نشر معهد واشنطن للدراسات ملخصا لتقارير ثلاثة من كبار الباحثين فيشؤون الشرق الأوسط، يتحدث عن توقعات للعام السياسي الجاري في الشرق الأوسط.
وافتتح التقرير المدير التنفيذي للمعهد روبرت ساتلوف، حيث قالإنه "مع حلول عام 2019، تجدر الإشارة إلى ثلاثة أمور خاصة بالوضع الراهنللسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، أولها أن أمريكا تعيش منذ عامين تجربةً يتجادلفيها حزباها السياسيان الرئيسيان بشأن حصر دور الولايات المتحدة في المنطقة، وهوموقف غير مسبوق في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
وأضاف أن "الأمر الثاني هو أن البلاد تخوض سنتها العاشرة فيتجربةٍ طالب خلالها الرؤساء الأمريكيون الذين تعاقبوا على السلطة من كلا الحزبينباتباع هذا النهج. أما النقطة الثالثة فهي أن دونالد ترامب يدخل عامه الرئاسيالثالث، لكنه لم يواجه بعد أزمة في الشرق الأوسط، وهو أمرٌ لا بد أن يواجهه كلرئيس أمريكي".
بدورها، قالت باربارا ليف، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدىالإمارات، وقد عادت مؤخراً من رحلة استغرقت عشرة أيام في جميع أنحاء السعودية، إن"ما يلفت انتباه المرء عقب زياراته المتكررة إلى السعودية هو وتيرة التغيراتالاجتماعية الحاصلة في المملكة وعمقها. فقد أصبحت النساء يظهرن في الأماكن العامةومكاتب العمل بشكل لم يكن يتصوّره أحدٌ قبل عامين أو ثلاثة أعوام فقط، وغالباً مايجلسن في مجموعات مختلطة مع الرجال بينما يتركن وجوههن مكشوفة. إلا أن هذهالتغيرات تترك تأثيراً نفسياً عميقاً على السعوديين، حتى أولئك الذين يؤيدونهايجدونها مربكة".
وأضافت:"يعزو الكثير من السعوديين في مدن مثل الظهران والرياض وجدة هذه التغيرات إلىولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهم مقتنعون بأن لا رجوع عنها. ويجادل مؤيّدوالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي بأن الخصائص الديمغرافية تصب في صالحهم، وأن الأشخاصالذين يقاومون الإصلاح ينتمون إلى شريحة سكانية أكبر سناً تزداد تهميشاً. كما أنبعضهم يصف الأمير محمد بن سلمان كأول شخص يواجه الأمور بشكل مباشر في المجتمعالسعودي، مجادلين أنه على استعداد لزعزعة الوضع القائم وتحمّل مسؤولية العواقببدلاً من تلطيف الحاجة إلى التغيير".
وبينتأنه "في الوقت نفسه، فإن الكثير من السعوديين يدركون جيداً الاحتقار الدوليالذي وصم المملكة بسبب مقتل جمال خاشقجي، فضلاً عن مجموعة الخطوات المحليةوالدولية المزعجة التي اتخذها الأمير محمد بن سلمان. ويميلون إلى الشعور بعدمالاستقرار والقلق بسبب تلك الانتقادات".
وبينتأنه "على نطاق أوسع، أعرب شركاء الولايات المتحدة في المنطقة عن قلقهمالمتنامي، بل حتى هلعهم بشأن الالتزام الأمريكي تجاه الشرق الأوسط. فإسرائيل تشعربأنها وحدها في مواجهة إيران ومخطط النظام الإيراني ببناء منصة دفاع واستخباراتدائمة في سوريا. وفي بعض الحالات، أخذ هؤلاء الشركاء يتبنّون سياسات، ويقيمونعلاقات تتعارض بشكل واضح مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، مثل قيام دولالخليج بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع بشار الأسد دون قيد أو شرط".
