بدأت في الجزائر مواجهة مفتوحة بين القضاة والحكومة، بعد إعلان نقابة القضاة موقفاً تاريخياً بالإضراب المفتوح، على أثر مساس وزير العدل بلقاسم زغماتي بصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، وضرب هيكل النقابة، بعد إجرائه منفرداً أكبر حركة تغيير في سلك القضاء.
وأعلن القضاة، في بيان صدر عن اجتماع عاجل لنقابتهم، اليوم السبت، عن قرارهم بشل المحاكم والدخول في إضراب مفتوح و"توقيف العمل القضائي برمته بدءاً من يوم غد الأحد إلى غاية الاستجابة لمطالب القضاة"، والمتعلقة بوقف قرارات فرضها زغماتي على المجلس الأعلى للقضاء، الخميس.
واعتبر بيان نقابة القضاة أنّ "وزارة العدل انفردت بإعداد الحركة السنوية للقضاة، والتي مست بنحو ثلاثة آلاف قاض، بين نقل إنهاء مهام وإحالة على التقاعد، في خطوة تعد تعدياً من وزارة العدل على صلاحيات المجلس الأعلى للقضاء، الذي يمثل هرم استقلالية السلطة القضائية".
ووصف البيان "ما حدث يوم 24 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بيوم أسود في تاريخ القضاء الجزائري، هدفه ضرب وكسر هياكل النقابة الوطنية للقضاة بنقل أكثر من ثلثي أعضاء مجلسها الوطني ومكتبها التنفيذي الذين يتمتعون بشريعة انتخابية كاملة غير منقوصة".
وكان وزير العدل الجزائري قد أشرف، الخميس الماضي، على أكبر حركة تغيير في سلك القضاء تجرى دفعة واحدة في تاريخ القضاء الجزائري، مست 2998 قاضياً، أقرها المجلس الأعلى للقضاء الذي يعد وزير العدل رئيساً له بصفته عضوا في الحكومة، برغم أنّ ذلك يشكل تداخلاً لافتاً بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ويقلل من استقلالية القضاء.
وشكك البيان التاريخي لنقابة القضاة في "طريقة إعداد الحركة"، والتي قالت إنّها تمت في "غرف مغلقة مستغلة الدور الشكلي الذي يقوم به المجلس منذ سنوات، ما يعني تكريساً لهيمنة الجهاز التنفيذي على دواليب السلطة في الجزائر". وأضاف أنّ "التطورات الأخيرة التي مست القضاء أظهرت نية مبيتة للسلطة التنفيذية في عدم تكريس مقومات استقلالية القضاء وضربها عرض الحائط".
وانتقد اعتماد وزير العدل على "تسويق إعلامي لحركة التغيير (في سلك القضاة) على أنها تدخل في إطار حملة مكافحة الفساد"، موضحاً أنّها "مغالطات على اعتبار أن المشكل أعمق من المعالجة بمجزرة طاولت القضاة وعائلاتهم بعملية تدوير عشوائية وانتقائية وانتقامية وغير مدروسة".
وهذه هي المرة الثانية التي يتخذ فيها القضاة موقفاً تاريخياً دفاعاً عن استقلالية العدالة، بعد مسيرتهم التاريخية في السابع مارس/ آذار الماضي، ورفضهم الإشراف على الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 إبريل/ نيسان الماضي، قبل إلغائها لاحقاً.
وتوجهت نقابة القضاة إلى وزير العدل زميلهم السابق، بضرورة "الكف عن تعامله المتعالي مع القضاة وممثليهم، لأن القضاة ليسوا قطيعا يساق بهذه المهانة والإدعاء بتطهير القضاء، وتصنيف قضاته بصورة مشينة تنطوي على نرجسية مرضية يتعين علاجها".
وحرص بيان نقابة القضاة على الدعوة مجدداً إلى الفصل التام بين المؤسسة القضائية والسلطة التنفيذية، ومراجعة النصوص القانونية الحالية التي يعتبر القضاة أنها "تكرس هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وكذا "تجميد الحركة في سلك القضاة السنوية إلى غاية إعادة دراستها بصورة قانونية وموضوعية من طرف المجلس الأعلى للقضاء بعد استرجاعه صلاحياته المسلوبة".
وينسف بيان نقابة القضاة مزاعم الحكومة بتحرير القضاء والمؤسسة العدلية، ويؤكد شكوك ومواقف قوى المعارضة والقوى المدنية باستمرار السلطة في استغلال واستخدم العدالة في سياقات سياسية وملاحقة معارضين وتوظيفها سياسياً، كما يفتح هذا الموقف المتطور باب المواجهة بين القضاة والحكومة في ظرف سياسي حرج، سبقه بيوم واحد عودة المحامين إلى الشارع للاحتجاج على توظيف السلطة للعدالة، والضغط بها على الناشطين في الحراك الشعبي.
وفور نهاية الاجتماع نظم القضاة اعتصاماً داخل مقر النقابة، ورددوا هتافات مناوئة للحكومة ومطالبة بتحرير العدالة، ومنها "عدالة حرية ديمقراطية"، كما رفعوا العلم الوطني.
مزيد من التفاصيل