بعد إعلان مصر رسميا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي فشل مفاوضات سدالنهضة الإثيوبي مع أديس أبابا والخرطوم، وفي ظل التباينات الكبيرة في الملفوالتصعيد المصري السوداني في ملف حلايب وشلاتين؛ قررت القاهرة إرسال وزير خارجيتهاسامح شكري، لأديس أبابا للقاء نظيره الإثيوبي في محاولة لكسر الجمود حول الملفالأخطر بالنسبة للمصريين.
وفي مهمة وصفت أنها لـ"كسر الجمود"والخروج من "مأزق" ملف سد النهضة الإثيوبي الشائك على النيل الأزرقالرافد الرئيسي لنهر النيل، شريان الحياة في مصر، أجرى شكري مباحثات مع نظيرهالإثيوبي ورقينه جيبيهو، بأديس أبابا، الثلاثاء.
إشراك البنك الدولي
وأعلنت الخارجية، أن شكري تقدم بمقترح حول مشاركةالبنك الدولي في دراسات السد وأن الجانب الإثيوبي وعد بدراسة المقترح المصري والردفي أقرب فرصة، وأن الجانب المصري يعتزم طرح المقترح على السودان خلال الأيامالقادمة.
وطالب شكري بالتزام الدول الثلاث بتنفيذ اتفاق إعلانالمبادئ، لاسيما فيما يتعلق بالاعتماد على الدراسات كأساس ومرجعية للملء الأولللسد وأسلوب تشغيله السنوي.
وكان النظام المصري قد وقع إعلانا للمبادئ حول أزمةالنيل مع وإثيوبيا والسودان في آذار/ مارس 2015، اعتبره خبراء ومحللون تنازلامصريا عن حقوق مصر التاريخية بمياه النيل، واعترافا من القاهرة بحق إثيوبيا فيبناء سد النهضة.
وتعكس الزيارة "تحركا مصريا جديدا، يهدف للخروجمن المأزق"، حسب ما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية، أحمد أبو زيد، الذيأوضح أن شكري حمل أفكارا ومقترحات، هدفها مساعدة الأطراف على الموافقة على نتائجالتقرير الفني، ولإزالة المفاهيم المغلوطة، والتي أدت لفقدان الثقة بين الأطراف.
اقرأ أيضا: شكري يتوجه إلى إثيوبيا لبحث "سد النهضة" من جديد
وتخشى القاهرة أن يؤدي بناء سد النهضة الإثيوبيلانخفاض تدفق مياه النيل، وضياع "حقوقها التاريخية" بموجب اتفاقيتي 1929و1959، بنسبة (55 مليار متر مكب) والتي توفر نحو 90 بالمئة من احتياجات شعب مصرالبالغ تعداده نحو 104 ملايين نسمة.
وتأتي الزيارة؛ وسط حالة من الفشل منيت بها مباحثات17 جولة للجنة الفنية الثلاثية المشتركة لسد النهضة، التي تجتمع بالقاهرة والخرطوموأديس أبابا، في التوصل لاتفاق بخصوص نتائج تقرير مبدئي قدمته شركتان فرنسيتان فيأيار/ مايو الماضي، حول التبعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للسد على مصروالسودان.
كما تأتي زيارة وزير الخارجية المصري وإعلانه طرحأفكارا جديدة إثر إعلان الجانب الإثيوبي عزمه ملء السد في حزيران/يونيو المقبل، معموسم الإمطار, حيث تعتزم أديس أباب تخزين 75 مليار متر مكعب من المياه خلال 3سنوات، ما يلتهم نحو 25 مليار متر مكعب من حصة مصر المائية، الأمر الذي تعارضهالقاهرة وتقترح ملء السد بفترة من 7 إلى 9 سنوات.
خطورة الأزمة
وأشارت الأستاذة الجامعية نهى طه، إلى خطورة الأزمةقائلة عبر فيسبوك "لم يعد قطع مياه النيل عن مصر مجرد سيناريو محتمل، لقدأصبح مؤكدا بعد إعلان إثيوبيا رسميا أنها ستملأ بحيرة السد في 3 سنوات بدايةحزيران/يونيو".
وتوقعت طه أن "تخسر مصر خلال هذه الفترة نصفإنتاجها من الغذاء، وتشريد نصف السكان الزراعيين وارتفاع أسعار الغذاء مستويات غيرمسبوقة".