وأشارتإلى أنه "في اليمن، من المحتمل أن ينهار الوضع هذا العام إلا إذا أصبحت إدارةترامب معنية مباشرةً فيما يجري هناك. ولا تستطيع الأمم المتحدة القيام بذلكبمفردها، بصرف النظر عن الانطلاقة الجيدة لعملية السلام تحت قيادتها. وفي العراق،قد تضرّ الديناميات السياسية بالجنود الأمريكيين المتبقين هناك؛ نظراً إلى القرارالمفاجئ الذي اتخذه الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا. وإذا حدث ذلك،قد يشهد العراقيون تكرّر السيناريو الذي وقع بين عامَي 2010 و2011".
وختمتبقولها: "تساهم كثرة المناصب الشاغرة في السفارات الأمريكية والتبدلاتالمستمرة في الحكومة ووكالات الأمن القومي في تضاؤل الانخراط العالي المستوىوالمتبادل مع الأصدقاء والشركاء. فالعلاقة مع السعودية متّجهة نحو جمودٍ حاد فيعام 2019، ويعود ذلك جزئياً إلى مشاكل هيكلية في النهج الذي تتبعه واشنطن. كما أنالحلفاء قد تُركوا في حيرة حول مَن يتحدث باسم الإدارة الأمريكية. وقد بلغ هذاالارتباك ذروته خلال الشهرين الماضيين، حين وجّه مسؤولون أمريكيون مختلفون رسائلمتناقضة كلياً حول موعد سحب القوات الأمريكية من سوريا وتحت أي شروط".
بدورها، دانا سترول، وهي موظفة أقدم سابقة في "لجنة العلاقاتالخارجية" في مجلس الشيوخ الأمريكي، قالت إنه "نظراً لسيطرة الحزبينالديمقراطي والجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين على التوالي، سيكون منالصعب على المشرّعين الأمريكيين إحداث تغيير جوهري في أيٍّ من سياسات إدارة ترامبفي المنطقة. فالسيناتور جيم ريش (جمهوري من ولاية أيداهو) هو الرئيس الجديد للجنةالعلاقات الخارجية، في حين أن السيناتور جيم إنهوف (جمهوري من ولاية أوكلاهوما) هوالرئيس الجديد للجنة الخدمات المسلحة. وصحيح أنّ اللجنة الأولى قادرة على العمل،لكنّ ذلك يعتمد على الطريقة التي سيقرر رئيسها السيناتور ريش اعتمادها لإدارتها.فنجاح أي لجنة رهنٌ بجلسات استماعها وباستعداد أعضائها لإحراز تقدم جماعي بشأنالقوانين الهامة. وقد أشار السناتور ريش إلى أنه لا ينوي عقد جلسات استماع تتعلقبقضايا الشرق الأوسط، وأن أي خلافات مع الرئيس ترامب ستتم مناقشتها على انفراد".
وتابعت:"يستدعي إقرار أي تشريعات هامة متعلقة بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسطتأييداً من كلا الحزبين، الأمر الذي سيكون من الصعب تحقيقه إذا استمرت الأجواءالحزبية الحادة التي تهيمن حالياً. وفي هذا السيناريو، لن تحدث النسبة الكبرى منالتشريع داخل لجان الشؤون الخارجية، بل داخل لجنة الخدمات المسلحة ولجنة المخصصاتالمسؤولتين عن السير بالبنود "الواجب إقرارها" على غرار «قانون تخويلالدفاع الوطني». وخير مثالٍ عن ذلك هو أحدث اتفاق بشأن مخصصات وزارة الخارجيةالأمريكية. فمع أن مشروع القانون التوافقي هذا لم يصبح بعد قانوناً نافذاً، إلاأنه يحجب مساعدات التدريب العسكري عن السعودية، ويواصل نمط إخضاع بعض المساعداتلمصر لشروط معينة".
