نشر موقع "ذا هيل" مقالالجون أولترمان مدير برنامج الشرق الأوسط في المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية،جاء فيه أن الولايات المتحدة تحاول موازنة موقفها من الشرق الأوسط منذ عقد. فهيخائفة من فقدان الجنود وتضييع المال في المنطقة التي لا تزال مشاكلها قائمة.
ومع ذلك فأمريكا لا تستطيع التخلي عن الشرقالأوسط. فحفاظ الولايات المتحدة على وجودها في المنطقة ليس نابعا من الحنينلحلفائها وشركائها ولا بسبب الكسل. ولكن لأن المنطقة لا تزال جزءا مهما من الاقتصادالعالمي. فالعنف فيها سواء ارتكبته الدول أو اللاعبون غير الدول كفيل بهز العالمفي العمق.
ولهذا السبب تحتفظ الولايات المتحدةبآلاف من الجنود الأمريكيين الموزعين بالمنطقة مع عدد من القواعد العسكرية،بالإضافة إلى آلاف من الدبلوماسيين الأمريكيين وعمال الإغاثة ومسؤولي الاستخباراتوخبراء المالية. ومع ذلك تواجه أمريكا تحديا كبيرا: كيف تحمي مصالحها في منطقة عندمايعتقد العالم أن أمريكا تقف على باب الخروج؟
ورغم تحول آسيا في السنوات المقبلةلمركز الاهتمام الأمريكي إلا أن الشرق الأوسط سيظل مهما لها ولكن بدون قدرة علىتأمين أو توسيع مصالحها فيه. ويقولأولترمان إن هناك عددا من الطرق الجذابة ولكنها ليست قابلة للتطبيق. أحدها، الخروجمن الشرق الأوسط جملة وتفصيلا بشكل يجعل الشركاء فيه يعرفون حجمهم ومحدودية قوتهم.ولدى هذا الخيار الكثير من المنطق، فهو يقلل من الثمن المباشر الذي ستدفعه أمريكاويحررها من عدة نزاعات لم تكن قادرة على حلها. ولم تستطع الدول الأخرى حلها، ولكنعمل هذا لا يعني أن النزاع قد انتهى وربما تحول للأسوأ.
كما أن الشركاء والحلفاء في المنطقةممن يشعرون بالخوف عندما تغيب أمريكا قد يحاولون تعزيز أمنهم. وفي بعض الحالات قديبحثون عن طرق لإرضاء أعداء أمريكا. فهذه وبدون وجود قوي بالمنطقة ستواجه أعداء فيداخلها وخارجها. ومن مصلحة الولايات المتحدة بقاءهم في حالة ضعف، خاصة أن بعضالدول الأخرى ستحاول متابعة مصالحها، وبوجود ضعيف فلن يكون لواشنطن القدرة علىإسماع صوتها.
اقرأ أيضا: جذور ودواعي الانشغال الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط
وفي بعض الحالات قد يشن حلفاء أمريكا"حروبا غبية"، وفي أثناء تعلمهم من الأخطاء يقعون في المستنقع بل وأسوأمن هذا. وكمثال على هذا الحرب التي مضى عليها ستة أعوام في اليمن والتي بدأتهاالسعودية كحرب سريعة وهي غير قادرة على التحلل منها الآن. وربما كلفت الحرب السعودية100 مليار دولار أمريكي وحوالي 100 ألف يمني. فاستمرار انزلاق اليمن إلى الفوضىيؤثر على أمريكا بطريقة مباشرة وغير مباشرة بسبب تهديد الحرب للملاحة الدوليةومخاطر الإرهاب. ولو سلمنا أن السعودية ستتعلم من الدروس، فهذا لن يحمي الولاياتالمتحدة من الأضرار الجانبية عندما تحدث أخطاء.
أما المدخل الثاني، فهو تسليمالمسؤولية لقوة أو مجموعة من القوى، وبهذه الطريقة تخلت بريطانيا عن الخليج وسلمتهللولايات المتحدة في 1970. لكن لا توجد قوة أو مجموعة من الدول مستعدة لحمل الرايةوتسلمها من الولايات المتحدة. فأوروبا مجموعة ضعيفة من الناحية العسكرية وهيأضعف على مستوى الدول.
كما أن أمن المنطقة يظل بعيدا عن قدرةالهند ومصالحها رغم ملايين الهنود العاملين في المنطقة، بالإضافة للمصالح التجاريةالمتبادلة والتي تصل إلى 150 مليار دولار في السنة. وبالمقابل، فقدرات اليابانوكوريا الجنوبية وأستراليا محدودة وهي منشغلة بالدور المتصاعد للصين في آسيا.وتتراجع قائمة الدول المرشحة بعد هذا سريعا. وفي غياب الخيار الجيد، فأحسن ما تقومبعمله الولايات المتحدة هو البقاء لفترة ما، هذا إن فعلت أربعة أشياء لتحقيقالنجاح.
الأمر الأول، وهو أن الكثيرين ينظرون إلىأمريكا كقوة متلاشية إلا أن قوتها تتفوق على قوة الدول الأخرى بالمنطقة، صحيح أنزيارة الوفود الصينية والروسية تحظى بتغطية واسعة إلا أن لدى الولايات المتحدةالكثير من الوسائل الدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية التي لا تتوفر لأي منافسلها، هذا إذا أضفنا القوة الاقتصادية العالمية التي لا تضاهى. وتحاول الصين تعزيزالشركات المملوكة من الدولة لكي تخدم إستراتيجيتها، ولكنها ليست بديلا عن أمريكاولا تريد الصين أن تكون هكذا.
أما الأمر الثاني، فهو الاستثمار بنجاحالشركاء في المنطقة، مما يعني المساعدة في تحسين التعليم والتدريب، وهذا مهم فيوقت تحاول فيه هذه الدول الشريكة تنويع اقتصادها. كما ويجب مساعدة الشركاء فيتحسين أداء حكوماتهم وقواتهم العسكرية. والفهم المتزايد في دول المنطقة أن عصرالنفط يقترب من نهايته وعليها التكيف في كل المجالات. ولدى الولايات المتحدة مصلحةفي التحول وكلما تعاونت فيه كلما أعادت أمريكا ترتيب علاقاتها بناء عليه.
الأمر الثالث أن على الولايات المتحدةتركيز الانتباه على تنسيق النشاطات مع الدول القريبة منها. وهناك الكثير منهاوتتطلع إلى الدور القيادي لأمريكا. وقدرة هذه على تنظيم نشاطات متعددة تتفوق علىأي دولة في العالم. وعليها استخدام العقد المقبل أو أكثر للتركيز على أهميةالنشاطات المشتركة، وبشكل حقيقي وتحمل العبء المشترك بين كل المشاركين.
الأمر الرابع، هو منح الأولويةللعلاقات مع المنطقة والتفريق بين الدول التي لدى أمريكا مصالح فيها وتلك التي لمتعد مهتمة بها. والتفريق بين ما هو جوهري وهامشي يساعد واشنطن على قطع الاستثماراتفي الدول الهامشية التي ستحاول أن تكون ضمن مجموعة الدول الجوهرية للمصالحالأمريكية. وسيظل الشرق الأوسط مهما للإستراتيجية الأمريكية في الأعوام المقبلة،لكن التوجه نحو آسيا يعطي صورة عن الانتقائية التي ستمارسها أمريكا في وجودهابالمنطقة.
مزيد من التفاصيل