يعتبرسلاح الجو نخبة أسلحة الجيش الإسرائيلي، وينظر إليه باعتباره "منقذا" للدولةمن أي تهديدات تتعرض لها، مما أكسبه صيتا وشهرة، عزّ نظيرها بالمقارنة مع باقي الأسلحةفي الجيش، كالمشاة والبحرية، ولهذا السبب جاء تعويل الجيش الإسرائيلي عليه لتحقيقأهداف الحروب الأخيرة، خلال سرعة زمنية قياسية، ويزيد من اعتماده عليه من حيثالإبقاء على ميزانياته، في ظل تكليفه بالقضاء على التهديدات المحيطة، وما زال بعضقيادات الجيش تعتقد أنه أثبت قدرات هائلة في الحروب، وإن كانت التوقعات منه مبالغفيها بسبب مفهوم مغلوط.
حروب غزة
وفوراندلاع الحروب الثلاثة الأخيرة في غزة بين 2008-2014، افترض قادة الجيش والدولة أنهذه هي اللحظة الكبرى لسلاح الجو، ويفترض بها أن تضع حدا للتهديد الصاروخي على إسرائيل،وتتضمن معلومات استخبارية باهظة القيمة، جُمعت قطعة قطعة، فضلا عما ستحققه منأهداف ذات قيمة استراتيجية وتكتيكية للذراع الجوية الطويلة.
ومعذلك، بات من الواضح بعد أيام قليلة من اندلاع تلك الحروب، أن سلاح الجو لم يصف بضرباته كل منظومة الصواريخ التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية، علما بأن الإخفاقفي إصابة مخازن الصواريخ لا تدل فقط على إخفاق في القدرة العملياتية، بل قبل كلشيء على خلل ما في المعلومات الدقيقة التي جمعت على مدى زمن طويل، وحدث ذلك فيالعمليات التي نفذها سلاح الجو، وتمكن خلالها من ضرب مئات الأهداف في مختلف أرجاء قطاعغزة.
ولعلالتحدي الأكبر الذي واجهه سلاح الجو تمثل في الهدف الذي وضع له، وجاء في كلمةوجهها قائده الأسبق "أليعيزر شكيدي" لطياريه وقادته، حين قال: "سلاحالجو سيشارك في تحقيق الهدف المتمثل بخلق وضع تتحمل فيه أي جولة نتائج المس بدولة إسرائيل،وسلاح الجو سيساهم في تحديد قواعد المسموح والممنوع بين الكيانين السياديينالمجاورين".
هذاهدف من الصعوبة بمكان أن ينفرد سلاح واحد بتحقيقه دون مشاركة أسلحة الجيشالأخرى كافة، وربما كان يقصد "شكيدي" الضرب بآلةتدميرية هستيرية، وإحداث أكبر قدر ممكن من الأضرار البشرية والاقتصادية والبنيةالتحتية، ولذلك استخدم الجيش في حروبه الأخيرة ضد حماس "عصا جوية"،وتركز القصف على عشرات المباني.
هذابخلاف ما تولد من قناعات لدى قادة الجيش في الأيام الأولى للعمليات الحربية، أنهمن الممكن حسم المعركة من الجو فقط، ولكن عندما "أدركت عقولهم" الحاجةلإدخال القوات البرية، فوجئوا من شدة المقاومة الفلسطينية، وقدرتها على ضربالدبابات، ونصب الكمائن مع أجهزة حديثة للرؤية الليلية، وفوق كل ذلك قدرتها علىقصف الجبهة الداخلية الإسرائيلية بمئات الصواريخ يوميا، بحيث تحول مئات الآلاف من الإسرائيليينإلى "لاجئين"، وكمية كبيرة من الدمار تحاكي ما حدث في حروب إسرائيل ضد الدول العربية.
علمابأن سلاح الجو سخّر لخوض هذه العمليات الحربية، مئات الطائرات الصاعدة إلىالجو، وشنت غارات تدريجية منظمة ومرتبة، بدأت بطائرات قليلة وسارت على نحو تصعيدي،وهكذا سارت حتى نهاية الحرب، واضعة نصب عينيها أهدافا حددها الساسة والعسكر سواء تدمير العدد الأكبر من مواقع حماس، وضرب أماكن ومواقع صواريخها وبنيتها التحتيةعلى امتداد غزة، أو إصابة قيادتها بالصدمة، وضرب رموزها، وقطع كل خطوط إمداداتالمقاومين.
ضربات خاطفة
ولكن، مع مرور الأسبوع الأول من الحرب التي أرادها الجيش الإسرائيلي "خاطفة وسريعة"، تبينأن سلاح الجو لا يستطيع فعل كل شيء من خلال الفضاء، مما دفع به بعد تردد لاتخاذالقرار بشن عملية برية.
لميكن هذا الفشل وليد اللحظة حول قدرات سلاح الجو في مواجهة منظمات المقاومة الفلسطينية،فقد ثار جدل كبير بين قادة الأجهزة الاستخبارية وسلاح الجو حول قدرة القوات الجويةعلى سحق تنظيم مسلح، والقضاء على التهديد الصاروخي، مما دفع برئيس شعبةالاستخبارات العسكرية الأسبق اللواء "أهارون زئيفي فركش" للمطالبة بعدمتضليل المستوى السياسي، وجعله يعتقد أن هناك حلا كاملا لمشكلة الصواريخ، وفي نقاشآخر في قيادة المنطقة الشمالية قال قائدها الأسبق "بيني غانتس"، إنه إذاكان الأمر كذلك "علي الاستعداد لعملية برية طويلة".
الإشكالالأكبر الذي واجه قيادة الجيش والدولة معا، أن الاعتقاد ساد بأنه طالما بقيتتتساقط صواريخ حماس، فلن يكون هناك انتصار، ولن "ننتصر" حتى يتوقفإطلاقها، اعتقدوا أن سلاح الجو سينهي المسألة خلال دقائق، مما جعل "إيهودأولمرت" رئيس الحكومة الأسبق خلال حرب 2008 يتحدث أمام الكلية العسكريةبعبارات ملؤها "الغطرسة" بقوله: إسرائيل ستنتصر فيهذه المعركة، وستحظى بإنجازات غير مسبوقة، وستنجح بصورة مؤكدة في تغيير وجه الشرقالأوسط".
لكن من الواضح بعد أيام أن هذه عبارة قد كُتبت على الجليد، ولهذا فإنالإحساس بالعجز الذي يصيب الإسرائيليين ينشىء خيبة الأمل.
وهكذافإن المغزى واضح: لن يكون هناك حسم من الجو، حتى إذا نجح الطيارون في نهاية المطافمن معرفة موقع قيادة حماس وتصفيتها، وهذا يعني أن الحرب الجوية لا تفضي إلىالنصر، رغم النشوة الإعلامية، هذه الهجمات ستؤدي لتحقيق إنجاز عسكريمحدود في أحسن الأحوال، وتبين لاحقا أن الفشل الذريع لسلاح الجو شواهده أكثر من أنتحصى.
مزيد من التفاصيل