساس. فالمحدد الرئيس للمواقف هو السلطة والنفوذ والطائفة وغيرها. إذا وقفتَ معهم في هذه القضايا تصبح وطنيًا، حتى لو كنت عميلًا لإسرائيل. وإذا اختلفتَ معهم في شأنها تصبح خائنًا، حتى لو كنت مقاومًا للاحتلال. هذا الأسلوب هو في ذاته «خيانة» لقضية فلسطين. وهذا بلغتهم وليس بلغتي. إن الخيانة الكبرى هي إنتاج الطائفية وتكريسها لأغراض سياسية، وتلبيس الطغيان والاستبداد قضية فلسطين.
    إذا كانت قضية فلسطين هي الأساس، فلا يجوز أن ترشح إيلي حبيقة، سفاح صبرا وشاتيلا على قائمتك في الانتخابات النيابية حتى لو وقف إلى جانبك في تحالفات طائفية داخلية. هذا إذا كانت فلسطين هي المبدأ في المواجهة مع إسرائيل. أي إن الوطني لا يتحوّل إلى عميل، والعميل لا يتحوّل إلى وطني، بحسب الاعتبارات السياسية المتغيرة، إلا إذا كانت القضية الوطنية مجرد أداة، فيما الأساس هو النفوذ السياسي ونظام الحكم. وهنا، أضيف أن عدم بذل سورية أي جهدٍ على جبهة الجولان أعوامًا طويلة، واستخدام جبهة لبنان أمر يقتضي الوقوف عنده. وبعد إقفال جبهة جنوب لبنان، بدأ الإيرانيون محاولاتٍ يائسة لاستخدام جبهة غزة من خلف ظهر كتائب القسام وحركتي حماس والجهاد، محاولين إشعالها متى شاءوا، لاعتباراتهم الإقليمية، لأنهم ليسوا مبدئيين في التعامل مع قضية فلسطين.


    مهرجان تضامني مع د. بشارة في الناصرة في العام 2007

    أزعجني التعامل مع الفلسطينيين في لبنان أيضًا. فلو كانت قضية فلسطين «مقدّسة»، أو أنها هدف في ذاتها، فلِمَ يُعامل الفلسطينيون في مخيمات جنوب لبنان بهذه الطريقة؟ ولِمَ لا يُدمج الفلسطينيون في مقاومة الاحتلال ما دامت المقاومة وُجدت من أجل فلسطين؟ أفهم أن من الطبيعي، في هذه الحال، أن تنشأ حركة مقاومة لبنانية لتحرير الجنوب، إذا كان الهدف هو تحرير الجنوب وحده. لكن، إذا كانت فلسطين هي الهدف، فلِمَ تكون المقاومة مقصورة على اللبنانيين وحدهم، وعلى طائفةٍ واحدة؟ ولماذا لم تنشأ مقاومة لبنانية - فلسطينية؟ هذه الأسئلة وغيرها تؤكد منطق «الأداتية»، أي استخدام قضية فلسطين أداةً لتعزيز الحضور الطائفي والسياسي لفئةٍ لبنانيةٍ من دون الفئات الأخرى، ولبلورة وعي وتسليح طائفيين، ثم يُستخدم ذلك كله للتأثير في السياسة اللبنانية، وتعظيم وزن هذه الطائفة في السياسة اللبنانية. وأعتقد أن هذا الأمر أصبح من غير الممكن تجاهله. وهذا لا يعني على الإطلاق عدم التقاطع مع حزب الله وعدم التحالف معه في سياق الصراع مع إسرائيل. لكن، يجب أن نعي حدود التقاطع والتحالف كي لا نتحول إلى أداةٍ استخدامية، وكي نحافظ على نظرتنا النقدية المنطلقة من موقف أخلاقي ووطني تجاهه، أي ألا نصبح مبررين لجميع خطواته التي لا تصب في المشترك، بل تقوّضه. وهذا ما يؤهلنا كوطنيين أن نراجع أسس التحالف دوريًا لنقوّم هل ما زالت تلك الأسس موجودة وقائمة فعلًا، وبالتالي يكون في إمكاننا استمرار التحالف أو فك التحالف في لحظة ما، حين يتحوّل جهد حزب الله مثلًا ضد الشعب السوري. الموقف العادل يصطف مع الحق والعدل ويواليهما، ولا يوالي نظامًا وطائفةً وشخصًا.

    • اعتبر كثيرون أن النظام السوري نظامًا علويًا يقوم على أساس حكم الطائفة ضد الطوائف الأخرى، وحلّلوا مواقفه السياسية انطلاقًا من هذا الفهم. هل اعتبرت في أي وقت من الأوقات أن النظام السوري نظام علويّ، وهل تغير رأيك الآن؟
    لا، لم اعتبره كذلك. وما زلت على موقفي هذا. النظام السوري سمته الأساسية سيطرة نخبةٍ عسكريةٍ أمنيةٍ على حزب ذي قواعد ريفية وبرجوازية وسطى. وهذا الحزب تحالف مع رجال أعمال في مرحلة الرئيس بشار الأسد. وللدقة، نشأت من هذه النخبة ذاتها مجموعة رجال أعمال جدد واصلت التحالف مع بعض رجال الأعمال القدامى بهيمنةٍ أكبر. ولا شك في أن القوى التي سيطرت على الحزب الحاكم استعانت بقواعد قرابة، وانتماءات جهوية وعشائرية، تطابقت مع الانتماء إلى طائفةٍ بعينها. وهذا أنتج طائفية وطائفية مضادة في النهاية. ولأن السلطة تعتمد، في الأساس، على الأمن ورجال الأمن، فإن الذين لهم نفوذ عند رجال الأمن أصبحوا الأكثر نفوذًا في السلطة. وانغماس هؤلاء وجماعاتهم في أجهزة الأمن ليس نابعًا من كونهم يتحدرون من طائفةٍ بعينها، بل من الولاء المباشر، أَكان هؤلاء الموالون علويين أو غير علويين. وعلى العموم، تستند هذه القاعدة إلى اعتباراتٍ محليةٍ، كالمنطقة أو العشيرة. فلم يجلب صدام حسين ومعاونوه أبناء تكريت ومنطقتها إلى أجهزة الأمن والجيش لأنهم سُنّة، بل لأن الولاء له شخصيًا هو الأساس. ولا أعتقد أن حافظ الأسد والعسكريين من حوله جلبوا أبناء منطقتهم لأنهم علويون، بل لأنهم من أبناء مناطقهم الموثوقين. ونشأت علاقات ولاء وثقة بين أبناء المنطقة نفسها في الحزب والأجهزة. وكبرت هذه النخبة بالتدريج، لأن هذه العملية لا تتوقف. فكل ضابط كبير يستسهل إحضار أبناء عمومته وأقاربه وأبناء ضيعته وأبناء منطقته جرّاء الطلب على العمل من ناحية، وضعف المؤسسات، علاوة على قلة المعرفة بالمناطق المختلفة من الوطن حديث التشكيل من ناحية أخرى. وهكذا نشأ ما نشأ في حالتي السنة في العراق والعلويين في سورية (يضاف هذا إلى خلفية تاريخية هي وراثة النخب العثمانية الدولة العراقية بعد الاستقلال، وكانت في أغلبيتها الساحقة متحدرة من أبناء المدن السنة). لكن ميول من وسموا حزب البعث السوري بأنه تنظيم علوي، وليس تنظيمًا حزبيًا، ترجع إلى أن الناس يبحثون عمّا يميزهم من هؤلاء: «أنت تضطهدني وتقمعني، فما هو الفارق الذي يبرّر هذا الاضطهاد؟» هنا، يبدأ الكلام على المؤامرات الطائفية، وأن الفارق يكمن في أن السلطة علويةٌ والشعب سُنّي، وهذا تبسيطٌ يخلّ بالمعرفة. ولكنه ليس تبسيطًا من دون أساس. فثمة عصبية طائفية واضحة في الأجهزة الأمنية. والواقع ينتج طائفية. وفي بحثي عن الطائفية، توصلت إلى نتيجة سوف ترد في كتابي، وهي «إن الطائفية السياسية تنتج طوائف متخيلة».
    الحقيقة أن أي فئةٍ لا تستطيع أن تحكم بلدًا مثل سورية من دون تحالف واسع مع رجال أعمال وطبقات اجتماعية ومثقفين وأصحاب مصالح من الطائفة الأخرى. وهؤلاء جميعًا هم من يشغّل جهاز الدولة. والمعروف أن العلويين ليسوا جميعًا طبقة حاكمة، كما أنهم عانوا هذا الارتباط بالطبقة الحاكمة، مثلما حصلوا على امتيازات. كما أن النظام اعتمد إلى حد بعيد على عشائر بدوية وغيرها من الفئات غير العلوية في الجيش والأجهزة أيضًا. كما أن جزءًا من النخبة الحاكمة ينتمي إلى الأغلبية السنّية. لكن الوعي الشعبي لا يرى ذلك. لم يكن صدام حسين طائفيًا كذلك، فنصف وزراء دولته، أو أكثر، كانوا من الشيعة. وفي الحرب مع إيران، لم ينشق الجيش على أساس مذهبي، على الرغم من تهرب البعض بشكل فردي من الجندية، مع أن 60 في المئة من جنوده وضباطه كانوا شيعة[12]. ولكن، لا يمكننا تجاهل نشوء عصبيات طائفية من خلال السيطرة على جهاز الدولة، واستثارتها في الدفاع عن النظام والتعبئة ضده، وانتشار شعور بين أبناء طائفة محددة مفاده أن النظام نظامهم، وأن مصيرهم مرتبط بمصير.

    ---------------------------------------------------
    هوامش:
    [1] توفي بحادث سيارة في 21 كانون الثاني/يناير 1994.
    [2] صالح طريف على سبيل المثال.
    [3] دُعي إلى المشاركة في ندوة «العرب والعولمة» التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في 17 كانون الأول/ديسمبر 1997. وافتعل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري تشويشًا على هذه الدعوة؛ فهو رئيس مجلس نواب ولم يشاور في شأن زيارة نائب. حينذاك رفض عزمي بشارة الذهاب إلى لبنان، علمًا أن السلطات السورية وضعت في تصرفه سيارة من التشريفات لنقله بمواكبة رسمية إلى لبنان. ولاحقًا اجتمع نبيه بري عددًا من المرات إلى عزمي بشارة واستقبله في مكتبه وبيته.
    [4] زار سورية أول مرة في عام 1997، ثم توالت زياراته إلى دمشق والمدن السورية الأخرى، ولا سيما مع تنظيم زيارات للعرب في الداخل إلى أقاربهم في سورية التي بدأت في عام 2000.
    [5] التقى الرئيس الأسد أول مرة في 2 كانون الأول/ديسمبر 1998.
    [6] تعهّد قدّمه يتسحاق رابين إلى وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر في حزيران/يونيو 1994، وفيه يوافق على الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة لقاء علاقات ثنائية ودبلوماسية كاملة وضمانات أمنية ملائمة لإسرائيل. ورد هذا التعهّد في رسالة بعث بها كلينتون إلى حافظ الأسد في 6/6/1995، مع بدء المفاوضات المباشرة بين حكمت الشهابي وأمنون شاحاك.
    [7] حوكم أمام محكمة الصلح في القدس في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2001 بتهمة تنظيم زيارات إلى بلد معادٍ (سورية).
    [8] بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015.
    [9] حين عاد الجيش السوري إلى بيروت في شباط/فبراير 1987 أطلقت قوة من الجيش السوري النار على ثكنة فتح الله التي يقيم فيها شبان من حزب الله، وسقط في الحادثة 21 شخصًا من حزب الله. والسبب أن شبانًا من هذه الثكنة كانوا أحرقوا سيارتين لفريق المراقبين السوريين قبل دخول الجيش السوري إلى بيروت، واعتقلوا عددًا منهم، وأهانوهم. وكانت مهمة ذلك الفريق الفصل بين حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين سيطرا على بيروت منذ 6/2/1984.
    [10] في نيسان/أبريل 1988 اندلعت المعارك بين حركة أمل وحزب الله في منطقة مغدوشة، شرق صيدا (إقليم التفاح) والقريبة من مخيم عين الحلوة، فقام بعض الفلسطينيين الذين كانوا يتلقون الدعم من حزب الله بإرسال مجموعات فدائية للقتال إلى جانب حزب الله. وخشيت حركة فتح أن يمتد نفوذ إيران وحزب الله إلى داخل مخيم عين الحلوة وإلى مخيمات لبنان الجنوبي، خاصة أن مجموعات شبه موالية لإيران آنذاك مثل مجموعة هشام شريدة كانت منتشرة في عين الحلوة، فأرسلت فتح مقاتليها لمنع هذا التمدد، وقاتلت إلى جانب حركة أمل ضد حزب الله وأنقذت حركة أمل من الانهيار في تلك المنطقة، مع أن حركة أمل كانت الخصم الأول لحركة فتح في حرب المخيمات.
    [11] الرواية الرسمية السورية تقول إنه انتحر في مكتبه في 12/10/2005.
    [12] لم يكن صدام حسين طائفيًا بل مستبدًا. ومثل معظم المستبدين لم يحكم بطائفة محدّدة، أي السُنة، بل بالجيش والاستخبارات وأجهزة الدولة الأمنية. وكان معظم أعضاء حزب البعث في العراق شيعة، ومعظم أفراد وضباط الجيش شيعة أيضًا. لكنه عادى من شك بولائهم للنظام، وخشي بشكل خاص من تأثير إيران في شيعة العراق، في ظل وجود أحزاب شيعية سياسية مثل حزب الدعوة. ولم تتفاقم المسألة الطائفية في العراق إلا إبان الحرب ضد إيران، وبعد انتفاضة عام 1991 وقمعها الدموي. لم ينشق الشيعة العراقيون عن الجيش الذي يقاتل الجيش الإيراني الشيعي، وحصل تهرب فردي من التجنيد. صحيح أن صدام حسين قمع انتفاضة الجنوب بدموية بالغة، لكنه قمع انتفاضة الفلوجة أيضًا، وهي منطقة سنية. ومثلما أعدم محمد باقر الصدر الشيعي أعدم الشيخ عبد العزيز البدري، وهو من سُنة سامراء.


    https://www.arab48.com/%D8%AF.-%D8%B9...88%D8%B1%D9%8A

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 1st March 2017, 10:30 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 6
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    عزمي بشارة: أسسنا خطابا لم يكن مألوفًا في الداخل

    تاريخ النشر: 01/03/2017 - 08:28


    عرب ظ¤ظ¨
    تحرير : عرب 48

    يقدم كتاب 'في نفي المنفى... حوار مع عزمي بشارة' الذي أعده الكاتب والصحافي الفلسطيني صقر أبو فخر، وسيصدر قريبا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، مراجعة ذاتية شاملة وصريحة لسيرة عزمي بشارة السياسية والفكرية الغنية والمثيرة، لكنه يستهل الفصل الأول بإعلان يبدو أنه تأجل عشر سنوات بأنه 'الوقت حان للتوقف عن العمل السياسي المباشر'. توقف، يؤكد د. بشارة أنه ليس ابتعادا عن السياسة والتحليل السياسي وإنما العمل السياسي المباشر بكل ما تعنيه الكلمة، لكنه يشدد على أن واجب المثقف الأخلاقي هو اتخاذ المواقف، إذ يقول إن 'المثقف من دون موقف لا يستحق هذه التسمية'، وهو مستمر في اتخاذ المواقف ضد الظلم والقهر والاستبداد.
    ونقصد بأن الإعلان تأجل عشر سنوات، بأن د. بشارة كان يخطط قبل خروجه القسري من فلسطين بفترة وجيزة إلى التفرغ لأعماله الفكرية والتنازل عن العضوية في البرلمان، فمساهمته الفكرية لا تقل عن السياسية، فعزمي بشارة ليس سياسيا احترافيا 'عاديًا'، إذ يصفه أبو فخر في مقدمة الكتاب 'كأنه واحد من مفكري عصر النهضة الأوروبية، أو عصر التنوير الذين تصدّوا لتغيير مجتمعاتهم تغييرًا جذريًا، متوسّلين إلى ذلك العلم والفكر والموقف والنضال السياسي معًا'.
    في الحلقتين التي ننشرها حصريا في موقع عرب ظ¤ظ¨ اليوم وغدًا، يعود بشارة إلى مرحلة ما قبل تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي، ويتطرق إلى حركة 'ميثاق المساواة'، والظروف السياسية في الداخل في أعقاب اتفاق أوسلو، ويتطرق أيضا إلى نشاطه البرلماني وتحديات بناء حركة وطنية في الداخل أدخلت مفاهيم سياسية جديدة على الخطاب السياسي والوطني.
    في الحلقة التي سننشرها غدا الأربعاء، سيتطرق د. بشارة إلى ملابسات خروجه إلى المنفى القسري والفترة التي تلت ذلك، ويجيب بصراحة متناهية على أسئلة عديدة عن وجوده في العالم العربي وعلاقاته فيه.
    قد تكون كل حلقة من الحلقتين طويلة نسبيا ومن آلاف الكلمات، لكنها مهمة سياسيا ومثرية فكريا والأهم أنها كانت بداية مرحلة جديدة وفارقة لدى الفلسطينيين في إسرائيل، لذا قررنا عدم شطب أو اختزال أي كلمة.

