انتقدت الجزائر، اليوم الأربعاء، الحكومة الفرنسية، على خلفية صفقة تبادل المختطفين بمتشددين في مالي قبل أسبوعين، بعد أن نجحت مصالح الاستخبارات الجزائرية في إلقاء القبض على من تعتبره "إرهابيا جزائريا" كان ضمن دفعة المتشددين الذين أفرج عنهم في مالي، في إطار صفقة صوفي بترونين بين فرنسا وتنظيم "أنصار الدين".
وأعلنت وزارة الدفاع الوطني، في بيان، أن مصالح الأمن التابعة لها ألقت في منطقة تلمسان، أقصى غرب الجزائر، القبض على المتشدد مصطفى درار، وأن العملية "تمت بفضل الاستغلال الأمثل للمعلومات، وبعد مراقبة ومتابعة مستمرة للمعني منذ دخوله عبر الحدود الوطنية إلى غاية جمع واستكمال المعلومات حول تحركاته المشبوهة".
ولمح البيان في هذا السياق إلى أن مصالح الأمن كانت تتابع تنقل درار، وكانت تراقب تحركاته منذ دخوله الجزائر قادما من منطقة شمال مالي، وانتقاله إلى أقصى الغرب الجزائري، على مسافة تفوق الألفي كيلومتر.
وذكر البيان أن المتشدد المفرج عنه، الذي نشرت الوزارة صورا له على موقعها الرسمي، "التحق بالجماعات الإرهابية سنة 2012، تم إطلاق سراحه بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بمالي، بعد مفاوضات قامت بها أطراف أجنبية، وأسفرت عن إبرام صفقة تم بموجبها إطلاق سراح أكثر من 200 إرهابي، ودفع فدية مالية معتبرة للجماعات الإرهابية مقابل الإفراج عن ثلاثة رهائن أوروبيين"، وذلك في إشارة إلى الصفقة التي تمت بين السلطات الفرنسية وتنظيم "أنصار الدين" الموالي لتنظيم "القاعدة"، والمتمركز في شمال مالي، والتي أثير حولها جدل كبير ومخاوف جدية في الجزائر.
ومن شأن توقيف درار أن يوفر معلومات مهمة لجهاز الأمن الجزائري حول نقاط تمركز المجموعات المتشددة في شمال مالي وتسليحها وشبكاتها التي تمولها بالمؤونة والمعلومات في المنطقة.
وهاجم البيان سلوك الحكومة الفرنسية، ووصف مفاوضاتها مع التنظيم المتشدد ودفع فدية لصالحه بـ"التصرفات غير المقبولة والمنافية للقرارات الأممية التي تجرّم دفع الفدية للجماعات الإرهابية"، واتهم باريس بأنها "تعرقل الجهود المبذولة قصد مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله"، وخاصة أن الجزائر ظلت تقود منذ عام 2011 حملة دولية لتجريم دفع الفديات للجماعات الإرهابية مقابل الإفراج عن رهائن، توجت بمصادقة مجلس الأمن الدولي، في مارس/ آذار 2014، على لائحة تقدمت بها الجزائر في مجال مكافحة ظاهرة الاختطافات مقابل دفع الفدية، التي تقوم بها مجموعات مسلحة، بهدف "حرمان الإرهابيين من الاستفادة من عوائد الفدية لتمويل أنشطتهم الإجرامية، كما تتضمن المذكرة جملة من التوصيات والتدابير الاستباقية لمنع حدوث ذلك، كتوفير تحذيرات سفر محدثة ومعلومات أخرى تحدد المناطق العالية المخاطر، وتحديد وحماية المستهدفين المحتملين من الإرهاب، والتواصل مع أرباب العمل الخواص والموظفين ذوي العلاقة بشأن مخاطر الاختطاف طلبا للفدية".
ويعد بيان وزارة الدفاع الجزائرية، اليوم الأربعاء، أول إدانة رسمية لفرنسا، وخاصة أنه ينطوي على مخاطر وتهديدات أمنية جدية بالنسبة للجزائر، لكون التنظيم المتشدد، الذي يضم عددا من العناصر الجزائرية، يتمركز في منطقة قريبة من الحدود الجزائرية، وإعادة تعزيز صفوفه بـ200 عنصر من المتشددين المفرج عنهم، وبما يقارب التسعة ملايين يورو، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، يوفر له قدرات بشرية لاستهداف المصالح الجزائرية، وإمكانات مالية لتجهيز وتسليح نفسه وشراء أسلحة من ليبيا تحديدا، ما يشكل تهديدات وانشغالا أمنيا كبيرا للجزائر.
وتستند المخاوف الجزائرية من الصفقة الفرنسية الأخيرة في مالي إلى عدة اعتبارات ووقائع، بينها أن آخر تفجير انتحاري استهدف ثكنة للجيش في بلدة تيمياوين على نقطة الحدود مع شمال مالي، كان بسيارة قادمة من تلك المنطقة، وكذا إلى تحقيقات سابقة أثبتت أن الفدية التي دفعتها ألمانيا ودول أوروبية لصالح تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لاجل تحرير 33 من السياح الألمان عام 2003، استخدمت في تمويل وتجهيز سلسلة العمليات الانتحارية التي شهدتها الجزائر عام 2007، والتي استهدفت مقر قصر الحكومة وممثلية الأمم المتحدة ومقر المجلس الدستوري، ومراكز أمنية وعسكرية في العاصمة، وعدة مدن شرقي وجنوبي الجزائر.
وقبل أيام كان متشدد ثان قد سلم نفسه لقوات الجيش في منطقة تمنراست، أقصى جنوبي الجزائر وقرب الحدود مع منطقة شمال مالي، ويتعلق الأمر بالمسمى إدريسي أحمد بن إدريسي، الذي التحق بالجماعات المتشددة سنة 2009.
كما سلم متشدد للجيش بندقية نصف آلية من نوع سيمونوف، وكمية من الذخيرة كانت بحوزته.
وذكر بيان لوزارة الدفاع أن هذه العملية تأتي ضمن نتائج تؤكد فعالية المقاربة التي تعتمدها للجيش قصد القضاء على ظاهرة الإرهاب واستتباب الأمن والطمأنينة عبر كامل التراب الوطني.
مزيد من التفاصيل