لم يدر بخلد صانعوا السياسة الإيرانية وهم يتحسسون الخطى في مواجهة الحصار المضروب عليهم من قِبل الإدارة الامريكية لأجل تعديل بنود الإتفاقية المبرمة مع طهران والمعروفة باتفاقية الخمس+1 بأن الرياض سوف تمنحهم ما يشبه قُبلة الحياة للخروج من ذلك المأزق الذي أحكمه أو حاول الرئيس الأمريكي إحكامه لحرمان إيران من الإستمتاع بالمكاسب التي أرادت تحصيلها بعد التوقيع على الإتفاقية .وهرول قادة إيران ساعتها في جولات مكوكية من أجل استمالة القوى الإقليمية والدولية الرافضة للغطرسة الأمريكية التي لا تراعي أحداً حتى أقرب الحلفاء إليها .
لكنّ السعودية آثرت_بكرمها المعهود_ألا تترك جارتها الإقليمية اللدودة! في حلبة المواجهة وحدها من أجل كسر الحصار أو حتى التخفيف من أثاره رغم ما قامت به المملكة داخل منظمة الأوبك من ضخٍ للمزيد من النفط من أجل معالجة النقص المعروض من البترول بسبب بدء تنفيذ الحصار على إيران ومنعها من تصدير انتاجها من النفط .
فكانت قضية الصحفي الشهير"خاشقجي" وهو الكاتب المرموق في إحدى كبريات الصحف الأمريكية داخل القنصلية السعودية باسطنبول التركية! ، وتحولت الأنظار عن إيران وعن الملفات الشائكة لها مثل التواجد في سوريا والمساعدات اللوجستية المقدمة للحركات ذات التوجه الشيعي كجماعة الحوثي في اليمن ، وحزب الله اللبناني الحاضر في سوريا ، والمعارضين الشيعة بالخليج إضافة إلى ملف حقوق الإنسان في الداخل الإيراني وما ترتكبه السلطات هناك من قمع وإرهاب في حق المعارضين سيما أهل السنة باختلاف أعراقهم وفي القلب منهم أهل الأحواز العربية " المحتلة " ناهيك عن الملف الرئيس وهو ملف الإتفاقية النووية الموقعة في عهد الرئيس السابق بارك أوباما.
وأصبحت قضية الساعة في كبريات الصحف ووكالات الأنباء وتقارير المحطات الفضائية الكبرى ومداخلات السياسيين المتلفزة من باحثين ومسئولين سابقين كلها تدور حول مقتل الصحفي "خاشُقجي " وملف حقوق الإنسان المهترىء داخل المملكة،مع تداعيات الجريمة وردود الأفعال من وقفات الناشطين والمعنين أمام السفارات والقنصليات السعودية بمختلف دول العالم ، وتصريحات الرؤساء والزعماء على هامش اللقاءات الدورية والطارئة ،ناهيك عن تناقض التصريحات الصادرة من المملكة بين الإصرار على مغادرة الصحفي للقنصلية وبين الاعتراف بمقتله داخلها وتلميح تركيا بتدويل القضية وتصريحات ولي العهد بالعلاقة الوطيدة التي تجمع تركيا بالسعودية!...إلخ
ودعوني أقول أن ما حدث كان بمثابة الهدية المجانية إلى إيران لتحويل أنظار العالم بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية عن طهران إلى جارتها الإقليمية "السعودية " التي لم تدخر وسعاً في مساندة الحصار المضروب عليها وفي تحذير العالم من مغبة السكوت عن السياسات التي تتبعها إيران في المنطقة وفي تغيير التحالفات السياسية حتى تحدث بنيامين نتانياهو ببجاحته المعهودة عن التقارب العظيم الذي حدث بين دولة الإحتلال وبين دول عربية كنا لا نحلم بمجرد التواصل معها!!
وكأني بحكام إيران وصانعوا السياسة الإيرانية من الملالي المعممين يقولون بلسان حالهم بل ولسان المقال أيضا ربُ ضارة نافعة ، لقد كان تدبير الله لنا خير من تدبيرنا لأنفسنا ولقد بذلت المملكة العربية السعودية الشقيقة !! جهداً لم نكن نحلم به ووجب علينا أن نتقدم بخالص الشكر والتقدير للرياض على حسن تعاونهم معنا !!.
ولله في خلقه شئون
مزيد من التفاصيل