ولفتتإلى أنه "إذا لم يكن الكونغرس قادراً على التوافق حول التشريعات فيما يتخطىالمجموعة المتنوعة من القوانين "الواجبة الإقرار"، فمن الممكن أن يسعىأعضاؤه منفردين إلى تأكيد مكانتهم بأشكالٍ أخرى، على غرار إصدار قرارات تعارض بيعالأسلحة، وفرض شروط على المساعدات خلال عملية توزيع المخصصات، أو استغلالالترشيحات كعملية لممارسة الرقابة. ويمكن أيضاً أن يبحث الديمقراطيون في مجلسالشيوخ عن وسائل بديلة إذا تم منعهم من العمل من خلال الإجراءات النظامية فياللجان، على غرار إصدار التقارير وعقد جلسات سرية غير رسمية".
وبينأنه "في الوقت الراهن، يناقش مجلس الشيوخ الأمريكي «قانون تعزيز أمن أمريكافي الشرق الأوسط»، بينما أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إليوتإنجل (ديمقراطي من ولاية نيويورك) أن جلسة الاستماع الأولى التي ستعقدها لجنتهستركّز على السياسة الأمريكية في شبه الجزيرة العربية".
وأشارإلى أن "هناك بعض المسائل تستدعي المراقبة عن كثب. ففيما يتعلق بإسرائيل،كانت جوانب مختلفة من العلاقة مثيرة للانقسام في التكتل الديمقراطي. وفيما يخصإيران، لطالما كانت مسألة تعزيز الإجراءات العقابية ضد النظام تلقى تأييد كلاالحزبين، ولكن هذا الإجماع تبدد في أعقاب انسحاب واشنطن بشكل فردي من الاتفاقالنووي. وقد يحاول أعضاء الكونغرس إعادة هذا التوافق الحزبي على خلفية رعاية طهرانللإرهاب، وبرنامج صواريخها البالستية، وسجل انتهاكاتها لحقوق الإنسان، ولكن حتىهذه الخطوة ستكون صعبة للغاية؛ نظراً للتباين الحاد في وجهات النظر بشأن الملفالنووي. وفيما يتعلق بسوريا، كانت الجبهتان اليمينية واليسارية من مؤسسة السياسةالخارجية موحدتين إلى حدٍّ كبير بشأن معارضة إعلان الإدارة الأمريكية عن الانسحابالعسكري".
وقالتإنه وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، صوّت الكونغرس على القضايا المتعلقةبالسعودية واليمن أكثر من أي قضية أخرى متعلقة بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط.وقد أدى تعامل الإدارة الأمريكية مع نزاع قطر في عام 2017 ومقتل خاشقجي في العامالماضي إلى قيام أعضاء من كلا الحزبين بتبنّي مواقف عدائية كوسيلة للتعبير عنقلقهم.
وأخيراً،"حين أقرّ الكونغرس «قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات» عام 2017،فرض عقوبات واضحة وإلزامية على حكومات المنطقة التي تشتري أسلحة من روسيا أوتُوقّع معها اتفاقيات تجارية أو استخباراتية. فمع اتخاذ أمريكا خطوات ظاهرة للحدمن دورها في المنطقة، توجّهت أنظار العديد من الدول نحو موسكو سعياً لملء الفراغ.ولذلك قد تضطر إدارة ترامب أن تقرر ما إذا كانت ستفرض عقوبات على هذه الدول -لاسيما أن بعضها شريكٌ للولايات المتحدة- إذا ما سعت إلى عقد اتفاقيات أعمق معروسيا"، على حد قولها.
أمادينيس روس، الذي شغل عدة مناصب في أربع إدارات أمريكية سابقة، وعاد مؤخراً منزيارة دامت شهر إلى إسرائيل والخليج، فقال: "يحاول الأمير محمد بن سلمان أنيستبدل بالوهابية قومية؛ سعياً منه لتعزيز شرعيته. وفي ضوء هذا التحوّل، ليس منالمستغرب أن تكون المملكة قد جابهت الإدانة الدولية على حادثة خاشقجي بردّ فعلقومي. وكشفت الاجتماعات الأخيرة مع السعوديين عن شعور قوي بأن بلادهم تتعرض حصراًلاستهداف غير منصف في ظل انتهاكات حقوق الإنسان التي تشهدها دول أخرى في المنطقة،بما فيها إيران".