    • كنتَ مناضلًا في الحركة الطالبية، وبعد أن عدتَ إلى الوطن (من ألمانيا - عرب ظ¤ظ¨) عملت أستاذًا في جامعة بير زيت في أثناء الانتفاضة الأولى. لماذا قررت الترشّح لانتخابات الكنيست في عام 1996؟ لنتحدث عن خوضك هذه التجربة الجديدة.
    تزامن الترشح مع إجازةٍ لمدة عام دراسي من التدريس في جامعة بير زيت. كانت قد مضت عشرة أعوام منذ تعاقدي مع الجامعة، وكنت في أثناء ذلك متواصلًا مع النضال في الضفة الغربية وفي داخل أراضي 1948. أستذكر هنا أن محاولات كثيرة جرت لإعادة تنظيم الحركة الوطنية في أراضي 1948 غداة اتفاق أوسلو. ويعود سبب ذلك بدرجة رئيسة إلى إرباك اتفاقات أوسلو الحركة الوطنية وإضعافها، ولا سيما أطراف الحركة الوطنية المرتبطة معنويًا بمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المختلفة، وهي في حالة الخط الأخضر مكوّنة من منظمات صغيرة وأفراد.

    د. بشارة في النصف الأول من التسعينات بعد اتفاق أوسلو وبدء التطبيع الفلسطيني مع إسرائيل من جهة، وشرعنة أسرلة عرب الداخل من جهة أخرى، كان علينا أن نفكّر بمخارج من مأزق الحركة الوطنية. كان هناك مستقلون تركوا الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على خلفيةٍ وطنية، كما كان هناك من ارتبط سياسيًا على الأقل بحركة فتح، كما كانت لقسم آخر صلات سياسية بالجبهة الشعبية. وكانوا جميعًا في مرحلةٍ ما متأثرين بالتيارات الناصرية من دون أن يكون لهم ارتباط تنظيمي بها. وما عاد سرًّا الآن، أن أبو جهاد (خليل الوزير) والقطاع الغربي التابع لحركة فتح ركزا الجهد على الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم على أراضي 1948 بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان في سنة 1982. لكن العلاقة بقيت ملتبسة بين الشعار الوطني لمنظمة التحرير والرغبة في استخدام العرب في الداخل للتأثير في الخريطة السياسية الإسرائيلية. وهو أمر غير واقعي؛ فلا عرب الداخل أداة، ولا هم قادرون على التأثير بشكل حاسم في السياسة الإسرائيلية.
    كانت الحركة الوطنية في الداخل قد وصلت، في تلك الحقبة، إلى مستوى معقول من النضج، ولا سيما بعد يوم الأرض في 30 آذار/مارس [1]1976 الذي ساهم في دفع الحركة الوطنية في الداخل كي تتطور بشكل مستقل. أي إن هذه الحركة تطورت على خلفية ما جرى في يوم الأرض وبعده. ثم وجدت بعض المجموعات مساندةً جديةً من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بعد عام 1982. وهذه المجموعات الوطنية طوّرت اتجاهاتها الفكرية والسياسية، على مستوى الهوية الفلسطينية، في سياق الابتعاد، بعض الشيء، عن فكرة المواطنة لعرب الداخل، والرهان مباشرة على التطورات في العالم العربي وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية التي تقودها منظمة التحرير. لكن، بعد اتفاق أوسلو، انكمشت منظمة التحرير الفلسطينية، وراحت تشدّد في خطابها السياسي على السلام مع إسرائيل، وتركّز على قضايا الضفة الغربية وقطاع غزة. وبهذا المعنى، وجدت هذه القوى نفسها في مأزق. وظهر هذا المأزق في سياق التغيرات في السياسة الإسرائيلية الناجمة عن دروس يوم الأرض، وعن اللبرلة الاقتصادية التي تسارعت منذ عام 1977 وصاعدًا.

    • تقصد مع مجيء حزب الليكود إلى الحكم أول مرة في إسرائيل؟
    نعم، الليكود بزعامة مناحيم بيغن. فمع النمو الاقتصادي السريع بعد السلام مع مصر واعتماد اقتصاد السوق، تحسّن وضع المواطنين العرب الاقتصادي جرّاء ارتفاع معدّلات النمو، وبالتالي الاستثمار والتشغيل. وإذا كانت الأسرلة في الماضي ناجمةً عن انعزال الفلسطينيين عن العالم العربي وعن الخوف من النظام الإسرائيلي في الوقت ذاته، فإن الأسرلة، في هذه المرة، صارت ناجمة عن مصالح متعلقة بالمواطنة الإسرائيلية، والاندماج بالدورة الجديدة للاقتصاد الإسرائيلي بما هو اقتصاد سياسي؛ إذ أخذ الفارق في مستوى المعيشة بين عرب 1948 وأهل الضفة والقطاع يتّسع باستمرار، وكذلك في مدى الحقوق القانونية والسياسية، لأن الدولة الإسرائيلية استنتجت مما وقع في يوم الأرض أن من الضروري منح عرب الداخل حقوقًا اجتماعيةً ملموسةً لمحاولة احتوائهم. فنشأ ما سميته في تلك الفترة «العربي الإسرائيلي»، وأقصد بذلك العربي الذي هو نصف عربي ونصف إسرائيلي. وأذكر أنني نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية دراسة بعنوان «العربي - الإسرائيلي: دراسة في الخطاب السياسي المبتور»[2]. وأتبعت هذه الدراسة بمجموعة دراساتٍ أخرى عن العرب في الداخل. وساهمت هذه الدراسات مجتمعةً في وضع منهج حديث يستخدم مصطلحاتٍ ومفاهيم جديدة لفهم قضايا العرب في الداخل. واشتققت هذه المصطلحات - المفاهيم من تجربة حياة العربي نفسها في إسرائيل، لا وفق نماذج اصطلاحية مسبقة. وجمعت هذه الدراسات في كتابٍ شكّل تحولًا في فهم عرب الداخل وأوضاعهم. وهكذا وضعت تحت تصرفهم أدوات مفاهيمية جديدة، وهو الكتاب الذي صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في 1998 بعنوان العرب في إسرائيل: رؤية من الداخل.
    قبل ذلك، راحت قوى مبعثرة من بقايا الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل تلتقي، وشرعنا في اجتماعاتٍ نفكّر فيها في كيفية العمل بعد إبرام اتفاق أوسلو. بدأنا نلاحظ عودة بعض الفلسطينيين إلى الأحزاب الصهيونية، وعدم الخجل من تنظيم انتخابات تمهيدية واسعة النطاق للأحزاب الصهيونية في المناطق العربية. وكان لي رأي آنذاك، اعتمدته لاحقًا الأغلبية الساحقة من قوى الحركة الوطنية التي بدأت تتشاور جديًّا، ويتلخص هذا الرأي في أنه يجب أن نبدأ بخطابٍ جديد تمامًا، حيث يأخذ في الحسبان الهوية العربية الفلسطينية وقضية فلسطين ومصالح المواطنين العرب، وارتباطهم الحياتي بالواقع اليومي للناس، ومعاش الناس، وحقوقهم السياسية ولو كانت مجتزأة. فنحن لا نستطيع أن ندير ظهورنا لهذه الأمور ونتوجه إلى العالم العربي فحسب، خصوصًا أن وجه أغلبية عرب الداخل يتجه نحو المواطنة الإسرائيلية. ففي هذه الحال، سيجري تهميشنا كحركة وطنية في المجتمع الفلسطيني في الداخل، خصوصًا أن أغلبية عرب الداخل منقسمة بالفعل بين الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وما يسمى المعتدلين العرب، والمصوتين لأحزاب صهيونية. وكانت الحركة التقدمية، وهي من تيارات الحركة الوطنية في الداخل، قد أخفقت في عبور نسبة الحسم والحصول على تمثيل مستقل في البرلمان. ورأينا أن هذا المجتمع سوف يهمِّش، بالتأكيد، أي حركةٍ سياسيةٍ لا تهتم بقضاياه المعيشية. وفي إطار فهم معمّق للصهيونية ولطبيعة إسرائيل والتحولات في المجتمع العربي في الداخل، قلت: لنأخذ إذًا قضية المواطنة التي تتضمن خصوصية عرب الداخل في الاعتبار، ونذهب بها حتى النهاية، كي ندخلها في تناقضٍ مع الطبيعة الصهيونية لإسرائيل، وفي الوقت نفسه، نبني الحركة الوطنية، ونؤكد الهوية العربية الفلسطينية لعرب الداخل وحقوقهم الجماعية كسكان أصليين. وغادرنا هنا تمامًا مسألة الأقلية وحقوق الأقلية.


    الحملة الانتخابية للتجمع في العام 1999 (أ ف ب)

    في هذا السياق، طرحتُ فكرة «دولة المواطنين»، أو ما سميناها حينذاك «الدولة لجميع مواطنيها»، ونظّرت لها باعتبارها دمقرطة للخطاب الوطني. فهي تصوغ الخطاب الوطني خطابًا ديمقراطيًا معاديًا للصهيونية، وتأخذ قضايا المواطنين المعيشية في الاعتبار. كانت هذه الأفكار جديدة تمامًا، وأهميتها أنها لا تغفل واقع المواطنين وحياتهم اليومية، ولا تتنازل عن الموقف النضالي ضد الصهيونية. وهذا مهم جدًا في صوغ خطاب جديد؛ فتركيز القوى السياسية على جانب واحد من قضية الفلسطينيين في أراضي 1948 كان يعني بالضرورة إما التحول إلى الأسرلة في حالة التركيز على المواطنة وحدها، أو إلى تيار متطرف هامشي، إذا أهملناها سرعان ما يتلاشى ويترك الفلسطينيين مجددًا إلى عملية «أسرلة».
    الأمر الثاني هو التشديد على هوية العرب في الداخل، ولهذا لا يجوز أن تكون الحركات الوطنية مجرد تشعباتٍ صغيرة للحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج. وبدأنا نستخدم بكثافة مصطلح «سكان البلاد الأصليين». وكان هذا الاستخدام جديدًا على الخريطتين السياسية والفكرية. واستخدام هذه المصطلحات، كالمواطنة والسكان الأصليين وحقوق السكان الأصليين أو الأصلانيين، كان مركز قوتنا، لا انجذابنا إلى القاهرة أو إلى دمشق أو موسكو، أو اندماجنا في الأسرلة المشوهة؛ أي إننا رغبنا في تأسيس الهوية القومية من داخل المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني. ويجب أن نلاحظ أن هذه الفترة كانت دقيقة جدًا، فالأوضاع العامة في المنطقة العربية، ولا سيما بعد أوسلو ومعاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية وإمكانية إبرام دول أخرى اتفاقات سلام مع إسرائيل كانت تنبئ أننا سنتعرض لنكبة جديدة، أو أن فصولًا أخرى من مرحلة ما بعد نكبة 1948 ستبدأ من جديد، وسيسدل الستار على عرب الداخل وسيتحوّلون إلى فئة هامشية متأسرلة كما شهدنا ذلك في بداية التسعينيات. وبناء عليه، فإن خطابنا، وكذلك عناصر وجودنا وقوتنا ونضالنا، انبثقت في الأساس من أوضاع الداخل، وبالتالي حصّنا حركتنا من إمكان أن تعصف بها المتغيرات التي طرأت على الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج أو في المنطقة العربية.
    كان هذا الجهد كافيًا، في البداية، لتوحيد القوى الوطنية، أو قسم كبير منها، على الرغم من أمراض الحركات الصغيرة التي تعج بالنرجسيات والزعامات، بما في ذلك الشعارات ومزاعم الطهارة الكاذبة، وجميعها تؤدي دورًا في تعويق تسييسها. وثمّة، كما تعلم، مجموعات يرأسها أفراد مهجوسون بالزعامة، ولو على سبعة أنفار. وهذه الحالات موجودة، ودائمًا تسبب وجع الرأس. لكن، بالنسبة إلي، كان هذا الموضوع كبيرًا كبر الشعب، وهو كذلك بالتأكيد، وبمقدار المواجهة مع الحركة الصهيونية. وفي الوقت الذي بدأت فيه الحركة الوطنية الفلسطينية في الخارج تتجه نحو المصالحة مع إسرائيل، ذهبنا نحن إلى المواجهة، وهذا ما جعل كثيرين من المحبطين الذين كان لهم ماضٍ في الكفاح المسلح، يبتسمون ابتسامةً ساخرةً، أو يضحكون مما نفعل، وكانوا يردّدون إننا «رايحين على الحج والناس راجعة». وكنت في تلك المرحلة باحثًا في تاريخ الفكر السياسي، ولا شك في أن تناول موضوعات القومية والمواطنة كان عندي مؤسّسًا على مقارباتٍ نظريةٍ بدأت تكتمل في كتابي المجتمع المدني الذي صدر قبل أن أصبح عضوًا في البرلمان. وكنت اشتغلت على هذا الكتاب طوال عامي 1994 و1995، وأصدرته في عام 1996. وبهذا الجهد، اختلف برنامجنا تمامًا عن الأشكال المتعدّدة للحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت مجموعاتها متأثرة بحركة فتح أو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أو مرتبطة برابطة الحنين إلى الناصرية. ولا ننسى طبعًا الحزب الشيوعي الذي كان مرتبطًا بموسكو، ولم يقدّم أي تنظير أصيل على الإطلاق في المسائل الحيوية لفلسطينيي الداخل، وكان يشدد على فكرة المساواة وكفى من دون التعرض ليهودية الدولة أو للنكبة.
    إذًا، صار لدينا خطاب جديد لم يكن مألوفًا على الإطلاق للقوى الوطنية الفلسطينية في الداخل، ولا للقوى القومية واليسارية. وتضمن ذلك الخطاب مزجًا خلّاقًا وتفاعليًا لفهم السكان الأصلانيين، فضلًا عن الأفكار المتعلقة بالديمقراطية. ودرست نظريات الديمقراطية والمواطنة وأشكالها التطبيقية، وكان من الشاقّ علينا أن نؤسس حركتنا، وأن نُدخل هذه المصطلحات الجديدة في خطابنا الفكري والسياسي، وأن نجمع الناس حولها، وأن نؤطّرهم في أُطر حركتنا. وما زال شبان كثيرون يعيدون إنتاج هذه الأفكار ويتحاورون فيها، خصوصًا أن أحزابًا كثيرة نسختها بشكل ميكانيكي، من دون الخلفية النظرية لها، أي إنهم استعاروا الشعارات التي رفعناها من دون الخلفية النظرية التي أنتجتها، والمضمّنة في كتب مثل النهضة المعاقة والعرب في إسرائيل: رؤية من الداخل الذي احتوى دراسة «العرب في إسرائيل: قراءة في الخطاب السياسي المبتور».

