تحتاج الحكومات إلى التجربة ثم الإخفاق كي تتعلم النجاح، مثلها مثل البشر، ولا بأس في ذلك، ودائماً تكمن المعركة الأصعب في تحديد الأولويات، فإذا حددت الدولة أولوياتها فهذا يكفي لتعطيل الأزمات الحالية وإضعاف الأزمات المتوقعة، أما غير ذلك سيكون مجرد نتائج طبيعية لهذا الإهمال، لذلك لا يوجد بديل عن العمل الجاد والبحث الدقيق عن المعرفة دون مبالغة أو تهويل.
سبق وتحدثت في مقالاتي المتواضعة عن "حروب الجيل الخامس"، بخصوص الحقائق والأوهام في العلاقات الدولية، ولم يكن هدفي إظهار أشياء تحدث بين الأصدقاء والأعداء، بقدر التلميح بضرورة أخذ الحيطة والحذر في كل خطوة، ولكن يبدو أن الواقع وما يحدث الآن في مصر يحتاج إلى تحليل من نوع آخر وخبراء متخصصين يتابعون تطور السلوك العام في مصر لاستخلاص الأسباب المؤثرة والنتائج الحالية، وكوني مواطن غير متخصص لا أريد التحدث في تفاصيل غير مترابطة ولكنها وجهة نظر متواضعة ألخصها في عدة نقاط:_
تخمير (الغل) بين الشعبين المصري والسعودي/ مسألة وجود صفحة لشخصية سعودية مرموقة مثل المستشار "تركي آل شيخ" وترك مساحة للتعليقات المتبادلة والمسيئة بشكل متكرر، وتبادل الشتائم ونعته بألفاظ خادشة دون أن يحذفها هو بنفسه أو حتى مدير صفحته، ثم تطاول الشباب من هنا وهناك على عادات الشعوب والتعدي على التقاليد، ثم تفاجىء بحسابات مجهولة تشعل التعليقات بجملة مسيئة للسعوديين أو المصريين وتجد مئات الردود المؤيدة، هذا الأمر إذا طال أمده واستمر فهو خطير للغاية ويخلق حالة من العداء المكتوم وتبييت الغل وتخزين الأحقاد في عقول الأجيال القادمة، فلا شك أن ملايين الناس قرأت ولديهم انطباع عن تلك العبارات، فالتعليق الأول دائماً يحمل السخرية والتهكم على الشعوب والشتم والسب، وعليه الآلاف الإعجابات ليتصدر ويظهر أنه يمثل الرأي العام في مصر أو السعودية مثلاً وهو ليس كذلك.. وعندما يقرأ الشباب يتأثر ويبني خلفية ذهنية،وهو نوع من التلاعب بالأفكار والمفاهيم، أنا أتوقع موجة قادمة من الكراهية المكتومة والتي ربما يعجز الجميع عن علاجها، لذلك وجب الانتباه "قبل أن تقع الفأس في الرأس" !
عندما تأتي المصالحة العربية، وهي آتية لا محالة، سيتم دعس كل من لعب دور (الوطنية المغشوشة) وهاجم إخوانه وسخر منهم وسب الأصول والأنساب دون مراجعة وتريث لأدبيات الأخوة الدينية والقومية، فقد شطب هؤلاء من قاموسهم نظرية "أنا وأخويا على ابن عمي.. وأنا وابن عمي على الغريب"، حتى صارت "أنا وابن عمي على اخويا، وأنا وعدوي على اخويا" والجميع ناله من نفحات التسرع والغباء ما ناله، الكل لم يتصور ويتخيل لحظة قادمة وحاسمة ستسقط فيها أقنعة من فرقوا الشمل ويتحقق قول سيدنا عثمان بن عفان "يكفيك من الحاسد أن يغتم يوم سرورك" فيوم فرحنا وسرورنا هو الجمع وليس يوم العصيان والعدوان.. ففي عالم السياسة تتبدل الأمور بين ليلة وضحاها فيتحالف المتخاصمون ويتعادى المتحالفون ويصمت المتكلمون و يتكلم الصامتون، ويعاد ترتيب الرتب والأنساب وينسحب بعض الأصحاب، ففي نهاية كل عداوة وخصام تأتي المصالحة والوئام، فإن لم يأتي الصلح، فيكفي علاج الجرح، وهي قصة قديمة لها عنوان منذ أن قامت عروش الحكم والسلطة الزائلة، أنه "لا عداوة دائمة"، لذلك على الجميع أن يراجع نفسه ولا يشتم أو يخطىء في حق أحد، وأن يحافظ على أخلاقه، فعداوة الساسة والتصريحات النارية لا تعبر عن حالة التصالح الداخلي بين الشعوب المرتبطة بالنسب والقرابة وأخوة الدين والعقيدة، والله يعلم المصلح من المفسد.
محمد الخضيري
[email protected]
مزيد من التفاصيل