وتابع: "وعلى الرغم من تفاوت آراء السعوديين حول طريقة تعاملولي العهد مع الموقف الذي أثاره مقتل خاشقجي، إلّا أنه يُنظر إليه على النطاقالعالمي تقريباً على أنه محور التغيير في المملكة. فالعديد من المسؤولينوالمواطنين السعوديين مقتنعون بأنه من دون الأمير محمد بن سلمان، ستحاول "قوىالظلام" إبطال الإصلاحات الأخيرة وإثارة اضطرابات كبيرة".
وقال: "يجدر بإدارة ترامب اتخاذ عدة خطوات لتحسين العلاقة معالرياض، لا سيما أن الغضب يسيطر على الأجواء في "مبنى الكابيتول"(الكونغرس الأمريكي). يتعيّن عليها المطالبة بشفافية المحاكمات في مقتل خاشقجي،بالإشارة إلى تحمل الأمير محمد بن سلمان مسؤولية انحراف السياسة عن مسارها، وأنيبيّن التغيير في تعاطي الحكومة مع المنشقين. ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أنيشجعوه أيضاً على العودة إلى مسيرته الإصلاحية السابقة، على الرغم من أن ذلك قديكون صعباً في الوقت الذي لا تزال تُزجّ فيه الناشطات في السجون".
وفيمايتعلق بالكارثة الإنسانية في اليمن، قال: "يجب على الرياض أن تغيّر الروايةالمتداولة عن الأحداث. فقد تم تشويه سمعة الأمير محمد بن سلمان بسبب ما يحدث، لكنالحقيقة هي أن الثوار الحوثيين يواصلون لعب دور رئيسي في استمرار الوضع على هذاالحال. لذا يجب على السعوديين اقتراح اتفاق محدود زمنياً لوقف إطلاق النار من جانبواحد، على أن يكون قابلاً للتمديد إلى أجلٍ غير مسمّى إذا تجاوب معه الحوثيون، وأنيتم تحميلهم المسؤولية إذا لم يفعلوا ذلك. وعلى الرغم من انتهاك الحوثيين مراراًالاتفاق المحدود لوقف إطلاق النار في الحديدة، فإن الاقتراح السعودي بتوسيع نطاق هذاالاتفاق قد ينجح في التأثير على وجهات النظر والواقع في اليمن".
وختمبقوله: "يشعر مسؤولو الأمن في إسرائيل منذ بعض الوقت بأنهم يتعاملونبمفردهم إلى حد كبير مع التهديد الإيراني في سوريا، وجاء إعلان الرئيس ترامب عنسحب القوات الأمريكية ليزيد من حدة هذا الشعور. واليوم يبدو أن إسرائيل وإيرانتجسّان نبض بعضهما بشأن القواعد الأساسية التي ستطبَّق في سوريا بعد الانسحابالأمريكي. فقد كان "الجيش الإسرائيلي" قد حدّ من عملياته في سوريا علىمدى أشهرٍ بسبب الضغوط الروسية، لكنه نفّذ غارتين بعد إعلان ترامب بالانسحاب منسوريا. ورداً على ذلك، أطلقت إيران صاروخاً ذا حمولة ثقيلة من قاعدة سورية،فاعترضته منظومة الدفاع الإسرائيلية المعروفة باسم "القبة الحديدية".وبالتالي فإن احتمالات التصعيد عالية جداً؛ إذ تبدو حكومة طهران مصممة على نشرصواريخ دقيقة في سوريا ولبنان، بينما تبدو حكومة القدس عازمة على منعها من القيامبذلك. وإذا نشب نزاعٌ جديد تسبّب بسقوط عشرات آلاف الصواريخ والقذائف على إسرائيل،فقد يجد "الجيش الإسرائيلي" نفسه ملزماً بمهاجمة إيران. لذلك إذا أرادتواشنطن إقناع روسيا بضرورة بذل المزيد من الجهود للحد من قيام إيران بنشر أسلحةدقيقة، فعليها أن تُفهم موسكو أن القوات الأمريكية قد تعود إلى سوريا إذا ما اندلعمثل هذا النزاع".
مزيد من التفاصيل