    • عودة إلى قرار الترشح لعضوية الكنيست، هل كان القرار يعني خروجًا على موقف بعض التيارات في رفض المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها؟
    الحقيقة أن البعض روّج أن الحركة الوطنية الفلسطينية كانت تقاطع الكنيست آنذاك، وهذا غير صحيح. فالكنيست كان يرفض الأحزاب العربية، أي إنه هو من كان يقاطع الحركة الوطنية. وكانت حركة الأرض[3] قد قدّمت قائمةً لانتخابات الكنيست، ثم مُنعت من خوض الانتخابات. أي إنها رغبت في خوض الانتخابات، لكن الجهات الإسرائيلية منعتها. وحركة الأرض، كما هو معروف، كانت قوميةً ناصريةً. ومع ذلك، فإن ثمة حالة واحدة أعلنت، في مرحلةٍ ما، مقاطعة الانتخابات هي حالة «أبناء البلد»، وهي مجموعة تأثرت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن كانت متأثرة بحركة فتح. لكن دعني أقول إن حركة «أبناء البلد» لم يكن لديها القوة لخوض الانتخابات، فضلًا عن موقفها المبدئي المنسجم مع خط الجبهة الشعبية. في تلك المرحلة، جاءني أعضاء من «حركة أبناء البلد»[4]، وناقشوني في الترشح لانتخابات الكنيست، أي إن الموضوع أصبح مطروحًا للنقاش في حلقاتهم. لقد حصل عندهم تغير واضح، وما عاد موقف الحركة سلبيًا من الموضوع، واختلفوا في قضية واحدة فحسب هي هل يترشح أحد منهم أم لا؟ لكن بغض النظر عن مواقف بعض القوى من الانتخابات، فأنا شخصيًا كنت مترددًا (عدا أنني كنت أخطّط لتفرغ علمي لمدة عام في النمسا ثم في ألمانيا). لكن، في النهاية، استقر الرأي على الترشح لانتخابات الكنيست التي رأينا فيها منبرًا يساعدنا على طرح البرنامج الوطني، والخطاب الوطني، مستندين إلى المواطنة الإسرائيلية، أي إن التردد في الترشح حُسم من خلال تعريف دقيق لأهداف خوض الانتخابات، حيث إننا نخوض الانتخابات من أجل اكتساب منصة جديدة للعمل النضالي. الهدف إذًا لم يكن الحضور تحت سقف الكنيست أو أن ندخل في اللعبة السياسية الإسرائيلية، بل كان تعريف الأهداف للدخول في الانتخابات بأنها السياج الحامي لنا من الانزلاق الى مهمات فرعية تحيد بنا عن نضالنا في كوننا السكان الأصلانيين، وعن مهمة الحفاظ على الهوية العربية الفلسطينية لجمهورنا.
    يختلف العرب في إسرائيل، من ناحية المواطنة، عن الفلسطينيين في الأردن، وعن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ إن لديهم جنسية إسرائيلية جرّاء ولادتهم في المكان، ولا توجد طريقةٌ أخرى للبقاء في المكان إلا الجنسية. وهذه ما عادت مجرد جنسيةٍ فحسب، إنما موضوعًا نضاليًا في سبيل البقاء في الأرض. ثم إن العرب في الداخل يتوجهون في معالجة قضاياهم إلى السلطة المركزية. إذًا، علينا أن نمثل العرب وحقوقهم اليومية أمام السلطة المركزية. من يريد العمل في قضايا عرب الداخل، وأقصد حزبيًا، مضطرٌ إلى دخول المعترك البرلماني لتمثيل العرب سياسيًا ومعالجة قضاياهم اليومية في الوقت ذاته. والفارق هو في المواقف والسلوك في الكنيست، أي إن ثمة فارقًا في المواقف والمسلك السياسي تجاه المؤسسة الحاكمة بين النواب العرب. ولا يستطيع أن يرى هذه الفوارق كل من يعتبرهم أبطالًا مناضلين لأنهم في الداخل، كما لا يراها من يعتبرهم خونةً لأنهم في الداخل أيضًا. أما نحن، فرأينا الفارق بين حركة وطنية فلسطينية في الداخل من جهة، وبين الحزب الشيوعي من جهة ثانية، والأعضاء العرب في حزبي العمل والليكود من جهة ثالثة. كما أننا أسسنا التمايز ما بين حركة وطنية فلسطينية وأعضاء عرب في الكنيست. فالموضوع ليس أن تكون في الكنيست أم لا، بل استخدام هذه المنصة لموقف سياسي وطني غير اندماجي في إسرائيل.

    يتبع.....................

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 1st March 2017, 10:35 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 7
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    • هذا ليس نوعًا من أنواع التحدّي الاعتيادي أو المباشر، فكل قضية تواجهونها كانت قضية مركبة ومعقدة وتحتاج إلى استجابة وتنظير مركب ومعقد. هل هذا صحيح؟
    بالطبع. واجهنا هذا التحدّي كي يكون ممكنًا إعادة بناء الحركة الوطنية في الداخل، لتنطلق إلى أهدافها الوطنية على أساس واقع عرب الداخل وحاجاتهم. طبعًا هي معضلة، والمحاذير فيها ليست وهمية، بل حقيقية، وقد عشناها في الكنيست. مثلًا، عندما تدخل إلى الكنيست هل تقف لنشيد إسرائيل الوطني «هتكفا» أم لا؟ هل تنضمّ إلى عضوية لجان الصداقة البرلمانية بين إسرائيل واليابان مثلًا؟ والمعروف أن كل عضو في الكنيست هو عضو في لجنة صداقة مع دولةٍ ما. السؤال يبدأ من التالي: هل نشارك معهم في يوم «الاستقلال»؟ والإجابة، اتساقًا مع مبادئنا واضحة: طبعًا لا. لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فالسؤال التالي هو: هل نجلس لنسمع الخُطب في تلك المناسبة؟ هل نحترم الرموز الإسرائيلية؟ وهنا لا أتحدث عن رموز سياسية بل عن رموز من نوع آخر، ربما تكون مجتمعية أو مهنية. وهنا أذكِّرك بأن بعض العرب في الداخل، في تلك المرحلة، عاد ليرفع أعلام إسرائيل على السيارات في ما يسمى «يوم الاستقلال». وكان رؤساء البلديات العرب يهنئون حكام الألوية بيوم الاستقلال. وأعتقد أني صدمت حينذاك لقراءة خبر عن وفد برئاسة رئيس بلدية الناصرة الشاعر توفيق زياد، وهو شخصية وطنية فعلًا، وكانت تحظى بمكانة تقديرية، يهنئ حاكم لواء الشمال بيوم استقلال إسرائيل.
    ثمّة ألف سؤال من هذا القبيل، وجوابها واضح وقاطع بالنسبة إلى ممثل الحركة الوطنية. ومع ذلك، فكل خطوة من هذه الخطوات حين تجتازها تعتبر نفسك أنك نجحت. وفي النهاية تكتشف أنك مُقصى كالبعير المعبّد في إطار مؤسسة صهيونية تمتد كأذرع الأخطبوط في ثنايا الحياة كلها. وبالتدريج عندما تمر بجميع هذه الامتحانات، تجد نفسك، في النهاية، مقصىً تمامًا. يعني أنت واحد ضد الباقي. ومن يدافع عنك من الباقي يدافع عن حقك في التعبير، لا عن موقفك. هذا ليس سهلًا على الإطلاق. كانت فترات صعبة، لأن عليَّ أن أشرح للجمهور ماذا أفعل. يريد الجمهور أن يعرف لماذا أرفض عضوية لجنة الخارجية والأمن مثلًا ما دمنا نرفع شعار المساواة. عليك أن تشرح أنك لا تستطيع أن تؤدي دور المعارضة في هذه اللجنة، فهي ليست لجنة برلمانية عادية، بل هي أداة استخبارية أمنية تبحث في أفضل السبل للدفاع عن أمن إسرائيل. عليّ أن أشرح أننا مع المساواة في دولةٍ لجميع مواطنيها، لا في دولةٍ تعرّف نفسها دولة لليهود، وأننا لسنا في خدمة أمن دولة محتلة. هي مسألة مضنيةٌ ومؤلمة معًا. وللأسف، رأى بعض النواب العرب أن الانضمام إلى عضوية هذه اللجنة تحديدًا إنجاز. ومن بين هؤلاء ثمة من يعتبر الوصول إلى عضوية البرلمان الإسرائيلي أقصى ما يطمح إليه شخصيًا، كما يعتبر بعضهم أن التأسرل عمومًا هو إنجاز. بالنسبة إلي كان الوجود في البرلمان صراعًا يوميًا مع الذات، وكان عبئًا حقيقيًا. أقول هذا كمثقف لا كوطنيّ فلسطيني فحسب.
    السؤال الكبير كان دائمًا هو التالي: ليس الدخول إلى الكنيست هو الإنجاز، فهذا ليس إنجازنا، بل هو أمر تتيحه الديمقراطية الإسرائيلية، إنما الإنجاز أن نمثّل عرب الداخل بخط وطني ديمقراطي، وأن نحافظ قدر الإمكان على التوازن النفسي الداخلي، حيث لا نمثل أدوارًا لا تليق بنا. هذا هو التحدّي الكبير في الحقيقة. كثيرون قبلي انتخبوا نوابًا، أَكان ذلك في قوائم الأحزاب الصهيونية أو في قوائم الحزب الشيوعي، أو في أحزاب عربية. لكنني أدخلت مفاهيم جديدة إلى الخطاب السياسي الفلسطيني في الداخل، خصوصًا في مسائل المواطنة وحقوق العرب والتمثيل العربي في الشركات الحكومية والتوظيف. وإدخال هذه المفاهيم في الخطاب السياسي مهم جدًّا لأن المفاهيم هي التي تحكم إنتاج الأفكار والرؤى والتطلعات. واستفدنا في ذلك من تجربة السود في الولايات المتحدة الأميركية ونضالهم في سبيل حقوقهم. غير أن المعضلة كانت أن السود في الولايات المتحدة الأميركية ذهبوا في النضال من أجل الحقوق المدنية نحو الاندماج الكامل، وكان احتمال أن يصبح الأسود رئيسًا لأميركا حلمًا، وأن يصبح رئيس الأركان الأميركي أسود حلمًا أيضًا. كل ما كان يرغب فيه السود هو المساواة، وأن يُقبلوا كمواطنين أميركيين، وأن يُقبلوا في الجيش الأميركي مقاتلين وضباطًا... إلخ. وبعضهم بدأ يزرع في التاريخ الأميركي بأثر تراجعي أبطالًا سودًا، ورعاة بقر من أصول أفريقية. وتطورت خلال نضال الحقوق المدنية في أميركا مطالب رمزية كثيرة في التاريخ الأميركي نفسه، وعولجت بإدخال تمثيلٍ ملائم للسود في التاريخ الأميركي وفي الإنتاج الثقافي، بما في ذلك السينما والإعلانات ومجمل الثقافة الجماهيرية. أما نحن، فلم نر الأمر من هذا المنظار.
    إنها معضلة حقيقية أن نُطالب بجميع الحقوق لأن ثمة واجبات في مقابلها. نحن نختلف عن السود في أميركا، ونشبه الهنود الحمر الذين يعتبرون الخدمة في الجيش الأميركي ليست مصدر كبرياء لهم، لأن الجيش الأميركي بُني على أنقاضهم. هذه القضايا المركبة كلها دخلت معي دفعةً واحدةً إلى البرلمان، فصُدم الإسرائيليون بخطابي الذي لم تكن مفرداته موجودةً في مداولاته قبل ذلك. وفي دراسةٍ أعدّتها باحثة فلسطينية عن خُطب النواب العرب في البرلمان الإسرائيلي، وجدت أن أول مرة يُطرح فيها مطلب «حق العودة للاجئين الفلسطينيين» كان في خطبة لي في الكنيست. وأول مرة، ذُكرت كلمة «النكبة» بالعربية وضرورة إحياء ذكرى النكبة كانت في إحدى خُطَبي. وهذه المصطلحات أدخلناها نحن، وكان ذلك تجديدًا في الخطاب السياسي الفلسطيني في الداخل. واستعر النقاش جرّاء ذلك، واختلط الشخصي بالسياسي والنزوات الشخصية والغيرة بالأيديولوجيا. وفي البداية، اخترنا التحالف مع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة[5]، والقوة الرئيسة فيها الحزب الشيوعي. وكانت الغاية أن نضمن توحيد الأصوات في سبيل الفوز. فقد كان الشيوعيون في أزمة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وكنا نحن في بداية التنظيم. ولاحقًا تفرقت سبلنا وذهب التجمع الوطني الديمقراطي إلى الانتخابات وحده. ومنذ ذلك الحين والتجمع يخوض الانتخابات (أخيرًا في إطار القائمة المشتركة، وكان تشكيل قائمة مشتركة للعرب مطلبًا دائمًا للتجمع)، وفي كل جولةٍ يخوض معركة مع الإسرائيليين، ومع جهاز الادعاء العام (النيابة العامة) الذي يحاول في كل مرة، منع التجمع من خوض الانتخابات. وفي كل مرةٍ تتغلب عند المحكمة الإسرائيلية العليا النزعة الليبرالية في فهم حق المشاركة في الانتخابات، أي إنها تفضل السماح بخوض الانتخابات على إقصاء حزبٍ مثل التجمع لا يشكل خطرًا مباشرًا على أمن إسرائيل. وطبعًا رأى السياسيون أن هذا الحزب يشكل خطرًا أكبر من الخطر الأمني. لكن لا يوجد قانون يحسم هذا الأمر.
    ركّز الصهيونيون على حالتي الفردية، فعندما أخفقوا في جميع محاولاتهم لإقصائي عن خوض الانتخابات، أو اعتقالي بتهم سياسية، انتقلوا إلى التهم الأمنية. وحينذاك نالوا مني حقًا، لأنهم هم مصدر التهمة الأمنية، وهم الذين يعدّون دلائلها، ولا يمكن أن تخفق هذه الدلائل في محكمة إسرائيلية. لقد تعلمت من التجربة أن النيابة العامة في إسرائيل لا تخفق في القضايا الأمنية، ولا في قضايا مصادرة الأرض، لأن القوانين تُفصّل على مقاسها سياسيًا.

    • أسّستم حركة ميثاق المساواة في عام 1992، ثم التجمع الوطني الديمقراطي في عام 1995. فيمَ يختلفان؟ ومن كان معك في تلك المرحلة التأسيسية؟
    يختلف ميثاق المساواة عن التجمع الوطني الديمقراطي في أنه كان محاولة لجمع الناس المؤمنين بالمبادئ نفسها، يهودًا أَكانوا أم عربًا. وكان في ميثاق المساواة عدد لا بأس به من الشبان اليهود واليساريين المعادين للصهيونية، ممّن يؤمنون بما نؤمن به، كدولة المواطنين، ونزع الصفة الصهيونية عن إسرائيل، والسير بالنضال في هذا الاتجاه. وانتقل معظم العرب الذين كانوا في حركة الميثاق لاحقًا إلى التجمع.

    • أمثال عوض عبد الفتاح وجمال زحالقة؟
    لا. لم يكن عوض عبد الفتاح في «ميثاق المساواة»، بل كان في «حركة أبناء البلد»، وساهم في تأسيس التجمع مع أعضاء آخرين من هذه الحركة مثل عمر سعيد ورجا إغبارية وخالد خليل وغيرهم. لكنه ظل مثابرًا في «التجمع» مع آخرين لا مجال لذكر أسمائهم جميعًا، بعد أن تركه آخرون من حركة أبناء البلد. وظل عوض أمينًا عامًا مدة طويلة. وكان الأمين العام الأول للتجمع هو الباحث محمود محارب الذي كان سابقًا في فضاء أبناء البلد حين كنا طلابًا في الجامعة، وأصبح قريبًا جدًّا من الفكر الذي طرحته لاحقًا. أما جمال زحالقة فكان حقًا في «ميثاق المساواة»، لكنه لم يكن حاضرًا في بداية تأسيس التجمع. كان ناشطًا معي في الحركة الطالبية في القدس وانضم إلى التجمع مبكرًا وأصبح نائبًا عنه. أما باسل غطاس وأمير مخول وفؤاد سلطاني وميخائيل فارشفسكي وأمنون راز وياعيل ليرر (التي أصبحت لاحقًا مساعدتي البرلمانية) فكانوا في «ميثاق المساواة». ولم ينضم أمير إلى «التجمع»، وظل مصرًا على «الميثاق». غير أن «الميثاق» لم يصمد غير قرابة عام وانتهى الأمر. استنتجنا من تجربة «ميثاق المساواة» أن في الإمكان أن نشكّل مع المتفقين معنا من اليسار اليهودي حلقات حوار ونقاش، وأن نسعى إلى تعميق التجربة المشتركة. لكن، عندما نتجه إلى النضال والعمل النضالي السياسي، فالواقع مختلف تمامًا. نحن نتعامل مع جماهير عربية، ولدينا أولوية هي تنظيم العرب كشعب، لأننا كنا نخشى (وهذا ما كان عليهم أن يفهموه) من أن الهوية الفلسطينية للعرب في إسرائيل قد تنهار بعد اتفاق أوسلو إذا لم تكن لدينا حركة وطنية للعرب الفلسطينيين في الداخل. وكانت أولويتنا السياسية هي البدء فورًا في هذه المسألة. أما إمكانات التعاون فستُبحث لاحقًا، لأن هذه هي القضية الرئيسة في المرحلة الأولى. القسم الأكبر من اليهود اليساريين هؤلاء تفهموا الأمر. نحن نتحدث في هذه الحالة عن أفراد يُعَدُّون بالعشرات.

