لماذا يتهرب الرئيس الأميركي
جو بايدن من مطالبة اسرائيل بوقف الحرب على غ
زة وهو قادر على ذلك؟ سؤال محيّر مع أنه هناك شبه إجماع في واشنطن على وجوب المسارعة بهذه الخطوة، باستثناء غلاة اليمين السياسي والإعلامي والتبشيري الديني مثل نائب الرئيس السابق
مايك بنس، الذي طلع أمس ببيان يحمل فيه على بايدن لتقصيره في حماية اسرائيل! فهذه الأخيرة تمادت في العدوان الذي بات تسويقه متعذراً.
معزوفة "اسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها " صارت استفزازية في ضوء الخراب والدمار الذي أنزلته آلتها الحربية في القطاع. وحتى الإدارة خففت من استعمالها. فهي أصبحت مبتذلة بعد الذي نجم عن العمليات من فتك بالمدنيين والأطفال وضرب المؤسسات الصحية والمدنية والمناطق السكنية وحتى مكاتب وسائل الإعلام في غزة. الصور التي تنقلها الشاشة بصورة دورية جعلت محاولات التبرير والدفاع عن حرب اسرائيل منفّرة ولم يعد من السهل تغليف العدوان "بحق الدفاع".
لكن مع ذلك لم يتزحزح البيت حتى الآن عن تهاونه ومماطلته بموضوع وقف النار. بدأ بالدعوة إلى "خفض التصعيد" من الجانبين. ثم مع احتدام العدوان انتقل إلى "حث" اسرائيل على التجاوب مع وقف النار. ثم بعد خراب البصرة صحا على "دعم" فكرة وقف النار دون أن يضعها في صيغة مطلب عاجل، على أساس أنه لم يرَ في عمليات اسرائيل العسكرية "رد فعل زائد على اللزوم "!
لكن لا عجب. فمن البداية وهو يدور حول الموضوع متحاشياً الدعوة الصريحة إلى وجوب وقف القتال وذلك رغم المطالبات التي انهالت عليه وخصوصا من حزبه في مجلسي الكونغرس النواب والشيوخ. ناهيك عن الإلحاح العام في هذا الخصوص والذي شاركت فيه نخب ووسائل إعلام ومسؤولين سابقين أبدوا استغرابهم من تلكؤ الرئيس في بق البحصة لوقف آلة القتل والتدمير والذي صار مطلبا دولياً. وكما قال أحدهم إنه لو كان الرئيس ترامب هو الذي يتعامل بهذا الشكل مع الأزمة لكان الأمر مفهوماً لأنه كان على المكشوف يعطي شيكاً على بياض لإسرائيل. لكن أن يعطي الرئيس بايدن نفس الشيك لنتنياهو بهذه الصورة الملتوية، مسألة أثارت الكثير من التساؤلات والريبة واحتار المراقبون في تفسيرها، خاصة وأنه سبق وميّز نفسه عن سلفه وقدّم حاله على أنه "صانع سلام" وحريص على تصحيح العلاقات مع الجانب الفلسطيني.
ثمة تعليل بأنه تهاون في وقف النار لحسابات سياسية داخلية، بحيث لا يظهر وكأنه سارع إلى موضوع وقف النار تلبية لطلب "يسار" الحزب الديمقراطي في الكونغرس وبما يزيد من العقبات في طريق أجندته المحلية. لكن انضمام المزيد من المعتدلين الديمقراطيين إلى فريق المطالبين بوقف النار، يعزز استبعاد هذا السبب. الاحتمال الثاني، أنه اختار التأجيل من البداية لإعطاء اسرائيل الوقت الكافي لتعميق الضربة ثم اضطر إلى التجاوب مع تحايلات نتنياهو بزعم أن المهمة يلزمها وقت إضافي لتدمير كامل ترسانة الصواريخ لدى "حماس".
وفي تحليل آخر أن إطالة المدة استلزمها فشل العملية العسكرية في إسكات نيران غزة بالرغم من كل القصف الذي تعرضت له. وفي آخر الاجتهادات أن نتنياهو يعمل لتأخير القتال لغاية انتهاء الفترة القانونية الممنوحة لخصمه يائير لابيد لتشكيل الحومة الاسرائيلية وبما يؤدي إلى إعادة تكليفه أي نتنياهو، من جديد بهذه المهمة التي يتطلع إلى تحقيقها كمخرج ينقذه من أحكام قضائية في قضايا فساد قد تقوده إلى السجن.
وإذا كان من غير المرجح أن تكون مثل هذه الحيلة قد انطلت على البيت الأبيض، إلا انه ليس من المستبعد أن يكون في تأجيل وقف النار تلاقي مصالح لجهة أن تأجيج الحرب يبعث برسالة إلى إيران بأنه لا يسعها التعويل بعد الآن على أذرعها في المنطقة لتحسين وضعها التفاوضي حول ملفها النووي.
محاولات تفسير تردد بايدن غير المتوقع، كثيرة من دون أن تكون بالضرورة مصيبة. حوافزه وحساباته ما زالت غامضة وأثارت تساؤلات حتى في صفوف أنصاره. لكن الثابت فيها أنها قادت إلى موقف بقطع النظر عن حيثياته، يقع في خانة التواطؤ. تخريب إدارته على مجلس الأمن الدولي كي لا يتولى أمر الحرب وتصويتها لوحدها في جلسته ضد 14، دليل آخر على عدم تمايزها عن غيرها، حتى الآن.
مزيد من التفاصيل