قال أستاذ العلومالسياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، إنه "من الصعب، إن لم يكن من المستحيل،تسوية الأزمة المصرية إلا إذا تسلح كل طرف من أطرافها بما يكفي من الشجاعة لممارسةالنقد الذاتي، وإجراء مراجعة جادة وأمينة للمواقف والسياسات، وتصحيح الأخطاء التيارتكبت، والالتزام بعدم تكرارها في المستقبل".
وأوضح أن "الأزمةالسياسية الراهنة في مصر هي نتاج أخطاء ارتكبتها كافة القوى دون استثناء، بما فيهاالقوى المدنية التي ترفع شعار الديمقراطية، غير أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتقالقوى التي تولت السلطة فعلا، أي المؤسسة العسكرية، وجماعة الإخوان، وكلاهما لايؤمن بالديمقراطية ولا يستهدف إقامة دولة مدنية حديثة"، وفق قوله.
وتابع في مقال خاص تنشره "عربي21" لاحقا:" ولأنالمراجعة المطلوبة والضرورية لم تتم حتى الآن، ولا يبدو أنها تلوح في أفق المستقبلالمنظور، فالأرجح أن تستمر الأزمة إلى أن تنضج شروط موضوعية تجبر الأطراف الثلاث(التيار الإسلامي، والعلماني، والجيش) على الدخول في حوار حقيقي فيما بينها بحثاعن مخرج للأزمة الراهنة".
وشدّد، على أن "أول شروط الخروج من الأزمة هوالاقتناع بأن البحث عن مخرج مسؤولية جماعية وليس فردية. فإما البحث عن مخرج جماعيأو انتظار حدوث انفجار جديد يصعب التنبؤ بعواقبه، والأرجح أنه سيكون وبالا علىالجميع".
وقال نافعة إن"الإشكالية الحقيقية التي تواجه مجتمعاتنا العربية لا تتعلق بعمق الخلافاتالقائمة بين التيارات والفصائل المختلفة، وإنما في عجزها عن الاتفاق على آليةمناسبة لإدارة خلافاتها بطريقة تضمن عدم تحول هذه الخلافات إلى انقسامات تستعصيعلى الحل".
وأشار إلى أن "ماينقص المجتمعات العربية هو غياب عقد اجتماعي يضمن تعامل الحكام مع المحكومينبوصفهم مواطنين لا رعايا، ويحدد القواعد التي يتعين الاستناد إليها لضمان التداولالسلمي للسلطة بين أطراف العملية السياسية".
وناشد الجميع"تجنب رفع الشعارات وإلقاء الخطب الرنانة أو تبادل الاتهامات، وتركيز الجهدعلى بحث الأسباب التي حالت حتى الآن دون تمكّن المجتمعات العربية من إقامة دولحديثة قادرة على تحقيق الأمن والتنمية وعدالة التوزيع لكل مواطنيها".
وذكر نافعة أن"إمعان النظر في طبيعة الاختلافات القائمة بين التيارات السياسية والفكريةالرئيسية في عالمنا العربي، وهي التيار الليبرالي، والقومي، والإسلامي، بتنويعاتهاالمختلفة، يكشف عن حقيقة مرة، وهي أنها خلافات تدور في المقام الأول حول قضيةالهوية وتمسها بشكل مباشر".
وأوضح أن"التيارات الرئيسية الثلاث لم تتمكن حتى الآن من العثور على قواسم مشتركةتسمح لها بالتعايش المشترك وبالتداول السلمي للسلطة فيما بينها، فقد بدت وكأنهاتيارات استبعادية بطبيعتها لأن كلا منها يسعى لاستبعاد الآخر والانفراد وحدهبالسلطة".
ولفت إلى أن هذا"تجلى بوضوح في مراحل تاريخية مختلفة، خاصة في مرحلة ما بعد ثورات الربيعالعربي، والتي تبدو غنية بدروس يتعين استخلاصها والاستفادة منها".
وتابع:" غير أنعجز الحركات التي توحدت في مواجهة الاستبداد عن الاتفاق على قواسم مشتركة تسمحبتأسيس نظم سياسية بديلة أكثر ديمقراطية وأقل استبدادا من النظم التي تمكنت منإسقاط رؤوسها، الأمر الذي مهد الطريق أمام اندلاع ثورات مضادة سرعان ما تحول بعضهاإلى حروب أهلية دموية".
ونوه إلى "فشلالعالم العربي في إقامة دول مدنية حديثة تعتمد مفاهيم المواطنة وتكفل حقوق الإنسانوتضمن التداول السلمي للسلطة كان العامل الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، ليس فقط فيانهيار العديد من دوله التي نشأت إبّان الحقبة الاستعمارية".
وأضاف: "إنّما أيضا في إخفاقكل مشروعات الوحدة أو التكامل السياسي والاقتصادي فيما بينها، بما في ذلك تجربةمجلس التعاون الخليجي التي ظن البعض أنها عصية على الانهيار".
ورأى أن "العالمالعربي ليس في حاجة إلى مصالحة على طريقة تقبيل اللحى، وإنما إلى ردّ الاعتبارللدولة الوطنية التي يجب أن يُعاد بناؤها استنادا إلى مفهوم موحد للمواطنة وإلىآلية موحدة للتداول السلمي للسلطة تجمع عليها التيارات السياسية والفكريةالرئيسية".
مزيد من التفاصيل