    • هل يوجد يهود الآن في التجمع الوطني الديمقراطي؟
    هناك أفراد يدعمون «التجمع» مثل صديقي الأستاذ الجامعي أمنون راز وياعيل ليرر وميخائيل فارشفسكي الذي كان قائد حركة ماتسبن في الماضي وغيرهم. لكن، لا يوجد أعضاء، لأن «التجمع» أعلن نفسه، منذ البداية، أنه حركة عربية، وهو يشدّد على البعد العروبي الديمقراطي للفلسطينيين في الداخل. وفي مرحلةٍ ما، يفترض أن يضم أعضاء يهود من الراغبين في الانضمام إليه على أساس برنامجه أو شعاراته، وحينئذ سوف يواجه تحديًا جديدًا في موضوع المسألة القومية.
    طبعًا، في «ميثاق المساواة» كان معظم الأعضاء من العرب الذين تركوا الحزب الشيوعي على خلفيات متعلقة بالمسألة القومية وقضية الديمقراطية. وبعضهم لم يكن عضوًا في أي حزب. وفي هذا الميدان التقينا الحركة التقدمية (محمد ميعاري وواصل طه وعفيف إبراهيم ونقولا فرح وآخرين) وحركة أبناء البلد (عوض عبد الفتاح وعمر سعيد وآخرين)، ولاحقًا انضمت لجنة مبادرة مؤلفة من ناشطين وطنيين مثل حركة النهضة في الطيبة وحركة الأنصار في أم الفحم، والتقينا أفرادًا لم يكونوا في أي حركة. ومن هذا الاندماج نشأ «التجمع». ومع الوقت تغلب اتجاه الذين لم يكونوا أعضاء في أي حزب، وحافظ هذا الأمر على نسيج التجمع وتماسكه، ووقاه الانشطار الذي تهواه الحركات الوطنية، وهي ظاهرةٌ تحتاج إلى دراسةٍ مستقلة، حيث تعود جميع التجمعات إلى الانقسام انقسامًا أشدّ من السابق. وما حافظ على «التجمع» في الداخل، وهي مهمة غير سهلة إطلاقًا، في ما عدا الإيمان بقضيته، هو الموقف الذي دافعت عنه بصلابة ومضمونه عدم القبول بأن نكون مجرد تحالفٍ بين كتل هي بدورها عبارة عن تجمعات تنظيمية صغيرة، وتأكيد فكرة الحزب والاندماج الكامل لتعبئة القوى على أساس جديد. لذلك، من لم يقبل فكرة الاندماج الكامل هذه، خرج من «التجمع» منذ البدايات (ومنهم جزء من حركة أبناء البلد، وبعض الوطنيين المستقلين الأقرب إلى السلطة الفلسطينية في رام الله)، وبقي مَن قبلها. فقد اعتقدت أن وجود كتلٍ دائمة وصفة للانشطار الدائم، وتشريعًا للمحاصصات التي يشتهر بها العرب على مستوى الطوائف والعشائر والأحزاب. ثم كان العمل مع جيل الشباب الذي لم ينتمِ إلى الأحزاب العربية المعروفة، وبالتالي، لم يمتلك أمراض الفصائل والحركات الوطنية، وهؤلاء أصبحوا الأغلبية في داخل «التجمع»، وباتوا الصمغ اللاصق له. ونشأت، أخيرًا، هوية تجمعية واضحة مؤلفة من أناسٍ يعتزّون بانتمائهم العربي، وهم عروبيون ووطنيون فلسطينيون وديمقراطيون يساريون، ولهم مواقف متميزة، وربما راديكالية في القضايا الوطنية الفلسطينية؛ راديكالية بمعنى عدم التفريط بالثوابت الفلسطينية، وهم يتميزون بذلك من الآخرين. واليوم، لا يوجد مثيلٌ موازٍ لهذا التيار على مستوى الساحة الفلسطينية خارج ما يسمى مناطق 1948. لكن، يجب أن يوجد مثل هذا التيار في يوم من الأيام، إذ إنني أرى شبانًا يؤمنون بهذه الأفكار، لكن أوضاعهم مختلفة تمامًا.

    • طرحت في بعض كتاباتك مفارقة لافتة هي الإصرار على تأسيس حزب عربي ديمقراطي في دولة غير عربية، غايته الحفاظ على الهوية العربية في دولة يهودية. كيف حللتم هذه النقطة؟
    المسألة متعلقة بما يمكن تسميته تأكيد البعد العربي للهوية كحق فردي للمواطن كمواطن، وعلى انتماء العرب في الداخل إلى التاريخ الفلسطيني أيضًا. وأي دولةٍ حديثة يمكنها تقبّل فكرة أن للأفراد حقوقًا بصفتهم مواطنين لا باعتبارهم جماعة. وعلى الأفراد أن يختاروا إما أن تكون لهم حقوق جماعية أو حقوق فردية. أعتقد أن الحل الذي طرحناه فريد، وهو أن هناك حقوقًا فرديةً وحقوقًا جماعية في الوقت نفسه. لكن ما يميّز الفكر السياسي الليبرالي الذي يقبل فكرة الحقوق الجماعية أصلًا، أنه يشتقّ الحقوق الجماعية من الحقوق الفردية. الفلسطينيون موجودون قبل دولة إسرائيل، والحقوق الجماعية لمن بقي هي حقوق سكان أصليين شُرّدت أغلبيتهم. ولذلك فهذا الاشتقاق نظري وليس تاريخيًا، وهو محاولة لصياغة حقوقية في إطار قانوني. عمومًا وُجدت الحقوق الجماعية قبل الحقوق الفردية، وحقوق القبيلة والعشيرة ظهرت تاريخيًا قبل حقوق الأفراد. وعلى هذا المنوال، ترسّخت حقوق الشعوب والإثنيات، بينما تطورت حقوق الأفراد لاحقًا. وتنطلق الديمقراطية الليبرالية من حقوق المواطن الفردية، ومنها الحق في الانتماء إلى جماعة، وحقه أيضًا في هويةٍ قومية. وركّبنا هذا التركيب، وبات من الصعب تحدّيه. عندما أقول للإسرائيليين إنني أريد أن أكون مواطنًا متساوي الحقوق، فإن هذا القول يعني أن تكون الدولة لجميع مواطنيها. وحقنا هذا ينبع من كوننا السكان الأصليين. وهذه تسويةٌ تاريخيةٌ مضمونها أن تكون حقوقي كاملة كمواطن، وأن من حقي أن أنشئ مؤسساتٍ تمثل الحقوق الجماعية والهوية القومية. ولأن لي عمقًا حضاريًا عربيًا، فمن حقي الاعتزاز به، وأن أتواصل معه. وتاريخي الفلسطيني مختلف عن روايتكم التاريخية، بل هو نقيضٌ لتاريخكم، فأنتم تحتفلون بيوم الاستقلال الذي هو، بالنسبة إلي، يوم نكبة. هذا هو الخطاب الذي طرحناه، وكان جديدًا وغريبًا على اليهود والعرب في الداخل. الآن، صار كل مواطن عربي يكرّره، وتمكنّا، من خلال وسائل الإعلام، أن ننشر هذا الخطاب ونعمّمه في فلسطين الداخل والخارج. ولا تقتصر أهمية التجمع على إنشاء حزب نضالي في مواجهة الصهيونية، إنما في قدرته خلال أقل من عشرين عامًا على أن يغير قواعد النقاش في داخل مجتمعنا العربي في فلسطين. لقد أصبحت أفكار الحقوق الجماعية المشتقة من الحقوق الفردية، هي الهوية العربية الفلسطينية، وصار للسكان الأصلانيين مطالب ومصطلحات يستخدمها الشباب العربي غير التجمعيين في المواجهات مع بعض السياسيين العرب في الداخل؛ أي إن تأثير التجمع لا يقاس بعدد أعضائه أو عدد نوابه، إنما في قدرته على إنجاز انقلاب حقيقي في طريقة التفكير في شأن حقوق العرب والدفاع عنها والترويج لها، وأن يصبح الخطاب التجمعي عماد الجدل والنقاش السياسي، لا خطابًا هامشيًا.
    لعقود خلت كانت المؤسسات الصهيونية تضع قواعد الاشتباك مع عرب الداخل، وعلى عرب الداخل أن يتعاطوا مع هذه القواعد ومع الخطاب الذي تفرضه هذه المؤسسات. وبالفعل كان عرب الداخل وقادتهم السياسيون يتعاطون مع هذا كله بردات فعل بعضها نضالية وبعضها استجدائية أو انكسارية. أما خطاب التجمع فصيغ كي يكون هو المبادر: لديكم قواعد اشتباك ولدينا قواعد اشتباك مختلفة ورؤية مختلفة. وعليكم الآن أن تتعاطوا مع قواعد اشتباكنا المبنية على حقوق وأسس نظرية متينة لا يمكن تفكيكها، فضلًا عن تجاهلها. لذلك كان علينا أن نمعن التفكير لنؤسس خطابًا متسقًا متماسكًا. فنحن لم نكن نؤسس حركة نضالية ضد الصهيونية في تونس أو الجزائر، بل كان يكفي طرح الشعار لتجد الآلاف ملتفين حولك.

    • لكن بعض اليهود كان يردّ على فكرة الحق في المساواة بالقول: إذا أردتم المساواة، فهل تخدمون في الجيش الإسرائيلي؟
    هذا نقاش جادّ، وليس مجرد دعاية، حتى أن بعض العرب كان يردّد هذه الذريعة. صحيحٌ أن فكرة «دولة لجميع مواطنيها» ربما تؤدي إلى تلك النتيجة، في أوضاع غير الوضع الفلسطيني، وكان كثير من اليهود يردّدون أن من غير الممكن الحصول على حقوقٍ كاملة، ما دام العرب لا يؤدون واجباتهم كاملة، ولا يعتبرون هذه الدولة دولتهم. لكن جوابنا هو أن الحقوق بالنسبة إلينا مشتقة من المواطنة، وهي ليست مشتقةً من الهجرة والاستيطان كما هي حالة الصهيونية، بل من وجودنا القديم في المكان الذي يدعى فلسطين. ونحن السكان الأصليون نعتبر الخدمة في الجيش الإسرائيلي خدمةً في نقيضنا، وهي تؤدي إلى تشويه الشخصية الوطنية. نرفض أن تكون الحقوق مقرونة بالخدمة العسكرية في الدولة اليهودية. أما إذا أصبح هذا الكيان يومًا ما دولة ثنائية القومية تضمن حق العودة للاجئين، مع إبطال صهيونيتها (إن رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين دليل أساس على صهيونيتها)، حينئذٍ نكون أمام وضعٍ جديد مختلف. الخدمة العسكرية مرفوضة في جيش الدولة اليهودية، لا لأنه جيش احتلال واستيطان وإحلال فحسب، بل لأن الدولة ليست لجميع مواطنيها أيضًا.

    • الخدمة العسكرية هي الشكل الواضح لغربة المواطن في وطنه، وهي استلاب كامل وطنيًا وثقافيًا وشعوريًا.
    بالتأكيد هي استلاب كامل. إنها تشوه هوية الفرد العربي وتاريخه. لذلك، كانت مسألة الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي غير واردة. وهي في أي حال ليست شرطًا للحقوق في الفكر السياسي الديمقراطي. قلت، في البرلمان وخارجه، إن المواطن في أوروبا، في مرحلة التمرّد على الإقطاع، كي يصبح مواطنًا له حقوقه المتساوية، كان عليه تحطيم نظام الفروسية وتطبيق نظام الجندية بعد الثورة الفرنسية، ليصبح من حق أي مواطن أن يصبح جنديًا. لقد تحوَّلت الخدمة العسكرية من امتياز الأرستقراطية إلى حق للمواطن قبل أن تصبح واجبًا. هذا الأمر لا ينطبق علينا. ما عادت الخدمة العسكرية مطلبًا مواطنيًا ضد امتيازات الفرسان. وفي الديمقراطيات يخدم المواطنون في جيوش مهنية، والمواطنة لا تشترط الخدمة العسكرية. بالنسبة إلى الإسرائيليين، فإن الخدمة في الجيش ليست حاجة عسكرية فحسب، بل هي حاجة قومية أيديولوجية. والجيش هو بوتقة صهر الشتات اليهودي، ومكان صنع الهوية اليهودية الإسرائيلية الجديدة، وهذه ليست حاجة لدينا. نحن عرب فلسطينيون أولًا وأخيرًا. ثم إن هذا الجيش هو جيش احتلال يحتل أراضي فلسطينيةً وعربية. والحقيقة أن هذه الذريعة وحدها لم تكن تعجبني على الإطلاق. كان الحزب الشيوعي يستخدمها، وهو استخدام جديد ظهر بعد حرب عام 1967. سابقًا كان الحزب الشيوعي يؤيد أن تشمل الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي العرب. وكنت أسأل: إذا حصلت تسوية سلمية مع العرب، وانتهى احتلال عام 1967، فهل يخدم أبناؤنا عند ذلك في الجيش؟ ولنفترض أن السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بات واقعًا، فهل نخدم في الجيش الإسرائيلي؟ كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي قد طالب في الخمسينيات بالخدمة العسكرية في الجيش بالمنطق نفسه، ولم يكن هناك احتلال، وكانوا يعتبرون فلسطين 1948 غير محتلة، بل إن الشعب اليهودي قرّر مصيره ونال استقلاله. فهم لم يروا في ما حدث في عام 1948 احتلالًا بل تحريرًا. وكان بعض النواب العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الخمسينيات يطالبون بالخدمة العسكرية باعتبارها البوابة إلى المساواة، وهذا يعني قبول المنطق الصهيوني، وهو ما كان مرفوضًا منا. قضية فلسطين، في جوهرها، هي الخلاصة المباشرة للاستيطان الصهيوني وتواطؤ بريطانيا معه، وللحرب التي شنتها الحركة الصهيونية على الفلسطينيين منذ ماقبل عام 1948. أما الصهيونية فهي حركة استعمارية إحلالية مارست الاستيلاء على الأرض وطرد السكان بالقوة، وتوطين اليهود في مكانهم كعملية متدرجة من عمليات بناء «الأمة اليهودية» ودولتها القومية. وفي هذه الحال، فإننا لا نرى في الفلسطينيين في إسرائيل مجموعة مهاجرة تتطلع إلى المساواة، وتسعى إلى أن تقبلها الأكثرية. ولا يمكن أن تتحقق المساواة إلا إذا جرى نزع الصفة الكولونيالية عن إسرائيل؛ وهذا يعني أن الصراع القومي والمساواة على أساس قومي هو الأساس، لا المساواة أو الاندماج على أسس أخرى. لهذا، لم استخدم هذه الذريعة وحدها أي «نحن لا نخدم في هذا الجيش لأنه جيش احتلال»، فهذه الذريعة تصلح لشبان يهود يرفضون الخدمة في المناطق المحتلة كما في حالة حركة «يوجد حد» الإسرائيلية التي نشأت في أثناء الانتفاضة الأولى، ودعت إلى رفض الخدمة في المناطق المحتلة. وكنا ندعمهم في رفض الخدمة احتجاجًا على الاحتلال.


