جاء إعلان كل من القاهرة والخرطوم في ساعة مبكرة من فجر الجمعة بفشل المباحثات الثلاثية التي جرت في الخرطوم بين وزراء الخارجية والري ورؤساء المخابرات في مصر والسودان وإثيوبيا، حول تطورات سد النهضة؛ ليزيد من خيبة الأمل المصرية التي راهنت علي إحداث تقدم وتخفيف آثار المشروع الأكثر خطورة علي مصر.
وزير الخارجية المصري سامح شكري قال في تصريحات لوسائل الإعلام المصرية بعد انتهاء مباحثات الخرطوم أن الوفد المصري ناقش كل شيء ولكنه لم يتوصل إلى شيء، وهي التصريحات التي وصفها مشاركون في المؤتمر بأنها كشفت عن خيبة الأمل التي شعر بها المصريون بعد مباحثات استمرت لساعات.
مصادر بالخارجية السودانية أكدت لـ"عربي21" أن القاهرة كان لديها ثقة بأن الوفد الإثيوبي سوف يغير من مواقفه المتشددة وخاصة فيما يتعلق بالتخزين والإدارة المشتركة، أو قبول البنك الدولي كوسيط في حل الخلافات بين الطرفين، إلا أن المسئولين الإثيوبيين كانوا علي نفس مواقفهم السابقة ولم يقدموا للقاهرة ما يمكن البناء عليه في الثلاثة اقتراحات.
وأشارت المصادر ذاتها أن الوفد المخابراتي المصري عرض التعاون المعلوماتي مع الجانب الإثيوبي فيما يتعلق بالمعارضة الإثيوبية الموجودة في إريتريا، مقابل أن تستجيب أديس أبابا لمقترحات القاهرة، ولكن المحاولات باءت أيضا بالفشل.
من جانبه أكد المستشار السابق بوزارة الخارجية السودانية معاوية يعقوب لـ "عربي21" أن القاهرة لديها معلومات جيدة حول القوي السياسية الإثيوبية وحاولت اللعب علي وتر الجانب الإسلامي خاصة وأن رئيس الوزراء الجديد لإثيوبيا مسلم، وينتمي لقومية الاورومو التي قادت منذ ثلاث سنوات انتفاضة شعبية، في إقليم "بني شنقول" الذي يقام عليه السد، رفضا للتوسعات التي تريد الحكومة تنفيذها، حيث قطع المتظاهرون الطرق المؤدية إلى السد، وطالبوا بإسقاط الحكومة وقتها.
اقرأ أيضا: مصر والسودان وإثيوبيا يواصلون بحث سد النهضة في الخرطوم
وأشار "يعقوب" إلي أن مشكلة مصر أنها لم تتفهم حتي الآن أهمية سد النهضة للشعب الإثيوبي، وأن نجاح مشروع السد سوف يكون نجاح للحكومة التي أدارته، سواء كانت من المعارضة أو تابعة للنظام.
واستدل "يعقوب" بتصريحات آبي أحمد في كلمته أمام البرلمان الإثيوبي الاثنين الماضي بعد أداءه القسم كرئيس للوزراء بأن مشروع السد هو الموحد للشعوب الإثيوبية، مطالبا كل القوميات أن تستغل هذا الاتحاد حول المشروع في تنمية بلادها.
الوقت الضائع
ويضيف الباحث المصري المتخصص في الشئون الإفريقية سمير حسانين لـ "عربي21" أن القاهرة مازالت تتحرك في الوقت الضائع، وأن محاولاتها لتغير الموقف الإثيوبي لن يأتي من ورائه طائل، في ظل تقدم الحكومة الإثيوبية نحو إتمام المشروع دون وضع أي اعتبار لمصالح غيرها.
ويري حسانين أن نظام السيسي فشل داخليا في توحيد الشعب المصري تجاه مشروع السد، الذي لم يعد أولوية لدي المصريين الآن، في ظل مشاكلهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مشيرا أن التحرك المصري في مواجهة إثيوبيا ضعيف.
وعن علاقة المخابرات المصرية بقومية الاورومو وأنها كانت تقف وراء المظاهرات التي جرت قبل سنوات لعدم التوسع في مشروعات السد، أكد "حسانين" أن الوضع مختلف الآن، لأن رئيس الوزراء الحالي أحد أبناء هذه القومية، وقد تم اختياره باعتباره المنقذ لإثيوبيا.
ويضيف أن "الأورومو" ليست ضد مشروع السد في حد ذاته لأنها ستكون من أكثر المستفيدين منه نتيجة المشروعات المتربطة به، ولكنها كانت ضد التوسع في الاستيلاء علي الأراضي الخاصة بها، وهو ما تم الاستجابة له وكانت أحد أسباب تغيير رئيس الحكومة.
وأوضح الباحث المصري أن سياسة أديس أبابا ستظل ثابتة في التعامل مع ملف السد، لأن سياسة الحزب الحاكم لن تتأثر برحيل مسئول أو قدوم آخر، كما أن رئيس الوزراء الجديد كان نائبا لرئيس الحزب الحاكم، وهو الحزب الذي ليس لديه إلا تصور واحد حيال المشروع، مشيرا إلي أن "آبي أحمد" يواجه مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة نتيجة الإضرابات التي حدثت مؤخرا، وأن الحل السحري لمعظم هذه المشاكل هو إتمام مشروع السد.
وأضاف حسانين أن أي تغير في الموقف الرسمي الإثيوبي الخاص بالمشروع سيواجه بمعارضة عنيفة من قبل جبهة تحرير تيقراي، الموجودة على الحدود الشمالية مع إريتريا، وهي قومية تشكل حوالي 6.5 % من السكان، وقد زرعها ملس زيناوي في كل مفاصل الدولة المؤثرة، عندما تولي الحكم في 1991، كما أنها أكثر المعارضين المتربصين برئيس الوزراء الجديد والقومية التي ينتمي لها.
اقرأ أيضا: إثيوبيا تشيد 64% من سد النهضة.. ومصر تضطر لتغيير نظامها الزراعي
ويري حسانين أن هذا لا يمنع بأن مواقف "آبي أحمد" ربما تشهد ليونة في المستقبل، في موضوعي التخزين، وآلية التشغيل، انطلاقا من تصريحاته التي أكد فيها عن أمله في أن يكون مشروع السد مفيدا لكل الأطراف المعنية ولا يؤثر سلبا علي أحد.
مزيد من التفاصيل