نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسيةحوارا مع الخبير الاقتصادي الفرنسي الموهوب موحود، الذي تحدث عن إمكانية مساهمةالعهد السياسي الجديد الذي تدخله الجزائر في تسريع عملية تنويع الاقتصاد للحد منالاعتماد على المحروقات.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته"عربي21"، إنه بعد مضي 20 سنة على توليه الرئاسة، ترك عبد العزيزبوتفليقة خلفه دولة منغلقة على اقتصاد ريعي، يعاني ضعفا كبيرا على مستوى التنوع.وخلف مطالبهم السياسية، يتطلع الجزائريون الآن إلى إصلاح النظام الاقتصادي.
وأشارت المجلة إلى أن الخبير الاقتصادي الموهوبموحود، وهو أيضا متخصص في القضايا الاقتصادية الدولية والعلاقات الأورو-متوسطية،عرض في تقرير له حول الاقتصاد الجزائري بعنوان "رؤية 2035"، سلسلة منالاقتراحات تهدف إلى إصلاح الاقتصاد عبر تدعيم قابلية التوظيف والاستعداد لمرحلة ما بعد المحروقات.
وفي إجابته عنسؤال المجلة حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي في الجزائر بعد مضي عشرين سنة على حكمبوتفليقة، أفاد الخبير الاقتصادي بأن "عيوب اقتصاد الريع قد تفاقمت، حيث لمتتمكن البلاد أبدا من تنويع اقتصادها، مما قلل من حصة الصناعة التي لم تتجاوزأربعة بالمئة، والزراعة ثمانية بالمئة، من إجمالي الناتج المحلي. وقاد عبد العزيزبوتفليقة سياسة أدت إلى انعدام الثقة في الحكومة وتدهور الأمن الاقتصادي الجزائري".
وأضاف الخبير أن "هناك في المقابل تقدماكبيرا في مجال التعليم، حيث تضاعفت النفقات العامة المخصصة للتعليم بين أوائل سنة2000 إلى حدود اليوم. كما تضاعف عدد الملتحقين بالتعليم العالي أكثر من 10 مراتبين سنتي 2011 و2016، وحقق ارتفاعا [وفقا لبيانات نشرت عن منظمة اليونسكو] من 30بالمئة إلى 42 بالمئة من الفئة العمرية".
ونوه الموهوب موحود بأنه إذا كان هدف النظامتحقيق السلام الاجتماعي، فقد ركزت جهوده أكثر على الكمية متجاهلة النوعية، كمايتضح من مرتبة الجزائر الدولية من ناحية جودة التعليم، حيث احتلت المرتبة قبلالأخيرة من بين 72 دولة وفقا للبرنامج الدولي لتقييم الطلبة.
اقرأ أيضا: ربوح يتحدث لـ"عربي21" عن حراك الجزائر ودور الجيش
وتساءلت المجلة عما إذا خضع الاقتصاد الجزائريللتنويع خلال العقدين الماضيين، فأجاب الخبير الاقتصادي أن "الاقتصادالجزائري يتكون من ثلاثة قطاعات. أولا، الموارد المتأتية أساسا من المحروقات، التيتبلغ 35 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وتمثل 72 بالمئة من ميزانية الدولة، ونحو98 بالمائة من المداخيل الخارجية. كما تتأثر الإيرادات المتأتية من هذا القطاعبالتقلبات في السوق العالمية".
وأضاف الخبير أن"القطاع الثاني، فيتمثل في قطاع الواردات، الذي يبلغ ثلث الناتج المحليالإجمالي، وهو قطاع غير منتج يعمل أيضًا على تغذية علاقات المحسوبية بين الدولةوالحاشية الحاكمة والشركات المرتبطة بهذه الحاشية. في المقابل، تراجع قطاع التصنيعليصل إلى خمسة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي تاركا مكانه لقطاع البضائع غيرالقابلة للتداول مثل الخدمات والبناء والأشغال العامة".
وأوضح الخبير أن هذا القطاع يمثل الجزء الأكبرمن الاقتصاد كما أنه يحد من معدل مشاركة القوى العاملة في الجزائر ليجعل منهاالأضعف في العالم، على غرار باقي البلدان في منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط،التي تسجل بدورها نسبة بطالة عالية في صفوف حاملي الشهائد العليا".
وفي إجابته عنسؤال المجلة عن مساهمة المشاكل الاقتصادية في تأجيج الثورة الجزائرية، علق موحودأن "النظام لم يول اهتمامه بجزء كبير من السكان، خاصة الشباب. وفي المناطقالريفية، التي يعادل فيها معدل البطالة 80 بالمئة تقريبا، فإن الوضع يكون أكثرسوءا. بعبارة أدق، يُجبر الأشخاص على عدم مغادرة مناطقهم لأن تكلفة السكن باهظةللغاية في المدن. وحتى في ظل وجود وظيفة، فإن الحصول على السكن في تكتلات حضاريةعلى غرار الجزائر أمر صعب للغاية بالنسبة للشباب، لأن الإيجار سيستهلك رواتبهم علىالفور.
وأضاف الخبير أن "النمو الاقتصادي القوييقوم على تقلب أسعار المحروقات، ولكنه قد يقصي أيضا جزءا كبيرا من السكان، ذلك أنالعديد من الخريجين الشباب عاطلون عن العمل، أو مجبرون على الهجرة القسرية. وتمتلكالجزائر، على غرار بقية بلدان المنطقة، معدلا مرتفعا بشكل مثير للدهشة لاغترابالمؤهلين مقارنة بنصيب الفرد من الدخل،الذي يعادل الضعفين في البلدان متوسطة الدخل الأخرى. كما نشهد انتشار ظواهر"الحراقة" (المهاجرين غير الشرعيين)، الذين مات بعضهم أثناء محاولتهممغادرة الجزائر بالقوارب. وتعتبر هذه المشاهد مروعة وعنيفة بالنسبة للذاكرةالجماعية".
وفيما يتعلق بالنتائج الاقتصادية لتدخل الجيشفي الحياة السياسية الجزائرية، أشار موحود إلى أن "حدثي استقالة علي حداد منرئاسة منتدى أصحاب المؤسسات، المؤلف من شركات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلطة، ثمإيقافه يعتبران من بين عواقب التدخل المباشر للجيش في الاقتصاد. ومع ذلك، يجبالتذكير بأنه لطالما كان الجيش متواجدا في هذا النظام".
وبخصوص ما إذا كان من الممكن إصلاح النظام منأجل تجاوز التبعية الاقتصادية للمحروقات، أفاد موحود بأن "الجزائر ليستفنزويلا. ما زالت البلاد تستفيد من 80 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبيودين دولي ما زال منخفضًا، على الرغم من أن العجز العام البالغ 15 في المئة منالناتج المحلي الإجمالي الذي سجلته البلاد في السنوات الأخيرة يمكن أن يكونكارثيًا على المدى المتوسط. وبالتالي، تظل هناك هوامش للمناورة من أجل إصلاحالدولة بعمق".
واختتم موحود حواره قائلا إنه "في حال لميتم تبذير موارد الاقتصاد وتوقف هروب رؤوس الأموال، فقد يكون هناك تحول سياسي سلسيترجم إلى تحول اقتصادي قوي، وقد يُمول بسهولة عن طريق احتياطيات النقد الأجنبيوفوائد مرتبطة بالنتائج المستقبلية وإنشاء صندوق حقيقي. ويوجد فرص حقيقية للإطلاقسياسات إستراتيجية، وتنويعات يمكن أن تلعب فيها الدولة دور منسق، وليس طرفا متدخلامباشرة".
مزيد من التفاصيل