    مهرجان تضامني مع د. بشارة في الناصرة في العام 2007 (أ ف ب)


    على فكرة، بعد أن رفضتُ زيارة سورية في إطار وفد فيه ممثلين عن أحزاب صهيونية، ومنهم من خدم في الجيش، ناقشني مسؤول سوري في إحدى زياراتي دمشق متسائلًا: وما المشكلة في ذلك، فثمة سوريون خدموا في الجيش الفرنسي الاستعماري وأصبحوا قادة ورؤساء في سورية. فحاولت أن أشرح له الفارق بين انتداب استعماري بنى جيشًا وطنيًا لك وانسحب، وبين الخدمة في جيش كيان استيطاني لا يخطط لبناء مؤسسات وطنية للعرب أو الانسحاب يومًا ما، بل حل في محل السكان الأصليين ويقوم أصلًا على نفيهم.


    يتبع .....................

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 1st March 2017, 10:38 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 8
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    • أذكر أنني قرأت بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، مقابلة مع توفيق طوبي[6] قال فيها إن هذه الحرب عادلة، لأن غايتها استعادة أرض سورية محتلة. فسئُل مجددًا: لكن، لو تجاوز الجيش السوري خلال العمليات العسكرية طبريا، ودخل إلى عمق الأراضي الفلسطينية فماذا يكون موقفكم؟ فأجاب على الفور: هذا يصبح احتلالًا وعلينا مقاومته. والآن، أود الانعطاف إلى نشاطك الفكري الذي كان مرتبطًا، آنذاك، بنشاطك السياسي مئة في المئة. أي إن النشاط الفكري لديك غير معزول عن الواقع الفلسطيني، بل مرتبط بالحياة السياسية للفلسطينيين في الداخل. ولا أدري هل كان كتابك «المجتمع المدني» يندرج في هذا السياق؟
    لا علاقة لكتاب المجتمع المدني بهذا السياق. فالكتاب نظري أكاديمي الطابع غير مرتبط مباشرةً بموضوع الفلسطينيين في الداخل، ولا مشتق من قضاياهم. إنه محاولة للتصدي لبعض التحدّيات الفكرية في مسألة العلاقة بين المجتمع والدولة، ونظرية الدولة، ولا سيما مسائل المجتمع المدني واليسار والقومية التي كانت تواجه الفكر العالمي كله بعد انهيار المعسكر الاشتراكي. وربما منحني البحث في مفهوم الدولة والمجتمع المدني أدواتٍ تحليليةً لمقاربة وضع العرب في الداخل، وهي أدواتٌ نظرية لا علاقة لها مباشرة بالسياسة. لكن كتابي العرب في إسرائيل: رؤية من الداخل هو العمل الفكري الأقرب إلى تحليل الواقع، وتحديد المهمات السياسية للحركة الوطنية في تلك المرحلة. وسبق أن صدر في الداخل عن مؤسسة مواطن بعنوان الخطاب السياسي المبتور ودراسات أخرى. لكن هذا الكتاب يبقى، في النهاية، تحليلًا نظريًا أيضًا، وحاول أن يقدّم جديدًا في مقاربة مجتمع فقد المدينة بعد تعرضه لسياسة الاستيطان الصهيونية وإنشاء دولة على أرض فلسطين.

    • في هذا السياق، قدمت تحليلًا سوسيولوجيًا مهمًا جدًا عن أحوال الفلسطينيين تحت الاحتلال في مناطق الـ 1948، وكيف أنهم خضعوا للتحديث في سياق الاحتلال الكولونيالي، وكيف جُرّدوا من مدنهم، وفقدوا حتى الزراعة، وتحولت القرى إلى أماكن إيواء العمالة الجديدة في الاقتصاد الصهيوني. هل نتوغل أكثر في هذا التحليل؟
    كُتب الكثير عن العرب في الداخل لتنوير الناس بأوضاعهم، والتمييز الذي يلحق بهم، مثل كتاب صبري جريس العرب في إسرائيل[7]، وكان كتاب إيليا زريق عن الكولونيالية الداخلية محاولةً جديةً في فهم واقع عرب الداخل بوصفه حالة استعمار داخلي. وكتب هنري روزنفيلد كتابًا عنوانه لقد كانوا فلاحين. ولم توجد آنذاك مقاربات سوسيولوجية نظرية جدية أخرى غير المشتقة من كتابات إسرائيلية وصيغ عربية عنها، مثل نظريات التحديث وقضايا الأقليات والهوية كنظرية الأسرلة والفلسطنة عند أستاذ جامعي إسرائيلي هو سامي سموحة[8]. ولم يكن لدى الفلسطينيين الذين درسوا في الجامعات الإسرائيلية، أو في الجامعات الغربية، أدوات تحليلية لهذا الموضوع. ولهذا، اكتفوا بالحديث عن التحديث (Modernization) أو قضايا الهوية، مثل الفلسطنة أو الأسرلة، أو تحليل السلوك السياسي لعرب الداخل. لكن مفتاح فهم عرب الداخل، في رأيي، هو أنموذج نظري مركّب: أولًا، إنهم سكان أصليون كانوا أكثريةً فأصبحوا أقلية. وهنا، لم أجدّد في هذه المقولة، فكثيرون قالوا بها قبلي. ثانيًا، إن قضية الفلسطينيين مرتبطة بقضية اللاجئين؛ فهؤلاء أصبحوا أقليةً لأن الأغلبية صارت لاجئة، وبالتالي، فإن وجودهم وكينونتهم مرتبطان تاريخيًا بالقضية الفلسطينية. ثالثًا، هم يختلفون عن باقي الفلسطينيين في أنهم فلسطينيون ومواطنون في دولة إسرائيل، أي مواطنون في دولة قامت على أنقاضهم، وهذا مفتاح فهم الكثير من عناصر تميّزهم، وهذا يتطلب فهمًا لبنية إسرائيل وسياستها. رابعًا، إنهم فقدوا المدينة، بمعنى أن المدينة العربية هُجّرت، والريف هُجّر، وما بقي منه في فلسطين هو الريف الضعيف المؤلف من قرىً متناثرة لجأت إليها قرى أخرى. وكل قرية اليوم مركبة من سكان القرية الأصليين ولاجئين من قرى أخرى. وتركيبة المجتمع التقليدي تجعل أبناء العشائر الأخرى غرباء، فما بالك بأبناء القرى القريبة؟ وتكاد لا توجد قريةٌ في فلسطين ليس فيها مهجّرون من قرى مجاورة. إنها قرى فقدت مدينتها العربية، وأصبحت تتمحور حول مدينة يهودية، أي إن التحديث في حالتهم هو نقيض الحداثة، أي نقيض حداثتهم.
    تجسد التحديث الذي خضع له الفلسطينيون في إسرائيل في مصادرة الأرض، وقطع صلة الفلاح بأرضه والتحول إلى العمل المأجور في الخدمات والبناء والصناعة اليهودية، ما أدى إلى تهتك ترابط المجتمع. وهذا ما أدى أيضًا إلى اندماج قسري للسكان في الاقتصاد الإسرائيلي الحديث. وهذا في جوهره مشابه لعملية البرتلة التي شهدتها بريطانيا في أثناء الثورة الصناعية، إلا أن الاختلاف هنا جوهري؛ فالاندماج القسري في فلسطين خلق حالة مركبة ومشوّهة وغير مسبوقة جرت من خلال تصفية الكيان الوطني لشعب، وإجهاض تطوره نحو الحداثة بتدمير مدنه. فليس للنضال طابع اقتصادي واجتماعي أو طبقي فحسب، بل هو اقتصادي اجتماعي وقومي في الآن ذاته، ويؤدي إلى اندماج قسري في اقتصاد دولة قامت بتدمير العلاقات الاجتماعية للأغلبية التي تحوّلت إلى أقلية.
    التحديث الإسرائيلي هو نقيض الحداثة العربية. والعربي الفلسطيني في أراضي 1948 فقد الحداثة الفلسطينية التي كانت في مهدها عندما وقعت النكبة، وظل من ناحية أخرى على هامش الحداثة الإسرائيلية، وعاش في قرى تحوّلت إلى مجمعات سكنية تشبه أحياء الفقر، أو بلدات هي في الحقيقة ضواحي مدن من دون مدينة. ليس هذا ريفًا زراعيًا، وليست أدوات تحليل المجتمع الزراعي النظرية والمعروفة أدوات تحليله. إذًا، الخصوصية الأولى في مقاربتي هي فقدان المدينة. الخصوصية الثانية هي فقدان القرية. الخصوصية الثالثة هي التحول إلى هامش لمشروع استيطاني نقيض. فالقرية التي بقيت في مكانها ما عادت قريةً، لأن أراضيها صودرت. والهجرة من الريف إلى المدينة غير موجودة تقريبًا، لأن المدينة يهودية وليست عربية، والعرب لا يهاجرون إليها. ولأن الهجرة من الريف إلى المدينة ضئيلة جدًا، فإن القرية راحت تنتفخ وتزدحم وتصبح بلدة مكتظة أكثر شبهًا بأحياء الفقر. ليست لدينا مدن ولا قرى، بل بلدات مكتظة بالسكان أشبه بأحياء الفقر، وكلها على هوامش المدن اليهودية. مع هذا الواقع يفترض أن يتعامل المشروع الوطني، وأن يقدم بدائل فلسطينية عصرية وحديثة، بدءًا من مواجهة مصادرة الأرض وهدم البيوت، وصولًا إلى بناء المؤسسات الوطنية.

    • المدينة اليهودية تطردك أو ترفضك أو تهمشك، ولا تفسح في المجال لك حتى الاندماج في فضائها.
    هذا الريف هو الأغرب في الوطن العربي كله. فالقرية العربية في الداخل تكبر وتكبر بلا حدود، وما عاد لديها أرض زراعية. وأبناؤها غالبًا عمال وموظفون تقع أماكن عملهم خارجها. في لبنان مثلًا يحافظ الريف على مساحته تقريبًا، لأن هناك هجرة مستمرة منه. وفي الريفين السوري والمصري الأمر نفسه، ثم إنه ريف زراعي بحكم تعريفه. أما القرية الفلسطينية التي نتحدّث عنها فتكبر باستمرار لعدم وجود مدينة تهاجر إليها، وتصبح بالتدريج بلدةً مزدحمة، كأنها مدينة من دون بنية مدينية، وتركيبتها السكانية غير مدينية. إنها بلدات من دون زراعة، ومجمّعات سكنية لأناس متحدرين من فئات فلاحية، تحولوا عمالًا وموظفين وطبقات وسطى... إلخ. وهؤلاء جميعًا يعيشون في هذه المجمّعات التي تفتقد مقومات المدينة الاقتصادية والثقافية. والناس تغادر هذه البلدات صباحًا للعمل، لتعود إليها مساءً. لكن ليست هذه معسكرات عمل مثلما قد يستنتج أحد من هذا الوصف. فثمة نزعة قوية إلى التعليم الجامعي، والدراسات العليا، والتحصيل العلمي للشباب العرب (رجالًا ونساء) في الداخل واعدة جدًا، وفي التخصصات كافة، بما فيها العلوم الدقيقة. وأعتقد أن نسبة التعليم من أعلى النسب في المنطقة عمومًا. مستوى المعيشة في هذه البلدات عمومًا أفضل من البلدات في الدول العربية خارج أحياء معينة في العواصم، هذا لو قِسنا مستوى المعيشة على الاستهلاك، وكذلك درجة الحقوق السياسية والحريات. لكن تلك البلدات التي فقدت الأرض وسلب منها الوطن بمعانٍ عدة، مع ذلك، هي هامش لمركز يهودي إسرائيلي ينفي هويتها، وليست هامشًا لمركز عربي تتفاعل معه بالهجرة وغيرها.

    • هل هناك دور للسينما مثلًا؟
    كانت دور السينما موجودة في يافا وعكا وحيفا والقدس وغيرها قبل النكبة. وفي طفولتي كان ثمة داران للسينما في الناصرة، وأُغلقتا فور انتشار جهاز الفيديو. وكانت هناك محاولات مسرحية في الناصرة. وكانت هناك محاولات مسرحية جريئة في بعض القرى في مرحلة النهوض الوطني في السبعينيات. لكن اليوم، لا يوجد مركز مسرحي عربي طبعًا. وجرت أخيرًا بعض المحاولات في حيفا التي سبق أن توقعت لها أن تتحول في المستقبل إلى مركز مدني للعرب مع أن العرب فيها أقلية. وهناك محاولات أخرى مهمة، لكن ضمن المسرح الإسرائيلي نفسه، وثمة تطور ملحوظ في مجال السينما.

    • يبدو أن كل ما له علاقة بالمدينة، كالملاعب والمراكز الثقافية والصحف ومراكز البحث والمكتبات ودور النشر ومقاهي المثقفين والمنتديات والمتاحف وقاعات الموسيقى، غير موجود.
    ثمة محاولات متناثرة قائمة على الدعم الخارجي، ولا أساس ماديًا محليًا لها. وقامت في العقود الأخيرة مؤسسات وجمعيات تسهم في بناء المجتمع وتنظيمه ذاتيًا خارج إطار مؤسسات الدولة، ومنها جمعية الثقافة العربية و«عدالة» و«بلدنا» و«مدى» و«الميزان»، وجمعيات عدة لحقوق المرأة، ومبادرات لإقامة مدارس مستقلة، وغيرها كثير.

    • والصحف؟
    ثمة صحف محلية أسبوعية تموّلها بالدعايات التجارية وبعض الأخبار المحلية، ومنها كل العرب وبانوراما، وبعض الصحف الحزبية مثل جريدة الاتحاد، ولاحقًا فصل المقال وصوت الحق والحرية والميثاق... وغيرها. لكن، لم تنشأ صحيفة يومية مهنية. الآن تنشأ، بالتدريج، مواقع إلكترونية قروية محلية، إضافة إلى مواقع إلكترونية صحفية، منها قُطرية ومنها إسرائيلية تسعي إلى اجتذاب الدعايات من الشركات الإسرائيلية ومكتب الدعاية الحكومي الرسمي. فكيف تنشأ من هذه الحال حركةٌ وطنيةٌ ومجتمع مدني عربي مقابل الدولة؟ هذا هو التحدّي الكبير. غير أن هناك مقدّمات لتجمعاتٍ عربيةٍ مدينيةٍ في حيفا ويافا أتوقع لها مستقبلًا. هذه التجمعات بدأت تنشأ في أحياء يافا القديمة وحيفا. فقسم من الطلاب العرب الذين يدرسون في جامعتي حيفا وتل أبيب يقيم في حيفا وفي يافا. وبالتدريج، ظهرت طبقة وسطى جديدة ومثقفة في ما كان يومًا الأحياء العربية، وفي الأحياء اليهودية أيضًا، ولا سيما في حيفا، لأنها قريبة من الجليل. حيفا اليوم هي مدينة الجليل التي يأتي المثقفون العرب إلى مقاهيها، وإلى المسارح فيها، وصار فيها مسرح عربي، ومراكز ثقافية عربية. وهي باتت المدينة التي يشعر الإنسان الفلسطيني فيها بأنه قادر على ممارسة مجهوليته إلى حد ما، كأي فرد يرغب في التحرّر قليلًا من روابط الأهل والرقابة الاجتماعية المشدّدة في القرية. وفي يافا بدايات من هذا النوع أعتقد أنها واعدة.
    في الأحياء العربية اليافية القليلة الباقية يسكن بعض عائلات يافا الأصلية، وأفرادٌ من قرى المثلث والجليل والنقب الذين يعملون في تل أبيب ويسكنون في يافا، أو أنهم كانوا طلابًا في جامعة تل أبيب، واستقروا في المدينة للبحث عن عمل وتزوجوا فيها. ومنهم من يعمل في التنمية البشرية والتعليم ومحاربة المخدرات والجريمة، ما يعني أن لدى فئة من الناس مصلحة في التنمية البشرية في هذه الأحياء العربية التي تحوّلت، نتيجة التهميش، إلى ما يشبه أحياء الفقر. إذًا، بدأ ينشأ في الأحياء المهمشة نفسها نقيض ثقافة التهميش. وقد اهتممتُ جدًا بهذا الموضوع قبل خروجي من فلسطين، وكنت أرى أن لهذه الأماكن مستقبلًا مهمًا.

