فجرت الأخبار المتداولة عن توقيع اتفاق بين الهيئة الوطنية للإعلام، (اتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقا)، وشركة إعلام المصريين المملوكة للمخابرات المصرية، تتولى بموجبه إعلام المصريين مسئولية تطوير التليفزيون الرسمي، للمنافسة في صناعة الإعلام، موجة من الغضب والانتقادات داخل ماسبيرو.
ويؤكد مسئولون بالتلفزيون أنه منذ دخول الأجهزة الأمنية الساحة الإعلامية، لم يعد التليفزيون المصري الجهة الرسمية لأخبار الدولة، إلا أن إسناد تطوير التليفزيون لشركة مخابراتية، ليس له إلا معنى واحد وهو رغبة الدولة في تصفية الإعلام الرسمي بشكل كبير.
من جانبه حاول شكري أبو عميرة عضو الهيئة الوطنية للإعلام تخفيف حدة الغضب بين العاملين بماسبيرو، بتأكيده أن العقد الموقع مع إعلام المصريين، ليس من أجل التطوير وإنما من أجل الترويج الإعلاني، وهو ما رد عليه العاملين بالتليفزيون، بأنه خداع جديد، خاصة وأن خبر التطوير تم نشره بجريدة "اليوم السابع" المتحدثة باسم إعلام المصريين.
من جانبه يؤكد خبير التخطيط الإعلامي مجدي البسطاوي لـ "عربي21" أن الإعلام المملوك للدولة ممثلا في الإذاعة والتليفزيون، يعاني من أزمات كثيرة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث بلغت مديونيته قرابة 30 مليار جنيه (1.8 مليار دولار)، بينما تبلغ قيمة أصوله 8 مليارات جنيه (450 مليون دولار)، ويعمل فيه ما لا يقل عن 35 ألف موظف موزعين على 40 قناة تلفزيونية وشبكة إذاعية، وشركات إنتاج ودعاية ومدينة الإنتاج الإعلامي وشركة الأقمار الصناعية.
أهداف مختلفة
ويضيف البسطاوي أن الأرقام السابقة لا يقابلها أي محتوى يمكن أن يمثل إضافة للإعلام الرسمي، سواء من حيث المحتوي أو الهندسة الإذاعية أو عمليات البث، ومع تزامن ذلك بسياسة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ببيع كل شيء، فإن ما تم ترويجه من تكليف إعلام المصريين بتطوير ماسبيرو، إنما الهدف منه تصفية هذا القطاع الهام، في ظل وجود منافذ إعلامية أخري للنظام الحاكم تقدم له خدمة أفضل بكثير من التلفزيون الرسمي.
ويؤكد الخبير الإعلامي أن مبني ماسبيرو الذي كان خلية نحل، أصبح أشبه بالميت إكلينيكيا منذ توجه الإنقلاب العسكري للسيطرة على الساحة الإعلامية، وأصبحت التعليمات تصل لماسبيرو من خارج مبناه، بعد أن كان هو الموجه والمتحكم في الآخرين، ويكفي أنه لم يعد الناقل الرسمي أو الحصري للفعاليات الرسمية سواء كانت سياسية أو رياضية، حيث تنافسه قنوات المخابرات في السياسة والرياضة.
ونفى البسطاوي الذي عمل لفترة باتحاد الإذاعة والتليفزيون، كل ما تردد عن نية حكومة الرئيس محمد مرسي بيع مبنى ماسبيرو لدولة قطر، موضحا أن وزير الإعلام الأسبق صلاح عبد المقصود أوقف التعينات، وقلل النفقات في محاولة لعلاج أزمة المديونية التي تهدد ماسبيرو، ولكنها خطوات لم تكن كفيلة لإصلاح حال هذا القطاع الذي بناه صفوت الشريف وفقا للمنظومة الأمنية والمخابراتية التي تخدم أهداف النظام فقط.
تهميش شامل
ويري الباحث السياسي أحمد الشافعي في حديثه لـ "عربي21" أن السيسي منذ بداية ولايته الثانية، وهو يسعى لبناء دولته ونظامه على طريقته الخاصة، وهي الطريقة التي تقوم على مبدأ السيطرة والاستغلال، وهو ما جري في كل قطاعات الدولة من الأغذية والبترول والعقارات، وحتى قراره الأخير بطلاء العقارات، يسير في هذا الاتجاه، حيث كان القرار مرتبطا بقيام وزارة الإنتاج الحربي بتوريد مواد الدهان للمحليات.
ويضيف الشافعي أن فلسفة السيسي تقوم على تحكم الأجهزة في قطاعات الدولة، ولأن الإذاعة والتليفزيون تمثل قطاعا حيويا وهاما، فإن السيطرة عليه وفقا للسيسي لن تكون فقط من رأس القطاع وإنما في كل مفاصله، بهدف الاستفادة من إمكانيات التلفزيون من جهة، ومن جهة أخرى فإن تطوير التليفزيون معناه الاستغناء عن 70% من العاملين به، وجميعهم ضمن الجهاز الإداري للدولة الذي يطالب صندوق النقد الدولي تقليصه لأقل من النصف قبل حلول 2020.
وفيما يتعلق بسيطرة المخابرات على ماسبيرو يؤكد الباحث السياسي، أن المخابرات مسيطرة بالفعل على كل شيء، ولكن ما يتعلق بماسبيرو فإن السيطرة لها أشكال مختلفة، لأن القضية ليست فقط في محتوى إخباري يتم التحكم فيه من مكتب المخابرات الحربية، وإنما في أرشيف نادر لا يوجد له مثيل بالمحطات الإعلامية الأخري، وكذلك في الشركات التابعة له مثل الصوتيات والمرئيات وقطاع الإنتاج، والأهم من ذلك مدينة الإنتاج الإعلامي التي يتم فيها تصوير معظم أعمال الدراما، وكذلك شركة النايل سات المعنية بالأقمار الصناعية وإشارات البث.
ويرى الشافعي أنه في ظل توجه إعلام المصريين التابعة للمخابرات، للسيطرة على الإنتاج الدرامي، فإنه من الأفضل لها أن تسيطر بشكل كامل على مدينة الإنتاج الإعلامي، حتى يكون المكسب المادي لصالح جهة واحدة، وهي المخابرات بعد أن كانت الدولة تتقاسم معها ذلك.
وحسب الشافعي فإن الهدف الآخر من هذه السيطرة هو أن يكون دور وتأثير الإعلام القومى أو الوطني محدودا للغاية، وأن يكون هامشيا بجوار الإعلام الرأسمالى الذي تديره المؤسسة العسكرية في السنوات الأخيرة.
مزيد من التفاصيل