وفي تعليقه على الزيارة تساءل الأستاذ بجامعةالقاهرة جمال صيام، قائلا "هل يستطيع شكري إثناء إثيوبيا عن حجز 25 مليار مترمكعب من حصة مصر الصيف القادم، أم يعود بخفي حنين؟"، معتبرا أن"الزيارة؛ استجداء من جانب الطرف الضعيف".
وفي المقابل، دافع الكاتب الصحفي أحمد الأشقر، عنالموقف المصري وقال عبر تويتر إن "مصر تعاملت بمرونة مع التقرير الاستهلاليووافقت عليه دون تحفظات، اقتناعا منها بأن الدراسات ذات طبيعة فنية ولا تحتملالتأويل أو التسييس".
حسن النوايا لا يكفي
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية خيري عمر، أن "الخطةالاستراتيجية التي كانت تتبعها مصر قائمة على حسن النوايا مع بقية الأطراف، وأنهعلى هذا الأساس تم توقيع وصياغة الاتفاقية الإطارية".
وقال عمر لـ"عربي21"، إن "حسنالنوايا وحده لا يكفي في مثل هذه القضايا، وأنه لابد من وضع التزامات محددة".
وأشار إلى أن "أقل حد في هذا الأمر هو تفعيل الاتفاق الإطاري بما يضمن حقوقمصر وتفسير بنوده في إطار مبادئ القانون الدولي".
من جهته رفض المحللوالباحث السياسي محمد حامد، فكرة أن تكون زيارة شكري لأديس أبابا خضوعا لإثيوبيا،وقال: "الزيارة ليست بها خضوع وما زالت النقاشات مع إثيوبيا قائمة، ومازالتقنوات الدبلوماسية قائمة".
وأضاف حامد لـ"عربي21"، أنه "كانمقررا زيارة رئيس وزراء إثيوبيا هيل ماريام دسالين، للقاهرة وإلقاء خطاب بالبرلمانالمصري ويبدو أنها أجلت لفترة، وما زالت مصر تمد يدها لإثيوبيا لحل الأزمةوالتفاهم وديا والاتفاق على فترة تخزين المياه بالسد بشكل ودي وعبر المكتب الفني".
اقرأ أيضا: كيف يواجه السيسي تحالف السودان- إثيوبيا ضده بأزمة سد النهضة؟
وفي دلالات الزيارة أكد حامد، أن "زيارة شكريتحمل دلالة أن القنوات الدبلوماسية مازالت مفتوحة من أجل التفاهم حول مياه النيلوعدم التصعيد وتخفيض التوتر في الإقليم؛ وفي المقابل التفاهم على الحقوق التاريخيةللدولة المصرية في مياه النيل".
وحول الأفكار والمقترحات التي حملها شكري، يعتقدحامد، أنها في إطار "المحاولة لكسر المراوغة التي تتبعها الدبلوماسيةالإثيوبية؛ بفتح قنوات تواصل دبلوماسية والعودة لمائدة التفاوض مرة أخرى، وعدماتخاذ التفاوض وسيلة لاستهلاك الوقت حتى بناء سد النهضة الذي ترفضه مصر تماما".
وأشار حامد إلى تصريحات سابقة لوزير الري المصريمحمد عبد العاطي عندما تحدث عن أمور يجب تصدي مصر لها، إلى جانب تصريحات بعضالوزراء الإثيوبيين ووزير خارجية أديس أبابا وركنا جيبيو، السلبية تجاه لمصر".
وأوضح أنه بعد شهور من تلك التصريحات تأتي زيارةوزير الخارجية المصري الآن، لتؤكد على وجود اتفاقات وحديث بين الطرفين لتهدئة الأموروالعودة إلى التفاوض.
طريق السيسي
وعلى الجانب الآخر، يرى الكاتب الصحفي محمد الصباغ،أنه "لا حل ولا أمل طالما حكومة السيسي علي نفس الطريق"، مؤكدا أن الحلالصحيح للأزمة هو "اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، في النهاية ضربة عسكريةلهدم السد".
وحول اعتبار الزيارة "محاولة المكسور المتذللالضعيف لكسب ود المنتصر القوي"، أكد الصباغ لـ"عربي21"، أن"موقف أثيوبيا ضعيف جدا؛ ولكن مصر هي التي لا تدري كيف تدير هذا الملف".
مزيد من التفاصيل