    • في عكا، الأمر غير ذلك على ما يبدو. فالعرب في عكا صاروا يخرجون خارج الأسوار. هل صحيح ذلك؟
    نعم. لكن، هناك صراع على عكا، لأن إسرائيل من ناحيتها ترى «خطرًا». فخلافًا لحيفا وتل أبيب، تحيط بعكا قرى عربية، إنها موجودة في منطقة سكانية عربية. وقد تتحول عكا من جديد إلى مركز مديني كما كانت قبل عام 1948 إذا تُركت لتتطور بشكل طبيعي. لذلك، بدأت السلطات الإسرائيلية توطين جاليات يهودية حريدية[9] فيها، وكانوا يجلبونهم ليؤسسوا تجمعاتٍ سكانية. وهؤلاء يتميزون ليس بحفاظهم على الهوية اليهودية فحسب، بل بنسب ولادةٍ عاليةٍ تتفوق على نسب الولادة عند العرب.

    • هل هناك إغراء لخروج العرب من عكا؟
    عُرضت إغراءات كهذه وأخفقت. الخروج من عكا إلى بعض القرى العربية قليل، مع أن أحياء العرب متداعية أو آيلة للسقوط وتصعّب البلدية عملية ترميمها. ما يهمني، هنا، من هذا العرض لحال المدينة والريف، أن أشير إلى الأنموذج السوسيولوجي الذي طرحتُه باللغة العربية، وهو بدوره يعرض خلاصاته واستنتاجاته عن مصير القرية العربية والمدينة العربية خارج الجامعة الإسرائيلية، ويكتب للمجتمع العربي، لا للإسرائيليين، كي نفهم نحن ماذا جرى لنا. وأعتقد أن هشام شرابي كتب عن هذه الأطروحة.

    • زار هشام شرابي يافا، وحدّثني عن هذه الزيارة، وأجريت معه مقابلة نشرت في جريدة السفير اللبنانية بعد عودته إلى لبنان[10]. هل كنت معه حين زار يافا في أثناء تشييع إبراهيم أبو لغد؟
    شاركت في تشييع أبو لغد. سبق أن التقيت هشام مرات عدة في واشنطن. كما أمضينا وقتًا طويلًا معًا في يافا وفلسطين عمومًا. وكتب هو عن هذه الرحلة وعن حواراتنا.

    • على ذكر الصحف، متى أسست موقع عرب 48؟
    كان الموقع قائمًا، لكنه كان محليًا ويدار فرديًا. أسسه شاب من متخرجي علوم الحاسوب في نحو عام 1995، ولم يكن سواه في الوسط العربي. ثم عرضه علينا بعد تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي لنتبناه قبل أن يهاجر هو إلى النرويج في عام 1997 على ما أعتقد. وهذا ما كان، وأسسنا شركةً لإدارة الموقع. واشتهر حينذاك عربيًا، حيث لم يكن يوجد مصدر إلكتروني عربي له توجهات وطنية يتحدث عن السياسة الإسرائيلية عن عرب الداخل سواه. وواجهنا صعوباتٍ جمّة في تمويله، وفي تمويل صحيفة فصل المقال، بعد أن نضبت المساهمات والاشتراكات من الداخل. لكن موقع عرب 48 قائم ومهم وحيوي ويتطور حاليًا بقوة[11]، وأنا سعيد باستمراره. وأود أن أشيد هنا بدور الصديق أحمد أبو حسين في الحفاظ على الموقع، أقول هذا لذكراه لأنه توفي في هذه الأثناء.

    • نشرتم في صحيفة «فصل المقال» في أيار /مايو 1997 وثيقة عن بيوع الأرض في فلسطين، وفيها أسماء عدد كبير من زعماء العائلات الوطنية المعروفة ممن باعوا اليهود بعض أراضيهم. هل لديكم تفصيل في هذا الأمر؟
    لم أقم بنشرها، بل نشرها شاعر وصحافي هو الراحل محمد حمزة غنايم الذي كان يعمل في الصحيفة من دون التشاور معي. ولمته على ذلك لاحقًا. صحيح أني أسست الصحيفة لكنني لم أحررها. وتلك الوثيقة مصدرها تقرير للوكالة اليهودية، ولا أدري مقدار صحتها، ولا شك في أن الوكالة زوّرت بعض العقود أيضًا. وملاحظتي انصبت لا على نشرها فحسب، بل على صحة بعض ما ورد فيها، إضافة إلى اعتقادي أن نشرها مضر. فهذا النبش في الماضي لا يفيد سياسيًا، كما أنه يخرج المعلومات من سياقها التاريخي. وصدق تخوفي حين حاولت بعض الصحف السعودية التغطية على العجز العربي بترداد الكلام على «أن الفلسطينيين باعوا أرضهم»، وهو ادعاء غير صحيح. كانت ظاهرة بيع الأرض موجودة، لكنها كانت هامشية جدًا. فالفلسطينيون لم يبيعوا أراضيهم. وكل ما امتلكته الوكالة اليهودية قبل عام 1948 هو نسبة ضئيلة جدًا من أرض فلسطين بلغت نحو 5.7 في المئة، معظمها أرض مشاع ملكّهم الإنكليز إياها، ولم يشتروها ولم يبعها لهم أحد. لقد سطت الحركة الصهيونية على فلسطين بالقوة المسلحة في عام 1948، وقامت إسرائيل كدولة بمصادرة الأرض الباقية.
    بعض العائلات العربية الغنية في بيروت ودمشق وغيرها باعت أراضيَ في فلسطين قبل عام 1948 من دون أن تزورها، أو تعرف شيئًا عمن يحرثها، أو حتى أين تقع. واستغلت الحركة الصهيونية الخلافات على الأرض بين بعض العائلات الفلسطينية وضعف الشعور الوطني عند البعض، وتورطه في الديون وغيرها. لكن هذه حالات فردية قليلة. ففلسطين احتُلت احتلالًا بالحرب، واستُملكت أراضيها بالمصادرة، وهذا هو أساس القضية.

    يتبع .....................

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 1st March 2017, 10:40 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 9
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    • متى اكتشفتم أن إميل حبيبي رافق شموئيل ميكونيس في عام 1948 إلى بعض دول أوروبا الشرقية لشراء سلاح للهاغاناه؟ وما هو الأثر السياسي المباشر الذي تركه هذا الاكتشاف فيكم؟ وإلى أي مدى كان إميل حبيبي متورطًا حقًا في هذه العملية؟ وهل هناك غيره من الشيوعيين أو خلافهم ممن سلكوا هذا المسلك؟
    هو في أي حال أنكر ممارسته هذا الدور، وأنكر أنه رافق ميكونيس. إميل حبيبي أديب فلسطيني وعربي مهم، أما موقفه السياسي كشيوعي وكعضو كنيست في تلك الفترة فلم يُخفِه. فقد تعاون الشيوعيون في بداية قيام الدولة مع مؤسساتها، وهذا واضح منذ أن التحق أعضاء عصبة التحرر الوطني بالحزب الشيوعي الإسرائيلي، ودخلوا البرلمان في عام 1949، والتحق الأعضاء المقيمون في الضفة الغربية بالحزب الشيوعي الأردني. وقد عبّر، بوصفه روائيًا، عن تناقضات الحالة أصدق تعبير في رواية المتشائل وغيرها. وبقيت مختلفًا مع إميل حبيبي حتى بعد أن ترك الحزب الشيوعي. في أجواء التغييرات في الاتحاد السوفياتي. فبعد أن ترك الحزب، كان مؤيدًا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وما يسمى عملية السلام وأوسلو، حين كنت ناقدًا حادًا لها. وهذا لم يمنعنا من اللقاء والتحاور. وحين كان حزبيًا، تميّز من باقي القادة الحزبين في تلك المرحلة بالكاريزما والموهبة الأدبية والعفوية. ولهذا، كانت قيمته الحقيقية خارج السياق الحزبي.
    ما نشر في الصحف لم يكن دائمًا مهمًا أو دقيقًا، ولكني أذكر أن الصديق محمود محارب مثلًا نشر معلومات موثقة عن علاقات الحزب الشيوعي الإسرائيلي بالحركة الصهيونية وبالهاغاناه وغيرها ضمن أطروحة دكتوراة. ومنذ ذلك الحين، صدر عدد من الدراسات في الموضوع، وكنت مطلعًا عليها، كما كنت أناقش هذه المواضيع بحدة منذ الشباب. ما أعرفه هو تورط قادة يهود في الحزب الشيوعي افتخروا بخدماتهم للصهيونية وبدورهم في ما يسمونه حرب الاستقلال في عام 1948 ومشاركتهم في الحرب نفسها. ومنهم إلياهو جوجانسكي وشموئيل ميكونيس وموشيه سنيه وغيرهم. الأخير كان أصلًا رئيس غرفة عمليات الهاغاناه في حرب عام 1948 قبل أن يرى أن رهان إسرائيل يجب أن يكون على القوة الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية، أي على الاتحاد السوفياتي، فانضم إلى الحزب الشيوعي. ولا جديد في ذلك، وأعتقد أنه لم تكن ثمة علاقة للشيوعيين العرب بهذا النشاط. لكنهم برّروه لاحقًا، وقبلوا التعاون مع مؤسسات الدولة اليهودية بعد أن قامت، وقبل أن يجف الدم الذي سال في النكبة. وذهبوا بعيدًا في ذلك، واستمروا حتى بدأ الموقف السوفياتي من الناصرية والقومية العربية يتغير باتجاه التحالف. ناقشت الأمر بحدة منذ أن كنت طالبًا في الجامعة. كان السوفيات حتى ستينيات القرن الماضي يقيمون إسرائيل بوصفها كيانًا تقدميًا عماليًا قياسًا على الأنظمة التابعة للإنكليز والفرنسيين في المنطقة العربية. الحقيقة أني لم أتفاجأ بالأبحاث التي تنشر عن هذه المواقف، وكتبت عن الموضوع مرات عدة، وتؤكد الدراسات التاريخية والأرشيفات التي تكشف وثائقها في المرحلة الحالية صحة مشاعرنا حين كنا ننفر من مثل هذه الظواهر منذ أيام الشباب. وفي أي حال لا حاجة إلى أرشيفات الدول، ويكفي أن تعود إلى أعداد صحيفة الحزب الشيوعي العبرية زو هديرخ (هذه الطريق) وقبلها كول هعام (صوت الشعب)، وكانتا تجاهران بهذه المواقف.
    حين كنت (وآخرون غيري) أناقش هذه المواقف وأتصدى لها بخطاب وطني فلسطيني يساري ديمقراطي، كان الرد الأكثر حدة مصدره إميل حبيبي، فهو لم يُعرف بديمقراطيته قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وكان صاحب مدرسة في التهجّم اللفظي على الخصوم الفكريين والسياسيين، ولم يكن هذا استثناء في ثقافة الأحزاب الشمولية وقد قلدها آخرون بنجاح أقل. وذهب هو نفسه ضحية لها بعدما غادر الحزب، إذ تعرض لهجوم شديد. وقد اعتذر إلي لاحقًا شخصيًا على هذا الأمر بعد أن استنتج ما استنتجه مما يجري في الاتحاد السوفياتي في عقد الثمانينيات. كانت لديه الشجاعة والثقة بالنفس الكافيين للاعتذار. إنه في النهاية ابن هذا الشعب وجزء من تاريخه المركب. وقد عاش حياة شعبه في الداخل، بحلوها ومرّها.

    • تلخيص لافت، أهو تسامح مع هذا الجيل؟
    ليس لدي كلمة في وصف جيل النكبة الذي بقي في الداخل وتعايش مع واقع الدولة اليهودية، في ظل الهزيمة وفي عزلة عن العالم العربي، سوى أنه جيل مأساوي. بعض أبناء هذا الجيل اعتكف وانزوى محاولًا أن يكون صادقًا مع نفسه، وبعضهم تعاون مع مؤسسات الدولة الكولونيالية الوليدة، وبعضهم أدلج وضعه المأساوي هذا وبرّره سياسيًا؛ ولا شك في أن البعض وجد نفسه في تناقض شامل مع الواقع الجديد فغادر أو حاول الهرب إلى دولة عربية، أو ناضل بالإمكانات المتاحة في ظل الخوف والحكم العسكري. إنها درجات مختلفة من التكيف والبقاء، ودرجات مختلفة من الصدق مع الذات وخداعها. لا بطولة هنا، ولا خيانة. المشكلة أن المدافعين عن ذلك التاريخ غالبًا ما كانوا يتهمون الآخرين بالخيانة.
    تطورت المواقف لاحقًا في اتجاه أكثر وضوحًا في الصراع مع إسرائيل، ولا سيما في السبعينيات. فتكلموا لغة أخرى، ولا سيما بعد حرب 1967. جيلي الذي ولد بعد النكبة، ونشأ سياسيًا في سبعينيات القرن الماضي، حاول بعد مرور نحو ثلاثة عقود على النكبة أن يكون صريحًا في مواجهة ذلك التاريخ ونقده، وأن يفتح هذا الورم لمعالجة الذاكرة الملتهبة والانتهاء منها. لم نقبل بكنس الوقائع تحت الوعي، رفضنا الصمت عليها أو تجميلها. وهنا بعض أهمية جيلنا السياسي في حينه إذا شئت. نقد واقع الجيل السابق كان مؤلمًا تشوبه المرارة، واستفز ردات فعل غاضبة مثل التي تستثيرها خلافات الأقارب، والصراعات داخل الحي والقرية والعشيرة. كان نقدا للـ«أهل» في النهاية. لكن كان علينا أداء هذه المهمة. وقمنا بمهمة النقد هذه منذ سنوات عديدة؛ المهمة أنجزت ضمن عملية وضع مقاربات جديدة وفكر جديد، والتأسيس لهوية سكان البلاد الأصليين السياسية، وفي وصل ما انقطع من التاريخ الفلسطيني وفي تناقض مع الصهيونية. ونشأت أجيال جديدة تربت على هذا النهج الوطني الديمقراطي الجديد، كما أصبحت تنشر بحوثًا ودراسات عن الموضوع. ولم يعد الأمر محصورًا في حزب بعينه. وصار هذا الموضوع منتهيًا بالنسبة إلي، فليس هدفي التشفي بمن كنت أختلف معهم قبل ثلاثين أو أربعين عامًا. فلننظر إلى المستقبل، ثمة تحديات وجودية في فلسطين، والمشرق العربي بشكل عام.
    عمومًا، أنت تثير مواضيع من الماضي، أصبحت خلفنا إلى حد بعيد.

    • هل يمكن أن نسأل عن سيرة ونلخص من دون ذلك؟
    لا، هذا صحيح.

