بعد عامين من حالة الذهول التي أصابت العالم أجمع جرَّاء فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة، لا يبدو الجدل الدائر حول أكثر قادة البيت الأبيض صخباً، في طريقه للانتهاء قريباً.
خرج علينا مايكل كوهين، الأسبوع الماضي؛ ليقر في تصريح مسجل بأن الرئيس أمر بدفع رشوة لشراء صمت الممثلتين Stormy Daniels وKaren McDougal، وأن الرئيس كان على علمٍ بأن هذا النوع من التسوية لا يليق. وعندما لمَّح ترامب إلى أن كوهين لم «يَشِ» به إلا بعد اقتحام مكتب التحقيقات الفيدرالي لمكتبه، ردَّ العديد من المعلقين، قائلين إن «الوشاة» يقولون الحقيقة.
من ناحية أخرى، مرَّ ترامب الذي قرر استبدال جون كيلي رئيس موظفي البيت الأبيض، في وقت عصيب مواجهاً احتمال عدم رغبة أي شخصٍ آخر في تولِّي هذا المنصب، قبل أن يقوم في نهاية المطاف بنقل مدير ميزانية البيت الأبيض ميك مولفاني، إلى هذا المنصب (على الأقل في الوقت الحالي). وبعدها مباشرة، تلقَّى ترامب ضربةً أخرى، بعد الإعلان عن عزم وزير الداخلية ريان زينك الاستقالة. وكان زينك نفسه واجه اتهامات باستغلال منصبه لمآربه الشخصية.
أفادت صحيفة «ديلي بيست» بأن المستشار الخاص روبرت مولر، الذي تمكَّن على ما يبدو من تطويع مايكل كوهين، كما سبق له أن أزاح مايكل فلين وجورج بابادوبولوس، يستعد حالياً للبدء في «المرحلة الثانية» من تحقيقه في العلاقات المزعومة بين حملة ترامب الرئاسية والدولة الروسية (وربما غيرها من الأطراف الأجنبية الفاعلة). ويشير المعلقون إلى أن السرعة التي صدر بها الحكم على كوهين الأسبوع الماضي، مؤشرٌ على *اقتراب مولر من وضع اللمسات الأخيرة في تقريرٍ سيدين الرئيس.
وبالطبع، يستمر ترامب في التقليل من شأن تحقيق مولر، ووصفه بأنه جزء من مؤامرة ضد رئاسته، وتحقيق في «خديعة مجردة» وآلة أخرى لإنتاج «أخبار مزيَّفة» على حد تعبيره. ومع ذلك هناك همس يدور في الأرجاء عن تحقيقٍ منفصلٍ يجريه محققون فيدراليون حول عملية جمع التبرعات لتمويل حفل تنصيب ترامب، وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة المُنظِّمة للحفل جمعت ما يقرب من ضعف المبلغ القياسي السابق في تاريخ جمع التبرعات لحفل التنصيب.
أحد الأسئلة التي تخضع للتمحيص حالياً هو: هل قُدِّمت أي من هذه التبرعات من مصادر أجنبية؟ مع العلم أن ذكر كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد ورد في هذا الإطار. وفي نفس الوقت تفيد تقارير بأن المملكة السعودية والإمارات، بالإضافة إلى إسرائيل، أصبحت موضع اهتمام روبرت مولر. وسيتضحُ لاحقاً ما إذا كان هناك أي أدلة تثبت هذه العلاقات المزعومة. لكن منتقدي الرئيس بدأوا بالفعل في رؤية موقفه من المملكة العربية السعودية، في ضوء مختلف تماماً.
حتى الآن، عُدّ دعمه للقيادة الحالية في الرياض – سواء فيما يتعلق بالحرب في اليمن واغتيال الكاتب الصحافي في الواشنطن بوست جمال خاشقجي – متّسقاً مع رؤية إدارته الأوسع لشؤون الشرق الأوسط (المعادية لإيران)، وعلى خلفية الاحتياجات الاقتصادية المحلية (مشتريات سعودية كبيرة للأسلحة الأميركية). لكن الإشارة إلى أن ترامب مَدين للمملكة العربية السعودية بسبب المساعدة المقدمة لحملته الانتخابية أو لحفل التنصيب الشهير، ترسم صورة مختلفة كلياً لهذه العلاقة بين الطرفين.
وما يزيد الأمر تعقيداً بالنسبة للرئيس، أنه يعلم بالفعل أن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون لا يسانده فيما يخص العلاقات الأميركية – السعودية. وقد أتت قرارات المجلس التي تدين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقتل خاشقجي وتدعو إلى إنهاء الدعم العسكري الأميركي لتدخل الرياض في اليمن، معارضة تماماً لسياسة البيت الأبيض. ومن المرجح أن يتعرض الرئيس *لمزيدٍ من الضغوط عندما يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب العام المقبل، وربما يدعمون موقف مجلس الشيوخ في موقفه.
وأدانت وزارة الخارجية السعودية تصويت مجلس الشيوخ على قتل خاشقجي، واعتبرته «تدخلاً صارخاً في الشؤون الداخلية للمملكة، مما يقوّض الدور الإقليمي والدولي للمملكة». وبالنظر إلى نية ترامب الواضحة، دعم ولي العهد السعودي واستخدام حق الفيتو لإلغاء تشريع المجلس الذي يعتبره مدمراً لسياسته في الشرق الأوسط، فلا يمكن اعتبار رد فعل الرياض مفيداً على الإطلاق، بل سيُسهم فقط في تعزيز الانطباع بأن الرئيس متوافق مع قادة دول أجنبية أكثر من توافقه مع مشرعي بلده.
لا يزال الوقت مبكراً لمعرفة التغيير الذي قد يُحدثه هذا الحصار المفروض على الرئيس ترامب، في سياساته أو في سلوكه الشخصي المتعجرف. ولا يجب أن يغيب عن الأذهان أن ترامب قد واجه انتقادات من عدة دوائر طوال فترة رئاسته، ولم يتزحزح بعدُ عن مساره، خاصة بالنظر إلى ما حققه من نتائج اقتصادية إيجابية في الداخل تمكّنه من تصوير إدارته باعتبارها إدارة ناجحة.
ومع ذلك، يصعب أن نتصور أن عام 2019 سيكون أسهل على الرئيس من هذه العام، في ظل مسارات التحقيق الجديدة التي يسير فيها المحققون، والفوضى التي تشيع في عمليات التوظيف والإقالة في إدارة ترامب؛ بل على العكس، قد يكون عاماً أسوأ بكثير.
هذه التدوينة مترجمة عن موقع صحيفة The Independent البريطانية.
The post هل ساهمت السعودية في تمويل حفل تنصيب ترامب؟ جواب هذا السؤال قد يزيح الرئيس الأميركي من السلطة appeared first on عربي بوست — ArabicPost.net.
مزيد من التفاصيل