نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالة افتتاحية دعت من خلالها إلى ضرورة عدم التغاضي عن معاقبة المملكة العربية السعودية نظير ضلوعها في اغتيال الصحفي المعارض، جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول.
وقالت الصحفية، في مقالتها التي ترجمتها "عربي21"، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قدم درسا قيما في التشويق الجيوسياسي من خلال خطابه المطول عن قضية خاشقجي. وفي الأسابيع التي تلت اختفاء الصحفي لدى واشنطن بوست، طغى على عناوين وسائل الإعلام إشارات لقصص رعب تصور تفاصيل اغتياله.
وأفادت الصحيفة بأن أردوغان كان مدركا لانزعاج الرأي العام من الدموية التي اكتست الرواية الأولية لمقتل خاشقجي، ناهيك عن التقارير التي تفيد بتقطيع أوصاله من طرف الفريق المكلف بقتله. ومن جهته، صدم الرئيس التركي الرأي العام، وذلك عن طريق تأكيد الرواية الأولية التي تتعارض مع تصريحات المملكة بأن خاشقجي قُتل عن طريق الخطأ، وثانيا من خلال الإشارة إلى أنه غير مستعد للتفويت في هذه الفرصة، حيث يعيش النظام السعودي أسوأ أزماته على الإطلاق منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.
وأشارت الصحيفة إلى إشادة رجب طيب أردوغان بالملك سلمان خلال خطابه، واعتباره الحاكم الشرعي للمملكة العربية السعودية. في المقابل، لم يكل الرئيس التركي المديح إلى نجل الملك سلمان، ولي العهد محمد بن سلمان، نظرا لعدم قبوله للتصريحات التي تفيد بأن عملية اغتيال خاشقجي قد تمت دون موافقته أو حتى درايته بشأنها.
من المرجح أن تستمر الحكومة التركية في تسريب بعض الأدلة، التي تقود إلى تبين ضلوع محمد بن سلمان في هذه الجريمة، إلى الصحف الموالية لها. ومنذ اعتلاء والده العرش سنة 2015، عزز ولي العهد سلطته السياسية بلا هوادة عن طريق إتباع منهج القمع والتعسف، حيث قاد حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد الناشطين الحقوقيين، الذين أقروا بأن المبادرات الاجتماعية والتغيير الذي أحدثه بن سلمان كانت بسبب ضغوطهم على الحكومة ولم تكن عن طيب خاطر.
وتطرقت الصحيفة إلى الكوارث الناجمة عن السياسة الخارجية غير المدروسة لولي العهد السعودي، التي تشمل قصف المواطنين اليمنيين وتجويعهم. نتيجة لذلك، بات الخطاب السياسي الذي يصدح بعبارات تروج لقيم التغيير والإصلاح إلى حقيقة جوفاء في وجه جرائم الحرب والاعتقالات التعسفية.
وبينت الصحيفة أن موت خاشقجي أدى إلى إثارة الشكوك حول مستقبل محمد بن سلمان على الفور، ناهيك عن تصويره على أنه مستبد، على غرار حافظ الأسد وصدام حسين اللذين عمدا إلى قتل الناقدين خارج البلاد ثم مصافحة أبنائهم المنكوبين في الداخل. وكما هو الحال مع الحكام العرب الطغاة الآخرين، يرى محمد بن سلمان أن ظهوره الإعلامي المحدود ينطوي على نتائج إيجابية للغاية.
وأوضحت الصحيفة أن محمد بن سلمان يستمد قوته وجرأته للقيام بهذه الأفعال من افتقار إدارة دونالد ترامب إلى القيم الأمريكية الأخلاقية خلال إدارتها للمسائل العالمية. علاوة على ذلك، يعلم ولي العهد أن الرئيس الأمريكي في حاجة إليه لتزويده بالنفط فور تسليط العقوبات الاقتصادية على إيران. في المقابل، يبدو أن مساعي ترامب ستصطدم بحقيقة كون حكومة بن سلمان عاجزة عن تبرير جريمتها البشعة في حق خاشقجي وتجاوز تبعاتها.
وأفادت الصحيفة أنه يجدر بالملك سلمان اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق جميع الأطراف المتورطة في هذه الجريمة، فلا أحد يصدق أنها ناجمة عن تخطيط المستشار الإعلامي لولي العهد وبعض المسؤولين الاستخباراتيين فقط. ويبدو جليا أن الملك غير قادر على اتخاذ إجراءات ردعية في حق نجله القوي. وفي حال أثبت المجتمع الدولي زيف الرواية السعودية، يتعين على الدول الكبرى تسليط عقوبات على المملكة وتعليق مبيعات الأسلحة الموجهة إليها.
وختمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول إنه يتعين على الأمم المتحدة توجيه اللوم للرياض وبدأ تحقيقاتها المتعلقة بالجريمة الشنيعة داخل مبنى القنصلية السعودية. وفي حال حدث ذلك، يمكن لهذا الأمر حماية الشعب السعودي من الحكم الجائر لولي العهد محمد بن سلمان، لتتحقق بذلك جميع الإصلاحات التي نادى بها جمال خاشقجي عندما كان حيا.
مزيد من التفاصيل