    ------------------------------
    هوامش الفصل:
    [1] جرت وقائع يوم الأرض في 30 آذار/مارس 1976، وشمل الإضراب الكبير جميع مناطق فلسطين المحتلة في عام 1948. وكان للقوى الوطنية دور في التمهيد لهذا الإضراب، وكذلك لعزمي بشارة باعتباره رئيس اتحاد الطلاب الثانويين العرب وأحد قادة الطلاب الجامعيين في جامعة حيفا، وأحد المشاركين في مؤتمر الناصرة الذي عُقد في 6 آذار/مارس 1976 الذي أقر إعلان الإضراب العام في الثلاثين من الشهر نفسه.
    [2] انظر: مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 24، بيروت، خريف 1995.
    [3] ظهرت «حركة الأرض» في عام 1959، وكانت تعبر عن الاتجاه القومي العربي بين فلسطينيي 1948، وهي استمرار لـ «أسرة الأرض». ومن مؤسسيها منصور كردوش وحبيب قهوجي وصبري جريس وصالح برانسي.
    [4] أسس محمد كيوان حركة أبناء البلد في أم الفحم في عام 1972.
    [5] ائتلاف ظهر في عام 1975، وكانت «القائمة الشيوعية الجديدة» (راكاح) عماد هذه الجبهة.
    [6] ولد توفيق طوبي في حيفا في عام 1922، وانضم إلى الحزب الشيوعي عام 1941 وأصبح نائبًا في الكنيست منذ 1948، وظل نائبًا طوال 42 عامًا. وتوفي في 12/3/2011.
    [7] صدرت الطبعة الثانية من الكتاب في بيروت عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في عام 1973.
    [8] أستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا، وهو من أصل عراقي.
    [9] الحريديم هم الجماعات الدينية المتطرفة في العبادات وقواعد السلوك، وفي تفسيراتها التأويلية المتزمتة للتوراة. وبعض هؤلاء معادون لدولة إسرائيل أمثال جماعة ناطوري كارتا (حراس المدينة). أما حركة «أغودات يسرائيل» الحريدية وحركة «حَبَدْ» التقوية التي كان يتزعمها الحاخام مئير شنيرسون فقد تصهينت سياسيًا.
    [10] صقر أبو فخر، عائد من فلسطين (مقابلة مع هشام شرابي)، جريدة السفير، بيروت، 6/5/2001.
    [11] يرأس رامي منصور تحريره حاليًا.


    https://www.arab48.com/%D8%AF.-%D8%B9...A7%D8%AE%D9%84

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 2nd March 2017, 07:19 AM أسامة الكباريتي غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 10
    أسامة الكباريتي
    Field Marshal
     






    أسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond reputeأسامة الكباريتي has a reputation beyond repute

    أسامة الكباريتي's Flag is: Palestinian

    افتراضي

    أنا : أسامة الكباريتي




    عزمي بشارة: بعد تاريخ حافل وجذور ضاربة...


    كان عليّ فجأة أن أقتلع نفسي

    تاريخ النشر: 02/03/2017 - 09:00

    عرب ظ¤ظ¨
    تحرير : عرب 48

    الحلقة الرابعة والأخيرة التي ننشرها هنا اليوم، هي الفصل الثاني عشر من كتاب 'في نفي المنفى... حوار مع عزمي بشارة' للكاتب والصحافي صقر أبو فخر، الذي يصدر قريبًا عنالمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، والذي يحمل عنوان 'تجربة الكنيست والخروج من فلسطين'.
    في هذا الفصل يجيب د. عزمي بشارة على أسئلة تتعلق بنشاطه البرلماني وقراره الاستقالة من البرلمان، والملاحقات التي تعرض لها، وخروجه القسري إلى العالم العربي وعلاقاته فيه، ويتطرق إلى مشاريعه الحديثة التي أسسها بعد خروجه إلى المنفى القسري، وصولا إلى قوله بأنني 'أصبحت أكثر قناعةً بأن أهم ما يجب أن نعمل عليه في الفلسفة هو علم الأخلاق. هذا ما تبقى من وظيفتها فعلًا. وهو ناقصٌ عربيًا وإسلاميًا. وأتمنى أن يتاح لي الوقت لذلك، فلدي مشروعات غير منتهية. كما أصبحت على قناعة بأن العمل السياسي النضالي حاليًا يجب أن يتركز في المسألة الأخلاقية القيمية'.

    • كيف تقوّمون تجربتكم في الكنيست؟
    لم أتمكّن من إنجاز الحساب الختامي لهذه التجربة. والتحدي بالنسبة إلينا كان، كما سبق أن أخبرتك، مسألة تنظيم العرب في الداخل على أساس قومي ديمقراطي، من دون إهمال قضاياهم المعيشية وخصوصية حالتهم كمواطنين.
    شخصيًا، كنت أعيش صراعًا داخليًا كبيرًا في الكنيست؛ صراع على تقدير مدى الفائدة من وجودي في ذلك المنبر. تذكّر أن العرب في الداخل يولدون فلسطينيين عربًا ومواطنين في دولة إسرائيل في الوقت ذاته. ولا معنى لكلمة تطبيع في ظروفهم. ففي ظروف المواطنة الإسرائيلية أعتبر التطبيع هو التخلي عن الهوية الوطنية والأسرلة وتبني الرواية الصهيونية. وكنت مُقتنعًا سياسيًا بأن من الضروري أن يكون للمواطنين العرب في الداخل تمثيل في الكنيست، وأن نحافظ على الحركة الوطنية في الداخل كي نحافظ على الهوية الوطنية، ونمنع الأسرلة في الواقع الاقتصادي الاجتماعي، ونواجه محاولات التحوّل إلى تأسرل سياسي وثقافي. ووجودنا في ذلك المنبر يمكِّننا من طرح بعض القضايا باسم الفلسطينيين في الداخل. كنت أعتبر الكنيست منبرًا، مع أن لهذا المنبر ثمنًا. وأنا، العروبي الديمقراطي، كنت أدفع ثمنًا داخليًا أكبر من غيري، وتحديدًا أكبر من الثمن الذي يدفعه المتأسرلون، أو ممن يعتبر الذهاب إلى الكنيست طموحًا شخصيًا أو مجرد وظيفة، أو يعتبرون عضويتهم في الكنيست ذروة أمنياتهم في الحياة. بالنسبة إلي، لم أكن أبحث عن مهنة أو وظيفة أو نجومية، ولم أحتج إلى ذلك كله. ولم يضف إلي العمل البرلماني شيئًا من هذا الجانب. وكان علي، بصفتي عروبيًا ووطنيًا فلسطينيًا، أن أحافظ في الأوقات كلها على خطوطٍ حمر لا أتجاوزها، كي لا أفسح في المجال لشبان كثيرين في الذهاب بعيدًا في العلاقة مع هذه المؤسسة. وكنت أريد الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، أسعى إلى تبني خطاب المواطنة في تحدٍّ للمؤسسة الإسرائيلية، وإلى نيل حقوق مدنية. ولم يكن هذا الأمر سهلًا على الإطلاق. ومع ذلك أسّس وجودي في الكنيست، بحسب معظم المحللين الإسرائيليين، مدرسة جديدة في العمل النيابي، من سماتها: إتقان العمل بشكل علمي، وإدارته بحسب آخر أصول العمل البرلماني، وفي الوقت نفسه، التعبير عن مطالبنا بكرامة، وحتى أكثر من الكرامة، أي بكبرياء. فكنت أردّ على الإسرائيليين بكبرياء على الرغم من عنصريتهم، وفي تحد معاند لهم وللعنصرية. كان موقفي أننا لا نستجدي منهم أي شيء، وأننا نخوض حربًا يومية من أجل استعادة حقوق لنا سُلبت بمشروع استعماري استيطاني. لقد سيطرت على عقولهم لعقود عدة عقلية المستعمر الأبيض الذي وصل غروره ووقاحاته إلى الظن أنه يعرف ما مصلحتنا، وما هو الأمر الأفضل لنا. إنهم لا يعرفون معنى أن نتصرف معهم بكرامة وكبرياء. وهذا ما أثار بيننا وبين المؤسسة الإسرائيلية حربًا غير مسبوقة. وكنت أتجاوز الخطوط الحمر كلها التي يضعونها أمامي، فيحاولون وضع خطوطٍ جديدة، فأتجاوزها، ويتجهون ضدي إلى المحاكم. كانت هذه معركة وقضية لا تنتهيان، وحربًا مستمرة على ما هو المسموح وما هو المتاح، وهل من حقي أن أدعم المقاومة وحق الشعوب في تقرير مصيرها وحق الشعوب في المقاومة أم لا. وأعتقد أننا وسّعنا هامش حرية التعبير بشكل استثنائي، وصار الناس يقولون ما لم يكونوا يجرؤون على قوله في الماضي. وثمّة مصطلحات قلناها تحديًا للإسرائيليين مثل «المقاومة حق وواجب» و«المساواة تسوية نقبلها وليست معروفًا تصنعونه معنا» و«الدولة لجميع مواطنيها»، وهذه المصطلحات لم تلهج بها الألسن قبل ذلك في الكنيست وفي الحياة السياسية العربية، فأصبحت من المسلمات تمامًا، مثلما حولنا رفع علم فلسطين إلى أمر عادي، بعد أن كان يرفع بسرية وكانت عقوبة رفعه السجن.
    أما خارج البرلمان، فاغتنمت حصانة موقعي لإحياء ذكرى النكبة ورفع علم فلسطين. في الماضي، كان بعضهم يرفع علم فلسطين سرًا بوجهٍ ملثم، أما نحن فحوّلناه إلى نشاط طبيعي ومعتاد في المناسبات كلها. كان العمل البرلماني بالنسبة إلي تحديًا مزدوجًا؛ تحديًا للحفاظ على التوازن السياسي من ناحية، وتحديًا في معرفة حدود قدرتنا على التأثير في داخل البرلمان الإسرائيلي ضد الأوهام كلها من ناحية ثانية. فقد راجت أوهامٌ كثيرةٌ عن قدرة العرب في الداخل على تغيير الواقع، وهذه الأوهام يجب تبديدها. فالكنيست في النهاية برلمان إسرائيلي، وفيه أغلبية صهيونية صلبة ترفض أي شراكة حقيقية مع العرب، وترفض فكرة دولة المواطنين، وتصر على دولة اليهود، ووجود عرب في الكنيست هو وجود لملحقين بدولة اليهود[1]. بعض العرب مستعد لأن يقبل ذلك، وهؤلاء يؤدون دور المعتدلين بالمفهوم الصهيوني طبعًا، أما نحن فقمنا بتحدّي ذلك في كل يوم. المهم أن تجربتي في الكنيست كانت مهمةً جدًا على المستوى الشخصي، ولا سيما أن الحفاظ على التماسك أمام الواقع الصهيوني لم يكن سهلًا على الإطلاق. وفي المرحلة الأخيرة، وصلت الأمور لديّ إلى حدها الأقصى، خصوصًا بعد الحرب على لبنان في عام 2006، وتجاوزتُ الخطوط الممكنة كلها، وأصبح من الصعب عليّ العمل في داخل البرلمان الإسرائيلي. ولا تنسَ أني مثقف وباحث وكاتب، وكان من الصعب التوفيق بين هذا كله، والعمل البرلماني والعمل الحزبي والشعبي والانتخابي الذي يتطلبه وجودي في ذلك الموقع.

    • هل فكرت في الاستقالة؟
    كنت أخطّط للاستقالة، وكان ذلك قراري بالتأكيد، فقد تعبت من العمل البرلماني وأصبح عملي كله مشوبًا بالتوتر، وأبلغت الحزب بذلك. لكن جاءت التطورات المعروفة والاتهامات الأمنية التي وجهوها إليّ وهي «مساعدة العدو في زمن الحرب»، الأمر الذي سرّع اتخاذ قرار الاستقالة، لكن القرار في ذاته كان قائمًا قبل ذلك. وكنت قد تعبت من أجواء العنصرية السائدة، وتعرّضت لحملات تحريض متواصلة، وأصبح من الصعب عليّ أن أعمل في تلك الأجواء، ورغبت في العودة إلى التفرغ للعمل الفكري. ومع ذلك، كنت أمرّر بعض القوانين المدنية المفيدة للعرب في الداخل نتيجة حسن اختيار الموضوعات التي أردت أن أمرّرها آنذاك. وفي المحصلة، حاولوا أن يصنعوا إجماعًا صهيونيًا ضدي، خصوصًا بعد الانتفاضة الثانية، ثم بعد الحرب على لبنان في عام 2006. وحتى تلك الفترة، كانت الأمور أسهل قليلًا. صحيح أن خطابي السياسي كان مرفوضًا تمامًا لدى الصهيونيين، لكن الأمور ظلت أسهل إلى حين اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000، ثم الحرب على لبنان في عام 2006.
    • يكاد لا يمر يوم إلا وتستخدم فيه قوى سياسية عربية مسألة التطبيع. عرب الداخل يحملون الجنسية الإسرائيلية التي من دونها لا يمكنهم البقاء في الوطن إلا كسائحين، كما قلتَ مرة. وبالتالي، فإن موضوعة التطبيع برمتها لا تنطبق عليهم. فكيف تناقش مسألة التطبيع؟
    الأصل في رفض التطبيع هو رفض تطبيع الدول العربية علاقتها بإسرائيل كأنها دولة طبيعية: سفارات وسياحة وتبادل تجاري وثقافي... إلخ. هذا هو أصل الكلمة. وقد وقع كل من الأردن ومصر لا اتفاقات سلام مع إسرائيل فحسب، بل اتفاقات لتطبيع العلاقات أيضًا. ومن هنا، نشأت معركة شعبية اجتماعية حاولت فيها القوى الوطنية تعبئة المجتمع ضد التطبيع، وعدم المساهمة فيه ومقاطعة خطواته، وتميزّت من بينها النقابات واتحادات الكتاب... وغيرها.
    التطبيع في فلسطين المحتلة عام 1967 هو التعامل مع الاحتلال باعتباره حالة طبيعية. النضال ضده هو رفض التطبيع. أما التعامل مع الدولة العبرية وأجهزتها فهو اضطرار يومي لتدبير حياة الناس. ويُفترض خفض هذا التعامل إلى الحد الأدنى الممكن. وفي حالات معينةٍ، وصل رفض مثل هذا التعامل إلى حد العصيان المدني، ورفض دفع الضرائب في بعض البلدات في أثناء الانتفاضة الأولى. لكن التعامل مع إسرائيل واقتصادها وأجهزتها وحدودها ومحاكمها لم يتوقف يومًا منذ عام 1967، فهذه هي ضريبة الحياة في ظل الاحتلال. المهم في هذه الحالة هو رفض قبول الاحتلال كحالة طبيعية، ورفض التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية كأن الحالة طبيعية كالتعاون بين الجامعات والنوادي الرياضية والكتّاب... إلخ. عمومًا رفض الفلسطينيون ذلك، واعتُبر كل من تجاوزه مطبعًا مع الاحتلال، ونبذوه مهما فلسف الأمر.
    حتى المقاطعة الاقتصادية لا تعني الكثير في هذه الحالة، فلا توجد طريقة لمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي بالكامل. وإذا أمكن مقاطعة المنتوجات، فلا يمكن مقاطعة الكهرباء والموانئ والجمارك والمصارف والمواد المستوردة للصناعة الفلسطينية البديلة. مقاطعة البضائع الإسرائيلية، في هذه الحالة، ربما تساهم في تقوية اقتصاد فلسطيني بإنتاجٍ بديل. وأعتقد أن الشكل الرئيس من أشكال التطبيع في المناطق المحتلة عام 1967 هو التنسيق الأمني مع إسرائيل. وما دام التنسيق قائمًا، فإن الحديث عن المقاطعة معنوي ليس إلا. لا يمكنك أن تقاطع، وألا تنتقد التنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة الفلسطينية كجزء من اتفاق سلام مع المحتل لم يطبق في الواقع. ولذلك تجد بعضهم يقوم بحملات ضد اللبن المصنع في إسرائيل، وفي المقابل لا يُشار إلى التنسيق الأمني. مقاطعة منتوجات إسرائيلية في ظل توفير بدائل منها مهم لبناء اقتصاد وطني (لا لمسألة التطبيع)، لكنه يصبح كذر الرماد في العيون عندما لا تنظم حملات جدية ضد التنسيق الأمني، وهو أخطر العلاقات التطبيعية، لأنها مساندة مباشرة للاحتلال.
    أما في داخل أراضي 1948 فالعرب مواطنون إسرائيليون. وهم يعيشون في ظل حكم الوزارات والمؤسسات الإسرائيلية وعملية الإنتاج الإسرائيلية، وهم يطالبون بالمساواة في المواطنة الإسرائيلية، ويتعاملون مع الدولة بحقوق المواطن المنقوصة، ويحملون جوازات إسرائيلية، ويتعاملون مع وزارة الداخلية حين يحتاجون إلى أي ترخيص، ويعيّنون في وظائف حكومية، أصوّتوا للكنيست أم لم يصوّتوا. لا معنى هنا للتطبيع ورفضه. الفارق بين الوطني وغير الوطني هنا هو الموقف السياسي، ومدى الاستعداد للتأسرل، وتبني الرواية الصهيونية والتخلي عن السردية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني، وقبول فكرة الأقلية التي ترضى بحقوق الأقلية كأنها مجموعة مهاجرين، وتبني الخطاب الإسرائيلي ضد العرب وفلسطين، والتخلي عن كبرياء السكان الأصليين. ومع أن الجميع يحملون جواز السفر الإسرائيلي فثمّة فارق في التعامل مع هذا الواقع، وثمّة اختلاف حتى بين الأحزاب العربية في الكنيست. والفارق هو بين التأسرل في دولة يهودية ليست دولة لجميع مواطنيها، والإصرار على الهوية الفلسطينية وعلى مناهضة الصهيونية والطبيعة اليهودية لإسرائيل. الموضوع معقد جدًا، لكن المهم هو البوصلة الأخلاقية، لا التشنج الأيديولوجي.

