تبقى أمنيات وأحلام مُعلقة وخطط ملغاةٌ تمناها كثيرون، بين واقعٍ ملح ونصيبٍ يَرْفُضْ، حيث ماتَ كثيرُ من أحاسيس الناس، فأصبحت الحياة مجردَ روتينٍ يوميٍ قاتلٍ، يعيشه أغلب المعارضين لنظام الأسد من أبناء الشمال المحرّر، ومن المرحلين من مدن مختلفة إلى الشمال السوري.
مجرد أن تطأ قدماك تراب الشمال، تحسّ بشعور متضارب، كالخوف والفرح، فتفرح للعيش بحرية، بتجنيد ليس إجباريا، وتخاف من الألثمة التي توضع على الوجوه، فلا تعرف إلا المقتول، بدون أن تعلم من القاتِل، فالفلتان الأمني بلغ أشده، نتيجة تعدد الفصائل التي تطالب بشرعيتها في الحكم والفلتان الأمميِ نتيجة اقتتالِ أخوةِ القضية، فيما بينهم لأجل مشاكل صغيرة ومبهمة حيث تسال الدماء.
بلا هدفٍ ولا إنجاز، يولد ويناضل ويكافح هذا العنصر ليرمى على جبهة يقابله من الطرف الآخر أخوة له في الدين والأرض استباحوا قتله؟ لم ذلك؟ لم قتل؟ وفيما قتل؟ فهل بتنا نحتاح إلى وحدة إسلامية، وحدة فكرية، وحدة إنسانية، تغزو الشمال لتوّزع الإنسانية والفكر العسكري على الناس على الأمراء على القادة والساسة وعابري الطريق؟
أما الفقراء فسيولٌ تغمر خيماً تأوي أيتاماً وأطفالاً وشيوخاً ورجالاً مشردين، طالب أهلها بنقل أماكنهم إلى أبنية أفضل، فَرُفضتْ مطالبهم، لماذا؟ أوعدتموهم بالعودة؟ أقاتلتم لأجل عودتهم؟
هل طالت العودة في سورية، يا فلسطين، أم أضحت وعودك كعطر زهر الياسمين؟ فواحا بلا زهور؟ زهورها أنهكها البرد، فأجراس العودة لن تقرع! فهل سمعتم بحياتكم أن المكسورة عظامه يعيش؟ يمشي ليعود؟ كيف ذلك؟ سمعناها مطلقاً لا ندري كيف، الى أن رأينا كل هذا الفساد في هذه الدولة التي أربكت كيان العالم.
سئم الناس هنا لأنهم ظُلِموا وكتم على أنفاسهم، فلم يأخذوا حقوقهم والفقر الأسود لعنةٌ أصابتهم، وانعدام الأمان من السيارات الليلية التي تجوب الشوارع ليلاً لتخطف الأثرياء، وتطلب منهم الفدية، وإيقاف سلةَ إغاثةٍ من منظمات الغرب اللئيم المراوغ، والطرقات المغبرة، تارةً من القصف والموحلة من الطين تارةً أخرى، طرق أبكتهم فيها ذكريات راحلين عن الديار أخذوا قلوب أحبابهم الأحياء قبل رحيلهم، وأنين معتقلين خلف القضبان، كتمها بعضهم بغصةٍ في القلب، أو رسمت على وجهه البكاء، توجعه مع كل نفسٍ، مع كل شهيقٍ بالنسيان، ليماشي الواقع المشؤوم فقدان بترولٍ شلَ حركتهم، وجعلت أصحاب رؤوس الأموال فيه تتحكّم في مصيرهم، تشلحهم نقودهم وتبيعهم بترولها المغشوش لتتعطل آلياتهم ويعودوا إلى البيت وقد أنهكهم الواقع المرُ، وكأن المنزل أو الخيمة جنتهم والمجتمع خارجها وحشاً يريد أن يلتهمهم، يريد أن يغرس أنيابه بأجسادهم الهزيلة التي لاتقوى على هذه الحياة.
هناك من تناسى همومه، وأنين ليله التي لم يسمعها سوى الله بأن تقبل الواقع الذي فرض عليه، فاستعد له وعمل على مجابهته، ففي ظل الجهل هناك من يتعلم، هناك من يدرس، هناك من يقاتل، هناك من يسهر الليالي على ضوء الشموع والقناديل، ليسلك طريق العلم، لكي ينقله من ضفه البحر الهائج الى ضفة البر الآمن، هناك جيلٌ من الشباب لن يلين أو يستكين إلى أن يغير هذا الواقع المر.
رحل عام وجاء آخر، يحمل أمنيات وأحلاما وآمالا عديدة، تمناها بعضهم، وفرضت على آخرين. كان عاما مليئا بالأحداث التي غيّرت مستقبل عديدين، وفرضت أقدارها على عديدين. فيا أيها العام الجديد، بشّروك بأمنياتهم فإنهم متعبون، فلا تأتي إلا حاملاً معك ما يفرحهم، فرجل العيد الذي يأتي مروراً بين البلدان قد أوقفوه على الحدود، ومنعوه من دخول بلد المليون شهيد! فكيف ستدخل المنازل المهجرة لتوزع الهدايا؟ كيف ستمشي في الشوارع التي ما تزال تحمل في أحشائها جثث الأبرياء وتشتم رائحة تلك الدماء التي خلفها صاروخ طائرةٍ ألقت حممها من السماء، كأنها الرعد؟
أيها العام الجديد، لقد ودّعوا أخاك بحسرةٍ وغصةٍ وحرقة، وطلبوا من الله أن تحمل في أحشائك خيرا كثيرا، فلا يريدون وعوداً كما الماضي، يريدون أن تأتي لتودعهم بعد 365 يوماً ليودعوك كما أخيك، فأنت ضيف والضيوف كرام، فالضيف يترك بصمته في الأماكن التي مر بها ليذكره الناس بالخير، لأنك راحلٌ ولأنهم راحلون.
مزيد من التفاصيل