    • يدور نقاش مطوّل في شأن هذا الموضوع في العالم العربي بين المثقفين بشكل خاص. وأحيانًا يتعلق الأمر بالتعامل مع الإعلام الإسرائيلي، أو الظهور مع مثقف إسرائيلي في ندوة ما... إلخ. وأعتقد أن كثيرًا من المثقفين العرب يهمهم رأيك في هذه المسألة؟
    لا أدري من يهتم برأيي حين تبدأ المزايدات. حديثًا انتشرت المزايدات في التطبيع نفسه بسبب تردّي الحالة العربية وتفكّكها والتشكيك بالمرجعيات. فبذريعة افتضاح أمر الممانعة والمقاومة في قمع ثورة الشعب السوري، نلاحظ عند البعض استغلالًا للفرصة للتحلل من كل ما له علاقة بالامتناع عن التعامل مع إسرائيل ومؤسساتها، كأن شعارات هذه الأمور ممانعة. وأصبح كثيرون يتجنّدون للدفاع عن كاتبٍ عربي ظهر في التلفزيون الإسرائيلي، حتى لو كان هذا الكاتب يبدي تعاطفًا مع إسرائيل، لا مع الفلسطينيين. وهكذا وقعنا بين مزايدين يتهمون كل خصم سياسي بالتطبيع من جهة، كما يفعل شبيحة النظام السوري، ولا يلاحظون مفاوضات النظام مع إسرائيل في الماضي، ولا تحالفه مع روسيا التي تنسق مع إسرائيل في قضايا سورية. ومن الجهة الأخرى، هناك مزايدين يؤيدون كل مثقف عربي يطبع العلاقة مع إسرائيل.
    ليست لدي معادلة سحرية. الأفضل والأسلم الامتناع عن العلاقة مع المؤسسات الإسرائيلية، ولا حتى لغرض شرح وجهة النظر العربية. والحقيقة أن المثقف العربي (كاتب أو شاعر... إلخ)، إذا لم يكن متعاطفًا مع إسرائيل، فإنه يظهر في وسائل الإعلام الإسرائيلية لإثارة إعجاب الإسرائيليين. وهذا تعبير عن عقد نقص متعددة الوجوه. لكني لن أخوّن مثقفًا عربيًا ظهر في الإعلام الغربي مثلًا، أو أمام جمهور جامعي لمناقشة أكاديمي إسرائيلي يعبر عن الموقف الصهيوني في القضية الفلسطينية وفضحه. المهم أن يكون النقاش في موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي وفلسطين، وأن يكون مفتوحًا أمام الجمهور، لا حوارًا مغلقًا أو نقاشًا بدعوة من مؤسسة إسرائيلية. في تلك الحالة، أعتبر هذه المناقشة مواجهةً، وجزءًا من الصراع والدعاية للموقف العربي.
    لا حدود للأمثلة العينية التي يمكن أن تُناقش في هذه الحالة، وهي كثيرة. ولا يمكن الإجابة عنها جميعها، والمفتاح هو الموقف السياسي والفكري ضد الصهيونية وإسرائيل، وأن يفعل الإنسان ما يمليه عليه عقله وضميره في هذا السياق. أما العربي المتعاطف مع إسرائيل، فلا يمكنني توقع سلوكه، ولن يستمع إلى نصيحتي في أي حال. وفضحه ونقده ضروريان، لأنه يقف مع الظلم والاحتلال. وأستغرب موقف المثقفين العرب الذين يدافعون عن أمثاله بذريعة رفض شعارات المقاومة والممانعة. كأن متاجرة الأنظمة والحركات السياسية بقضية فلسطين هي ذنب الفلسطينيين.

    • هناك تخوف دائم لدينا في الخارج من أن إسرائيل ربما تُقدم في ظرف ملائم على تنفيذ «ترانسفير» في فلسطين؛ في المثلث مثلًا[2]. إلى أي حدٍّ يمكن اعتبار هذا التخوف حقيقيًا؟
    إذا قلت إن الترانسفير صعب جدًا اليوم، فأخشى أن نستبعد ذلك من سياسات إسرائيل وخططها. السؤال هو: هل ترغب إسرائيل حقًا في الترانسفير؟ إسرائيل ترغب، أو لنقُل إن جزءًا رئيسًا من المؤسسة الصهيونية، عماليًا أَكان أم ليكوديًا، يرغب في أن تكون إسرائيل مقصورةً على اليهود وحدهم. ومع ذلك أرى أن إسرائيل باتت غير قادرة على ذلك. هم فعلوا ذلك في حرب 1948 لضمان أكثرية يهودية. الآن، لا توجد حروب مع إسرائيل. ثم إن إسرائيل موجودة اليوم وقائمة على أنقاض الشعب الفلسطيني. أما أن تقوم اليوم بعملية ترانسفير أخرى، ولسكان أصبحوا مواطنين فيها، فهذا باعتقادي صعب جدًا.
    • الترانسفير غير وارد في الأحوال العادية، هذا صحيح. لكن، ماذا لو تطورت الأوضاع في فلسطين، في لحظة ما إلى صداماتٍ واسعة، أو إلى حرب سورية - إسرائيلية؟ لنتذكّر أن إسرائيل نفذت ترانسفيرًا في الجولان في حرب 1967.
    نعم، نفذت إسرائيل ترانسفيرًا في الجولان في أثناء حرب 1967، ونزح فلسطينيون كثرٌ من الضفة وغزة. ولا أدري كم هو عدد الذين خرجوا من ديارهم قسرًا في تلك الحرب. وبالتأكيد، ففي حالة الحرب الشاملة من الصعب توقع ما قد يحصل، ومن بين ذلك الترانسفير. لكن، في الأحوال العادية، الترانسفير صعب جدًا. ولا يجوز أن يخطر في بال الإسرائيليين أن هذا الخيار ممكن، وأننا نناقشه كخيار واقعي.

    • كيف خرجت إلى المنفى؟
    دعيت إلى التحقيق مراتٍ عدة بشأن زياراتي إلى لبنان بعد حرب عام 2006. وكان واضحًا من التحقيق أن جهاز الأمن الإسرائيلي قد سجل مكالمات لي من هاتفي المنزلي وهاتفي النقال، بما في ذلك محادثات مع أصدقاء وصحافيين لبنانيين في أثناء الحرب. وادّعوا في التحقيق أن هؤلاء «وكلاء لعدو أجنبي»، وأنني أمددتهم بمعلومات قبل الحرب وفي أثنائها. قلت، في التحقيق، إن ما تسمعوني إياه من مكالماتي الهاتفية هو كلام سياسي أقوله في أي مكان، وحتى من على منبر البرلمان. لكنهم قالوا إن لديهم تسجيلات إضافية. وقد فهمت إلى ماذا يرمون منذ بداية التحقيق. كما ضغطوا على صرّاف ليعترف بأني كنت أحوّل بوساطته، لحسابي، مبالغ من الخارج، وكان هذا صحيحًا. فقد كنت أحوّل أموال تبرعات من الخارج إلى الداخل لأغراض مختلفة، ولدعم نشاط سياسي وإنساني، كما كنت أصرف عنده مكافآتي عن مقالاتي في صحيفتي الحياة والأهرام ويكلي وغيرهما، وأتبرع بها لصحيفة فصل المقال في الداخل. ولا أستبعد هنا وشاياتٍ من خصوم سياسيين عرب.
    في الوقت ذاته، صدر تصريح لناشطة في مجال حقوق الإنسان شولاميت ألوني (كانت سابقًا وزيرة ونائبة وتميزت بمواقفها الراديكالية) يقول إن أجهزة الأمن تحاول القضاء على عزمي بشارة. ويبدو من رسالةٍ أرسلتها إلي أن بعض مصادرها أخبرها أنهم (أي السلطات الأمنية الإسرائيلية) يحاولون تصفيتي فعلًا.
    لم ينته التحقيق... وقلت في نهاية إحدى جولاته إنني مضطر إلى السفر في اليوم التالي لإجراء مقابلةٍ في قناة «الجزيرة» للتعليق على القمة العربية من الاستوديو في الدوحة بدعوةٍ من القناة. كان ذلك في 20 آذار/مارس 2007، وإنني سأعود. لم يكونوا قد كشفوا أوراقهم كلها، كما أنهم كي يمنعوني من السفر، كان عليهم نزع حصانتي البرلمانية، وهذه عملية طويلة يجب أن يقدموا فيها لائحة اتهام. وهذه هي الفجوة التي مكّنتني من المغادرة. كانوا يعتقدون أني لا أعرف تمامًا ما يخبئون لي، وبالتالي فسوف أعود. ولم يكن في وسعهم منعي من السفر قبل استكمال التحقيق وتقديم طلب نزع الحصانة البرلمانية. وأنا خرجت بحملٍ خفيف، قميص وسروال وسترة وملابس ليومين. تشاورت مع بعض المقرّبين وسافرت. وبعد أن وصلت إلى عمان، قرّرت عدم العودة، لكني لم أعلن ذلك، وألقيت محاضرة في اليوم ذاته بدعوة من رابطة الكتاب الأردنيين، ولا أدري كيف تمكنت من التركيز لألقيها، ولأقبل دعوة العشاء بعدها. وبت ليلتين في عمان ثم واصلت سفري إلى الدوحة، وشاركت فعلًا في التعليق على القمة في قناة «الجزيرة». وتشاورت مع أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة الذي رحب بوجودي في الدوحة ريثما تتضح الأمور، وسهّل إقامتي بشكلٍ يشكر عليه. لقد كان الشيخ حمد صديقًا، وكنت قد تعرفت إليه في عام 1998 في الدوحة، والتقيته في باريس، كما استقبلني في الدوحة مرات عدة.
    كانت فترةً صعبة جدًا. كنت في الحادية والخمسين، لا أفكر بالهجرة إطلاقًا، بل بالانتقال إلى العيش في قرية والدي (ترشيحا – عرب ظ¤ظ¨) والتفرغ للعمل الفكري قدر المستطاع. وبعد تاريخ حافل وجذور ضاربة في عمق الأرض، كان علي فجأة أن أقتلع نفسي، وأن أبدأ من جديد. كنت دائمًا أنتمي إلى العالم العربي، وكنت معروفًا فيه. لكن، لم أفكر في الانتقال إليه. اجتمعت إلى أعضاء المكتب السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي مرات عدة، واتخذنا القرار معًا، حفاظًا على «التجمع». قدّمت استقالتي من الكنيست في القاهرة، ثم قابلت أخي مروان الذي كان قد بدأ العمل في قناة الجزيرة الإنكليزية، وأيد قراري بقوة، وأذكر أنه استخدم ساخرًا عبارة بالإنكليزية، كنا نكتبها على رسائل الأصدقاء وبطاقات المعايدة في شبابنا: Today is the first day of the rest of your life. والحقيقة أنني كنت أشعر أنه اليوم الأخير في حياتي. لكننا ضحكنا كثيرًا من هذا الشعار/الكليشيه الذي تبين، في النهاية، أنه صحيحٌ بمعنى ما. عائلتي القريبة صُدمت. زوجتي رنا وطفلاي عمر ووجد بقوا في البلد، أما أختي روضة الوحيدة التي بقيت في فلسطين، فكانت تدير جمعية الثقافة العربية، فأعتقد أنها لم تخرج من صدمتها حتى وفاتها. كنتُ كلَّ شيء بالنسبة إليها، وتوفيت وأنا في الخارج، وكانت آخر من بقي في فلسطين من عائلتي الصغيرة. وكان علي أن أتابع تشييعها من الخارج. في تلك الأيام ذقت مرارة المنفى. وكان قد توفي أصدقاء آخرون لي وأنا في الخارج. وهذه هي اللحظات الأصعب التي تدرك فيها معنى الحرمان من وطنك.
    في الصيف الأول بعد المنفى، كتبت المسألة العربية في بيت في عمان أعارني إياه صديق فلسطيني كان يسكن في أبو ظبي. كنت في تلك الفترة التقي عددًا من الأصدقاء في عمان أمثال طاهر كنعان ومحمد المصري وياسر أبو هلالة ومصطفى الحمارنة، وأختي الصغرى سامية التي كانت تعمل في عمان، وأقارب وغيرهم ممن جعلوا حياتي محتملة. وكانت القيادة السورية (الرئيس بشار الأسد شخصيًا) قد عرضت علي أن أسكن في دمشق. ودعاني الرئيس اللبناني إميل لحود إلى السكن في بيروت. وألقيت عددًا من المحاضرات في لبنان، وشغلت كرسي جمال عبد الناصر في مركز دراسات الوحدة العربية. ثم بدأ فصل جديد في حياتي، وباقي القصة سبق أن ذكرتها أنت في فقرة «السيرة العاصفة». استقرّت الحال أخيرًا في قطر حيث تمكّنت من تأسيس مركز بحوث، وحصلت على الدعم اللازم لذلك، وكذلك الحرية الأكاديمية اللازمة. وكان لي دوري الذي تعرفه في الثورات العربية لناحية قوة الظهور الإعلامي والكتابة والاتصال المباشر وغيرها. وأعتقد أني ما زلت أمارس دورًا ديمقراطيًا آمل أن يكون تنويريًا أيضًا. لكن همي الأساس هو الانصراف إلى العمل البحثي.

    يتبع..............

     

     


     
    رد مع اقتباس

    إضافة رد

    مواقع النشر (المفضلة)

    الكلمات الدلالية (Tags)
    مقالات, بشارة, بنوعية, خاصة, سلسلة, عزمي

    عزمي بشارة - سلسلة لقاءات بنوعية خاصة

    « الموضوع السابق | الموضوع التالي »

    الانتقال السريع

    Currency Calculator
    Your Information
    RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


    Powered by vBulletin® Version 3.8.8
    .Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
    (جميع الأراء والمواضيع المنشورة تعبِّر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة عن رأي إدارة منتديات المطاريد)
    SSL Certificate   DMCA.com Protection Status   Copyright  


    تنبيه هام

     يمنع منعاً باتاً نشر أى موضوعات أو مشاركات على صفحات منتديات المطاريد تحتوى على إنتهاك لحقوق الملكية الفكرية للآخرين أو نشر برامج محمية بحكم القانون ونرجو من الجميع التواصل مع إدارة المنتدى للتبليغ عن تلك الموضوعات والمشاركات إن وجدت من خلال البريد الالكترونى التالى [email protected] وسوف يتم حذف الموضوعات والمشاركات المخالفة تباعاً.

      كذلك تحذر إدارة المنتدى من أى تعاقدات مالية أو تجارية تتم بين الأعضاء وتخلى مسؤوليتها بالكامل من أى عواقب قد تنجم عنها وتنبه إلى عدم جواز نشر أى مواد تتضمن إعلانات تجارية أو الترويج لمواقع عربية أو أجنبية بدون الحصول على إذن مسبق من إدارة المنتدى كما ورد بقواعد المشاركة.

     إن مشرفي وإداريي منتديات المطاريد بالرغم من محاولتهم المستمرة منع جميع المخالفات إلا أنه ليس بوسعهم إستعراض جميع المشاركات المدرجة ولا يتحمل المنتدى أي مسؤولية قانونية عن محتوى تلك المشاركات وإن وجدت اى مخالفات يُرجى التواصل مع ادارة الموقع لإتخاذ اللازم إما بالتبليغ عن مشاركة مخالفة أو بالتراسل مع الإدارة عن طريق البريد الالكترونى التالى [email protected]